|
هل اللوم فقط على بناتنا الداعرات بدبي؟ بقلم عثمان محمد حسن
|
توترت جداً.. جدا.. اليوم.. و أنا أتذكر الماضي.. !
فقد تم تعييني مترجماً برتبة ( ضابطً \ مدني) بمكتب وزير الدفاع في رئاسة قوات السلطان المسلحة في فبراير عام 1989 .. و بعد شهرين من استدعاني رائد إلى مكتبه.. ليطلب مني- بكل أدب- أن أجد له ( خادمة) سودانية.. و قبل أن يتم كلامه هِجت فيه بشدة قائلاً :- " ما عندنا في السودان من هن على استعداد للعمل خادمات في أي مكان .. و تحت أي ظرف! " و خرجت دون استئذان.. لحقني في مكتبي بعد دقائق ليعتذر – و العمانيون قوم مهذبون جداً في غير ضعف- و لامني على سوء فهمي لمقصده.. و بدأ يصفني بصفات حميدة يعتقد أنني أتصف بها.. و أضاف أنني- فوق كل تلك الصفات- سوداني!
كانت صفة السوداني أرفع صفة في كل القارات شرقاً و غرباً! و قد أصابني ذاك الرائد العماني في مقتل.. ما دعاني أن أعتذر له عن أي بادرة مني تكون قد ألحقت أذىً به.. و أكدت له أن صفات العمانيين هي نفس صفات السودانيين.. و تصافحنا.. و عادت المياه إلى حيث ظلت تجري..
و أخبرني الأخ المترجم\ حسن وهبي- و هو زميل دراسة بالجامعة من أبناء المسعودية كان يعمل في بلدية مدينة يقال لها ( روي)- أن مسئولاً بريطانياً تحدث أمام جمع من الأجانب عن نُبل السودانيين و طيبة معشرهم و ذلك في إحدى الرحلات الترفيهية للبلدية.. و أن ذاك النُبل و تلك الطيبة يحملان في طياتهما أشرس إنسان متى دعا الداعي الى الشراسة.. و المسئول البريطاني من الأجانب الذين أمضوا في السودان فترة من الزمن..
تذكرت كل ذلك و أنا أقرأ : " تحقيق لصحيفة الرأي العام : الدعارة السودانية بدبي أصبحت الأقذر والأرخص والأكثر انتشارا".. توترتُ.. حوقلتُ.. و عادت بي الذاكرة إلى روايات يرويها البعض في معسكر ( المرتفعة) عن الاجازات و الترفيه و الدعارة.. و أسعار العاهرات في الفلبين و دبي و البحرين.. حسب الجنسية.. و لم تكن الجنسية السودانية ضمن ( المعروضات).. و توترتُ أثناء القراءة لدرجة التوقف لالتقاط النفَس.. " سودانيات يمارسن الرذيلة مع كل الجنسيات بدون تمييز وبأرخص الأسعار.. ونتيجة لذلك أصبح السودانيون بالإمارات مثار سخرية وتهكم الجنسيات الأخرى الذين أصبحوا ينظرون إلينا نظرة احتقار، وأصبحت سمعتنا في الحضيض بعد أن كنا أشرف و أنبل الوافدين العاملين هناك.. " قال سيف الله المسلول \ علي بن أبي طالب- رضي الله عنه:- " لو كان الفقر رجلاً لقتلته.." فالفقر يقتل الشرف في كثير من الأحايين.. فقد ( اغتصب) نظام ( الانقاذ) البلاد في الثلاثين من يونيو و ( مكَّن) محاسيبه و ( همَّش ) باقي السودانيين لدرجة الفقر المدقع.. و ظل توريط السودان في حضيض من العوز و الفاقة طوال ربع قرن من الزمان.. و فاقة كفيلة بدفع ضعاف النفوس إلى القفز فوق القيم و الأخلاق.. خاصة و أن حكومة إنقاذ المحاسيب قد كرَّست ما أزال القيم و نسف الأخلاق حين قننت الفساد عبر منهج ( التمكين) الذي أودى بالخدمة المدنية إلى أسفل سافلين.. و انتهجت فقه الضرورة شعاراً أبرز لتبرير ارتكاب المعاصي و الموبقات.. و كم من زيجات لم تتم بسبب الفقر.. فمراسيم الزواج صارت أشبه بليالي ( ألف ليلة).. و الناس على دين ملوكهم.. و ( ملوكنا) يصرفون ببذخ ( يتبعهم ) في سلوكه المحاسيب.. بالمهور المدفوعة دولارات و أطنانَ ذهبٍ.. و ليالٍ مبالغ في بذخها ما يجعل أغنى أغنياء دول الخليج يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي أضل جبِلاً من مستجدي النعمة في السفه و التطاول على النعِم ( المغتصبة).. ما جعل الشباب يخشى التقدم للزواج.. و البنات يعنسن رغم محاولات ( الانقاذ) تعميم الأعراس الجماعية.. و الأعراس الجماعية تقابلها طلاقات أكثر جراء هروب كثير من الأزواج من مسئولياتهم بسبب الفقر.. طلاقات للغياب أو للإعسار أو خوف الفتنة.. و كلها نتيجة منطقية للتدهور الذي أصاب القيم و الأخلاق بعد التغيير الذي طرأ على معيار العدل و المساواة.. و ربما قاد الطلاق بسبب حوف الفتنة إلى الفتنة ذاتها بالهجرة إلى دبي و غير دبي.. بحثاً عن المال الذي قد يكون وسيلة لسد الحاجة في البدء و سرعان ما يتحول إلى غاية في حد ذاته.. و يدهشني أهل الانقاذ و هم يدافعون عن أفعالهم.. و سياساتهم التي أودت بسمعة الانسان السوداني إلى هذا الحضيض المقرف.. أتعجب و الله العظيم، و أتساءل: كيف ينام المسئولون و هم يعلمون أن " كل نفس ذائقة الموت" و الطريق إلى القبر ليس ببعيد..؟ ألا يرتعدون من خشية الله.. ألا يفكرون في أنه الجبار العنيد..؟ أم أنهم يتأسون بوليد بن يزيد بن معاوية الذي قال مخاطباً القرآن الكريم: " أتهددني بجبارٍ عنيدٍ؟ أنا ذاك جبارٌ عنيدُ.. إذا لاقيت ربَّك يومَ حشرٍ، فقل يا ربّ مزقني الوليدُ".. أم أنهم يرتكبون من المعاصي ما يشاؤون و من ثم يحجون مثنى و رباع و خماس.. و في كل عام حجة بعد ارتكاب المعاصي؟ و في أذهانهم أ " .. الله غفور رحيم"؟ متناسين "... أن الله شديد العقاب" متمسكين بفقه الضرورة.. أحس أحياناً أن ( هؤلاء) لا يخافون الله.. أو يجهلون معنى الاسلام.. و ربما أغواهم الشيطان لولوج عوالم سفلية يحيط بهم الوسواس من كل ناحية.. ف " طغوا في البلاد.. و أكثروا فيها الفساد" إن ما يحدث مسئولية الفسدة المتلحفين بالدين بادعاء ( إنقاذ) السودان.. و يزحمون أجهزة الاعلام ليل نهار بدثار ( تطبيق الشريعة) المفترى عليها، و مسئولية من أتاح السفر بهذا الكم المعيب لأولئك النساء و الفتيات اللواتي لا تحمل من الوثائق ما يبرر خروجها من السودان للعمل أو التجارة.. بل تحمل جسدها لعرضه في سوق الدعارة الدولية.. بالله شوف:- " يعرضن أجسادهن للزبائن علناً دون حياء أو خجل، خاصة السودانيات اللاتي (يقابضن مقابضة) في الزبائن، عكس العاهرات من الجنسيات الأخرى، فهن أكثر حياء من السودانيات، هذا إذا كان للعاهرات حياء أصلاً.. " و شوف كمان:- " والإقبال على العاهرات السودانيات ليس بسبب جمالهن، بل لرخص أسعارهن، التي تتراوح بين : (30 ـ 100) درهم، وتمثل أرخص الأسعار داخل سوق الدعارة بدبي..." و تعال شوف ( الديوث) المتعوس صاحب المواخير اللعينة:- - " هل جئت من السودان خصيصاً لممارسة البغاء في دبي؟ - " أجل. فأنا محتاجة للقروش " - " هل تعرفين صاحب البناية؟" - " أجل وهو سوداني يستلم منا أجرة الغرفة يوماً بيوم. " لن تتصور وقع لا مبالاة ذلك ( القواد) على نفسي.. أنا الذي كنت أغضب إذا رأيت سودانية متزوجة بغير سوداني.. مع أن ذلك من حقها (شرعاً).. لكن لا غرابة طالما ( الانقاذ) أجبرتنا عل نمسك ( دفة) الأمم في كل ما هو حسُن و مشرِّف و نبيل.. صرنا الطيش في الحكم الراشد.. الطيش في الخدمة المدنية.. الطيش.. الطيش.. الطيش.. و النظام ( ما ناقش هو بسوي في شنو) و يطالبنا ب ( لحس الكوع) في كل مرة نطالبه بترك حكمه.. المميت للفضائل و محيي الرذائل.. كي يطرق الشعب السوداني آفاق الأمل في حياة كريمة.. لكنه يصر على إحباط الشعب و دوس كرامته أمام الأمم المتحدة.. بلا حياء..!
لماذا انزلق السودان إلى هذا الدرك السحيق؟ السؤال موجَّه لناس ( لحس الكوع).. ( خُرَّاس) الشريعة الاسلامية من خلف بوابة ( فقه الضرورة).. و العياذ بالحي الذي لا يموت..
وا سوداناه!
منصات حرة مكتبة بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين
|
|
|
|
|
|