|
كنياتا إلي الجنائية: الكلام ليك يا المنطط عينيك
|
بعد جدل سياسي طويل وبعد إتهامات متبادلة بين القوي السياسية الكينية حول دور أُهورو كنياتا في الصراع الدموي الذي تفجر عقب الإنتخابات الكينية في نهاية عام 2007 وبداية عام 2008، قرر كنياتا المثول أمام الجنائية والرد علي الإتهامات الموجه إليه. بذلك القرار يكون كنياتا قد فتح فصلاً جديداً لدور المحكمة الجنائية في جرائم الإبادة الجماعية في إفريقيا والسودان علي وجه التحديد رغم محاولات الإتحاد الإفريقي التأكيد علي حصانة رؤساء إفريقيا من المسألة القانونية. ورغم النقد الذي تُواجه به المحكمة حول سلبياتها وعدم فعاليتها وحياديتها تجاه جرائم مشابهة في أجزاء أخري من العالم خارج المحيط الإفريقي فإن قرار كنياتا قد كسر الحواجز النفسية والقانونية والسياسية التى حالت دون إلقا القبض علي مطلوبي الجنائية والذين من بينهم البشير والبقية المعروفة. تعاون كنياتا مع المحكمة الجنائية يفتح الباب للمفاجآت في ظهور البشير في لاهاي في عملية لن تقل دراماتيكيةً عن عملية إلقاء القبض علي صدام حسين في أسوأ إحتمالاتها.
بهذا القرار يكون كنياتا قد إحترم، وفي ذات الوقت، تجاوز طلب الإتحاد الأفريقي الذي تقدم به لمجلس الأمن في أكتوبر من العام الماضي للضغط علي المحكمة الجنائية بأعفاء البشير وكنياتا من مطالبتهما من المثول أمام المحكمة لمدة عام. وقد تجاوبت المحكمة مع الطلب بحجة بناء الثقة ودعم جهود المصالحة بين أطراف النزاع في السودان وكينيا دون صدور قرار رسمي بالتأجيل. إحترم كنياتا قرار الإتحاد الإفريقي بإزالة الحصانة الدبلموماسية عن نفسه والتى تحميه من المثول أمام القضاء كرئيس دولة لها سيادتها وسلطتها القانونية والدبلوماسية. وبذلك يكون قد أخرج الإتحاد الإفريقي من الحرج وفي ذات الوقت إحترام طلب الإيفاء بوعده بالمثول أمام الجنائية بعد إنتهاء مدة العام. إنها بداية نهاية ثقافة الحصانة من المساءلة القانونية لرأس الدولة في جرائم تتعلق بالإبادة الجماعية.
لقد وضع أُهورو مصلحة كينيا نصب عينيه بالتوجه الي لاهاي كمواطن عادي لمواجهة تهم المحكمة الجنائية. يأتى هذا القرار بعد ثلاثة شهور من قرار الإتحاد الإفريقي بتكوين محكمة مشابهة للمحكمة لاهاي الجنائية تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. فقد تمت إجازة مسودة قرار لإنشاء المحكمة الإفريقية تمت صياغته في قمة إفريقية في غينيا الإستوائية في مطلع يوليو الماضي. التجاوب والتعاون مع المحكمة الجنائية الذي أبداه كنياتا سمح له بالتحرك دون قيود أو تهديد بالإعتقال مما ساعده في الإلتقاء بالعديد من قادة دول العالم لشرح ملابسات أحداث 2007. آخر تلك الزيارات كانت المشاركة في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال الأسابيع الماضية وقبلها ملتقي الرؤساء الإفارقة في القمة الافريقية الامريكية. اليوم تقف كينيا كلها شعبا وحكومة خلف كنياتا لانه نجح في إيصال رسالة للشعب وللعالم أن كينيا دولة تحترم القانون وتحترم مؤسساتها التشريعية والدستورية والقانونية.
قطعا للقرار مالآت وتأثيرات مباشرة علي مجريات الأحداث في السودان ليس فقط بسبب رفض البشير طلب الجنائية بالمثول أمامها بل بسبب إستمرار النظام في إنتهاك حقوق المواطن السودانى بالقتل والسجن والتعذيب والتجويع والفساد. القرار يضيق الخناق علي البشير ويحد من تحركاته الخارجية مما يؤدي إلي مزيداً من العزلة والحصار. آخر ما شاهدناه هو الطلب الذي تقدمت به الجنائية للسعودية بالقبض علي البشير كرسالة واضحة بإنتهاء مهلة العام دون تحقيق نجاح في تحقيق السلام من منبر الدوحة وثبة الحوار خاوية المضمون والجوهر والإلتزام. ورسالة واضحة للمعارضة السودانية وهي تحاور نظام البشير في أديس أبابا أن جرائم البشير لن تسقط بالتقادم أبدا. وهي أيضاً رسالة لأطراف النزاع في جنوب السودان أن يحتكموا للعقل لحقن دماء مواطنيهم. لقد أثبت كنياتا أن التعامل مع الجنائية لا يتم من خلال الزعيق والكواريك علي شاكلة "أوكامبوا والمحكمة تحت جزمتى" بل من خلال تفنيد إتهاماتها ودعوتها للنقاش والحوار في نايروبي ولاهاي. وليس عن طريق إنتقاد الجنائية لتجاهلها لما يحدث في غزة والصومال وأفغانستان. لا يمكن أن تذبح نفساً بريئة في وطنك وتطالب المحكمة، أية كانت، بالإهتمام بجريمة في دولة أخري.
في إعتقادي أن البشير سوف يواجه بالآتي (بإختصار شديد): أولا: ضغوط جديدة من الإتحاد الإفريقي بمثول البشير أمام محكمة إفريقية أو التعاون مع الجنائية في لاهاي. ثانيا: إستخدام القوة في عملية عسكرية لألقاء القبض علي البشير خارج حدود السودان. ثالثا: تغيير في سياسية دول الجوار بالتعاون فيما بينها لتسليم البشير للجنائية. رابعا: ان يكون ملف الجنائية حاضراً في الحوار مع المعارضة..
في إنتظار مداولات المحكمة بعد هذه القراءة الأولية لمالآت قرار كنياتا...
|
|
|
|
|
|