|
كيف إغتالت إسرائيل المهندس عياش والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي ؟ الحلقة الثامنة ( 8 - 10 )
|
بقلم : ندى عابدين سليمان mailto:[email protected]@gmail.com
1- ولم تنتصر إسرائيل ؟
حروب إسرائيل العدوانية المدعومة امريكياً وأوروبياً ضد العرب ، ساهمت في تآكل سردياتها الملفقة ... من حكاية الكيبوتز الاشتراكي إلى الواحة الديمقراطية إلى النموذج الإسرائيلي الذي يتغزل فيه الأستاذ عثمان ميرغني بوله وإعجاب شديدين ... لصالح انكشافها كدولة همجية لا تقيم وزناً لقوانين العالم أو لأعراف البشر! أتمنى ان لا نكون غافلين عن دماء نحو 2100 شخص قتلوا في مجزرة غزة الأخيرة ( يوليو 2014 ) ، بينهم 68 أسرة أبيدت عن آخرها. إضافة إلى 10 ألف و400 آخرين أصيبوا جراء القصف الإسرائيلي الظالم . كما ان نحو 3 الف عمارة هدمت وتحولت إلى انقاض، غير آلاف المنازل التي تضررت بصورة أو بأخرى. كما ان نحو نصف مليون فلسطيني تشردوا وأصبحوا بلا مأوى. يُعد العدوان الإسرائيلي الغاشم أحد حلقات القمع والإبادة التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ أربعينيات القرن الماضي!
نقطة الضعف الأساسية في الموقف الفلسطيني كانت غياب الظهير العربي ، لوجود البعض الذين يتغزلون في النموذج الإسرائيلي . ذلك ان غزة حاربت وحيدة، على الصعيدين العسكري والسياسي. فلم يساندها نظام عربي ولا حتى الجماهير العربية، بمن في ذلك أغلب النخب والطلائع ، والمؤسسات عالية الصوت !
قامت اسرائيل بجيشها المصنف بين اقوى اثني عشر جيشا في العالم ضد قطاع لا تتجاوز مساحته 362 كلم مربعاً ، وتعداد سكان أقل من مليون و800 الف لاجئ ، بأوسع عدوان وحشي همجي لم يشهد العالم مثيلاً له ... ولم تنتصر !
بل أحتفل أهل غزة ، يوم الأربعاء 27 اغسطس ، بيوم النصر ، بعد مرور 51 يوماً على العدوان الإسرائيلي الظالم .
قامت اسرائيل بتدمير المنازل والمساجد والمدارس وحرق المزارع ... ولم تنتصر !
قام جيش العدوان النازي عمداً بالتطهير العرقي وارتكاب المجازر الجماعية بحق الاطفال والرضع والنساء والشيوخ وهدم المساكن على رؤوسهم ... ولم ينتصر !
قام مجرمو الحرب ، الذين يتغزل فيهم البعض ، بهدم البنى التحتية، وتدمير محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمصانع ودور الرعاية الصحية والاجتماعية، ... ولم تنتصر اسرائيل !
قامت اسرائيل بحرث مساحة غزة ( أقل من مساحة الدروشاب ) بآلاف الاطنان من القنابل المدمرة، براً وبحراً وجواً... ولم تنتصر!
قامت اسرائيل بفرض حصار شرس لسنوات على القطاع من البر والبحر والجو، بغية تجويعه وخنقه واستسلامه، وحمله على رفع الراية البيضاء ... ولم تركع غزة ، ولم تنتصر اسرائيل !
بقي شيء واحد لن تستطع اسرائيل ولن يستطيع الذين يتغزلون فيها تحقيقه، هو انتزاع فلسطين من الوجدان والتاريخ والوجود السوداني . ثم إن تصفية حساب المقاومين مع اسرائيل ، حتى في السودان ، ستكون عسيرة، طال الزمن بها ام قصر.
صباحك فلسطين يراه الطغاة والجلادون بعيداً... والمقاومون والاحرار ، حتى في السودان ، يرونه قريباً !
الاستاذ عثمان ميرغني ورفاقه الكرام يمتنعون !
أثناء حرب ال 51 يوماً العدوانية التي شنتها إسرائيل أخيراً على قطاع غزة وبعدها، وجه الجميع التحية للشعب الفلسطيني الذي اعتبروه البطل الحقيقي والوحيد في ملحمة الصمود، وتمنوا على الفصائل الفلسطينية أن تكون على المستوى نفسه من الوعي والمسؤولية عند إدارتها الصراع في مرحلة ما بعد توقف القتال. ببساطة لأن توحد الشعب الفلسطيني خلف المقاومة ، كان في تقديرهم هو العامل الأكثر حسماً في الحيلولة دون تمكين إسرائيل من تحقيق أي من أهدافها !
اعتبر الجميع أن قدرة الفصائل الفلسطينية على المحافظة على تماسكها في مرحلة ما بعد توقف القتال، هي وحدها الكفيلة بوضع الشعب الفلسطيني على الطريق الصحيح نحو تسوية متوازنة. في سياق متواز ، فإن قدرة مكونات المعارضة المدنية والمسلحة في السودان على المحافظة على تماسكها في مرحلة ما بعد إعلان باريس ، هي وحدها الكفيلة بوضع الشعب السوداني على الطريق الصحيح نحو تسوية سياسية عادلة ومتوازنة ، لا تعزل طرفاً ، ولا يهيمن عليها طرف ! وإلا فرايات الإنتفاضة الشعبية السلمية غير المستنصرة بالأجنبي جاهزة ؟
2- المهندس يحى عياش ( 29 سنة )
كان ( المهندس ) يحيى عبد اللطيف عياش من ابرز قادة كتائب عز الدين القسام حتى اغتياله فجر الجمعة 5 يناير 1995 .
كان ( المهندس ) متخصصاً في تجهيز السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي يمكن تفجيرها من على البعد بالرموت كونترول او الهاتف النقال ، وكذلك في تجهيز الإنتحاريين بالمواد المتفجرة .
تنبع أهمية أعمال ( المهندس ) في انه نجح في تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية ، وطور لاحقاً أسلوب الهجمات الانتحارية ( الاستشهادية) عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل في فبراير 1994. أحدث ( المهندس ) خسائر جسيمة في صفوف جيش الإحتلال الإسرائيلي . قام جهاز الشاباك الإسرائيلي ( البوليس السري ) بتركيب بطارية خاصة في جهاز تليفون محمول . البطارية الجديدة كانت في الحقيقة بنصف حجمها العادي ، حيث وضعت متفجرات عالية الإنفجار ( حوالي 50 غراماً ) في النصف الآخر.
سلم الشاباك التلفون الملغوم للعميل الفلسطيني واسمه كمال حماد ، الذي أخبر الشاباك إن ( المهندس ) يختفى في بعض الأحيان في شقة أبن أخته أسامة حماد .
انتقل ( المهندس ) إلى شقة صديقه أسامة حماد في نحو الساعة الرابعة من فجر يوم الجمعة الموافق 5 يناير 1996 ، وقام بتأدية صلاة الفجر ثم ذهب للنوم.
إتصل والد ( المهندس) على تليفون المنزل الثابت المُراقب في نحو الساعة الثامنة . عندها قطع جهاز الشاباك الخط الهاتفي الثابت ، ولم يكن في خط الهاتف الثابت البيتي حرارة بعد هذا الاتصال. في نحو الساعة التاسعة، اتصل والد ( المهندس ) مرة ثانية مستخدماً هذه المرة الهاتف المحمول الخاص باسامة حماد . رفعت زوجة أسامة السماعة وسلمتها لزوجها الذي كان نائماً مع يحيى في نفس الغرفة. فأيقظ أسامة حماد صديقه ( المهندس ) ثم أعطاه السماعة وبعد (15) ثانية تقريباً، وفيما كان أسامة يهم بالخروج من باب الغرفة تاركاً ( المهندس ) ليحدث والده، سمع دوي انفجار، فالتفت على الفور فرأي يد ( المهندس ) تهوي إلى أسفل، وغطى الغرفة دخان كثيف، ليتبين بعد ذلك أن ( المهندس) قد استشهد !
كانت طائرة مروحية تابعة للشاباك الإسرائيلي تحلق فوق العمارة في ذلك الوقت ؛ هي التي أرسلت ذبذبة لاسلكية فجرت العبوة الناسفة الموضوعة قبلياً في تلفون اسامة حماد ، بعد أن تأكدت أن ( المهندس ) هو الذي يتكلم في التلفون المحمول الخاص بصديقه اسامة حماد ! تهشمت تماماَ الجهة اليمنى من وجه ( المهندس ) ، من أذنه وحتى منتصف وجهه ، وكذلك يده اليمنى، بينما لم يتأثر بقية جسمه إطلاقاً بالانفجار .
هذا وقد خرج في تشيع جثمان ( المهندس ) مائة الف فلسطيني في غزة وحدها.
في حلقة قادمة مع الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ...
|
|
|
|
|
|