|
التصوف وكمال الوجود الإنساني بقلم عبد المؤمن إبرهيم أحمد
|
الفكر مجرد آلية من آليات الوجود وأحد كلياته وماهيته، فعندما تنغمس في التفكير تحبس نفسك في جزء من وجودك، غير أني أرى أن في هذا الإنغماس نفسه تذوق معنى الوجود. ذلك لأن الوجود الباطني أغنى وأوسع من الوجود الخارجي في حقيقته. كان الحل الوجودي عند هيجل هو ان يصوغ نظرية جامعة "الخطوة الأولى هي الإفتراض بأن مجموع الحقيقة كلها هو واحد" وهو بالطبع وجود باطني لديه أسماه الفكرة. هيجل يقول بأن الهيولي لم تكن أولية لإتخاذها نقطة انطلاق للإستنتاج. إن فعم stuff العالم ليس مادة... لوحدها. إن فعم العالم هو ذهني كلي أو روحي بقدر ما كان بركلي يعتقد. إنه يتألف من الفكر ولا شئ غير الفكر" . فأساس الوجود فكرة تسعى للتجسيد ولكن نضيف بأنه لا بد وأن وراء الفكرة احساس وشعور وعاطفة وارادة (وراءه ذات مريدة). بالطبع لقد وضح الآن أن المادة الصلبة ما هي إلا موجة أو طاقة أو ربما جاز لنا القول إنها وجود واعي يقع بين المادة واللامادة. هذا ما كشفته العلوم وما لم يكن يعرفه هيجل في زمانه. بينما حاول هيجل أن يفسر العالم ويصوغ نظرية للوجود كله، نجد أن كيركقارد يقول ليس المهم أن نفسر الأشياء إنما أن نعيشها هو المهم؛ بينما يرى ماركس أن تغييرها هو الأهم، كما أشرنا سابقاً. ومن هنا نفهم أن الفيلسوف الوجودي لا يدعي إدراك الحقيقة الموضوعية الكلية وإنما يعترف بأن حقيقته هي تجربته الجزئية الشخصية المحدودة، فالإنسان يلاقي حقيقته فرداً. ولا يهمه إلا وجوده الشخصي الذي يتحقق من خلال علاقته بذاته وبموضوع إيمانه. فالحقيقة عند كيركقارد مرتبطة بالذات ومن ثم فهو لا يقبل الحقيقة المذهبية اللازمانية، وفي هذا نقد للمشروع الديني التقليدي وتقديم لمشروع ديني جديد يكون فيه تمييز بين المقيد والمطلق. فيه يدخل الزمان والحال كعنصر فاعل في المشروع الديني. وبذا وبحسب كيركقارد يمكن القول بأن هنالك فلسفات بعدد البشر الموجودين. من مضى ومن سيأتي، وبذا يكون هذا الضرب من التفكير الوجودي تمهيد للروحانية التي تبشر بها ما بعد الحداثة في رفضها للمؤسسة الدينية. وفي هذا تفريد للإيمان. وبذلك تتحول العقيدة إلى واقع وتجربة. وحين ينطبق الواقع والتجربة مع العقيدة تكتمل دائرة الوجود ويختفي الشقاء والعذاب. الذين اهتموا بقضيتهم وأفصحوا عن ذاتهم هم الذين سمّوا فلاسفة. فالفكر الوجودي ممعن في الفردانية والذاتية الوجودية؛ فهو في صوره الإيمانية اقرب للحالة الصوفية. يرى كيركقارد إن المهم هو أن نجعل من الفرد إنساناً وليس أن نعطيه المزيد من المعرفة. وبذا يطرح كيركقارد طريقاً ثالثاً للسعادة الوجودية. إنها سعادة تعبر فوق العقل للتداخل مع الوجود الكلي مجسداً في فردية الفرد. بذلك تكون الفلسفة الوجودية ناقشت حالة الإنسان المستقبلية واستعجلتها لأن في أصل الوجود في الفكر الديني أن يعيش الإنسان الحب والحقيقة، وهو ان يعيش الإنسان الله ويجسد صفات الله في حدود القيد الوجودي لا أن يعرف الله فقط. هو أن يفنى الإنسان في الله، أن يعيش الإنسان نفسه لا أن يعرف نفسه لأنك أن تعيش الشيء أكبر من أن تعرفه وأن تعرفه أكبر من أن تعلمه، لأن عيشك الشيء يتضمن معرفته بينما المعرفة لا تتضمن عيشك له. فالعارف بالله خلاف العارف لله. فالأول عارف بعيشه لله في قلبه وعقله والأخير عارف لله بعقله فقط. فالعيش فيه الإحتكاك والمعاناة والتداخل والإتصال والصحبة والخلة والرفقة. ولكن يقول الوجوديون لا يتم ذلك إلا بالعودة للوجود، والتحرر من المجرد (المجرد عندهم لا يملك صفة الوجود) وبناء على هذا فإن الفكر عندهم يلغي الوجود. يقولون هذا وكأنهم يحرمون الإنسان من واحدة من أعظم صفات العقل وهي التجريد. وهم يقولون ذلك لأنهم يجهلون حقيقة أن جوهر وجود الإنسان وماهيته هي ماهية مجردة من المادة المحسوسة. هم لا يعرفون ذلك.
مكتبة شوقى بدرى(shawgi badri)
اخبار من السودان
|
|
|
|
|
|