|
لماذا نحمّل الإسلام ما لا يحمله ؟؟؟.. بقلم عمر محيسي
|
قال تعالى في محكم تنزيله (( ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ )) الذاريات ـ 56 ، صدق الله العظيم . إذن الهدف من خلقنا هو عبادة الله وحده ، وقد أرسل إلينا سبحانه وتعالى رسله ليبيِّن لنا كيف نعبده . وكانت مهمة جميع الرسل هي الدعوة إلى سبيل الله وتوضيح كيفية عبادته ، وتنقية النفس البشرية من الأهواء والانحرافات وبذلك تستقيم النفوس وبالتالي يصلح المجتمع كنتيجة لصلاح الفرد . لذلك ركزت جميع الأديان على ترقية النفوس من خلال تهذيب الفرد . وبما أن هؤلاء الأفراد يعيشون في مجتمعات لإشباع بعض حاجات النفس البشرية كما قال تعالى (( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاَ وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )) الحجرات ـ 19 ، أنزل إلينا الموجهات الأساسية التي نقتدي بها ، وكانت التعليمات التي تخص الفرد كثيرة ومحددة ( العبادات ، القيم الإنسانية مثل الصدق ، الأمانة ، العدل ، ... أحكام الميراث ، أحكام الزواج والطلاق وغيرها ) بينما التكاليف التي تخص الجماعة مجملة وعامة ( التعاون ، التراحم ، الشورى وطاعة ولي الأمر في حدود ) دون تفصيل وذلك لأن مبادئ الجماعة ثابتة ولكن السلوكيات المجتمعية والقوانين المنظمة للمجتمع تتغير بتطور الإنسان . فمثلاً القناعة العامة بضرورة فصل السلطات ( التشريعية ، التنفيذية والقضائية ) سلوك مستحدث ولم يطبق في دولة الخلافة ، كما أن قوانين المرور والجمارك والتأمين الصحي وخلافها هي قوانين مستحدثة وليست لها علاقة بالدين . أن انتشار التعليم والوعي العام اقتضى أن يشارك كل مواطن في كيفية إدارة شئون بلاده ـ سواء في الانتخابات أو بالتعبير عن رأيه بمختلف الوسائل المتاحة اليوم ـ وليس أهل الحل والعقد فقط ، وطالما أن الأمر كذلك فيجب أن نقر بأن إدارة شئون المجتمع من أصغر تفاصيله وحتى طريقة اختيار رئيس البلاد تخضع للتطوير حسب الحال مع الحفاظ على المبادئ التي هدانا إليها الحق عز وجل ، وذلك حتى يكون ديننا صالح لكل زمان ومكان .
لقد تم تحوير مقاصد الدين واستغلاله منذ العصور الأولى للدولة الإسلامية لدرجة إقحامه في أشياء لا علاقة لها بالدين ، فمثلاً إذا قلتُ أن العمارة الإسلامية قبيحة المنظر ، لهبَّ إلى من يكفرني وربما يهدر دمي ، ولكن إذا نظرنا ملياً في رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتساءلنا : هل يوجد شيء اسمه العمارة الإسلامية ؟؟ إن العمارة التي يدعون أنها إسلامية ما هي إلا خليط من الأقواس والقباب الرومانية والزخارف الملونة الفارسية التي ما زالت تنقش حتى يومنا هذا على السجاد الإيراني .
وهناك من ينادي بتطبيق الاقتصاد الإسلامي ، ولكني لم أجد أيّ تعريف محدد للاقتصاد الإسلامي . لقد تطرق الإسلام لبعض الموجهات والتي لا تنفصل عن التربية القويمة والأخلاق الحميدة مثل تحريم الربا وفرض الزكاة وطريقة توزيعها . في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك بيت مال للمسلمين بالمعنى الذي عرف به لاحقاً وقد كوّن نواته الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العام 15 هجري بعد أن توسعت رقعة الدولة الإسلامية وزادت مواردها ، وهو بذلك يعتبر شأنا إدارياً ومن اجتهاد أمير المؤمنين رضي الله عنه ، فأما إن كان شأناً دينياً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أولى بوضع أسسه وحتى وإن لم تكن الموارد متوفرة بالقدر الكافي . كان بيت مال المسلمين يقوم على زكاة المال الظاهر ( الحرث والأنعام ، حيث أن زكاة المال الباطن كان يقوم بإخراجها وتوزيعها أصحاب المال بأنفسهم ) ، الفيء ، الغنيمة والجزية . إن موارد الفيء والغنيمة والجزية هي غير موجودة الآن عملياً ، فهل يمكن أن نبني اقتصاد دولة حديثة في عالم اليوم على منع الربا وجباية الزكاة فقط ؟؟ إن المسميات التي يستخدمونها الآن مثل المضاربة والمرابحة والمشاركة كانت موجودة قبل الإسلام . لقد أقرها الإسلام ولكنها لم تكن صناعة إسلامية ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعمل في أموال السيدة خديجة رضي الله عنها بصيغة المرابحة قبل البعثة . والخطير في أمر بيت مال المسلمين انه ليست هناك حدود وقوانين واضحة لصلاحيات ولي الأمر ، فإن كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مأموناً على أموال المسلمين فهل كان هارون الرشيد مأموناً عليها ، وفي تقديري أن هذه هي الثغرة التي نفذ منها لصوص اليوم .
لقد أخذت الدولة الإسلامية الكثير من النظم الإدارية من البلدان التي تم فتحها في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما تلاه ، وتمت الاستعانة ب ( خبراء أجانب ) لدرجة أن الديوان الذي أنشأه عمر رضي الله عنه لحفظ مستندات الدولة والإشراف على أموالها كان بعدة لغات ، فديوان العراق كان يكتب مستنداته بالفارسية وديوان الشام كان بالرومانية إلى أن جاء عبد الملك بن مروان وعرّب الدواوين . فمثل هذه النظم ليست من الدين في شيء وإنما هي مسائل إدارية كما أسلفنا ، تركها لنا الحق عز وجل حتى نتطور ونرتقي . وأختم باستغلال الدين للاسترزاق ( وليس ببعيد ما قاله أحد نواب البرلمان : " أنا الدين دا باكل منو عيش " . وهنا نود أن نسأل هذا النائب : مَن مِن الرسل كان يأكل عيشه من الدين؟؟ ) ، كما صار الدين أيضاً وسيلة للحصول على المكانة الاجتماعية ، وفي بعض الأحيان لتثبيت دعائم الحكم . لقد لوّث البعض علينا ديننا حتى تشوّه ناصعه وصار اسمه مرتبطاً بالإرهاب وهو دين السلام والعدل .
عمر محيسي .
|
|
|
|
|
|