|
داؤود باشا وغلامه "الخضر" ! عبد المنعم سليمان
|
[email protected]
مرض (الضحك المُميت) هو ذات المرض الذي يُطلق عليه العلماء مرض (كورو) ، وقد ظهر سابقاً في (غينيا الجديدة) بسبب أكل زعماء المجموعات المحلية هناك ، لحوم بني جنسهم ، وسُميِّ بمرض الضحك لأن الشخص المُصاب به ، تنتابه ضحكاتٍ هستيرية غير إرادية ، في أحلك المواقف التي تستدعي البكاء ويظل على حالته تلك حتى يموت.
ومن أعراضه العديدة الترنح وانعدام التناسق الحركي ، وبحسب الموسوعة العلمية على الانترنت أن مرض (الضحك المميت) إختفى بعد أن توقف السكان عن أكل لحوم البشر .
لم يختفِ المرض ، ولن نصدق (الموسوعة العلمية) هذه المرة ، ومن يقول غير ذلك ، عليه مشاهدة صور المسؤولين وهم يمرون مرور اللئام على ضحايا كارثة السيول والفيضانات ، التي تضرب بلادنا هذه الأيام ، فلم أرى صورة واحدة ، لمسؤول حكومي تجيش تعاطفاً مع الضحايا ، أو يبدو فيها أحدهم – ولو بطريقة زائفة - مُتأثراً بنتائج الكارثة.
وفي أكثر صور الكارثة مأساوية التي تدمي القلوب وتطفر من هولها الأعين بالدموع ، ظهرت ذات الوجوه الشائخة بنفس اللحى المُتسخة التي إمتهنت إذلال هذا الشعب لأكثر من ربع قرن ، ظهرت بابتسامتها البلهاء المعهودة ، وهي ترفع سبابتها إلى أعلى إيذانا برفع المسؤولية عنها وتحميلها للسماء ، مستخدمة نفس التمائم والرقى القديمة التي قسمت الوطن وأذلت إنسانه ودمرت بنيانه !
ليس هذا هو المُحزن وحده ، بل الأكثر حزناً أن الضحايا أنفسهم ظهروا على الصور وهم ينظرون إلى وجوه المسؤولين بنظرات خالية من أي تعبير يدل على العشم والرجاء ، كانوا ينظرون إليهم بنظرة (التعود) ، تلك النظرة التي يقول عنها علماء النفس : (أنها لا تُحدث في النفس أي إحساس بالأمل أو الألم ، نظرة خالية من أي قلق أو إرتياح ، و كأن شيئاً لم يكن) ، قوبل بهذه النظرة حتى "البشير" نفسة . رأيت ذلك عندما نشر إعلامه مقطع فيديو يظهر فيه وحوله ثلة من الحراس الغلاظ ، وهو يمشي مزهواً على صراطٍ من الطوب دون أدنى إلتفاتة منه نحو الضحايا الذين يفترض أنه جاء لتفقدهم.
كانت مشيته في ذلك الفيديو أشبه بمشية عارضة أزياء – موديل – تستعرض "بلوزتها" أو فستانها دون أن تكترث لمن تستعرض أمامهم . ويبلغ مرض الضحك المميت أعراضه الأخيرة في الترنح وإنعدام التناسق الحركي في رسالة والي الخرطوم "عبد الرحمن الخضر" للضحايا ، التي قال فيها : (عدوا السنة دي خنق ، والجاية ما فيها غرق) ، وللناطقين بغير اللهجة السودانية ، فإن الوالي يعني : ( دعوا هذا العام يمر بأية حال من الأحوال ، والعام القادم يحلها الله ) ! هكذا قال الوالي القاسي لرعاياه ، دون أن يقدم لهم حساء أو كساء !
لم يستثن المرض في ذروة إنتشاره أحداً من كوادر الحزب الحاكم وأصاب حتى قواعده من النساء اللاتي يئسن من "الخريف" فترنحت "سعاد الفاتح" مقهقهة في وجه المأساة وهي تهرف : (يجب تحويل مسار طائرات الإغاثة القطرية القادمة لنجدة ضحايا الفيضانات في البلاد إلى غزة ).. ويا للهول .
يا للهول ليس لضياع البلاد وحدها ، بل لضياع الإنسانية في ضمائر حكامها التي لا تعرف التأنيب ، هكذا وصل البؤس لنهاياته الأليمة في بلادنا بعد أن أصبح الأمر والنهي بيد أناس جاؤوا لـ ( ينهبوا) لا ليهبوا ، بحسب تعبير الكاتبة الكبيرة أحلام مستغانمي .
وصلت الأوضاع في بلادنا إلى درك سحيق ، درجة أنني بتُّ مقتنعاً لو أن منادياً أعلن من السماء عن بدء فتح أبواب الدخول إلى جهنم لهرول إليه الشعب السوداني زرافاتاً ووحدانا ، طلباً للرحمة من نار "البشير" وأعوانه ، وبعد كل هذا الخراب والدمار لا يزال البعض يريد منا أن نصدق أننا نعيش في وطن له رئيس وحكومة ومؤسسات ووزراء ، وبه قانون وقضاء وعدالة وشرطة ومستشفيات ومدارس ، وأننا شعب يعيش كبقية ملل الله ونحله على هذه البسيطة ، ولا يزال هذا البعض مُصرّاً على تصديق أوهامه ، وهو ينتظر حواراً وتسويةً سياسية مع (آكلي لحوم البشر).
في رواية الروائي الكبير "عبد الرحمن منيف" ( أرض السواد) التي دارت فصولها حول تاريخ العراق السياسي والاجتماعي في القرن الماضي ، يتحدث "منيف" عن فترة وصول المتهافت البذيئ "داؤود باشا" إلى سدة الحكم في العراق ، وإلى الخراب الذي حدث في عهده بسبب مغامراته العبثية ، بعد ان ترك أوضاع البلاد بيد الغلمان ، فعاثوا فساداً فيها ، ولكن تتدخل إرادة المولى عز وجل في ختام الرواية بفيضان هادر لنهر "دجلة" كنس العراق من قذارة "داؤود باشا" وغلمانه .
ربما فيضاننا الهادر هذه العام شبيه بفيضان تلك الرواية ، وربما جاء ليغسل بلادنا من أدران "داؤود باشا" وغلامه "عبد الرحمن الخضر" .
|
|
|
|
|
|