|
قبل فوات الأوان...!!/عثمان ميرغني
|
يبدو أن العقوبات المالية الباهظة، التي أوقعتها الولايات المتحدة الأمريكية على بعض البنوك العالمية، باتت تشكل خطراً حقيقياً على السودان... بنك فرنسي ألزمته أمريكا دفع تسعة مليارات دولار؛ لمخالفته الإجراءات الأمريكية ضد بعض الدول، من بينها السودان، وامتدت العقوبات إلى بنكين آخرين، أحدهما بريطاني، والآخر سويسري. بكل تأكيد هذه السياسة المنهجية في تضييق حلقات الحصار الاقتصادي على السودان، هي التي أدت إلى انسحاب عدد كبير من البنوك العالمية، وحتى العربية، من التعامل مع السودان؛ مما يؤدي إلى تعقيد عمليات الاستيراد والتصدير، خاصة في القطاعات الحيوية، التي تتعلق بقطع غيار بعض المصانع الكبيرة، ومحطات الطاقة، وغيرها، وقد لا يكون التأثير محسوساً للمواطن في الوقت الراهن، لكن- بالتأكيد- التراكمات ستزيد من الأعباء المباشرة على المواطن، بصورة تستحق فعلاً الانتباه منذ الآن، والمشكلة الأكبر أن وزارة المالية ليس لديها أي تصور أو خطة لمعالجة هذا الوضع- الأزمة- رغم أن كل أجراس الخطر ترن بكل قوة. الخطوة الأولى في معالجة الأزمة الاقتصادية، وإنقاذ البلاد من براثنها، هو الإقرار بأن الأزمة الاقتصادية ليست إلا وجهاً من وجوه الأزمة السياسية، ولا يمكن حل الأزمة الاقتصادية بمعزل عن السياسية.. فإذا كانت الحلول السياسية تركب عجلة ظهر سلحفاة عرجاء في مشروع الحوار الوطني الذي يسير (على أقل من مهله)، فإن الزمن لن يسمح بتجنب الانزلاق نحو الهاوية الاقتصادية.. فكل يوم تشرق فيه الشمس يتطلب معالجة لن تظهر آثارها إلا بعد فترة، لكن يوميات الحوار الوطني- الآن- لا تبدو قلقة على أوضاعنا السياسية، ولا على تداعيات الأزمة الاقتصادية، فالناظر إلى حركة آلية سبعة زائد سبعة يدرك أن الزمن مهدر في الإجراءات أكثر من محتوى، ومضمون الحوار نفسه.. رغم أن مخرجات الحوار الوطني- حتى بدون مؤتمر عام للحوار- يمكن استنتاجها بكل سهولة.. ليس استخفافاً أو استهانة بمشروع الحوار، بل لأن المشكلة والحل باتا أوضح من أن يحتاجا إلى جلسات حوار.. فأي مواطن سوداني يسير في الشارع الآن يدرك تفاصيل معضلات البلاد، ويعرف كيف يجب التعامل معها. من المهم الآن أن تكون وزارة المالية أكثر شفافية، فتكشف للشعب حقيقة الوضع الاقتصادي الحقيقي.. قبل أن تفاجئ الحكومة الشعب بقرارات جديدة لرفع الدعم.. فالمشكلة ليست في (ضيق ذات الجيب) لدى المواطن السوداني، بقدر ما هي في الإحساس العام باحتكار تقرير المصير الوطني فوقياً، دون أدنى اعتبار للمشاركة الشعبية، هذا الإحساس يجعل الشعب في معزل كامل عن الأزمة، وسبل تفكيكها، فيزداد اليأس والإحباط، ويتحول بمرور الزمن إلى بارود متفجر، يجعل البلاد كلّها على هاوية الفوضى. الزمن لن ينتظر.. البحر أمامكم، والأزمة الاقتصادية خلفكم، وكل ساعة تمر تكبدنا شهراً من ضياع الفرصة.
|
|
|
|
|
|