|
الوجود الإنساني وجود ناقص (1) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
لا يقبل جاسبرز المذهبية المغلقة التي يوضع فيها كل شيء في موضعه بغض النظر عما يمكن أن ينتج من ذلك من تفلت وجودي وتشتت فكري. وهو يقبل التعارض والتوتر كحالة ضرورية للوجود بدون النظر في أسباب هذا التوتر وهل هو أصالة ضرورية أم ظاهرة عرضية. ولكن ما هو البديل للمذهبية للتغلب على التمزق والفوضى؟ أليس من الطبيعي أن يعمل الفيلسوف على ردم الهوة بين حقيقة الوجود والفكر، وبين الفكر والواقع، وبين الذات والموضوع كما حاول كانط؟ نحن نلاحظ نوع من الثنائية الكثيفة واللطيفة في العقل البشري. فكلما كشفنا عن المعقول ظهر لنا جانب آخر من اللامعقول وكلما وصلنا إلى حقيقة ما، ظهر جانب آخر يقدم لنا بدائل اخرى. فيتساءل الناس ما هذا؟ وكيف هذا؟ بل بجرأة يسألون لماذا هذا؟ هل الوجود هو سلسلة لا تنتهي من المجهولات التي تحتاج لأن تعرف؟ ولكن هنا يكمن سر الحياة ومتعتها اللانهائيه. لعل هذا هو السبب الذي دفع بالوجوديين إلى ترك المطلقات والتركيز على مسألة الوجود. لذا فإن الفلسفة عند جاسبرز هي السبيل الذي يقودنا إلى ذواتنا، إلى ينبوع الحياة الكامن في أعماق وجودنا. لا يفوتنا أن نذكر هنا إن هذه الثنائية التي تحدثنا عنها آنفاً هي جزء أصيل من طبيعة البشر الباطنية المطلقة غير المحدودة. العقل البشري ربما فاتت عليه نقطة الإرتكاز الأولى فصار يدور بدون أن يصل إلى قرار. كذلك الشعور الوجودي لدى البشر يحتاج لأرضية يقف عليها وأوليات، مثله مثل العقل والمنطق والفكر. إذن الفلسفة من منظور وجودي كما هو الحال عند جاسبرز يمكن إعتبارها سعي الإنسان للعودة إلى أصله (نفسه الأصيلة)، إلى قدس أقداسه بالمفهوم الديني؛ إلى قبلته الأولى ونقطة ارتكازه الأولى وبلغة أوضح هي الرجوع إلى الوجود الأصيل المفقود أو العودة إلى الله بالمفهوم الديني المباشر. ولن يتحقق ذلك إلا إذا كافحنا التشتت والتوزع وعدم الحضور الوجودي وجمع الذهن والجسد، جمع إنسان آدم في المكان هنا وفي الزمان الآن. وهذا يعرف بوحدة الروح والجسد. وحدة الأصل والفصل. وحدة الفكر والقول والعمل، ووحدة الإنسان وتوحيده. بالتأمل الفلسفي يشعر الإنسان بإنيته ويشعر بجهله وحاجته لمعرفة ذاته ووجوده، وعندها يشعر الكثيرون بوجود الماوراء أو المتعالي أو المتافيزيقي الذي هو أصله. بالفلسفة نتعلم الحياة ونتعلم ما بعد الحياة، نتعلم الفلسفة الأولى. لكن هل يستطيع العقل وحده أن يخبرنا بوضوح عن هدف الحياة وماهية الخير وماهية الماوراء وما مدى حقيقة وجوده وماهية الحرية؟ هنا لا بد للفلسفة من الإستفادة من تجربة الإنسان الدينية والروحية لكي تكتمل الصورة. الفلسفة تجعل من الإنسان حساساً تجاه الوجود. وقديماً قال أفلاطون إن أكثر الناس يسيرون نياماً، والفيلسوف وحده هو الذي يسير متيقظاً. والتيقظ هو الدهشة الأليمة كما سماها شوبنهور لأن المستيقظ يلاحظ عدم التناسق والانسجام في عالم الإنسان وبين الفكر والوجود، الأمر الذي يسبب الذعر والهَمْ والحصر عند الوجوديين بينما يقود للتسليم والتوكل عند المتدينين. الفيلسوف يلاحظ حجم الخراب الوجودي الذي يعيش فيه البشر. هذا الخراب هو صلب موضوع تأملنا وبحثنا. نحن نقدم له تعليل فلسفي ديني وجودي متعلق بآدم الأول وحواء الأولى، ثم نقدم له حلول روحية فكرية تتعلق بالذكر والفكر والصلاة والتوكل والتعرف على عالم الروح وهزيمة الموت؛ وبذلك ننتصر على الخوف والطمع. بإختصار نتخلص من الخوف لأن الطمع نفسه هو خوفنا من ضياع ما لدينا. إن الوجود لم يكتمل بعد، ويعاني من نقص ما، يشعر به الإنسان في ذاته. بينما النائم (الذي لا يلتفت لسؤال الوجود والحياة) لا يهتم لذلك، أو لا يشعر به أو لا يعرفه. إن الدافع من وراء الفلسفة هو ما نحسه في حياتنا الوجودية من إخفاق وصراع وشرور وألم وملل وسأم وسؤال. وهنا يكمن سبب الحصر والفزع الذي يحس به الوجودي. ولا يوجد علاج لذلك الفزع ولا يوجد تكميل لذلك النقص إلا عبر تأسيس المشروع الديني على قاعدة من العلم والعقل والتجربة الكلية للنوع الإنساني.
مكتبة صلاح الباشا(Abulbasha)
|
|
|
|
|
|