|
بمناسبة الذكرى 39 لاستشهاد عمر بنجلون: الطبقة العاملة المغربية، وتحديات الوضعية الراهنة بقلم محمد ا
|
بمناسبة الذكرى 39 لاستشهاد عمر بنجلون: الطبقة العاملة المغربية، وتحديات الوضعية الراهنة.....
محمد الحنفي
mailto:[email protected]@gmail.com
تقديم: في مغزى الاستشهاد، والإحياء: 1) في مفهوم الاستشهاد: إن الاستشهاد في تاريخ الشعوب، يعني: التضحية المطلقة، العطاء المطلق، دخول ميدان الخلود من بابه الواسع، تحول الشهداء إلى رموز للأجيال اللاحقة.
2) في دلالته: وفي الاستشهاد نجد معان لا حدود لها، نجد تجلياتها في الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، المحيطة بعملية الاستشهاد، وفي الصراع بين الطبقات، وفي محاولة الطبقة الحاكمة إسكات الأصوات المعبرة عن إرادة الكادحين، وفي وجود عملاء ينفذون إرادة الحاكمين، في القضاء على رموز حركة التحرر الوطني، كما تجد تجلياتها من جهة أخرى، في تلك التعبئة المنقطعة النظير، للجماهير الشعبية الكادحة، التي تحيط بظروف الاستشهاد، وفي الاستنكار العارم لفعل الاغتيال، بسبب الموقف، أو بسبب التعبير عن الرأي، الذي أصبح مدانا عالميا.
3) في قضية استشهاد عمر بنجلون: وخير مثال يحضرنا في هذه المناسبة، استشهاد أخينا، وقائدنا في الحركة الاتحادية الأصيلة، الشهيد عمر بنجلون، الذي استطاع أن يحقق، في شخصه، ملامح، وسمات القائد الثوري، عن طريق الصراع الديمقراطي، الذي خاضه على مدى عقدين من الزمن، تقريبا، ضد كل اشكال الانحراف السياسي، والنقابي. هذا الصراع، الذي اتخذ له أبعادا تنظيمية، وأيديولوجية، وسياسية:
تنظيمية: لأنه قضى حياته مصارعا، من أجل بناء حزب الطبقة العاملة، كعضو فاعل في الحركة الاتحادية الأصيلة، وكقائد لها.
وأيديولوجية: لأنه، ومنذ اقتناعه بالحركة الاتحادية الأصيلة، وهو يناضل من أجل أن تصبح هذه الحركة ذات مضمون أيديولوجي: اشتراكي علمي، وقد تحقق له ذلك في المؤتمر الاستثنائي، عندما تبنى المؤتمر الأيديولوجية الاشتراكية العلمية، في يناير 1975.
وسياسية: لأنه ناضل ضد كل أشكال التضليل، والتضبيب، والكولسة على الجماهير الشعبية الكادحة. وقد أشار إلى ذلك في تقديمه للتقرير الأيديولوجي، في المؤتمر الاستثنائي، ليبين أن السياسة الحقيقية، هي سياسة الحقيقة، كما يقول الشهيد المهدي بنبركة. فالتضبيب، والتضليل، هما أشد أنواع القمع، لدورهما في جعل الطبقة العاملة، لا تملك وعيها الطبقي. وبناء على ذلك، فدور المناضل التقدمي، والثوري، هو العمل على إزالة التضبيب، ومحاربة التضليل، من أي جهة كان، حتى وإن صدر عن الحركة نفسها. والسبيل إلى ذلك، يكمن في امتلاك نظرية الاشتراكية العلمية، والقدرة على التحليل العلمي، للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي للمجتمع، مجال الحركة، حتى تكون الطبقة العاملة، على علم بتلك الأوضاع، ليتبين لها:
ماذا يجب عمله؟
لتعمل على انتزاع حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لتناضل في وضوح الرؤيا.
4) مفهوم إحياء الذكرى: وإحياء ذكرى الشهيد عمر بنجلون، لم يأت هكذا، من أجل أن نسترجع ذكرياتنا عنه، بل من أجل:
أولا: أن تستلهم من هذه الذكرى، ما يجعلنا نستمر على نهجه في العمل.
ثانيا: أن نستمر في تعميق نظرتنا للاشتراكية العلمية، باعتبارها مصدرا لأيديولوجية الطبقة العاملة.
ثالثا: أن نرتبط بالطبقة العاملة، وبسائر الكادحين، في أفق ما يقتضيه اقتناعنا بالنظرية الاشتراكية العلمية.
رابعا: أن نعمل على معرفتنا بالواقع، معرفة علمية دقيقة، انطلاقا من قناعتنا الاشتراكية العلمية.
5) في دلالة الإحياء: وإحياؤنا لهذه الذكرى ـ كسابقاتها ـ منذ استشهد الشهيد عمر بنجلون، يعني أننا نحن عمر، وأن الطبقة العاملة عمر، وان الكادحين عمر، وأن عمر الرمز، يحضر في نضال الكادحين، بقيادة الطبقة العاملة، التي من أجلها استشهد عمر، لا من أجل شيء آخر، كما يدعي ذلك البعض، الذي يريد أن يستولي على استشهاد الشهيد عمر بنجلون، ويحوله إلى ما يصلح للتوظيف، في أغراض معروفة، عند الشعب المغربي.
6) في الغاية من الإحياء: ولذلك، فإحياؤنا لهذه الذكرى، يهدف إلى المحافظة على ما استشهد من أجله عمر، في بناء الحركة العمالية، على المستوى النقابي، وعلى المستوى السياسي، في جعل الطبقة العاملة قادرة على مواجهة التحديات الكبرى، التي تواجهها وطنيا، وقوميا، وأمميا.
والمحافظة على ما استشهد من أجله عمر، هي مهمة الطبقة العاملة التاريخية، من خلال أدواتها النضالية الجماهيرية، ومن خلال حزبها الثوري، حتى تتحقق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، ويقضي نهائيا، وإلى الأبد، على أساليب الاستغلال الرأسمالي، والرأسمالي التبعي، التي تعمل الرأسمالية، والأمبريالية العالمية، على تكريسها في واقعنا المغربي، كما في الواقع العربي، والإفريقي، والأسيوي، والأمريكي اللاتيني.
7) في اتخاذ هذه المناسبة، وسيلة للوعي بقضايا الكادحين: وكما قال أحد الرفاق، في مناسبة كهذه: (فنحن لا نحيي ذكريات الشهداء للوقوف على الأطلال) كما يفعل البعض، من أجل إفراغ تلك الذكريات من محتواها الطبقي، بل لا بد لنا أن نستحضر في هذه المناسبة ـ كما في غيرها ـ مختلف القضايا، التي تهم الكادحين، كقضية ارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية، وانسداد الآفاق أمام الشباب، العاطل عن العمل بفعل سياسة التجويع والتفقير، التي تنهجها الطبقة الحاكمة.
وأول قضية: يجب أن نستحضرها في هذه المحطة / الذكرى، هي قضية: التشتت على المستوى النقابي، والسياسي، الذي يعاني منه الكادحون، مما يجعلهم ينساقون وراء اليأس من كل شيء.
والقضية الثانية: هي الكولسة على الكادحين، وعدم الوضوح في العلاقة معهم، وعدم اتخاذ مواقف صارمة، في العلاقة مع الطبقة الحاكمة.
والقضية الثالثة: هي ممارسة التضليل، والتضبيب على الكادحين، مما يجعلهم يستمرون في غيبوبتهم، وينساقون في كثير من الأحيان، وراء التيارات الظلامية، نظرا لتدني وعيهم.
ومناقشة هذه القضايا، وغيرها، يحتاج منا إلى عروض، وندوات، تقتضي التفرغ لإنجازها، نظرا لغياب المنابر الإعلامية، المعبرة عن طموحات الكادحين.
8) في ظروف الاستشهاد وظروف الإحياء: والظروف التي أحاطت باستشهاد عمر بنجلون، تتسم بالقمع الشرس، للجماهير الشعبية الكادحة، وبالتراجع الخطير عن العديد من المكتسبات، بعد (الطفرة الفوسفاتية)، ووصول المنظمة النقابية الاتحاد المغربي للشغل، إلى مستوى من التآمر على الشغيلة، يكاد يكون منقطع النظير، ودخول المجتمع العربي في مرحلة الردة القومية، بعد حرب ،1967 وحرب 6 أكتوبر 1973، وإعطاء الضوء الأخضر للقوى الظلامية، من قبل الأنظمة الرجعية، بزعامة النظام السعودي / الوهابي، لكي تلعب دورها في مناهضة قوى التحرر، والتقدم، وفي ملاحقة رموز الحركة التقدمية، وحركة التحرر الوطني، واحتداد الصراع بين الشرق، والغرب، في إطار ما عرف بالحرب الباردة.
وعلى المستوى الخاص، نجد التحول العميق، الذي بدأت تعرفه الحركة الاتحادية الأصيلة، كامتداد لحركة التحرر الوطني، مما ساعد على جعل هذه الحركة، تلعب دورها في رفع وعي الطبقة العاملة، وخاصة بعد المؤتمر الاستثنائي، الذي تبنى فيه الحزب النظرية الاشتراكية العلمية، فكان قرار التخلص من الشهيد عمر بنجلون، الذي تقف وراءه جهات متعددة، أبرزها الجهات الظلامية، الموظفة من قبل الطبقة الحاكمة، ومخابراتها المركزية، وجهات أخرى، كان من المفروض أن تعرف، لو تمت محاكمة الجناة علنا في الوقت المناسب.
وظروف الإحياء، التي نعيشها اليوم، لا تختلف كثيرا عن ظروف الاستشهاد، إلا في المظاهر الخادعة.
فالجماهير الشعبية الكادحة لا زالت تعاني من القمع الشرس، والهجوم على قوتها اليومي، لا زال مستمرا، وبلغ ذروته في عهد الحكومة المخزنية الحالية، وبشراسة أكثر، والقدرة الشرائية للكادحين، أصبحت متدنية، إلى درجة الانعدام، والنقابات لم تعد تقوم بالدور المنوط بها، في قيادة نضالات الكادحين المطلبية، وأصبح التآمر على الكادحين مكشوفا، أمام الجماهير، وفي ظل حكومة ما بعد دستور فاتح يوليوز ،2011 وصار التصدي للفكر الاشتراكي العلمي، من مهام الذين كانوا، ولا زالوا يدعون الحديث باسم الجماهير الشعبية الكادحة، وأصبح الفكر الظلامي، سيد الموقف، في أوساط الكادحين، وأصبحت السيادة للصهيونية، والأمبريالية، بعد غياب القطب الاشتراكي.
وعلى المستوى الخاص، نجد الاستماتة في النضال، من أجل أن تبقى الك.د.ش، إطارا لاستقطاب الشغيلة، وقيادتها في النضال المطلبي، إذا تحررت من الانحراف، ومن العناصر الانحرافية، التي تسيء إليها، أكثر مما تقويها، خاصة، وأن هذه العناصر، لا تهتم إلا باستغلال الك.د.ش، لتحقيق تطلعاتها الطبقية، وسواء تعلق الأمر بالمدى المتوسط، أو البعيد، فإن ممارسات العناصر الانحرافية، التي تتناقض ممارساتها مع مبادئ الك.د.ش، لا بد أن تنكشف إلى الجماهير الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، لأن الشهيد عمر بنجلون، لم يستشهد من أجل انقضاض التحريفيين على النقابة، والعمل النقابي، الذي صار موضوعا للاسترزاق، والابتزاز، كما يتداول ذلك العمال، والأجراء، في العديد من الأقاليم، والفروع. وهو ما يدعو إلى العمل، على أن تستعيد الك.د.ش مبدئيتها، واحترام مبادئها، حتى يتحقق فيها ما من أجله استشهد عمر بنجلون، وحتى لا تتحول، هي بدورها، إلى جهاز بيروقراطي، يحتاج إلى تصحيح، وإلى بديل نقابي، خاصة، وأنها طرحت من بين صفوفها: الفيدرالية، والمنظمة، والكنفيدرالية العامة للشغل (س.ج.ت). وهو ما يعني ضرورة العودة إلى احترام المبادئ، والتخلص من العناصر الانتهازية، التي تسيء إلى العمال، وباقي الأجراء، وباقي الكادحين، وتدوس المبادئ، ولا تكون في ممارستها النقابية مبدئية.
والعمل إلى جانب تقويم الك.د.ش، على أن تتحول باقي المنظمات النقابية، إلى إطارات لممارسة العمل النقابي الصحيح، وفي نفس الوقت، نجد العمل الدؤوب، لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، من خلال مناضليه، من أجل المحافظة على ما حققه الشهيد عمر بنجلون، في إطار الحركة الاتحادية الأصيلة، وجعل الفكر الاشتراكي العلمي، قادرا على التعامل مع الظروف الجديدة، لإنارة الطريق أمام الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة. ولنرجع في هذا الإطار، إلى التقرير السياسي الهام، المقدم أمام المؤتمر الوطني الرابع، لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وإلى بيانه السياسي العام، وإلى مقرراته التنظيمية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتوجيهية.
9) في وضعية الطبقة العاملة، بين ظروف الاستشهاد، وظروف الإحياء: إن محاولة التفريق بين ظروف الاستشهاد، وظروف الإحياء، سيكون من باب التعسف؛ لأن الطبقة العاملة المغربية، وجدت، في الأصل، ليمارس عليها الاستغلال الوحشي. فدخول الاستعمار كان يهدف إلى استغلال عموم الشعب المغربي الكادح، ونهب خيرات الوطن الزراعية، والمعدنية. والبورجوازية التي صنعها الاستعمار بكيفه، تحمل في ذهنها فكرا متخلفا، يستمد قوته من الفكر الإقطاعي، والشبه الإقطاعي، ومن الفكر الاستعماري، والأمبريالي المتخلف، لذلك لا ننتظر من هذه الطبقة، وفي جميع مراحل حكمها، وسيادتها على المجتمع، إلا شراسة الاستغلال، وأكثر من ذلك، فهي تخطط، باستمرار، لتطوير أساليب الاستغلال، والتخلص من قطاعات عريضة من الطبقة العاملة المنظمة، عن طريق خوصصة القطاع الشبه العمومي، والعمومي، والاستفادة من تحديث وسائل الإنتاج، ورفع أسعار المواد المنتجة للزيادة في أرباح المؤسسات المالية الأمبريالية، وأرباحها هي في نفس الوقت.
وكنتيجة لهذه الوضعية، يصبح النضال النقابي الصحيح، والنضال السياسي الصحيح، بعيدا عن التوظيف الانتهازي، وعن المؤسسات المزورة، واردا أكثر من أي وقت مضى، ويصبح التنسيق النقابي، والسياسي، والجماهيري المنظم، في إطار جبهة وطنية، للنضال من اجل الديمقراطية، على أساس برنامج نضالي مستعجل، هو الهدف المنشود تحقيقه، في هذه المرحلة، نظرا لما آلت إليه أو ضاع الجماهير الشعبية الكادحة، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن أجل رفع الحيف، عن هذه الجماهير، وجعلها تستعيد ثقتها بنفسها.
فما هي التحديات التي تحول دون ذلك؟
الطبقة العاملة والتحديات الراهنة:
إن التحديات التي تواجهها الطبقة العاملة كثيرة، وتتبعها يقتضي منا:
أولا: المعرفة بطبيعة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، كمجال للتواجد.
ثانيا: المعرفة العلمية بالطبقة الحاكمة.
ثالثا: المعرفة العلمية بطبيعة الطبقة العاملة، وحلفائها الاستراتيجيين.
رابعا: المعرفة العلمية بالوضعية النقابية على المستوى الوطني، والقومي، والأممي.
خامسا: المعرفة العلمية بالتشكيلة السياسية التي تدعي الوطنية، والتقدمية، وتمثيلية الطبقة العاملة، وسائر الكادحين.
سادسا: المعرفة العلمية بالبرامج النقابية، والحزبية.
سابعا: الوقوف على تجليات الوضعية الراهنة على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
ومعلوم أن كل تمظهر، من تمظهرات هذه المعرفة، يقتضي منا، وحده، مجهودا ضخما، من البحث، والتمحيص، والنقاش، قبل الخروج بالخلاصات المطلوبة حوله.
ولذلك سنكتفي باستعراض بعض التحديات، بناء على معرفتنا العامة بالوضع النقابي، والحزبي، والسياسي، وبوضعية الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، وبناء على تجربتنا البسيطة مع الطبقة العاملة، وعلى قناعتنا بالدور الذي يجب أن يكون لها، في قيادة نضالات الكادحين. ومن هذا المنطلق، سنجد أن أهم التحديات التي تواجهها الطبقة العاملة، في ظل الوضعية الراهنة هي:
1) تحديد مفهوم الطبقة العاملة، وإزالة اللبس عنه:
إن الكثير مما يروج حول هذا المفهوم، يهدف إلى الخلط، والتضليل، الذي يستهدف الكادحين بصفة عامة، والطبقة العاملة بصفة خاصة.
فهناك من يعتبر أن كل من يشتغل مقابل أجر، حتى وإن كان لا ينتج فائض القيمة، يعتبر عاملا، وحسب هذا المفهوم، فالموظفون، والجنود، ورجال القمع، على مختلف أشكالهم، وألوانهم، وكبار الموظفين، ورجالات الدولة، من العمال، لأنهم يشغلون وظيفة مقابل أجر، أو يقومون بعمل أوكل إليهم مقابل أجر. ولذلك، نجد أن بناء النقابات، والأحزاب، انطلاقا من إستراتيجية هذا المفهوم، يؤدي إلى تعددية سياسية، ونقابية، في صفوف الكادحين، بينما نجد أن الأمر غير ذلك، تماما، فموظفو الإدارة، والمعلمون، والجنود، وموظفو بعض القطاعات الشبه العمومية، والخاصة، هم أشخاص يقدمون خدمات، مقابل أجر. فهم لا ينتجون فائض القيمة، بقدر ما يعتبر الأجر الذي يحصلون عليه، جزءا من فائض القيمة، المحصل من العمل المنتج. ولذلك، فما يصح إطلاقه على هذه الفئات، هو موظفو القطاعات الخدماتية، تمييزا لهم عن العمال، الذين تتحدد تسميتهم، من خلال موقعهم في علاقات الإنتاج السائدة.
فمفهوم الطبقة العاملة، يتحدد من خلال التواجد في مواقع الإنتاج، وتشغيل الوسائل التي تملكها الدولة، أو الخواص، أو هما معا، لإنتاج البضائع التي لها قيمة، تكتسبها من خلال العمل، مقابل أجور زهيدة، لا تشكل إلا جزءا يسيرا من تلك القيمة، ويبقى الفائض لمالك الوسائل. وهذه الطبقة هي الأكثر تضررا من غيرها، حتى وإن كانت مؤهلة، أو نصف مؤهلة، أو غير مؤهلة أصلا؛ لأنها، مهما كانت الأجور التي يتقاضاها أفرادها، تبقى دون مستوى ما يجب أن تتمتع به، مما يتناسب مع ما تنتجه من قيمة. ولذلك نجد أن الطبقة الحاكمة، ومعها الأحزاب البورجوازية، وقيادات البورجوازية الصغرى، توظف كل الإمكانيات التنظيمية، والأيديولوجية، والسياسية، للحيلولة دون امتلاك الطبقة العاملة وعيها الطبقي، باعتباره وسيلة من وسائل الانعتاق.
وعلى حركة التحرير الشعبية، والحركة الاتحادية الأصيلة، المتمثلة في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، أن تستمر على نهج عمر، لإزالة اللبس عن هذا المفهوم، وتوضيحه بما فيه الكفاية:
أولا: بتوضيح الظروف التاريخية، التي أدت إلى ظهور الطبقة العاملة، على المستوى الأممي، والقومي، والوطني، حتى نصل إلى أن الشرائح الخدماتية، أقدم من الطبقة العاملة.
ثانيا: بتوضيح مفهوم الطبقة العاملة، كطبقة، لها موقعها في الإنتاج، ولها خصائصها المميزة لها، حسب الظروف المحيطة بها.
ثالثا: بالمزيد من توضيح أيديولوجية الطبقة العاملة، باعتبارها وسيلة، وهدفا، في نفس الوقت، كما يقول الشهيد عمر بنجلون، في تقديم التقرير الأيديولوجي.
رابعا: بتسليط الأضواء على الطبيعة التنظيمية، للأدوات الطبقية، التي تناضل بواسطتها الطبقة العاملة نقابيا، من أجل تحسين أوضاعها المادية، والاجتماعية، وسياسيا، من أجل القضاء نهائيا، على كل أشكال الاستغلال.
خامسا: بتوضيح سبل خوض النضال النقابي، والنضال السياسي، المؤدي إلى جعل الطبقة العاملة، تقوم بدورها التاريخي، لاستعادة وزنها في المجتمع، عن طريق رفع الحيف، الذي يلحقها، وفك الحصار على حلفائها الطبقيين، والتاريخيين، الذين تعتبر منهم الشرائح الأكثر تضررا، من الفئات الخدماتية، بشرط أن لا يكونوا من الأجهزة القمعية: المادية، والمعنوية.
2) في تبني الأحزاب السياسية قضايا الطبقة العاملة، وفي الهدف منه:
ونظرا للتعويم الذي يعرفه مفهوم الطبقة العاملة، فإن الأحزاب السياسية، بيمينها، ويسارها، تدعي تبني قضايا الطبقة العاملة، مما يخلق لديها أو هام كونها أحزابا للطبقة العاملة، ويخلق لدى الطبقة العاملة، وبسبب ما تعاني منه من تضليل، وتضبيب، أو هاما بإمكانية انتمائها إلى أي حزب، ونضالها بواسطته، لتحقيق مطالبها، فتسقط، بذلك، في الممارسة الانتهازية، التي هي الغاية من تبني قضايا الطبقة العاملة، فيترتب عن ذلك تفريخ المزيد من النقابات، التي توظف لتحقيق المزيد من الأهداف، التي نذكر منها:
أولا: تكريس التضبيب، والتضليل، في صفوف الكادحين.
ثانيا: تمزيق وشرذمة الطبقة العاملة.
ثالثا: إضعاف النقابات المناضلة.
رابعا: خلق شروط التآمر على الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
خامسا: خلق اليأس من الانتماء السياسي، والنقابي، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وبالمناسبة، نشير إلى الدور الذي تلعبه أحزاب المعارضة البرلمانية تاريخيا، وفي الوضع الراهن، في نفس الاتجاه.
فحزب الاستقلال له نقابته، التي نعرف حمولتها الأيديولوجية، والسياسية.
والاتحاد الاشتراكي يوظف الإمكانيات المادية، والبشرية الضخمة، التي يتوفر عليها، لتكريس نقابته الحزبية. وحزب التقدم والاشتراكية، عندما كان في المعارضة، صارع من أجل أن يخلق نقابات قطاعية، ونقابة مركزية، تسعى لتحقيق نفس الشيء.
ولكل حزب بورجوازي، أو إقطاعي، نقابته التي يدعي أنها عمالية.
والأحزاب الإسلامية، العدو اللذوذ للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لها نقابات، تدعي أنها عمالية.
وحزب الدولة، قرر، مؤخرا، أن يلتحق بإحدى النقابات، التي انفصلت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل.
وممارسة كهذه، ستكون لها انعكاسات خطيرة، على مستقبل الطبقة العاملة. وقد كان من المفروض، في هذه الأحزاب، أن تسعى إلى تحقيق الوحدة النقابية، في تجلياتها التنظيمية، والمطلبية، والنضالية، بعيدا عن كل حسابات حزبية ضيقة، تمليها ممارسة العمالة للطبقة الحاكمة، على حساب الجماهير الشعبية الكادحة، المعنية بالعمل النقابي، الذي يصبح رهينا للعمالة الطبقية.
3) في القول بأيديولوجية الطبقة العاملة:
وما قلناه عن تبني الأحزاب لقضايا الطبقة العاملة، ينسحب بشكل، أو بآخر، على أيديولوجيتها، التي تجعلها هذه الأحزاب، أيديولوجيات، أو خليطا أيديولوجيا، لا هوية له، مما يكرس فقدان الطبقة العاملة لهويتها الطبقية، التي تلعب الأيديولوجية دورا أساسيا في حضورها.
وبالنسبة للأحزاب الرجعية: البورجوازية / الإقطاعية المتخلفة، والإسلامية المتخلفة، التي تدعي أنها أحزاب دينية، فإننا نجد أنها تعمل على شحن أفكار الكادحين، بالأيديولوجية الإقطاعية، أو شبه الإقطاعية، أو بأدلجة الدين الإسلامي. والأحزاب الإدارية، وحزب الدولة، تنهج نفس النهج، ليفقد الكادحون، وطليعتهم الطبقة العاملة بذلك، هوية الارتباط بالعصر الذي يعيشون فيه.
أما أحزاب البورجوازية التبعية، ونظرا لافتقادها للهوية الأيديولوجية، فإنها تعمل على انتقاء خليط من الأيديولوجيات، ومن الأفكار، لجعل الطبقة العاملة تتوهم إمكانية تسلقها سلم التبرجز.
فالقيادات، تحاول جاهدة، أن تمتلك أيديولوجية انتقائية، من مختلف الأيديولوجيات: الإقطاعية، وشبه الإقطاعية، والبورجوازية، والاشتراكية العلمية، ليتكون لديها خليط يشبه إلى حد كبير، أيديولوجية البورجوازية التابعة، ولا يختلف عنه، إلا في كونه ينتقي أيضا ما يفيد هذه القيادات، من الأيديولوجية الاشتراكية العلمية، مما يشكل خطورة كبيرة على الطبقة العاملة، وعلى حلفائها، الذين يدخل من ضمنهم قواعد هذه الأحزاب نفسها، التي تبقى مرددة، وبدون وعي، لما تقوله قياداتها، من خلال منابرها الإعلامية اليومية، المدعومة من قبل الطبقة الحاكمة.
أما التبني الصريح، والحقيقي، فهو مهمة حركة التحرير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة، وحزبها القائد، والموجه لنضالات الكادحين، بعيدا عن كل أشكال التآمر على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعن تضليلهم.
4) في القول بضرورة حزب الطبقة العاملة:
إن حل إشكالية التضليل، والتضبيب، الذي تعاني منه الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، يكمن أولا، وأخيرا، في بناء حزب الطبقة العاملة، الذي سعى الشهيد عمر بنجلون، إلى تكريس أسسه، من خلال الحركة الاتحادية الأصيلة، ويسعى المناضلون الأوفياء لروحه الطاهرة، إلى الاستمرار على نهجه، في مختلف المحطات النضالية المصيرية، إلى أن انعقد المؤتمر الوطني الرابع، لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، باعتباره حزبا للطبقة العاملة، طليعة المجتمع، وسائر الكادحين، في دجنبر 1993. وبناء هذه الأداة، ليست من مهام مناضلي الحزب وحدهم، بل يدخل ضمن المهام التاريخية للطبقة العاملة، ولسائر الكادحين، وخاصة عندما يصبح لهذا الحزب قاعدة جماهيرية.
إن حزبا كحزب الطبقة العاملة، لا يمكن أن يقوم بدوره كاملا، إلا باكتمال بنائه:
أولا: على المستوى الأيديولوجي، وذلك باستيعاب أيديولوجية الطبقة العاملة، والعمل على تطويرها، وتوظيف أدواتها العلمية، في تحليل التشكيلة الاقتصادية، والاجتماعية، من أجل معرفة قوانينها الخاصة، حتى يتبين أفق التغيير، ليمتلك الحزب، بذلك، نظريته عن المجتمع الذي يتواجد فيه.
ثانيا: على المستوى التنظيمي، عن طريق بناء الأداة، بما يتناسب، وأيديولوجية الطبقة العاملة، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة، بين الأيديولوجية، والتنظيم؛ لأنه بدون ذلك البناء المنسجم مع الأيديولوجية، لا يمكن لأي أداة، تدعي أنها تتبنى الاشتراكية العلمية، أن تلعب دورها كاملا، نظرا لإمكان تعرضها للاختراق المتعدد الأوجه، مما يعرضها إلى التفكك، والانحلال، على المستوى القريب، أو البعيد.
ثالثا: على المستوى السياسي: اتخاذ مواقف تنسجم، وما يقتضيه التحليل العلمي للواقع، ووضع برنامج مرحلي في هذا الاتجاه، حتى يستطيع الحزب اختراق الجماهير، وجعلها تعتنق مواقفه، التي هي بداية الارتباط بالبرنامج المرحلي، والإستراتيجي، في أفق تسييد الفكر الاشتراكي العلمي، لمواجهة المد الرجعي / الظلامي، ولخلق شروط قيام جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية.
5) في القول بضرورة تنظيم الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، بناء على أهداف محددة:
وتنظيم حزب الطبقة العاملة وحده، غير كاف، فلابد من إيجاد تنظيم نقابي، يضم شرائح الشغيلة، ويقود نضالاتها المطلبية، من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، انطلاقا من التصور المبني على التحليل العلمي للوضع النقابي في المغرب. هذا التحليل الذي يقتضي:
أولا: احترام مبادئ العمل النقابي الأربعة، المعروفة لدينا جميعا، والتي من دونها، سيفقد التنظيم النقابي استقلاليته، وجماهيريته، وتقدميته، وديمقراطيته، ويصبح مجرد ورقة تستخرج في شروط معينة، وتوضع في الرف في شروط أخرى.
ثانيا: أن يكون هذا التنظيم محدد الأهداف، واضح المعالم، متسما بما يضمن له الارتباط العضوي بالشغيلة، أنى كان موقعها، ومهما كان عددها، حتى لا يوظف لخدمة أهداف أخرى، كما يحصل في الكثير من الأحيان.
ثالثا: أن يسعى إلى تحقيق وحدة العمل النقابي، على الساحة الجماهيرية، وعلى مستوى التنسيق بين النقابات.
رابعا: أن يسعى إلى الانخراط في النضال الديمقراطي العام، في إطار جبهة وطنية، للنضال من أجل الديمقراطية، حتى تتحقق العلاقة الجدلية بين النضال النقابي، والنضال السياسي العام، الذي يجنب العمل النقابي السقوط في الذيلية الحزبية، التي هي بداية تخريب العمل النقابي.
خامسا: أن يكون الهدف من الانخراط في النضال الديمقراطي العام، محدد الأهداف، واضحا، مستوعبا من قبل النقابيين، وجماهير الكادحين، حتى لا ينساقوا وراء مواقف نقابية، تخندقهم ضمن خانة حزب معين، كما حصل، ويحصل دائما، مما ترتب عنه تسرب اليأس إلى نفوس الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، من الانخراط في النضال النقابي، والنضال الديمقراطي العام.
6) في غياب الديمقراطية بمعناها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي:
إن من أهم شروط الممارسة النقابية الصحيحة، هو توفير شروط المناخ الملائم، لهذه الممارسة نفسها، والتي يعتبر وجودها دليلا على إشاعة الديمقراطية، وبناء دولة الحق والقانون. إلا أن ما نلاحظه على الساحة هو:
أولا: على المستوى السياسي: لا زلنا أبعد ما نكون عن بناء دولة الحق، والقانون، سواء على المستوى الدستوري، أو على مستوى الممارسة اليومية.
ثانيا: على المستوى الاقتصادي، فنحن جميعا، نعرف الأوضاع المتردية لجماهير الكادحين، وفي نفس الوقت، نعرف ما وصل إليه المستوى المادي للبورجوازية التابعة، ومدى ما تمارسه من استغلال مزدوج، على المجتمع ككل، خدمة لمصالحها، ولأسيادها الأمبرياليين.
ثالثا: على المستوى الاجتماعي، فنحن نعرف ما آلت إليه الخدمات الاجتماعية من ترد، وخاصة في مجالات التعليم، والصحة، والشغل، والسكن، وما تبقى من الخدمات التي تستفيد منها الجماهير، أصبح مهددا بالانقراض، ليصبح في ذمة التاريخ.
ومعلوم أن أول متضرر من غياب الديمقراطية، هم العمال المنتجون، والموظفون الصغار، والمتوسطون. وهذا الغياب ينتج لنا مجموعة من الأمراض الفتاكة بوحدة النضال النقابي، وبعلاقة النضال النقابي بالنضال السياسي، ويحول العمل النقابي إلى عمل ذيلي للعمل الحزبي، الذي لا يعبر بتاتا عن وجود ديمقراطية، حسب المفهوم المشار إليه.
7) في التآمر على الجماهير الكادحة واختزال مسألة الديمقراطية في إيجاد مؤسسات مزورة:
وإن أخطر تحد تواجهه الطبقة العاملة، على المستوى الوطني / السياسي، هو غياب الوضوح في العلاقة معها، ومع الجماهير الكادحة، الحليفة لها، والاكتفاء بإملاء قرارات الأحزاب البرلمانية، على هذه الجماهير، إما عن طريق إعلامها مباشرة، وإما عن طريق النقابات التابعة لهذه الأحزاب، أو تحاول أن تكون تابعة لها، كذلك.
وغياب الوضوح آت من أمرين اثنين:
أحدهما: ادعاء أحزاب المعارضة البرلمانية، المتنوعة التوجهات، أنها هي وحدها التي تملك الحقيقة، وأنها الممثلة الحقيقية للجماهير الشعبية الكادحة.
وثانيهما: بناء قراراتها على أساس المفاوضات، التي تجري من خلال مؤسسات غير ديمقراطية، كما هو الشأن لكل المؤسسات القائمة الآن، والتي لا علاقة لوجودها بالديمقراطية، خاصة وأن الطبقة الحاكمة تمرست على تزوير إرادة الشعب، مما ينعكس سلبا على الطبقة العاملة، وعلى حلفائها التاريخيين، والطبقيين، والواقعيين، وممارسة كهذه، لا يمكن أن تنتج إلا أحد أمرين، في نفوس الجماهير الكادحة:
الأمر الأول: أن الكادحين قد يعتقدون أن ما يمارس هو عين الديمقراطية، ويقبلون بوصاية تلك الأحزاب عليهم.
والأمر الثاني: أن نفس الكادحين، قد يتسرب إليهم اليأس من النضال النقابي، والنضال السياسي.
وكلا الأمرين، يشكل خطورة على مستقبل الطبقة العاملة، التي تبقى مساهمتها النضالية، رهينة بإرادة تلك الأحزاب.
8) في غياب الناظم الموحد لنضالات الطبقة العاملة، على المستوى القومي، والأممي:
إن الحديث عن الناظم، هو نفسه الحديث عن حزب الطبقة العاملة، وعن العمل النقابي الصحيح، وعن الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، والجبهة القومية لمواجهة تكريس المد الرجعي، والصهيوني، والجبهة الأممية لمواجهة الأمبريالية. فغياب هذه الأدوات، يعني شيئا واحدا فقط، هو: أن تبقى الطبقة العاملة معرضة للتفكك الأيديولوجي، والسياسي، مما ينتج عنه، بالضرورة، تفكك نضالي / مطلبي، وتكريس الاغتراب العمالي، المؤدي إلى أن تبقى الطبقة العاملة، مجرد فريسة تنهشها الكلاب الضالة، التي ليست إلا هذه البورجوازية اللقيطة، التي لا أصل لها، ولا فصل، والبورجوازية التابعة، وغياب هذا الناظم المتعدد الأوجه، والمستويات، يشكل أكبر تحد تواجهه الطبقة العاملة في الوضع الراهن، ولا سبيل إلى تجاوزه، إلا بالبحث عن البديل، والعمل على إخراجه إلى الوجود. وعمل كهذا، هو مهمة تاريخية للقوى الوطنية، والديمقراطية، والتقدمية، وفي مقدمتها: حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
9) في سيادة الأمبريالية، وتراجع حركة التحرر الوطني، والقومي، والأممي:
والتفكك الذي تعرفه حركة التحرر الوطني، والقومي، والأممي، هو نتيجة ملموسة، وحتمية، للهجوم الرجعي / الصهيوني / الأمبريالي، على مختلف المستويات: الأيديولوجية، والسياسية، والعسكرية، يساعده في ذلك الإمكانيات المادية الضخمة، التي تتوفر لدى منظميه، بالإضافة إلى الوسائل السمعية / البصرية، والمقروءة، والإليكترونية، والأجهزة القمعية التي يتوفر عليها. وحركة التحرر، ومعها الطبقة العاملة، يطرح عليها الآن، وفي هذه الظروف العصيبة:
كيف تواجه هذا الهجوم؟
وبأي أسلوب؟
وبأية إمكانيات؟
وبأية وسائل؟
10 ) في غياب إعلام عمالي متميز، لتنوير الرأي العام، بقضايا الطبقة العاملة: الأيديولوجية، والسياسية، والتنظيمية، والمطلبية:
وأول وسيلة يجب أن تتوفر لدى حركة التحرر الوطني، هي الوسيلة الإعلامية، التي تربط هذه الحركة بشرائح الشعب الكادح.
لكن ما هي طبيعة هذه الوسيلة الإعلامية؟
إن الوسيلة الوحيدة الممكنة، في ظل هذه الظروف، هي الجريدة اليومية، لكن ضعف الإمكانيات المادية، وضعف القدرة الشرائية، أو انعدامها، لدى حركة التحرر الوطني، ومعها جماهيرها، جعل هذه الوسيلة حاضرة بشكل باهت. أما الوسائل الأخرى، فلا يمكن الحديث عنها، على الأقل في هذه المرحلة. وتبقى الإمكانية المضمونة الحضور، في حركة المناضلين، في مختلف القطاعات، وفي بناء الأدوات القائدة لمختلف النضالات، بما فيها تنظيم هذه اللقاءات، على مستوى المقرات الحزبية، وعلى مستوى المقرات النقابية، وعلى مستوى النضالات المطلبية.
11) في انسلاخ قيادات أحزاب البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، عن الطبقة العاملة، وارتمائها في أحضان الطبقة الحاكمة:
إن أهم ما يجب الإلحاح عليه، بالخصوص، هو ضرورة التفريق بين القاعدة العريضة لشرائح البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي أصبحت تعاني نفس معاناة الطبقة العاملة، بما فيها قواعد أحزابها، وبين قيادات هذه الأحزاب؛ لأنه بدون ذلك التفريق، ستدفع حركة التحرر الوطني بتلك الشرائح، إلى الارتماء في أحضان الرجعية، كما يحصل الآن. فما تقدم عليه أحزاب البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، من ممارسات تنظيمية، وأيديولوجية، وسياسية، يدفع قواعدها إلى الارتباك، الذي يقود إلى اللا مبالاة، ثم إلى اختيار الجانب الآخر، أي أن اختيار المساهمة في الانتخابات المزورة، في مرحلة تاريخية معينة، والوصول إلى المؤسسات المزورة، كرس، ويكرس، وسيكرس عند قواعدها، وسائر جماهير البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، عدم الفرق بين ما تمارسه الطبقة الحاكمة، وأحزابها الرجعية، والإدارية، وحزب الدولة، وبين ما تمارسه قيادات البورجوازية الصغرى، والمتوسطة.
إن المساهمة في المؤسسات المزورة، خلق عند هذه القيادات، ومنذ السبعينيات من القرن العشرين، وإلى حدود الآن، مصالح طبقية، تتناقض مع مصالح الطبقة العاملة، وشرائح البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، مما يعد انسلاخا متعمدا عنها، في الوقت الذي لا زالت تعتبر فيه هذه الأحزاب، جماهير الكادحين قاعدتها الخلفية، في مختلف محطات التزوير.
واستعادة الطبقة العاملة، وجماهير البورجوازية الصغرى، ثقتها بنفسها، رهين بالدور الذي سيقوم به حزبنا، في أفق تصحيح مسار النضال الديمقراطي، بما فيه مسار النضال النقابي، على المستوى الوطني، وبما ستقوم به الأحزاب المماثلة، على المستوى القومي، والأممي، بعد استرجاع أنفاسها المنهكة، بفعل ما تعرضت له.
12) في الهجوم الظلامي على الفكر التنويري، وعلى فكر الطبقة العاملة، وفي تسرب هذا الفكر، إلى صفوف الطبقة العاملة:
وكنتيجة لسلوك قيادات أحزاب البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، نجد أن الإنتاج الفكري / التنويري، والاشتراكي العلمي، يتراجع إلى الوراء، وينحسر فعله في الواقع، كما ينحسر تعامله مع الواقع، مما أتاح الفرصة لتغلغل الفكر الظلامي، بمختلف تلاوينه في أو ساط الكادحين، الأمر الذي أو هم منتجي هذا الفكر، بأنهم البديل للأحزاب السياسية، والنقابات، وللطبقة الحاكمة. وتغلغل هذا الفكر، لم يأت هكذا بقدرة قادر، أو بإرادة الله، كما يدعي منتجوه، بل جاء نتيجة للدعم اللا مشروط، من قبل الطبقة الحاكمة، منذ السبعينيات من القرن العشرين، ونتيجة لطبيعة البرامج الدراسية، ونتيجة للدعم الرأسمالي العالمي، للحركات المنتجة للفكر الظلامي، من أجل محاصرة الفكر الاشتراكي العلمي، باعتباره فكر الطبقة العاملة، وأساس قيام أيديولوجيتها. وهو ما تبنته الأنظمة الرجعية، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، التي صارت محتضنة من قبل الأمبريالية العالمية، ومخترقة من قبل الصهيونية العالمية، أيضا. وهو ما أتاح الفرصة للتيارات الظلامية في المغرب، وفي العالم العربي، والإسلامي، لكي تتحول إلى تنظيمات قوية، متجذرة في الواقع الاجتماعي، تملك من الوسائل المرئية، والمسموعة، والمكتوبة، والإليكترونية، في وقت وجيز، ما لم تستطع حتى بعض الأنظمة التقدمية امتلاكه.
ولعل معاناة الحركة النقابية / العمالية، والطلابية، من هذا الفكر، ومن التنظيمات التي تعمل على نشره بقوة الإرهاب، خير دليل على ذلك، فالقيادة الفكرية في المجتمعات، ذات الأنظمة التابعة، هي للفكر الظلامي، الذي يضع نفسه في خدمة الأنظمة الرجعية، والطبقة الحاكمة، والأمبريالية، نظرا لالتقاء مصالح الجميع، في تغييب الوعي الطبقي في صفوف الكادحين، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة.
ومما تجب الإشارة إليه، أن التوجهات الظلامية، كانت، ولا زالت خميرة، لإنتاج ما صار يعرف الآن بالقاعدة، وبداعش، مما يجعل مصير البشرية، بوجود هاتين الحركتين على وجه الأرض، وفي صفوف المسلمين، والتي صارت تستقطب من كل بلدان العالم، وتقسم العالم إلى من يومن بتطرف القاعدة، وداعش، ومن لا يومن به.
فالظلامية، يمكن أن تنتج كل شيء، إلا الإنسان؛ لأنه غير حاضر في فكرها، وفي ممارستها. وهو ما يمكن اعتباره أساسا لعدائها للفكر التنويري، وللفكر الاشتراكي العلمي، باعتباره فكرا إنسانيا خالصا.
13) في ارتفاع وتيرة الإرهاب، الذي يستهدف القيادات العمالية، والفكرية، على المستوى القومي، والأممي:
ونظرا للعجز الذي أصبحت تعاني منه مختلف التيارات الظلامية، بسبب انكباب المثقفين الثوريين، على نقض مكونات الفكر الظلامي، وبواعثه، وأهدافه، من أجل إعادة الاعتبار للفكر التنويري، والفكر الاشتراكي العلمي؛ فإن هذه التيارات، تلجأ إلى مختلف أشكال الإرهاب الفكري، والأيديولوجي، والسياسي، والعقائدي، ليصل في نهاية المطاف إلى الإرهاب الجسدي المنظم، على معاقل الفكر التنويري، والعلمي، كما يتجلى ذلك في الهجوم على الطلبة في الجامعات، وفي الأحياء الجامعية. وقد يتطور إلى الهجوم على المقرات النقابية، وخاصة منها ذات الطابع التقدمي. وكما يتجلى أيضا في الهجوم على الأفراد، وقادة حركة التحرر الوطني، الذي قد يصل إلى مستوى التصفية الجسدية، كما وقع للشهيد عمر بنجلون، القائد العمالي، والمثقف الثوري للحركة الاتحادية الأصيلة، ومهدي عامل، وحسين مروة، وفرج فودة، وآيت الجيد، والقائمة طويلة، ولا زالت مفتوحة، ما لم يعد النظر في ممارسة قيادات أحزاب البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تتودد، وتتمسح في معظم الأحيان، بأعتاب التيارات الظلامية، وما لم يعد النظر في برامجها، وفي مواقفها السياسية، حتى تصبح معبرة، على الأقل، عن إرادة قواعدها، قبل إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، وما لم تقم جبهة وطنية عريضة، للنضال من أجل الديمقراطية، بناء على برنامج حد أدنى، يستهدف من بين ما يستهدف، إعادة الاعتبار للعمل النقابي الصحيح، وللطبقة العاملة، ولسائر الكادحين، والحيلولة دون:
أولا: استمرار سيطرة قوى الشر، والظلام، على العديد من المراكز الجامعية، عن طريق تكافل الجهود، لإعادة الاعتبار للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
ثانيا: تسرب هذه القوى إلى النقابات، كما حصل في العديد من الأقطار العربية، والإسلامية. وذلك عن طريق عدم الحرص على مبادئ العمل النقابي، المعروفة، وخاصة الديمقراطية، والتقدمية، لتناقضهما مع الفكر الظلامي.
14) في خوصصة القطاع العام المؤدي إلى تشريد قطاعات مهمة من الطبقة العاملة المنظمة:
وكخلاصة للمد الرجعي الأمبريالي، والتغلغل الظلامي في الشرائح الاجتماعية الكادحة، وبفعل التغييب المتعمد للفكر التنويري، والعلمي، من قبل أحزاب البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، وتكريس غياب الوعي الطبقي في صفوف الكادحين، نجد أن الطبقة الحاكمة، تلجأ إلى بيع القطاع العام للخواص، من العملاء المغاربة، وأسيادهم الأجانب.
ومعلوم أن هذا القطاع، تكون من التضحيات العظيمة، لأبناء الشعب المغربي، على مدى عقود بأكملها، تمتد إلى المرحلة الاستعمارية، من أجل إيجاد مؤسسات اقتصادية، واجتماعية، تكون في خدمة الشعب، ومصدرا لتشغيل أبنائه.
وعملية البيع، تعني تحرر الدولة من التزاماتها:
أولا: تجاه هذه المؤسسات، من أجل تطويرها، بالمحافظة عليها، ومحاربة كل أشكال الفساد في أجهزتها الإدارية.
ثانيا: تجاه العمال، والمستخدمين، الذين يناضلون بواسطة تنظيماتهم النقابية، من أجل التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية.
ثالثا: تجاه الجماهير الشعبية، التي استأمنت الدولة على تلك المؤسسات، أو اعتقدت أنها أمينة عليها.
وحتى توفر الدولة، باعتبارها أداة السيطرة الطبقية، في يد الطبقة الحاكمة، للبورجوازية الهجينة، وللأجانب، الذين يرغبون في استثمار أموالهم في المغرب، لجأت إلى وضع مدونة الشغل، التي تبين بعد البحث، والتمحيص، من قبل الدارسين، ومن قبل الجمعيات الحقوقية، والمنظمات النقابية، أنها تشكل خطورة على مستقبل الكادحين، من العمال، والمستخدمين. هذه الخطورة، التي تبينت بالممارسة اليومية، التي أثبتت أن المدونة، وضعت لصالح الباطرونا، ولصالح كل المستغلين، مهما صغر شأنهم هذه المدونة، التي تمت المصادقة عليها، في جهاز تشريعي مزور، لا يعمل إلا لصالح المستغلين، في مستوياتهم المختلفة، مما يبين، بوضوح، أن خوصصة القطاع العام، بدل محاكمة المسؤولين عن تردي أوضاعه، إنما استهدف، بالدرجة الأولى، ضرب الطبقة العاملة، وسائر الكادحين.
والغريب في الأمر، أن أحزاب المعارضة حينها، تضع صحفها، رهن إشارة الترويج لخوصصة القطاع العام، وإظهار الخوصصة، وكأنها جنة موعودة.
15) في خطورة التغلغل الصهيوني في أنسجة المجتمع العربي على مستقبل الطبقة العاملة المغربية:
وعملية الخوصصة، تعتبر أهم قنطرة يعبر عليها الرأسمال الأجنبي، بما فيه الرأسمال الصهيوني، إلى دواليب الاقتصاد المغربي، كشكل من أشكال التغلغل الصهيوني، في الوطن العربي، وفي المغرب بالخصوص، وبشروطه، لا بشروط الطبقة الحاكمة.
ونحن نعرف جميعا، مدى خطورة الصهيونية، على الشعوب العربية، بما فيها المغرب، وعلى مستقبل اقتصاديات هذه الشعوب، وبالتالي، على مستقبل الطبقة العاملة المغربية، كامتداد للطبقة العاملة العربية.
ففتح الأسواق المغربية، أمام الرأسمال الصهيوني، معناه: أن تصبح السلع المنتجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متراكمة في الأسواق المغربية، مما يعني إغلاق المزيد من المصانع الصغرى، والمتوسطة، وتشريد المزيد من اليد العاملة، بسبب المنافسة السلعية الصهيونية، التي ستغزو أسواقنا، أو غزتها بالفعل، بطريقة، أو بأخرى، وخاصة، إذا أقدمت الطبقة الحاكمة، على رفع درجة العلاقات الدبلوماسية، إلى مستوى السفارة.
16) في تبعية الأنظمة المختلفة لتوجيهات المؤسسات المالية الأمبريالية:
والمد الصهيوني في المغرب، أو في العالم العربي، أو في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، قبل أن تتحرر العديد من دولها، لتنفلت من عقال المؤسسات المالية الدولية، لصالح الشعوب، ولصالح كادحيها بالخصوص، هو خير تعبير، على أن الطبقات الحاكمة في معظم هذه البلدان، لا تملك أمرها بيدها، بقدر ما تتلقى الأوامر، والتوجيهات، من المؤسسات المالية الأمبريالية، ومن الشركات العابرة للقارات، ومن النظام الأمبريالي العالمي. وهو ما نسميه بالتبعية، التي تشكل قمة التحديات كلها للطبقة العاملة المغربية، ومثيلاتها في البلدان ذات الأنظمة التابعة.
وقد اعتبرنا التبعية قمة التحديات، لعدة اعتبارات، نذكر منها:
أولا: أن أنظمة من هذا النوع، لا تملك أمرها بيدها؛ لأنها تحتاج إلى من تستقوي به، لتأبيد سيطرتها.
ثانيا: أنها تضاعف استغلال الكادحين، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة، امتثالا للأوامر التي تتلقاها.
ثالثا: أن استغلالها المضاعف، يستهدف خدمة الدين الخارجي، الذي راكمته على كاهل الشعب المغربي، وفي نفس الوقت، خدمة لجشعها، واستهلاكها المتفاحش.
رابعا: أنه من المستحيل، أن تكون ديمقراطية، وما تمارسه من مظاهر خادعة، إنما يدخل من ضمن ديمقراطية الواجهة، التي تخفي وراءها المظاهر الاجتماعية الفتاكة، كالفساد الإداري، والاتجار في المخدرات، وانتشار الأمية في صفوف الشعب الكادح، وانتشار البطالة في صفوف أبناء الشعب المغربي الكادح.
فالتبعية، هي شكل من أشكال الاستعمار؛ لأنها تفقد الأنظمة التابعة استقلالها في قراراتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ولأنها تدفع شعوبها إلى الهاوية، على مختلف المستويات، ولأن الطبقة العاملة، في إطار هذه الأنظمة، تعاني أضعاف ما تعاني منه مثيلاتها في البلدان الرأسمالية، تعاني من الجوع، والفقر، والمرض، ومن الاغتراب تجاه وسائل الإنتاج، ومن الاستلاب الأيديولوجي، والتمزق التنظيمي. ولذلك تطرح على الطبقة العاملة مهمة أخرى تاريخية، هي مهمة النضال من أجل التحرر من التبعية.
فنضال الطبقة العاملة، المواجه بالتحديات المشار إليها، يجب أن يبحث له عن سبل مواجهتها. وهذه السبل يمكن اختزالها في:
أولا: النضال من أجل العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
ثانيا: الانخراط في النضال الديمقراطي العام.
ثالثا: الكفاح من أجل وضع حد للتبعية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
وهذه المستويات من النضال، هي التي كرس الشهيد عمر بنجلون، ومعه شهداء حركة التحرير الشعبية، حياتهم من أجلها، وهي التي يجب أن يكرس لها المناضلون الأوفياء حياتهم، حتى يتحقق النصر.
فما هي سبل مواجهة الطبقة العاملة لهذه التحديات؟
سبل مواجهة هذه التحديات:
إن التحديات التي استعرضناها، في الأجزاء السابقة، وفي هذا الجزء، تقتضي من الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، مواجهتها، من أجل التقليص من حدتها، في أفق وضع حد لها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد. وإذا كانت تلك التحديات تظهر، وكأنها أمر واقع، لا مهرب من قبوله، والتسليم به، فإن على الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، أن ينطلقوا في مواجهتها على أساس:
أولا: أنها من تخطيط الطبقة الحاكمة، ومن يسبح في فلكها، اعتمادا على توجيهات المؤسسات المالية الأمبريالية، والدول المانحة.
ثانيا: أنها تستهدف إحكام السيطرة على مصير الطبقة العاملة، وسائر الكادحين.
ثالثا: أن نتائجها، أوصلت الشعب المغربي إلى مستوى من الإنهاك الاقتصادي، والاجتماعي، لم يسبق له مثيل.
رابعا: أن التخطيط لمواجهتها، أصبح ملحا أكثر من أي وقت مضى.
ولذلك، نقترح مجموعة من الخطوات، كعناصر لبرنامج عمل المواجهة النضالية، لهذه التحديات. ونرى:
1) أن على الطبقة العاملة، أن تعي مصلحتها الطبقية، وأن تنبذ كل شكل من أشكال البحث عن المصلحة الفردية: الانتهازية، الذي يؤدي إلى التشتت، والتشرذم.
2) أن تستحضر، في ممارستها، الضرورة التنظيمية: النقابية، والسياسية، حتى يكون فعلها منظما، وهادفا.
3) أن تعي جدوى الوحدة التنظيمية، في مختلف تجلياتها.
4) أن تعمل على إيجاد ملف مطلبي، معبر عن المصلحة الطبقية، لسائر الكادحين.
5) أن تعمل، بواسطة تنظيماتها، على وضع برنامج نضالي، لتحقيق المطالب المستعجلة، بعيدا عن كل الحسابات الضيقة.
6) أن تضع في حسابها، استقلالية التنظيم النقابي، وديمقراطيته، وتقدميته، وجماهيريته.
7) أن تنتظم في حزبها، المتبني لأيديولوجيتها، والقائد لنضالاتها.
8) أن تنخرط، بواسطة تنظيمها النقابي، والسياسي، في النضال الديمقراطي العام.
9) أن تساهم في صياغة برنامج مطلبي / سياسي مرحلي، لتوجيه النضال الديمقراطي، في مختلف مراحله.
10) أن تسعى إلى امتلاك تنظيماتها للوسائل الإعلامية، الكفيلة بجعل ذلك البرنامج، في متناول الشعب الكادح.
11) أن تحرص على توفير أجواء التضامن المادي، والمعنوي، بين مختلف شرائح الشغيلة المغربية.
12) أن تسعى تنظيمات الطبقة العاملة، إلى جعلها تقوم بدورها الرائد، في تحقيق التضامن، حتى تكون في طليعة الكادحين.
13) أن تسعى تنظيماتها، إلى مد الجسور مع التنظيمات النقابية، والسياسية، على المستوى القومي، والأممي.
14) أن تساهم تلك التنظيمات، في تحقيق الوحدة النضالية، على المستوى القومي، والأممي.
15) أن تسعى إلى ربط الجسور مع التنظيمات الحقوقية، ومع حركة 20 فبراير، ومع كافة الحركات الاحتجاجية: الوطنية، والقومية، والأممية، من أجل فضح مختلف الخروقات السياسية، والنقابية، الممارسة في حق الطبقة العاملة، وسائر الكادحين، أثناء ممارستهم للنضال المطلبي، والديمقراطي.
16) أن تسعى تنظيمات الطبقة العاملة: النقابية، والسياسية، إلى مد الجسور بينها وبين التنظيمات الاجتماعية، والسياسية الأخرى، حتى يكون ذلك وسيلة لوعي الجميع، بمعاناة الكادحين.
17) أن تساهم معها، في وضع برنامج حد أدنى، لتوحيد نضالات الجماهير الشعبية الكادحة، في إطار جبهة وطنية للنضال، من أجل الديمقراطية.
18) أن تساهم في بناء تلك الجبهة، على أساس ذلك البرنامج، والحرص على أن يكون دور الطبقة العاملة رياديا فيها.
19) أن توظف وسائل إعلامها، لجعل شرائح الشعب الكادح، تعي الدور النضالي للجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية.
20) أن تدفع بالجبهة، إلى نسج العلاقات مع التنظيمات الاجتماعية، والحقوقية، والسياسية، والجبهوية، على المستوى القومي، والأممي.
21) أن تعمل على إيجاد منبر إعلامي خاص بالجبهة، لتوحيد الرأي العام، وقيادته.
22) أن تعمل على إيجاد الوسائل المادية، الداعمة لوجود الجبهة، تنظيميا، وبرنامجيا، ونضاليا، وإعلاميا.
23) أن تستغل تنظيمات الطبقة العاملة، مختلف المناسبات، لربط الكادحين، وبقية الجماهير الشعبية، بالرموز التاريخية لحركة التحرير الشعبية، الذين لعبوا دورهم الرائد، في مختلف المراحل التاريخية.
24) أن تسترشد تلك التنظيمات، بالتراث النضالي للشعب المغربي، ولسائر الشعوب المكافحة، في التخطيط لنضالات الكادحين.
خاتمة:
إن هذه التحديات التي استعرضناها، وسبل مواجهتها التي اقترحناها، ما هي إلا غيض من فيض، كما يقولون. فالهمجية الرأسمالية التبعية، تقتضي من الكادحين، البحث المستمر عن السبل الكفيلة، بمواجهة هذه الهمجية، التي أصبحت قادرة على التغلغل في مختلف الأنسجة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما هي قادرة على التكيف مع مختلف المتغيرات الوطنية، والقومية، والعالمية. والبحث عن السبل يقتضي:
1) إعادة النظر في مختلف التنظيمات، التي تقود، أو تدعي أنها تقود نضالات الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.
2) إعادة النظر في البرامج المطلبية، والسياسية، لمختلف التنظيمات التي تقود نضالات الكادحين، أو تدعي أنها كذلك.
3) إعادة النظر في المواقف النضالية، للتنظيمات المذكورة، حتى تنسجم مع ما تسعى الطبقة العاملة إلى تحقيقه، مما لخصه الشهيد عمر بنجلون في التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.
4) إعادة النظر في الصيغ النضالية المتبعة، حتى الآن، والتي لا علاقة لها بقواعد التنظيمات المناضلة، والتي تعودنا على أن تنزل من فوق، مما يتناقض مع مصلحة الطبقة العاملة.
وبدون إعادة النظر تلك، والتي تقتضي منا الشجاعة النضالية، وممارسة النقد البناء، والهادف، والمحاسبة الفردية، والجماعية، وتقييم المراحل السابقة، والقيام بدراسة الأوضاع المادية، والاجتماعية الراهنة، دراسة دقيقة، تمكننا من التنبؤ بما ستؤول إليه تلك الأوضاع، فإن الطبقة العاملة، ومعها سائر الكادحين، سيفقدون البوصلة، التي توجه نضالاتهم، نحو الأهداف المنشودة: القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، وستكون النضالات التي قد تقبل عليها التنظيمات النقابية، والسياسية، في ظل هذه الوضعية، التي تعيشها، غير ذات جدوى، وستوظف لتحقيق أغراض غير معروفة، نظرا لممارسة التضليل على الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، ونظرا لغياب الوضوح، في علاقة أحزاب المعارضة البرلمانية، المهيمنة على الساحة السياسية، والنقابية، مع الطبقة الحاكمة من جهة، ومع الجماهير الشعبية الكادحة من جهة أخرى.
وفقدان البوصلة، معناه اليأس من التنظيمات الموجودة حتى الآن، والانطواء على الذات، والبحث عن سبل فردية، لمواجهة الأزمة، كما يحصل الآن، مما يستغله الانتهازيون في مختلف التنظيمات الجماهيرية، لممارسة الابتزاز على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وعلى الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، لتحقيق التطلعات الطبقية للانتهازيين المشار إليهم. وهذا معناه: مضاعفة الاستغلال الوحشي، وتشريد الطبقة العاملة، وإغلاق أبواب التشغيل، واعتماد اقتصاد هش، محكوم بالبحث عن الربح السريع، لنهب المزيد من الخيرات الاجتماعية، وامتصاص ما تبقى من القدرة الشرائية البسيطة للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
إن كل ما تريده الهمجية الرأسمالية التبعية، هو أن تتردى أوضاع الكادحين: اقتصاديا، واجتماعيا، كمدخل للتردي النقابي، والسياسي للطبقة العاملة، ولباقي الأجراء، وسائر الكادحين، انطلاقا من مبدإ هذه الهمجية نفسها، (جوع كلبك ايتبعك)، وبذلك، تبقى وحدها سيدة الموقف، وسيدة القرارات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فهل تقبل الطبقة العاملة، ومعها سائر الكادحين، هذه الوضعية، وهذا التردي، وهذه السيادة؟
ابن جرير: بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لاستشهاد الشهيد عمر بنجلون: 18 دجنبر 2014 محمد الحنفي
|
|
|
|
|
|