|
جريمة (أمن الدولة) النموذج الثاني..!! بقلم عثمان ميرغني
|
حديث المدينة الجمعة 13 نوفمبر 2014
في (حديث المدينة) الجمعة الماضية ذكرت هنا قصة سيدنا إبراهيم، عندما حطم الأصنام بـليل ورمى التهمة على كبيرهم الذي علق في يده الفأس حتى يقبض متلبساً.. وقلت إن الجريمة تحولت إلى نيابة أمن الدولة، وحُكم على سيدنا إبراهيم بالإعدام حرقاً بالنار، وبمشاركة وشهادة جميع الشعب.. حتى تمسح العقوبة القاسية آثار الدعوة العلنية للكفر بالآلهة. لكني اليوم أضع أمامكم (جريمة أمن دولة) ثانية.. في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون.. بعد التحدي والمواجهة التي دعا إليها فرعون، وجند لها السحرة وانتهت المباراة بنصر كاسح لسيدنا موسى.. كان من الممكن أن يتحلى فرعون بروح رياضية ويقبل الهزيمة، فيعين سيدنا موسى رئيساً للوزراء على أقل تقدير.. لكن فرعون باغته تصرف آخر خطير للغاية لم يحسب له حساباً. فوجئ بالسحرة يشهرون إيمانهم برب موسى وهارون.. هنا انتبه فرعون للخطر العظيم.. خطر بدرجة (أمن الدولة).. فقال لهم (آمنتم به قبل أن آذن لكم..) لم يعترض فرعون على مبدأ الإيمان برب موسى.. فهو نفسه رأى الهزيمة الشنيعة حينما ألقى موسى عصاته فإذا هي حية تلقف ما يأكلون.. لكنه استنكر عدم انتظار قراره. حتى هذه اللحظة كان في إمكان فرعون أن يقبل اعتذاراً فورياً من السحرة كأن يقولوا له (أعذرنا على تسرعنا.. أنت الرئيس والأجدر أن نستأذنك اولاً..) وكان ممكناً أن يرد فرعون (أقبل اعتذاركم وأوفق على الإيمان. لكن بعد أن أصدر قراراً فرعونياً بتعيينه رئيساً للوزراء.. ثم قراراً آخر بالسماح للشعب بالإيمان واعتناق ديانة موسى..). لكن الواقع.. أن فرعون تلقى من السحرة ضربة قاصمة (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا). هنا تكاملت (جريمة أمن الدولة) الأمر ليس مجرد تغيير دين وإيمان بدين جديد.. هو (تمرد!!) كامل الأركان يقوم على مبدأ خطير للغاية.. مبدأ أن المشيئة الفرعونية لا تسري على اعتقاد البشر.. هنا استخدم فرعون الحيلة المعهودة.. تضليل الشعب بحيثيات مختلفة (إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَافَسَوْفَ تَعْلَمُون). هذه مؤامرة ضد الدولة لإخراج الناس منها. ثم أصدر حكمه القاسي (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) ويتكرر الأمر في قصة سيدنا لوط مع قومه.. عندما استشرى الفساد الأخلاقي وأصبح هو (دين الدولة).. فأشهر سيدنا لوط دعوته مطالباً قومه بـ(الإصلاح).. ربما لو اكتفى سيدنا لوط بعزل نفسه من فعائل قومه وسكت.. لما اهتم به قومه.. لكن إشهاره (الإصلاح) وضعه تحت طائلة قانون (أمن الدولة) فصدر حكم بنفيه فوراً (أخرجوا آل لوط من قريتكم) حيثيات الحكم بينتها تكملة الآية (إنهم أناس يتطهرون).. حينما ينتشر الفساد ويصبح هو العادة والاستثناء هو الصلاح.. يصبح (التطهر) جريمة أمن دولة..
|
|
|
|
|
|