|
في شرك روايتهم الشعبيـة بقلم ألون بن مئير
|
قد أضرّت رواية الفلسطينيين الشعبية اللاذعة والمستمرة في نهجها ضد إسرائيل وما تزال بمصداقيتهم في أعين العديد من الإسرائيليين. فيبدو أن السلطة الفلسطينية – ناهيك عن حماس – تريد كسب حملة العلاقات العامة مع شعبها أكثر من كسبها السلام. فهم يركّزون الآن بشكلٍ متزايد على جذب التعاطف الدولي مع قضيتهم ولكنهم فشلوا مراراً وتكراراً في مناشدة الشعب الإسرائيلي الذي من المفروض أن يكون الأهم بالنسبة لهم لتحقيق هدفهم المعلن في إقامة دولة فلسطينية.
يبدو أن الفلسطينيين وقعوا في شرك روايتهم الشعبية الموسومة بالحقد ضد إسرائيل حتى أثناء مفاوضات السلام. فبالإضافة إلى التعليم المعادي لإسرائيل في المدارس والمنتشر على نطاقٍ واسع، تأتيك الهجمات الإعلامية المنتظمة والتلقين في العديد من المؤسسات العامة والخاصة …… فهذا ما يراه ويسمعه ويخشاه ويؤمن به الإسرائيليون.
لم يستطع الفلسطينيون إدراك أنهم بذلك قد غذّوا وأنشأوا مشاعر متفشية معادية لإسرائيل بين الفلسطينيين ومشاعر قوية معادية للفلسطينيين بين الإسرائيليين، الأمر الذي يضرّ بالسلام في كلتا الحالتين.
لقد حان الوقت للفلسطينيين لكي يعيدوا فحص وتقييم الحلبة السياسية المتغيّرة في إسرائيل وبين بعضهم البعض ويقوموا بتغيير المسار الآن مهما بدا ذلك غير مواتياً الآن حيث أنّ هذا أمرٌ لا مفر منه من أجل تحقيق هدفهم العام.
ينبغي على الفلسطينيين أن يدركوا بأنّ هناك بُعد سيكولوجي لصراعهم مع إسرائيل يعود إلى عقودٍ من الكراهية وعدم الثقة المتبادلة. فالهجومات اللفظية المتكررة ووصف إسرائيل بأنها دولة عنصرية وأبارتهادية لا يعزّز سوى شعور الإسرائيليين بالإستياء وتشككهم بنوايا الفلسطينيين.
يبدو أن السلطة الفلسطينية تغفل عن الحقيقة بأن شعورها الدائم والمعلن المعادي لإسرائيل يعزّز مكانة جمهور الناخبين اليمينيين القوي ويضعف في نفس الوقت أيادي معسكر الوسط واليسار من الوسط الذي يمثّل أغلبية الإسرائيليين. فهل يُترك الأمر للقادة الإسرائيليين المتزمتين أمثال نتنياهو ليشير باستمرار لعداوة الفلسطينيين المتشددة تجاه إسرائيل ليبرّر سياسته الفظة تجاههم؟
لم يتعلّم الفلسطينيون بأنه لا يمكنهم الاستحواذ على الأمرين: أي المطالبة بدولة مستقلّة لهم وتهديد وجود إسرائيل. إنّ أصوات الفلسطينيين المعتدلة والمحدودة مكبوتة بفعل المتطرّفين، وبالأخصّ حماس والجهاد الإسلامي الذين يسعون وراء الدّعم الشعبي ويقوّضون في نفس الوقت حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
تريد الأحزاب السياسيّة الإسرائيليّة من الوسط واليسار سماع لغة المصالحة، لغّة تركّز على الحقوق والمطالبات المشروعة بدلا ً من التهديدات والإنذارات، والإقدام على محاورة الشعب الإسرائيلي حول القضية الوحيدة الأكثر أهميّة وخطورة من أي قضيّة أخرى، ألا وهي إنهاء الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني المضني للشعبين.
ينبغي ألاّ يتوقّع الفلسطينيّون من الإسرائيليين غضّ الطّرف عن هجماتهم اللفظيّة العلنيّة على أنها خطابات فارغة، الهدف منها فقط الإستهلاك المحلّي. الفلسطينيّون وحدهم من يستطيعون فقط تغيير المفاهيم الإسرائيليّة العامّة، وذلك ليس فقط بالشعارات السياسيّة، بل بالأحرى بالبرهان على أنهم أهل للثقة وجديرين بأن يكونوا شركاء تفاوض.
تقدّم الإنتخابات الإسرائيليّة المزمع عقدها في شهر مارس (آذار) العام 2015 فرصة ً زخمة للفلسطينيين للإنخراط في روايات تصالحيّة شعبيّة بالتعبير عن استعدادهم ورغبتهم ومقدرتهم على التفاوض بجديّة للتوصّل لسلام ٍ دائم يعتمد على أساس حلّ الدولتين.
يجب على الفلسطينيين الفصل ما بين الحكومة الإسرائيلية والشعب. على كلّ قائد أو زعيم فلسطيني أن يفكر بحذر كيف ستؤثر تصريحاته أو تصريحاتها العلنيّة على جمهور الناخبين الإسرائيليين، وبالأخصّ أثناء الإنتخابات. هناك تحوّل مضطرد نحو اليمين، والافتراء على إسرائيل خلال الحملة لن يقوّي سوى اليمين ويضعف الوسط واليسار.
أنا لست ساذجاً لأن أعتقد بأن الفلسطينيين بمجرد تغيير روايتهم الشعبية إيجابياً سيغيّرون فوراً وبشكل جذري الخارطة السياسية في إسرائيل لصالح اليسار والوسط، ولكن إذا أراد الفلسطينيون تحقيق إقامة دولتهم، يجب عليهم تغيير روايتهم المتسمة بالحقد عاجلاً لا آجلاً، وتعطي الإنتخابات الإسرائيلية فرصةً فريدة من نوعها للشروع بهذا التغيير. والشرط الأساسي هنا أن يبقى الفلسطينيون صادقين بما يقولونه ويستمروا في هذه الطريق لفترة ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية.
أضف إلى ذلك، ينبغي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن ينتظر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية قبل التحوّل لمجلس الأمن الدولي لتحديد موعد للانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية، وذلك لسببين: أولاً، هناك احتمال كبير في تشكيل حكومة من أحزاب الوسط واليسار تكون ملتزمة في التفاوض للتّوصل لاتفاقية. وثانياً، ستحرم اليمين المتطرف في إسرائيل من إحراز مكاسب قد يسببها مثل هذا التحرك.
قد لا يبدو ذلك على أنه تغيير من القلب من طرف الرئيس محمود عباس، بل بالأحرى تعديل استراتيجي على الساحة السياسية المتغيرة في إسرائيل. بإمكان الرئيس عباس، على أية حال، العودة إلى مجلس الأمن في حالة عدم استئناف عملية السلام بصورة جدية، غير أنه سيكون لمناشدته هذه المرة صدىً أقوى بكثير، وبالأخصّ لدى الولايات المتحدة.
أضف إلى ذلك، على السلطة الفلسطينية أن تحضّر شعبها لقبول تنازلات لا بدّ منها (وكذلك الإسرائيليين) ما دامت هذه التنازلات تدفع العملية باتجاه إقامة دولة فلسطينية. فبالرّغم من التأييد المتنامي للمجتمع الدولي يكون الفلسطينيون مخطئين إن افترضوا أو ظنوا بأن المجتمع الدولي سيحلّ صراعهم مع إسرائيل.
لا الأوروبيون ولا الولايات المتحدة التي تتمتّع بتأثير محدود على إسرائيل بإمكانها أن تضغط بشدة على يد أي زعيم إسرائيلي من الجناح اليميني المتشدّد مثل نتنياهو حيث أنه قاوم في الماضي مثل هذا الضغط، ولكن بتأييد شعبي إسرائيلي كبير.
ليس من السهل، وبالتأكيد ليس من المستحب شعبياً للفلسطينيين إيقاف تصريحاتهم العدائية ضد إسرائيل وهم ما زالوا تحت الإحتلال. غير أن وقف وابل الهجومات اللفظية العلنية لن يضعف مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم المشروعة، لا بل بالعكس سيقوّي مطالبتهم، الأمر الذي سيعود بالنفع على الفلسطينيين، وليس على الإسرائيليين.
سيكون هناك العديد من المتطرفين الفلسطينيين، وبالأخصّ حماس، ممّن سينظرون إلى هذا التّحول الاستراتيجي من طرف السلطة الفلسطينية على أنه استسلام. ولكن حماس، بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، ما زالت تلعق جراحها وقد خسرت الشيء الكثير حيث بان مدى التدمير الفظيع بعد انقشاع الغبار.
أضف إلى ذلك، فإن ما يسمى “حكومة الوحدة” أو “حكومة الوفاق الوطني” أصبحت تقريباً في عداد الموتى وليس هناك ما يمنع الآن الرئيس محمود عباس من اتباع استراتيجية جديدة. ينبغي أن يتذكّر كل فلسطيني بأنه بالتمسك برواية الماضي لن يحقق أي شيء تقريباً.
تغيير المسار الفلسطيني الآن لا يُعتبر استسلاماً، لا بل بالعكس، فإنه سيعزّز فقط من مصداقية الفلسطينيين ويقوّي موقفهم التفاوضي ويعجّل استئناف مفاوضات السلام.
|
|
|
|
|
|