|
الذعر الوجودي وأطراف الوجود بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
كان الشغل الشاغل لبعض الوجوديين هو العدم وإنتهاء الوجود والموت وتحدثوا عن الذعر الفظيع أمام الموت، تعبيراً عن رفض الإنسان للعدم، لأنهم لا يملكون عنصر الإيمان ببعد آخر. عندما يفقد الإنسان ذلك العنصر يصيبه الذعر. حتى مع الإيمان لا تستطيع التخلص الكامل من الذعر وإنما تستطيع السيطرة عليه بترياق الطمأنينة النابع من أحاسيس الإيمان عند الإنسان الذي بطبعه لديه شعور بالخلود الداخلي، وأما من لا يؤمن بوجود داخلي وليس لديه تجربة، أي لا يعرف ذلك الوجود ويعرف فقط الوجود الجسدي، فإنه عندما يفكر في فناء الجسد يفكر في فنائه الكلي. معظم الناس حتى المؤمنين يصيبهم ذلك الذعر لأن المعطيات المادية عن وجود آخر قليلة ولأن أدوات الإنسان الداخلية ضعيفة جداً لدرجة أنها لا تكاد تجد أثراً لأي وجود آخر. وللأسف، كل ظاهرة تظن أنها غير مادية يثبت في النهاية أنها مادية. وعليه يقودنا ذلك للقول بأن ما يعرف بالوجود غير المادي هو في الحقيقة وجود مادي في بعد آخر ولكنه بعيد عن متناول حواسنا الطبيعية ويحتاج لحواس أخرى لإدراكه. ويحتاج للإيمان، لأنه عبر القلب فقط تستطيع التواصل مع ذلك العالم. فالإيمان وإن كان يقوم على الفكر ولكنه ينتهي إلى القلب، خصوصاً الإيمان بالغيب. ولكن هل يكون الفكر مادة والشعور مادة والحب مادة حتى المجرد ذاته هل هو الآخر مادة طالما يمكن تصوره؟ فعالم الخيال هو وجود صور تشبه الصور المادية ويشمل جميع الممكنات. فهل يصح القول بأن هنالك وجود مادي مجسد (في الزمان والمكان) ووجود مادي غير مجسد وغير متحيز (خارج الزمان والمكان). الذعر لدى الوجوديين ناتج من الإنتظار المستمر للمجهول لأنهم يقفون على حافة الشعور الزمني، إذ لم يستغرقهم الواقع بما فيه الكفاية، فيطفوا وعيهم الوجودي على حواف الوجود. وقد قدم الدين حلولاً لذلك بفكرة الإيمان والتوكل والغيرية والتي تقدم حلول لمسألة الحرية والإختيار والعقل ومسألة الآخرين. ظل الإنسان عبر تاريخه يحمل بين طيات وعيه صفحات مجهولة ومناطق مظلمة حيرت فكره. ولم تكن مشكلة الوجود الذاتي قد طرحت في الماضي كما هي عليه الآن عند وجوديي الحداثة بسبب أن الدين في صوره المختلفة كان يملأ فراغ كل من تحدثه نفسه بالبحث في ذات وجوده. ولكن في الزمن الحديث وحين تراجع الدين في عقول مفكري الحداثة ومنظريها صار العديد من الباحثين في أمر الوجود الذاتي غير مكتفين بالأطروحات التي قدمتها أديان ما قبل الحداثة وصاروا مشدودين بين المادية واللادين مثلما الحال عند نيتشه وهيدجر وسارتر من جهة وكيركقارد وجاسبرز من جهة اخرى. عند أولئك الفلاسفة حين أفاق وعيهم القريب من الغيب أصابهم الذعر من وجود لا غيب فيه. وقد تجلى ذلك في الذعر من الموت باعتباره بوابة للعدم. من المفارقات العجيبة أن الدين شدد على القبول الإيماني لعالم آخر يصير إليه الناس بعد الموت لكي يجنب البشر حالة الذعر والخواء وإنعدام الأمل والرجاء والحزن من الموت. الذعر الشديد من الموت ناتج عن الإتجاه الصارخ الذي سارت إليه بعض الفكرة الوجودية في الإنغماس في الفردانية. لو اعترفنا بالماهية المتضمنة لهويتنا فإن ماهيتنا تكون ذاتنا التي تموضع هويتنا ونفسنا وجسدنا. إن هوية الإنسان وماهيته الجوهرية هي وجود مفارق للزمان والمكان. الوعي الإنساني لديه القدرة على التجريد والنظر للنفس ولمسها والإحساس بها بأدوات داخلية خاصة. ربما اختلف الناس في هذه الخاصية واختلفوا في تجربتهم الوجودية.
|
|
|
|
|
|