|
وأين فساد مكتب الوالي؟! بقلم يوسف الجلال
|
هبوط اضطراري
الحمد لله رب العالمين، أن هناك مراجعاً عاماً يخرج للناس، ويُخرجُ تقريره عن الفساد، غض النظر عما إذا كان التقرير قد غاص طويلاً ولامس عمق الفساد، أم أنه اكتفى بالمشي على سطح الكارثة. لأن مجرد ظهور التقرير يستحق – ابتداءً – الوقوف عنده وتأمله، لأننا في دولة تحتل مرتبة "تاني الطيش" من جملة دول العالم في توافر الشفافية، وفي دولة لا يتورّع حكامُها من تطبيق والاهتداء بفقه السترة.. فتعجب يا رعاك الله..! حسناً، فالتقرير الذي اجتهد فريق عمل المراجع العام، وعكف على انجازه، لن يصل إلى حقيقة الفساد المالي في هياكل وأجهزة الدولة، على الرغم من المثابرة التي تبدو ظاهرة في طيات التقرير الذي جاء في (76) صفحة. ببساطة لأن المراجع العام لا يملك اليد الطولى التي تجعله يدخل إلى عش الدبابير، وينقّب في الأقبية السرية. لأن هناك بعض الوزارت والمؤسسات الحكومية ظلت منيعة المراجعة، ومحصّنة ضد حملات التفتيش، ومسيّجة بسور عالٍ، يُغالب فريق عمل المراجع العام. ومع أن المراجع العام تمكن هذه المرة، من كسر الطوق وهدم الجدر العالية التي كانت تُحصّن تلك الوزارات والمؤسسات، وتمكن من فحص ذمتها المالية، وتمحيص سنداتها وأوراقها الرسمية، إلا أن هناك وزارات ومؤسسات لا تزال فالتة عن يد المراجع العام، مثل كنانة ومثل إدارة الرقابة المصرفية ببنك السودان. والمفارقة أن هذه الإدارة مُنوط بها مراقبة وضبط أداء البنوك والمصارف.. فتأمل يا هداك الله..! وأسوأ ما في القصة كلها، فقد برهّن التقرير أن الفساد قد تراجع بنسبة (78%)، عن العام الماضي، وهذا أمر جيد، لكن تقابله حقيقة صادمة أخرى تقول إن حجم الاعتداء على المال العام بلغ (21,6) مليون جنيه. وهنا يبزر سؤال ملحاح: "كم كان سيكون حجم الفساد في دولة من يسمون أنفسهم بـ"الأطهار"، ويرفعون شعار المشروع الحضاري، لو لم يتناقص الفساد بهذه النسبة..!! صدقوني، الأمر برمته لا يبدو مبرراً، بل أنه مقزز جداً، إذا علمنا أن حكام السودان قالوا إنهم جاءوا لربط قيم الأرض بالسماء..! أما حقيقة الضعف الكبير في تقرير المراجع العام عن الفساد، فقد تمثّل في المتناقضات التي حفل بها، خصوصاً أن بعض المعلومات والأرقام الواردة فيه تغالط الواقع تماماً، وتتعارض مع حقائق مُثبتة وفقاً لأجهزة حكومية رقابية. تخيل أن التقرير يتحدث عن استعادة (2,4) مليون جنيه من جملة الفساد في الأجهزة القومية الذي بلغ (3,6) جنيه، فضلاً عن أن التقرير تحدث عن استعادة (947) ألف جنيه من جملة الاعتداء على المال العام بالولايات الذي بلغ (18) مليون جنيه. وهذا مدعاة للضحك والسخرية، إذ أن جملة الأموال المستردة في المركز والولايات لا توافي سعر قطعة أرض في أحد أحياء الخرطوم الراقية. يحدث هذا في حين أن قضية فساد مكتب والي الخرطوم الشهيرة وحدها بلغت جملة الأموال المستردة فيها مبلغ (17,835) مليون جنيه، حسبما أفاد المستشار بوزارة العدل ياسر أحمد صالح. فهل خلا تقرير المراجع العام من قضية "غسان قيت" أم أن الأخير ورفيقه لم يقوما بإرجاع الأموال المنهوبة..!
|
|
|
|
|
|