|
ذهنية الحركة الاسلامية مزقت أوصال الكرامة السودانية بقلم / أحمد يوسف حمد النيل
|
مرت العقود و السنوات و ما تزال بقايا حركة الإخوان في السودان تفي بزر الرماد في عيون الكادحين من الشعب المغلوب على أمره , و هي ما تزال تتحسس الطريق المؤدية الى النجاح بلا أدنى تباشير للنجاح, و هي لم تستفق بعد من بقايا أحلام خمسينات و ستينات القرن الماضي , و برزت كالثعلب المرعوب لتتنصل في شكل دراماتيكي من حليفتها العقدية إيران , و تدغدغ مشاعر المملكة العربية السعودية (كحليف مصلحة) , و تطل عليها بسياسة لعبة القط و الفأر. تطل عليها بذهنية الرجل الساذج الذي اذا قيل له : تعال, هرول حافيا ظناً منه انه سيجد دنيا يصيبها في رحلة الحج , و لكنه عندما وصل ملبياً , وجد سراباً يحسبه الظمآن ماء , فوجد خطاباً ضافياً , من رجال أذكياء فحدثوه عن الظلم و الفساد , فارتد على عقبيه بلا أدنى وعد أو منفعة أو حتى احترام. فهزمته ذهنية البداوة الماهرة و هزمت معه أحلام المتصنعين , أصحاب الطموحات النرجسية من أذيال الحركة الاسلامية الفاسدة , فما هم في أعين هؤلاء الا رعايا ارهاب و غلظة و تشدد.
تلك الصورة التي ظهرت في وسائل الاعلام السعودية و العربية و بخاصة الصحافة , و هي تبرز رئيس دولة السودان مبتئسا من خطاب الملك عبد الله بلسان ولي عهده سلمان بن عبد العزيز الذي يحس انه موجه له شخصيا , و ليس هنالك نظرة في وجهه تدل على حسن الاستدلال و التحليل و الفهم , و للمرة الثانية يظهر أيضا الرئيس السوداني في صورة و هو جالس على كرسي في الحرم المدني و هو ممسكاً بالمصحف المطهر , و لا يبدو في الصورة من أمير أو مسؤول كبير غير ضابط شرطة يحرسه من على البعد. أين هي قيمة الدولة ؟ أين هيبة الدولة السودانية؟ لقد أذلوها اذلالاُ لا يخطر على ذهن بشر , فالذين يجلسون على موائد الخبث و يطلقون عسكريا لا يعرف أمور السياسة و الدبلوماسية و الفكر أن يقوم بهذا الدور هم من صب الزيت في النار , و من فرط الاذلال لا يستطيع دبلوماسي أو سياسي أن يقوم بما قام به هذا الرئيس العسكري.
كفى اذلالاً للسودان و شعبه الطيب , كفاكم حكما بالظلم سنين عددا , كفاكم ما أصبتم من جنات الدنيا و زخارفها , و استعدوا للحساب عندما يهب المظاليم من بني جلدتكم يوم تدور الدوائر , اما حساب الآخرة فهذا ما سيهمس لكم به القدر عندما تفارقون هذه الدنيا التي تعشقونها. لم تكونوا يوما ذوي منفعة للمواطن , لأنكم قد سددتم الطريق أمام طموحاته و أحلامه البسيطة من مأكل و مشرب و صحة و تعليم , كان الله في عون المواطن الصابر , الذي يئن من ثقل المسؤولية و من انعدام الحرية فهي أوكسجين الشعوب المتطلعة. لقد انسدت كل الطرقات في رحلة الانعتاق من براثن المجحفين , و خاب أمل المتطلعين لنعيم الحرية , فأغفلوا هذا الشعب العظيم عن جذوة النضال , و قيم العلم و الاخلاق , و شغلوه بترانيم منكره تتمايل لها أبدان الفتيات العاهرات , و ترقص حولها جثث هامدة تعشق رائحة الزمن الجميل , و ملأ الاحباط صدور الرجال و النساء و الشباب و حتى الولدان , فما عاد الذي يفرح يبث الفرح كسالف الأيام و لا عادت الحوادث المؤسفة تستدعي الحزن كالسابق.
أي ذهنية هذه التي تعشق المادة حد الافراط؟! و أي ذهنية هذه التي تعشق حياكة المؤامرات؟! ألم يعلموا أن أوروبا الكافرة (كما يطلقون عليها) قد هجرت كنائسها و ديرها و قام رهبانها الى دنيا العمل و الأخلاق , و ابتدعوا عصر الأنوار , فكانت الثورة العلمية و الصناعية , فتحولت رومانسية الفكر الى اشكال هي جمال الصناعة , و الى اخلاق هي روح الصناعة. و لكن المتشددون لم يجنوا الا السراب. و لكن هيهات ان تأتلف قلوب ولهة بروح المادة , متزعزعة في قناعاتها , متصارعة في مصالحها.
لم تعد هنالك آذانٌ صاغية من حكومة طلّقت الحكمة , و أذنت بالعداء , و خرّبت عشها بيدها. أناس لا تربطهم أدنى روابط بالواقع , المسرح السياسي لُعبة ٌ قذرة – لا نؤمن بهذه المقولة الا عندما يطرأ على ساحة الحكم الفاسدون – أنبكي على أخلاق اندثرت؟ أم على عروض تهتكت؟ أنرثى على حالنا من وجه امتلأ بالدمامل و القذارة و انمحت من ملامحه الكرامة؟ أم من جهل يُعبّد طريق المستقبل المظلم؟ ليتها لم تكن حركة اسلامية لكان الظلم و الظلام الدامس أمر طبيعي! و لكن هذا الاسم فيه مدعاة للاستغراب , و دهشة صادمة , و خوف من كل جماعة تدعي حمل لواء الاسلام.
كل شيء في العالم يبدو واضح , و كل منظومة سياسية أو اقتصادية أو تربوية أو اجتماعية تعرف هدفها , و لكن ما هي أهداف جماعات التطرف الديني و التأصيل؟ لا تلمس الواقع التي تطأه أقدامها , الا من منظور أنانية البشر الذين لا يميزون بين الحق و الباطل , يعبرون لقيم في بطون الكتب بأذهان متعطلة تماماً عن التفكير و السيرة الابداعية , و يجهلون أو يتعمدون تجاهل قيمة الانسان الكريم. من قال انهم يعرفون القيم فانه واهم , و من قال ان لهم ذهنية صالحة هذا محض افتراء. فالفشل في السياسة و الدبلوماسية و الاقتصاد و التربية و الأخلاق قد سد الأفق , و عمى العيون.
لم تكن مصلحة الشعوب يوماً ما سبيل للقطيعة أو المصلحة بين الدول. فذهنية الحركة الاسلامية فيها تعقيد لدرجة المرض الكارثي, و الوباء الفتاك. عندما تتصالح مع ذاتها في انانية مفرطة , تظلم كل من هم خارج اطارها , و عندما تفقد بريقها و تخسر تجارتها و تتشابك خيوط المصالح , فإنها تتخبط كالبعير المنحور أو الذي يضرب خبط عشواء لكي تخطب ود الدول المعادية لها من باب المصالح (فقط) , ولكن خاب فألهم و خبا لهيب الذكاء المصطنع , فالذين يديرون مصالح شعوبهم بحنكة , لا يصرخون في الملأ رياء اً منهم و جهلاً , فقيمة الانسان في هذا الكون الكرامة التي منحها الله له , و من استبطن الكذب و الخيانة فمصيره ان يفتضح أمره يوماً ما.
|
|
|
|
|
|