|
الحياة الجبليّة بمناسبة عيد الجبل 2014 بقلم يوسف بن مئير
|
E-mail: mailto:[email protected]@highatlasfoundation.org
قد تجسّد المناطق الجبليّة، أكثر من أية مناطق أخرى، تناقضا ً من نوع خاصّ يتمثّل بتعايش الفقر الشديد مع الإمكانيّات الخاصّة لتحقيق الإزدهار التحوّلي. إنّ الظروف التي تخلق فقر سكّان الجبل متأصلة في الأوضاع المحليّة والخارجيّة ذات العلاقة. فالمناطق الجبليّة غالبا ً ما تكون مباركة ً بوفرة المياه، ولكنها مناطق شحيحة للزراعة تقتصر فيها الزراعة على مدرجات على طول سفوح الجبال. هذه العوامل الأساسيّة، في نطاق جبال الأطلس المغربيّة، مقترنة ً بثلاثة عوامل هي: القيمة السوقيّة المنخفضة للشعير والذرة، المحاصيل الأساسيّة التقليديّة والنموّ السكاني، وهذه تجبر حاليّا ً المزارعين على شراء معدّل النصف أو أكثر من احتياجاتهم الأساسيّة من الأسواق. الضغط الناتج للتحوّل نحو زراعة المحاصيل النقديّة، وهي غالبا ً ما تكون أشجار فواكه ونباتات أروماتيّة عطريّة، قد زادت من الطلب على هذه البذور ورفعت أسعارها، "زانقة ً" بذلك المزارعين في وضع الفقر الكفاف. وفي المغرب، كما هو الحال في مناطق عديدة من العالم، تقطن أعلى نسبة من الفقراء بين القمم. خمسة عوامل للتحوّل من الممكن لحسن الحظ – ولله الحمد –التغلّب على هذا الوضع وهناك - كما تبيّن التجارب الناجحة - خمسة عوامل رئيسيّة تلعب دورا ً هامّا ً بهذا الشأن. قد خلق الإرتفاع العالمي في الطلب على المنتجات العضويّة الإنفتاح لمعظم الأسر الفلاحية المحرومة والتي – كما يتبيّن الآن مصادفة ً – لم يكن لديها أبدا ً الوسائل الماليّة لركوب قطار الزراعة الكيميائيّة. وبالقيام فقط بتعديلات ثانويّة، وبالأخصّ فيما يتعلّق بالتعامل مع منتجاتهم، قد يدخلون بيئة متخصّصة تدفع لهم في أغلب الأحيان الضعف أو أكثر ممّا كانوا يأملون الحصول عليه لغلاتهم في الأسواق المحليّة. والشرط الذي لا غنى عنه للنجاح في مشاريع التنمية البشريّة قد أثبت بأنه المشاركة الشعبيّة في تحقيق مستقبلهم، وذلك بعاملين هما تحديد كلّ خطوة من الطريق وإدارة النشاطات الفعليّة للمشاريع. يتطلب التغلّب على فقر الكفاف "التعلّم عن طريق العمل" في المسائل الفنيّة (المتعلّقة بالزراعة وغيرها من المجالات الأخرى كالتعليم والصحّة) في بناء مهارات في الإدارة وبناء التوافق وفي العمليّات. وفي حين قد تتمكّن أسر المزارعين من الحصول على شهادة عضويّة لمنتوجاتهم، فهم عادة ً لا يملكون سبل الوصول للسوق المطلوبة - لأنّ هذا يمتدّ ما وراء قنوات التوزيع التقليديّة – لكي يتمّ التعامل بمنتجاتهم وتسليمها للمشترين حول العالم. وهنا يتضّح بان بناء الجمعيات التعاونيّة المحليّة أمرً أساسيّ. على أية حال، فالعلاقات الخارجيّة أيضا ً تحدث تغييرا ً حاسما ً. والتجارب الرائدة بالجوز في جبال الأطلس الكبير قد بيّنت بأن ترتيبات تنظيميّة تجمع ما بين ربحيّة وغير ربحيّة توفّر المرونة اللازمة لدعم النمو الأخضر صانع الربح الذي يدعم التنمية البشريّة الأوسع. ولبناء القدرة المائيّة، وبالأخصّ من خلال احتواء المياه واستخدام أنظمة التدفق بالجاذبيّة والتنقيط ، هناك إثنان من الآثار الإيجابيّة وهي: ليس فقط زيادة الأراضي الصالحة للزراعة التي تصل أحيانا ً كثيرة إلى ما يزيد عن خمسين بالمائة، بل وأيضا ً المدرجات الزراعية الجديدة التي بنيت تؤدي إلى زيادة القدرة فيما يتعلّق بوقف تآكل التربة الجبليّة، وهذه ظاهرة شائعة تؤدي إلى كثير من الأحيان لعواقب وخيمة. و ليس من الضروري لعشرات حالات الموت الناتجة عن الإنهيارات الطينيّة الجبليّة في هذا الموسم الماطر في المغرب أن تحدث وينبغي ألاّ تحدث ثانية ً. هناك عدد من أشجار الفاكهة والنباتات التي تُزرع تقليديّا ً في منطقة جبال الأطلس الكبير في المغرب بدون استخدام المبيدات الكيميائيّة، ومنها الجوز والكرز والتين واللوز وكذلك الزعفران والكبر والتوابل مع نباتات أخرى كثيرة. وهناك مجال كبير من الفوائد المرتبطة بزراعة الأشجار البلديّة الأصليّة ومجموعة من الأشجار العضويّة التي من الممكن زراعتها معا ً في نفس المنطقة، هذا إضافة إلى تجنّب نقاط ضعف محتملة في السوق وفي البيئة. أربعة أسئلة للتغيير يقصد احتفالنا السنويّ باليوم العالمي للجبل أساسا ً لجلب الخير العملي لسكان المناطق الجبليّة في جميع أنحاء العالم. حان الوقت من خلال التشاركيات العامة والخاصّة أن يجني الناس الذين يزرعون الغذاء – والذين يرغبون بمواصلة العيش والعمل في الأماكن التي يتواجدون فيها – فوائد أكثر منه. ويمكن أن يتمّ ذلك بتمكينهم من خلق سلسلة كاملة من الفوائد. فدعونا إذن نوجّه الأسئلة الصريحة التالية. كيف ستُمنح الأراضي لأغراض إقامة مشاتل أشجار ونباتات تتمّ إدارتها من قبل المجتمع المحلي نفسه، وتنخفض بذلك تكاليف المجتمعات المحليّة إلى جزء من التكلفة، هذا مع تقاسم المخاطر وخلق اعتماد على النفس ؟ كيف سيتم دفع تكاليف إنشاء أنظمة للريّ، وهذه عادة ً الأكثر تكلفة بالنسبة للمبادرات التي تتضمّن سلسلة القيمة ؟ هل سيعيش أفراد الشركات والوكالات التي تقوم بالتنمية بين الناس الذين يهدفون إلى إفادتهم عن طريق التنمية ومن هم الذين يقودون بشكل ٍ حاسم تنميتهم وعلى من تقع مسؤولية الإستدامة ؟ هل سنقوم، كما يجب، بتمويل انطلاقات سلسلات القيمة ولا نرفضها بصراحة عندما تكون بحاجة مثلا ً لتمويل مركّبة (أي جزء) واحدة منها فيما تكون جميع المركبات الأخرى سليمة وفعالة ؟ للحياة الجبليّة نزاهة خاصّة وهي تواجه معدّل يبدو غير ملائما ً من الفرص المنفذة ولكن ضخامة الإمكانيات لم يتحقّق بعد. وبالرغم من ذلك، فبوجود طرق موجودة ثبت نجاحها دعونا نرى كيف ستبدوالحياة في هذه المناطق في غضون عام.... د. يوسف بن مئير رئيس مؤسسة الأطلس الكبير.
|
|
|
|
|
|