|
ديمقراطية .. أم ديكتاتومقراطية ؟!! بقلم توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي)
|
بسم الله الرحمن الرحيم
http://http://www.tewfikmansour.netwww.tewfikmansour.net تنتظم بلادنا وبلاد العرب والمسلمين دوماً العديد من المؤتمرات والفعاليات التي تتناول وتهتم بالديمقراطية وأهميتها وأساليب تحقيقها .. وما تم من تجمع فريد في سوداننا قبل عدة أيام، ومثله كثير في بلاد العرب والمسلمين، لهو أبلغ دليل على ذلك .. هذا ولا شك بأن مثل تلك الاجتماعات إنما يؤمها عادة (الفطاحل المدعوون) من شتى بقاع العالم ممن يجيدون التحدث والخطابة، ولدينا أيضاً بسوداننا (عيني باردة) من يتفوق عليهم فصاحة وبلاغة .. ولكن يقيني أن (الديمقراطية) ليست بالمتفائلة بكل هذه التجمعات والاحتفاليات، ولا أخالها سعيدة ومنشرحة الصدر، بل كالمجنونة تنكش شعرها وتبكي وتضحك في آنٍ واحد .. فالديمقراطية كلما أطلت برأسها على بلادنا خاصة العربية لترى ماذا حل بأمرها، تنكسف وتنسحب (مكسورة الخاطر)، لأنها تدرك في قرارة نفسها بأنها لا شك تشكل لبلادنا وأمثالها معضلة يصعب حل لغزها ؟ فتضحك، ومن ثم تتذكر بأن (احمد شوقي) قد تغزل فيها شعرا مع بداية عشرينات القرن الماضي وعشرينات القرن الحالي تقترب ... فتبكي !!!.. هذا وهناك من ذم وهجا ديمقراطيات العرب خاصة بعد أن ذُبح بعضها ربيعاً فانشد قائلاً :- دامت طهارة خِنْصرِي من حبرك المستقذَرِ ** فلأقتلنك بادئا وليهجونك منبري ** ولأحاربنك جاهدا في الأرض أو في المشتري ** أنت الدمار بعينه يا شرعة المستعمر ** أنت الخراب لعالَمٍ حتماً فهل من مبصر ** وترى الورى فيما جرى من فتنة وتهور ** قد مُزقوا وتفرقوا إثناء بضعة أشهر ** ما بين حزب خاسرٍ أو فائزٍ متبخترِ ** .. أما معضلة لغزها هذا فتفسره (الطُرفة) التي مفادها أن مواطناً قد عثر على جرةٍ ففتحها فإذا بجني يخرج منها صائحاً (خادمك بين يديك)، فارتعب الرجل وقال للجني (هل أنت من يحقق الأماني) ؟ .. فهز الجني رأسه بالإيجاب .. فقال الرجل للجني (أنني أتمنى أن يُبنى على هذا البحر جسر يربطني بالعالم) .. فقال الجني (يا عم سيبك من موضوع الجسر لأنه سيتعبني كثيراً نسبة لكميات الحديد والأسمنت الذي يتطلبه أمر تشييده، فبالله عليك أطلب شيئاً آخرا) .. فقال الرجل .. (طيب حقق لي الديمقراطية في عالمنا العربي) .. فارتعش الجني وقال للرجل (يا عم خلينا في الجسر أحسن .. هل تريده معلقاً أم بالأسمنت المسلح؟) .. والجني في هذه المُلحة كان معذوراً .. فكيف يمكنه تحقيق الديمقراطية في بلادٍ تختلط فيها الأمية بضعف الوعي السياسي، والفقر، والتبعيات الاقتصادية، وغياب سيادة القانون، وضعف الممارسات الديمقراطية، وغياب المؤسسات، واحتكار النخب والأسر للسلطة، والقمع، وتبعية المجتمع، والنفوذ الأجنبي الذي يهتم بمصالحه أكثر من قضية الديمقراطية، والمصالح الطبقية، ومشكلة المثقفين، والحروب الأهلية، وغياب الحريات، وضياع حقوق الإنسان ؟! .. هذا ومن الواضح أن أنواع ديمقراطياتنا في دنيانا النامية لهي أقرب إلى الديكتاتوريات . وربما كانت الديكتاتورية أكثر صراحة وبلا لفٍ ولا دوران . إلا أن الديكتاتورية نفسها تفقد مصداقيتها (المدكترة) إن هي تدثرت بثوب الديمقراطية !. وحقيقة يمكن أن نسمي ديمقراطياتنا في دنيانا المتخلفة ب(الديكتاتومقراطية) . وأوضح مثال للديكتاتومقراطية يتمثل في عيادة طبيب الأسنان، الذي يشير لك وأنت على كرسيه بأن تفتح فمك ولا تتكلم !! فإن تكلمت فستؤذي نفسك !.. فالمريض يفتح فمه حتى تتعب عضلاته، وينتظر ساعة إغلاقه على أحر من الجمر. وعندما يغلق فمه يستريح أيما راحة !.. هذا وتواجهنا في عالمنا المتخلف أنماط شتى من (الديكتاتومقراطية) في كل أوجه حياتنا اليومية، مثل أن يشير المدير المتسلط في اجتماع عام بأنّ باب مكتبه مفتوح ولا يُغلق أبداً ، ولكن في حقيقة الأمر فإن بابه مغلق، وقلبه مغلق، وفكره مغلق (إلا على الحبايب) .. أو أن يشاع ما بين الناس بأنك يمكنك أن تكتب ما تريد طالما أنك لا تتخطى الخطوط الحمراء، وفجأة يظهر أحدهم (معلم كبير) فيأخذ (الموضوع) لكي يدرسه، ومن ثم يغتاله بكل برودة دمٍ ودون إبداء الأسباب .. وكذلك على مستوى الدول وتسميتها، فكم وكم سمعنا عن دولٍ ومنها بلادنا سابقا حيث كانت التسمية (جمهورية كذا وكذا الديمقراطية) !! وهذا الأمر أيضاً إن دل إنما يدل على (الديكتاتومقراطية)، حيث يتردد (لفظ الديمقراطية) في بلدك يومياً عشرات المرات دون أن تمارسها .. كذلك يتجلى مثال (الديكتاتومقراطية) في تعامل إسرائيل مع إخوتنا في فلسطين وتصريحات اليهود السابقة عن أن السماح للأحزاب الإرهابية (حسب وصفهم) إنما يحتمه قدر الديمقراطية، ثم عندما تكتسح حماس الانتخابات تبتلع إسرائيل تصريحاتها وتحرك (ديكتاتورياً) الغرب الذي اخترع الديمقراطية ليجهضها في فلسطين، وكذلك فعلوا مع ديمقراطيات عربية (أجهضوها) بعد أن (حلَّ الربيع) لأنها لم تكن حسب هواهم !!. وأحزابنا .. جميع أحزابنا، القديم منها، والجديد، والمتجدد، والمنقسم، والمُنسلخ، ومنسلخ المُنسلخ، كلها تنادي بالديمقراطية، وتعشش الديكتاتورية في الكثير من تصرفاتها وسلوكياتها وإدارتها .. وكذلك أسوأ أحوالنا السياسية كانت أبان الحقب الثلاث الديمقراطية ، حيث فتحنا فمنا للأناشيد والهتافات والمهاترات، وفشلنا في أن (نحافظ) على (فتح الخشم) فأغلقناه بأفعالنا وبيدنا .. وفي حقيقة الأمر حتى في العالم المتقدم نعايش ونرى عجباً، فأمريكا دستورها قمة في الديمقراطية، ولكن ممارساتها وتعاملها مع الآخرين يهز عرش ديمقراطيتها، ويفقدها مصداقيتها، ويجعل مصائر البشر حول العالم تتوه ما بين شعاراتها وممارسات أجهزة استخباراتها وحجج بيتها الأبيض الأمنية فتصبح ديمقراطيتها ديكتاتورية، بل أفظع ! .. هذا وحتى ما يُعرف ب(الديمقراطية التوافقية) أو الوفاقية إنما هي نوع من أنواع (الديكتاتومقراطية) والتي يلجأ إليها من أعياهم أمر الديكتاتورية، فيحاولون حل المشكل بالمشاركة والتحالفات التي يظنون بأنها ستفضي إلى التحول الديمقراطي التدريجي ولكن هيهات !.. كذلك حتى على مستوى الأسرة نجد من يشير لك بكل فخرٍ إلى أنهم في المنزل أسرة متفاهمة ويعاملون أولادهم كأصدقاء ، ولكن (عينك ما تشوف إلا النور) .. فالصياح والضرب هما الحل في معظم الأحيان .. وحقيقة فإن هناك من يربط ما بين ديمقراطية المجتمع وتنظيماته، وديمقراطية النظام السياسي، لأن الممارسات على مستوى الأسرة والمدرسة والحزب والنقابة وما إلى ذلك إن كانت على مستوى قواعد السلوك الديمقراطي حقاً فإنها تنعكس بالإيجاب على المشاركة الفعالة وعلى دعم الجو الديمقراطي .. توفيق عبد الرحيم منصور (أبومي) http://http://www.tewfikmansour.netwww.tewfikmansour.net
|
|
|
|
|
|