|
نظرة حداثية في نشأة الدين (2) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
هل من حل لمسألة وجود الإنسان عبر الفلسفة؟ هل من سبيل للخلاص عبر العقل وحده؟ لقد حاول الإنسان سبل الخلاص عبر السحر والأساطير وعبادة الأوثان فظهرت حكمة مصر القديمة وحكمة بابل القديمة في خليط من الأوثان والتوحيد دون أن يصل لبر الأمان بالرغم من التقدم الكبير الذي حققه في بناء الحضارة مثل حضارة مصر القديمة. إن أكثر ما ميز حكمة مصر القديمة هو تطورها بظهور مفهومين تركا أثراً عميقاً في تاريخ البشر هما الأخلاق والحياة الأخرى. وهل التاريخ إلا محاولات متكررة غير ناضجة من أجل الخلاص عبر تأسيس عصر الضمير والأخلاق (الدين القيم)، القيم المطلقة، حتى ظهرت أديان التوحيد فأعطت القيم بعداً مقدساً. بقدر ما تشددت المسيحية في حاجات الفطرة الجسدية كان الإسلام متساهلاً ومتفهماً لحكم الضرورة وواقع الناس فقام وسطاً بين اليهودية والمسيحية. لقد عاصر إزدهار مصر القديمة وحضارة وادي النيل عصر صعود نجم دين التوحيد الإبراهيمي اليهودي والذي ركز على الأخلاق أكثر من التركيز على الحياة الأخرى. لقد سبقت مصر القديمة العالم في هذين المبدأين المهمين في الفكر الديني (الأخلاق والحياة الأخرى). قيل قديماً ان الجنة التي كان فيها آدم وحواء كانت في بلاد ما بين النهرين وان اول حضارة مزدهرة، برزت هناك وهذا قول ثبت خطأه، إذ أن أول حضارة ظهرت كانت في ودي النيل. واقدم بحث عرف عن الحق والباطل في تاريخ الإنسان عثر عليه في ثنايا مسرحية منفية (من منف) ويرجع تاريخها إلى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد. (جيمس هنري برستيد – فجر الضمير – 38). نعم لقد اهتم البابليون بالنجوم كنوع من توجههم نحو السماء فقدسوها ودرسوها، حتى شكّلت عنصر اساسي في عقيدتهم حول مصدر الكون والقوة التي تسيطر عليه وتسيره وتطوره ولكنهم لم يركزوا على الأخلاق وقيم العدل، بينما كانت الشمس الواحدة هي رمز الخلود والتوحيد في مصر القديمة وكما ذكرنا، في مصر القديمة ظهرت فكرة الأخلاق والعدل والتوحيد في مظاهره الأولية. لقد ظل الإنسان طوال تاريخه يسأل عن مصيره بعد الموت، ويسأل عن من أين اتى هذا العالم العريض المعقد المنظم، وكيف تكونت الارض واكتسبت الحياة. واسئلة نظرية اخرى مثل العلاقة بين الارادة والقدر والعلاقة بين الروح (او الوعي) والمادة. او بين الوعي الاجتماعي والوجود الاجتماعي. وبتطور الزمان تمايزت الصفوف والمواقف وظهرت بالتجربة حقيقة العالم المزدوج (الغيب والشهادة) والإنسان المزدوج (الروح والجسد). واتضحت فكرة خلود النفس وحياة ما بعد الموت. اوضحها الدين وبحث الإنسان وحدسه، وتلك كانت مرحلة اولى. وفي مرحلة لاحقة، والإنسان يصارع قوى الطبيعة وظواهرها التي لم يكن يفهمها، بدأ الإنسان يتجاوز تقديس الظواهر ويؤمن بوجود قوى غيبية تدبر امر هذه الظواهر، ثم بدأ الإنسان يميز بين الخير والشر وبدأ يوقن بوجود قانون عادل يكتنف هذا الوجود ينصف المظلوم ويعاقب الظالم، يجازي المحسن والمسيء كل بحسب عمله. وهو في سبيل بحثه ذاك بدأ الإنسان يؤمن بوجود كائن او كائنات اكثر قدرة منه سماها آلهة لكنه عبدها على صورة بشر وآمن بوجود ارواح مفارقة للاجساد. كل ما سبق لم يتم بمجهود الإنسان وحده وإنما كذلك بأقدار غيبية وخطط، ولكن بسبب الجهل الكبير الذي كان يعيش فيه البشر تحولت تلك الاستنارات إلى خرافات واساطير واصنام وعبادة للكواكب. ثم بعد ذلك، وكما ذكرنا، وفي مرحلة لاحقة وبعد ان وصلت البشرية إلى مستوى معقول من التطور، ظهرت اديان التوحيد والتي قامت على السؤال الاول: من خلق العالم؟ لتعطي الاجابة: انه الله وبدأ دين التوحيد لاحقاً بالشك المنهجي الذي بدأه ابراهيم الخليل. فشك في كل ما كان يعبده قومه، وشك في الوهية القمر والوهية الشمس والوهية الاصنام، ثم توجه إلى التجريد فآمن بإله غيب فطر السموات والارض. وبذا أسس إبراهيم القاعدة التي قامت عليها أديان التوحيد الإبراهيمي. لقد أسس إبراهيم للشك المنهجي في المعرفة بمثل ما أسس للإيمان القائم على العقل. أعلنت أديان التوحيد في بساطة بأن الحل في جذوره في السماء وفي عالم الغيب عبر الإعلان اليهودي التوحيدي. تقول الشما اليهودية "اسمع يا إسرائيل الرب إله واحد". ثم ظهرت الفلسفة العقلية عند الإغريق، التي كانت بداياتها قد عاصرت نهايات العصر الذهبي للملكة اليهودية (أيام داؤود وسليمان الحكيم) وكذلك عاصرت نهايات الدولة المصرية القديمة، ولقد أفادت فلسفة الإغريق من اليهودية القديمة ومن مصر القديمة. وتلك كانت محاولة من البشر للإستفادة من كل الميراث الديني والعقلي للبشر لبناء نسق فكري عقلي يقدم إجابات لكل الأسئلة التي تجول بخاطر الإنسان. وقد واكب كل ذلك حركات دينية واجتماعية ظهر معظمها في منطقة الشرق الأوسط وحولها وحول حوض البحر الأبيض المتوسط. وسبق كل ذلك فلسفة الهند القديمة والهندوسية وكانت أميل للفلسفة الدينية منها للدين. كما ظهرت في الشرق الأقصى البوذية والكونفوشية والتي تعرف بحكمة الشرق القديم والتي كانت توجه باطني يوازن التوجه الظاهري لفلسفة الإغريق. وقد اهتمت حضارات الشرق الأقصى بالإنسان ونفسه وسلوكه ومشاكله وركّزت حضارات الشرق الأوسط على الباطن والغيب والسماويات وما بعد الموت سواء روحانيات او نجوم ظنوها السماء. بينما ركّزت حضارة الإغريق على العالم الخارجي المادي وبحثت فيه لتتعقله. كلاهما، تطور الفلسفة وتطور أديان الشرق كانت عملية واضحة تمت في حقبة محورية توجت بمجيء المسيح (ع). نلاحظ تطور الأفكار الدينية والمذاهب الفلسفية في شكل هرمي قاعدته شملت كل العالم القديم وقمته كانت في ظهور السيد المسيح. وكذلك نلاحظ ان هذا الهرم قد اعيد تشييده مرة اخرى في حقبة جديدة بدأت بظهور الإسلام بحضارته وظهر فيها الغرب بعد الإصلاح الديني والتنوير والنهضة لكي يتوج كل ذلك مرة اخرى بالظهور الثاني للمسيح. فالتاريخ يعيد نفسه ولا يعيد نفسه. ولقد لاحظ الكثير من الباحثين في علوم التاريخ وحركته (على رأسهم أرنولد توينبي) بأن الحقبة الحالية التي نعيش فيها اليوم هي كذلك حقبة محورية تشبه الحقبة التي ظهر فيها السيد المسيح قبل ألفي عام. فهل نفهم من ذلك بأننا على أعتاب ثورة مسيحوية مهدوية في قرننا هذا الحادي والعشرين؟ ربما، والله أعلم. عبد المؤمن إبراهيم
|
|
|
|
|
|