|
على الموت السلام! بقلم هاشم كرار
|
نحتفل، بوداع عام، ومجيئ عام، ونحن في خضم احتفالنا، تغيب عنا حقيقة أننا
فقدنا من عمرنا عاما، وما العمر إلا أعواما، أو بقية من أعوام.. بل أيام!
إنني أحزن، ولا أحتفل، في تمام اللحظة الفاصلة بين عامين.
أحزن على العام الذي فات من عمري، وعلى العام الذي حتما- لو عشته- سيفوت، لينقص بالتالي من عمري عمرا.
قال الجاهلي لبيد، : وقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟
كان بن أبي ربيعة العامري، عميد بشريته- بتعبير هذا الزمان- وهو لم يداهمه الزهايمر، ولم يداهم قريحته، حتى وهو في أرذل العمر.
كذب لبيد، والشعراء الذين يكذبون في شعرهم، يأتينا شعرهم في عذوبة رقصة التانغو، وفي عذوبة ريق الحبيبة.
أتخيله لبيد، وقريحته تتدفق بقصيدته التي فيها هذا البيت، لو جاءه ملك الموت، في تلك اللحظة، لكان قد ارتجف، وتوسل إليه ان يأتيه من عمره هو - الموت- عمرا!
أطول ( الكائنات) عمرا، هو الموت. الموت مهمته في هذه الدنيا لا تنتهي إلا بقبض روح آخر الكائنات، في هذه الدنيا، ولا أدري من هو آخر هذي الكائنات، هل هو إنسان ام حيوان، أم نبتة من النباتات، ام جلمود صخر حطه السيل من عل، وكانت لا تزال فيه بقية من روح!
كل الكائنات، تحاول الفرار من الموت، لأن للحياة طعم، ونكهة، ورائحة، حتى وإن طال العمر، وكثرت أسئلة الناس..
الإنسان- من ذكر أو أنثى- كان على مر التاريخ، يتحايل على الموت، وكذا هى بقية الكائنات، لكن حيلة الموت أوسع...
السيل الذي زمجر وسكت، كان ليتمنى لو أنه ظل يزمجر ويقتلع، مادامت السموات والأرضين.. وكذا الكلب الذي عوى، والضفدعة التي نقنقت، والجبل الذي تفتت ذرة من وراء ذرة، وكذا الوردة التي أرسلت آخر بخة من عبيرها، وأسلمت روحها الفاتنة للذبول!
الموت نفسه، أتخيله، وهو يقبض آخر الانفاس بيده الباردة، لتمنى لو أن هذا النفس، كان لا يزال يطلع وينزل ، ليمد له من عمره مدا.
الموت، مع موت كل كائن كان حيا، يموت بعض الشئ، حتى إذا ما مات آخر الكائنات، كان على الموت السلام!
الأعوام- كل عام من بعد عام- تموت، ونحن من فرط غفلتنا بحقيقة الموت، نحتفل بكل عام جديد مصيره الموت في كل نهاية عام!
قيل لفيلسوف: رزقت طفلا، فضحك، ثم بكى.. قيل له مايبكيك، قال : " الآن مات"!
الآن.. العام الذي سنحتفل بمولده بعد أيام.. مات ياصحاب!
|
|
|
|
|
|