|
لُعبة الكُرات الزُجاجية (9) تابع ... حلم
|
ضيف في أحد الأديرة على التلال، دخلتُ عندما ذهب جميع الرهبان للصلاة، إلى غرفة مصطفة بالكتب على طول الجدران، متوهجة بنور يوم متلاشى، رأيت عددا كبيرا من الكتب بظهرها الجلدى بنقش رائع. بشغف و بفضول منتش، اخترت أقرب كتاب وقرأت الخطوط: تربيع الدائرة – المرحلة النهائية. فكرت : سوف أخذ هذا وأقرأ كل صفحة! مجلد ، جلد مذهب وعدٌ بقصة لم تُسرد بعد: كيف أكل آدم أيضا من شجرة أخرى... شجرة أخرى ؟ أيهم ؟ شجرة الحياة؟ هل آدم خالد ويمكنني أن أرى الآن لم تكن الصدفة احضرتنى لهذه المكتبة. بحثت بدقة تتلألأ بجميع ألوان قوس قزح، عنوانه خُط باليد يعكس مرسوم: العلاقات المتبادلة بين تدرُّج الألوان والصوت: دليل على أن كل لون يمكن وجوده في الموسيقى مفتاح مناسب. مجموعة من الألوان لمعت أمام أعيني وقد بدأت أخمن: هنا كانت مكتبة الجنة. لكل الأسئلة التي دفعتنى جميع الإجابات الآن يمكن أن تُقدم لي. هنا يمكن إخماد عطشي لأفهم، لأن هنا جميع المعارف صارت بأمرى. هناك الكفاية لكل حاجة: عنوان ملئ بالبشر على كل كتاب أجاب على كل نظراتي السريعة. هناك الثمر لإرضاء الجشع لأي طالب خجول التطلعات، ولأي تحقيقات معلم جريئة. هنا كانت المعانى الداخلية هنا المفتاح، للشعر والحكمة والعلم. سحر ومعرفة متحدان فتحت الباب أمام كل الغموض. هذه الكتب منحت تعهدات بكل قوة للذي جاء إلى هنا في هذه اللحظة السحرية.
منضدة بالقرب و بأيدي مهتزة وضعت عليها كتاب مغري، حلت الشفرة بلمحة، كما في حلم نجد أنفسنا نسرد قصيدة أو درس لم نعلمه ابدأ. فورا ارتفعتُ محلقا إلى أَرْجاء الروح، ومع دائرة الأبراج تحولت، حيث اظهار جميع الأعراق، أيا كان الحدس قد تنبأ، تجربة الألفية للأمم كافة، وئام اجتمع في علاقات جديدة، الأفكار القديمة مع رموز جديدة تشكلت، في دقائق أو ساعات كما قرأت مرة أخرى تتبعتُ مسار كامل للبشرية، و كل ما فعل وقال الرجال وكشف عن معناها الداخلي لعقلى. قرأت وشهدت تلك النماذج الهيروغليفية الزوجين والجزء تلتحم في أسراب، الرقص لفترة معا وتنفصل، مرة أخرى في أنماط جديدة تندمج، مشكال لاستعارات لا نهاية لها، وكل شاسع وإدراك للبحث أعذب.
مبهور بهذه المشاهد ... نظرت بعيداً لكي أعطي عينيا راحة للحظة، ورأيت أني لم أكن الضيف الوحيد. رجل مسن وقف أمام هذا التصفيف الكبير من المجلدات. ربما كان أمين الأرشيف. كان جادا حول بعض المهام وأنا لم استطع مقاومة أن أعرف طريقة عمله وما تعنيه. شاهدت الرجل المسن وبيده الضعيفة ويبطئ أخذ كتاب وتفحص ماذا كُتب على ظهره ، ثم رأيته يَنْفُخ بشفاه شاحبة على العنوان ربما يكون العنوان مغري أكثر أو يحمل وعدا أكثر للتحمل فرحة؟ ولكن الآن مسح إصبعه عبر ظهر الكتاب. رأيت أنها تمحو بصمت الاسم، وشاهدت بخوف عندما كتب آخر في مكانه وانتقل إلى واحد أخر ، لكن فقط عنوان جديد للزخرفة. لفترة طويلة نظرت إليه بارتباك، ثم تحولت لان ليس بسبب لفهم معنى أفعاله، العودة إلى كتابى – وقد رأيت إلا عدد قليل من الخطوط- ولم أستطع قراءة العلامات أو حتى مشاهدة لصفوف الصور. عالم الرموز لا أكاد ادخله والذى حركنى لمثل هذا النقل النعيم، محورها الكون ، يذوب ويسرع بعيداً ويهتز في انكماش محموم، ويتلاش تاركا لا شيء غير ورقة فارغة عتيقة وبراقة. شعرت يد على عاتقي وشعرت بها تتدحرج فوق كتفي. الرجل المسن وقف إلى جانب منضدتى وارتجفت الى حين وأخذ كتابي مع ابتسامة خفية مس برفق إصبعه لمسح العنوان السابق ثم بدأ الكتابة الوعود الجديدة والمشاكل وإجراء تحقيقات جديدة، صيغ جديدة لإسرار القديمة. دون كلمة استعمل أسلوبه السحري. ثم اخذ كتابي واختفى عن الأنظار.
ماريافيلس: اختير جوزيف للذهاب الى دير البينديكتين ماريافيلس (Benedicctine monastery of Mariafels)، واحدة من أقدم مراكز التعلم في البلاد، التي تحتفظ بعلاقات ودية مع كاستاليا (Castalia) وخاصة تفضيلهم للعبة الكرات الزجاجية. طلب الدير من كاستليا إرسال معلمين شباب لبقاء لفترة طويلة، لإعطاء دورات تمهيدية في "لعبة الكرات الزجاجية " وأيضا لحفز اللاعبين المتقدمين في الدير. وسوف نرى الخلاف بين نظام كاستليا وماريافيلس حينما ينتقل جوزيف للدير. فى نواح كثيرة كانت حالة جوزيف نكهت مرة أخرى مماثلة لتلك في أيام المدرسة اللاتينية بعد زيارة معلم الموسيقى. جوزيف نفسه لم يكن يتصور أن تعيينه واختياره الى ماريافيلس (Mariafels) خطوة كبيرة على سلم الترتيب الهرمي. و كان ينتمي فى ذلك الوقت إلى نخبة "لعبة الكرات الزجاجية ". دير ماريافيلس عبر قرون عديدة من وجودها تقاسمت في صنع ومعاناة تاريخ الغرب. أنها شهدت فترات ازدهار وانخفاض وكانت في أوقات مختلفة وفي مجالات متنوعة الشهيرة والرائعة ولا تزال تمتلك مكتبة ضخمة من لاهوت القرون الوسطى. ثم أصبحت مشهورة بالموسيقى ولمخطوطات الموسيقى. ثم دخلت الدير حقبة سياسية والتي تركت ورائها تقليد ومهارة معينة. في أوقات الحرب والهمجية ماريافيلس عدة مرات أصبحت جزيرة صغيرة من العقلانية حيث العقول الأفضل بين الأطراف المتنازعة سعى كل منهما الآخر على الطريق نحو المصالحة. نقطة الذروة في تاريخها – ماريافيلس كانت مكان المعاهدة السلمية التي ولفترة أرضى رغبة الامم المتعبة. بعد ذلك عندما بدأ عصر جديد وتأسست كاستاليا ، اتخذ الدير موقف الانتظار والترقب، هو في الواقع موقف معادي ويفترض أنه بناء على تعليمات من روما. طلبا من "مجلس المعلمين" بمنح الضيافة لباحث من الذي يرغب في العمل لفترة في المكتبة المدرسية في الدير قوبل بالرفض. اللقاء بين كاستاليا والدير بدأ أولاً في وقت بيوس أبوت(ِAbbot Pius)، والذين تولي اهتماما كبيرا لعبة الكرات الزجاجية في سنواته الأخيرة. منذ ذلك الوقت تطورت علاقة ودية بين الدير و كاستاليا. ابداء جيرفاسيوس أبوت (ِAbbot Gervasius)، الإحسان تجاه نكهت، بسرعة شعر بالراحة في بيئته الجديدة. نضارة وحيوية من المناظر الطبيعية بالسعادة له. يقع الدير في منطقة جبلية وبها منحدرات خلابة وجيوب من المراعي الغنية التي ترعى فيها الماشية. تدرج جوزيف نكهت الى قمة هرم كاستاليا وأصبح رئس المنظمة او بما يعرف بماجستير لودى (Magister Ludi) . نكهت يبدأ بالسؤال عن الولاء للنظام وتسرب الشك تدريجيا إليه. وراء أن كاستاليا كنوع من برج عاجي يضم جماعة مكرسة للمساعي الفكرية النقية ولكن غافلة عن المشاكل التي تطرحها الحياة خارج حدودها. هذه الشكوك اوصلته الى تقديم استقالته وطلب ترك النظام. رفض طلبه من مجلس المنظمة ولكن بالرغم من ذلك يخرج نكهت من كاستاليا ويغادر النظام. في البداية عمل كمدرس ابن صديقة ديسيجنوري. وبعد بضعة أيام فقط تنتهي القصة فجأة مع نكهت غرقا في بحيرة جبلية أثناء محاولة سباحة مع ابن صديقه.
مراجع: 1- قراءة في كتابات هيرمان هيسى (الجزء الأول) ISBN:978-1-4685-8339-7(sc), ISBN:978-1-4685-8340-3(e) 2- قراءة في كتابات هيرمان هيسى (الجزء الثاني) ISBN:978-1-4772-4336-7(sc), ISBN:978-1-4772-4337-4(e 3- قراءة في كتابات هيرمان هيسى (الجزء الثالث) (يصدر قريبا)
------------------------------------------------------------ محمد يوسف mailto:[email protected]@yahoo.com
|
|
|
|
|
|