|
إقتصاد العزلة بقلم خالد عثمان
|
mailto:[email protected]@hotmail.com
هللت كل الدولة مؤسسات السودانية الرسمية والمتوالية عن تحسن الاقتصاد السوداني وتعافيه على خلفية تحسن سعر صرف الجنية السوداني مقابل العملة الأمريكية (الدولار) وعزى وزير المالية والاقتصاد الوطني بدر الدين محمود عباس ذلك التحسن بسبب تطبيق سياسته الاقتصادية و نجاحه في خفض العجز في الموازنة عن طريق الاهتمام بالسيطرة على موارد الدولة وترشيد الصرف. ويواصل وزير المالية حملته السياسية منفرداً مطالبا بإعفاء الدين ووقف الحرب في حملة نشطة شملت اقاليم السودان وخارج السودان الى واشنطن، ولكن كل الاخبار القادمة من السودان وخارجه تفيد بالاسواء القادم فمثلاً بانتيو وحقول النفط اصبحت في قلب الصراع الجنوبي الذي يزداد استعاراً بتوقف الامطار وكل المؤشرات تفيد بتوقف النفط تماماً عن الشمال، بالاضافة الي موافقة البنك الدولي على تمويل خط أنابيب البترول الذي يربط حقول النفط في جنوب السودان بحقول يوغند وكينيا ، وكان البنك الدولي قد تعهد بميلغ 600 مليون دولار امريكي لذلك المشروع الذي سيخرج بترول جنوب السودان نهائيا من سيطرة الشمال. ونذكر ايضا تصريح نائب رئيس إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لصندوق النقد الدولي إدوار الجميل الذي قال إن اعفاء ديون السودان الخارجية “صعب” ونوه إلى أنها السبب الوحيد الذي منع صندوق النقد الدولي من تقديم أي قروض للسودان منذ الثمانينات .وقال ان السودان لن يستطيع الحصول على اعفاء ديونه التي بلغت حوالي 43 مليار دولار والاستفادة من مبادرة الهيبك على الرغم من استيفاء كافة الشروط الفنية اذا لم يتمكن من اقناع جميع دول نادي باريس البالغ عددهم (55) دولة دون استثناء والتي يمكن ان تعفي 67% من الدين التقليدي وهذا لن يتم بدون موافقة ودعم الإدارة الامريكية نظرا لاستمرار النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق . فالموارد الحقيقية في تناقص سريع ولايوجد احتياطي نقدي يذكر في مصرف السودان المركزي ويمضي ساسة السودان المعزول في احلامهم الخرقاء ، وكان مجلس الوزراء قد أجاز برنامجا إقتصادياً خماسياً خيالياً يهدف الى تحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي ليصل في نهاية البرنامج إلى 7,1% ، وتنفيذ سياسات وإصلاحات في مجال التجارة الخارجية تؤدي إلى استعادة التوازن بين الصادرات والواردات وتحقيق فائض في الميزان التجاري ، كما يستهدف البرنامج زيادة قيمة الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني بمعدل نمو سنوي يبلغ في المتوسط 6.8% ، ومضاعفة قيمة الإنتاج الصناعي خلال فترة البرنامج بنحو 112% بالتركيز على الصناعات الإستخراجية والتحويلية ، فضلا عن تخفيض عجز الموازنة ورفع معدل.الادخار ، حيث يتوقع زيادة الإيرادات من 59.4 مليار جنيه في عام 2015م إلى 173 مليار جنيه في عام 2019، والسؤال الجوهري ما هي الوسائل التي سيتخدمها القطاع الاقتصادي لتحقيق ذلك مع إستمرار الفشل والتعنت السياسي؟ وهل يستطيع السيد وزير المالية ان يسيطر على القطاع المالي، ومعظم ما يصرفه المصرف المركزي يذهب الي تمويل نشاط الحكومة القمعي والاساسي والمتمثل في تمويل الاجهزة الامنية ، وهل هناك تمويل للنشاط الزراعي والصناعي عن طريق المصارف التجارية وما نسبته؟ ايضاً ما هو حجم السيولة خارج القطاع المصرفي ؟ بل السؤال الاخطر هل لبنك السودان السيطرة الكاملة على مطابع العملة، نريد من السيد وزير المالية ان يكشف لنا وبكل شفافية عن المؤشرات الحقيقية التي تتحكم في سعر الصرف لاننا لانرى اي مؤشرات حقيقية وما هو حجم الاحتياطي النقدي لبنك السودان. إقتصاديا تعتبر السياسة الاقتصادية التي تعتمد على التصدير ( Export Led ) من السياسات التي ساهمت في نهضة ونمو دول جنوب شرق آسيا، ولكن هذه السياسة تمت بدعم مالي وفني من موسسات البنك الدولي ودعم قوي من الدول المعنية حيث لعبت الدولة دورا فاعلاً عبر مؤسسات تم إنشاءها خصيصاً للقيام بذلك الدور والاهم من كل ذلك كان دعم الدولة المعنوي ووقوف الضمير الوطني مع سياسة التصنيع (Industrialization). الاقتصاد السوداني في حاجة ماسة وسريعة الي سياسة اسعافية شاملة للسياسات المالية والاقتصادية مستهدفة لكل اسباب الانهيار ومنها الاخلاقية أيضاً. مثلاً في يوليو 1997 شهدت العملة التايلدنية ( البات ) فجأة إنهياراً خطيراً مسبباً الذعر والانهيار لاسواق عدد من الدول الآسيوية المسماه بالنمور وهي ماليزيا ، الفليبن ، تلى ذلك موجة أخرى من الانهيار شمل بلدان أندونسيا ، هونق كونق وتايوان بل أمتدت الازمة الى اليابان لتسقط معها كوريا الجنوبية في نهاية ديسمبر من نفس العام 1997. وكما هو معلوم فلقد امتد تأثير الازمة المالية الآسيوية ليشمل الولايات المتحدة وأروبا وكذلك روسيا والبرازيل. هذا وقد أرجع علماء الاقتصاد أسباب الازمة المالية الآسيوية الى ضعف النظام المصرفي والمضاربات في العملة بغرض التربح السريع بالاضافة الى الخلل الهيكلي في النظام الضريبي. وبمحاولة إسقاط ملابسات الازمة المالية الآسيوية نجد ان الاقتصاد السوداني أيضاً يعاني في الجانب الاخلاقي فالمصارف السودانية تقرض الاموال لتجار العملة مما يسهم في انخفاض سعر الصرف للعملة الوطنية ويزيد من معدلات التضخم متسببا في حرمان القطاعات الانتاجية من التمويل الضروري، بل نجد ان الدول الآسيوية كانت في وضع إقتصادي قوي ( Fiscal ) لذلك استطاعت الخروج من أزمتها عكس الاقتصاد السوداني الآن. ان الحلول الاقتصادية لن تنجح بدون التغيير الحقيقي في توجه الدولة وسياساتها الكلية ، لانه من المستحيل الخروج من هذا الوضع الكارثي بدون الدعم الدولي وبدون تحقيق السلام الشامل لتقليل النفقات الأمنية، لقد قدم صندوق النقد الدولي في نهاية السبيعنات 17 بليون دولار أمريكي لتايلاند ، و57 بليون لكوريا الجنوبية و 33 بليون لاندونسيا للمساهمة في الخروج من تلك الازمة ، ولن نخرج من هذه الازمات بدون دعم المجتمع الدولي الذي يرى ويسمع ما يدور في بلادنا من قهر وحرق اضف الي ذلك تواصل الحروب في جميع حدود السودان وعدم الاستقرار الأمني الذي يتطلب المزيد من الصرف. كذلك ننتظر من الدولة الديمقراطية القادمة إنشاء مؤسسات وصناديق قوية للمساعدة في التعدين والتصنيع والتصدير مع توجيه النظام المصرفي لتمويل النشاطات الاقتصادية المنتجة وتقييد تمويل النشاطات الطفيلية والعقارية البذخية.
رئيس تحرير صحيفة المهاجر السودانية بأستراليا بكالريوس اقتصاد جامعة الخرطوم 1984 ماجستير إدارة الاعمال جامعة نيو انقلاند، أستراليا 2014
|
|
|
|
|
|