|
لكم كل الحق، أن تخدعوا أنفسكم/الطيب الزين
|
في مقال نشر في أكثر من موقع على النت، لاسيما موقع الراكوبة، قد تفضل البعض بتعليقات، في تقديري إنها غير نزيهة وغير موضوعية، إذ إنها ذهبت في الإتجاه المعاكس لمضمون المقال، دون أن يكلف الذين كتبوها أنفسهم عناء تحري الحقائق والوقائع، والمقال الذي أنا بصدده لمن يريد الإطلاع عليه، وكذلك التعليقات التي جاءت تحته، جاء تحت عنوان الديمقراطية لن ينتصر لها غير الديمقراطيين، وعلى محمود حسنين نموذجاً. تناولت فيه حصيلة التجربة، التي مفادها، أنها تجربة فاشلة، والفشل الذي عنيته ليس هو فشل الأفق السياسي الذي طرحته الجبهة الوطنية العريضة، في مؤتمرها الأول الذي إنعقد في 2010 في لندن. لكن الفشل تمثل في النهج والإسلوب اللذين جسدهما علي محمود حسنين، وقد شرحت ذلك بشكل واضح وجلي، إنطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية لكي نملك الناس الحقائق كما هي إن أردنا حقاً الإنتصار للديمقراطية، التي سرقها المجرمون قبل ربع قرن من الآن.. ومنذ ذاك الحين، لبس الكثير رداء المعارضة، لكن الواقع والتجربة أثبتتا، أن هناك فرقاً كبيراً بين معارضة وأخرى، بين حزب وآخر، بين فكر وآخر، بين موقف وآخر، وتباين المواقف هذا يعكس إلى حد كبير، إننا مجتمعات إنتهازية ومنافقة تحب النفاق والتدليس، مجتمعات باعت عقولها، مجتمعات تحب التبعية، تبعية شيخ القبيلة، وزعيم الطائفة ورئيس الحزب، وعزز هذا السلوك وعمقه ثقافة الجهوية التي تستميت بالدفاع، عن تلك الرموز، حتى لو أن تلك الزعامات والقيادات، جاءت بسلوك مناقض لدور القائد والزعيم والشيخ والرئيس.. فقط لانه من عندنا..! وما لبث هؤلاء النفر، الذين تسلحوا بمنطق الجهوية المعوج هذا، الذي لا يحتاج إلى كثير عناء للنطق به وتبنيه، أن يتحالفوا حتى مع الشيطان، ويرضخوا لمشيئته الخاسرة، في سبيل تحقيق هدف لا يعرفون عنه شيئا، وينافحون الآخر بلا منطق ولا حجة، متجاهلين أن منطقهم هذا هو الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه من هوان وخوار، لأنهم لا يؤمنون بقيمة الحرية، ولا قيمة الرأي، والرأي الآخر، ولا يؤمنون بوطن واحد تجمعه الهموم والآمال والآلام، بل يركزون على وحداتهم صغيرة لتسهيل مهمة سادتهم. ترى هؤلاء الجهويون يستمتون بالدفاع عنهم، حتى لو حتى ساروا في غير طريق الصواب والمنطق الصحيح، متجاهلين أن الدفاع الصحيح، هو الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية، والرأي والراي الآخر، وليس الاشخاص..! لكن بدلاً من ذلك لم يكلف البعض نفسه مجرد التساؤل والإستفسار، للوقوف على صحة ما ذكرته من عدمه، بل راحوا يطلقون الإتهامات من غير وجه حق، وبعضا منهم، إستكثرعلينا حتى مبدأ النقد في حد ذاته، كوننا وجهناه لشخص في نظر البعض، شخص مبرأ من الأخطاء.. مع العلم أن كل الذي ذكرناه، هو واقع حال يشهد عليه كل من عاش التجربة. والتجربة والمعرفة المستقاتان من مسيرة الأربع أعوام، منذ تأسيس الجبهة الوطنية العريضة وحتى الآن، لا تبرر ولا تدعم، ردة فعلهم الظالمة، التي تجعلنا نقول: ما أحوج البشر إلى مزيد من البلادة والتواضع الذهني لكي يستطيعوا الإقتناع برموزهم وعقائدهم والرضا عنها، لكن ما هي مقاييس الذكاء والبلادة عند هؤلاء..؟ وهل الذكاء هو فهم الشيء كما هو، أم يفهموه كما يحلوا لهم، حتى لو ناقض الحقائق والوقائع..! لذا فالويل لمن من ينتقد معرياً زعاماتهم؛ ّ إذ سرعان ما يجري تصنيفه ووضعه في خانة الخائن والعميل، والمتآمر، والمفصول من هذا التنظيم وذاك، دون أن ياتوا بدليل وحيثيات ووقائع تدعم إتهاماتهم الباطلة، وكأن الوطن والنضال من أجله، يختزل في شخصه ورأيه ..! متناسين أنهار الدماء التي سالت والخراب الذي عم أرجاء البلاد ، والظلم والظلام والفساد الذي قوض أركان البناء وأمتص عرق البسطاء، أكثر من نصف قرن، ليصبح السودان الوطن المنتظر منه أن يكون سلة غذاء العالم، سلة إستجداء العالم، إن كل ما نعايشه وما نعانيه الآن ما هو نتيجة وثمرة لغياب الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وعدم إحترام حقوق الإنسان، لذا كان الإنحداروالتردي الإجتماعي والثقافي والسياسي، وتراكم عوامل الإنحطاط والإستبداد وإزدهار التخلف، والغرق في الظلام. مع ذلك يرى البعض عكس ذلك، وكل واحد منهم يدعي وصلا بليلى، وكأن قصة الحفاظ على زعاماتهم تلك، قصة رومانسية تستدعي سردها على قارعة الطريق بما يتناسب مع ما يطلبه جمهور المستمعين، فصندوق حكاياتهم المغلف بالبكائيات الزائفة ينطبق فيه قول الشاعر: إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ ...تبين من بكى ممن تباكى! ولو كانت منطلقاتهم منطلقات وطنية صادقة، لبكوا بدلا عن التباكي، ليس بدموعهم لكن بأفعالهم من أجل تصحيح المسيرة، لأن شعبنا عانى الكثير، بسبب الإستبداد والهيمنة. وربما يكون القادم أسوأ، أو أفضل، وهذا ما نتمناه ونعمل من أجله، لذا ننتقد ليس من أجل التدمير، بل من أجل التصحيح والتقويم، ومع أهمية هذا الأمر، فليس ذلك مربط الفرس، ولكن مربط الفرس هو أن نوطن في نفوسنا، إحترام الحرية، والديمقراطية وحق الآخر في التعبير عن رأيه بكل صدق وأمانة وشفافية، لان الدول التي نعيش فيها ونتمتع بخيراتها وفرصها، في مفردات حياتنا اليومية، لم تحقق هذا النجاح بفضل العلم فحسب بل القيم كان وما زال لها الدور الأكبر في ذلك. والقيم التي أعنيها هي قيم الحرية والديمقراطية، وإحترام حقوق الإنسان، وإحترام الرأي والرأي الآخر، ومن يقول عكس ذلك فهو واهم.
الطيب الزين
|
|
|
|
|
|