|
هدية العيد / .. هي والحب في زمن الشتاء / جمال السراج
|
بسم الله الرحمن الرحيم
سأحدثك يا سيدي ونحن نشرع النوافذ الأولى لبواكير هذا الصباح عن فتاة التقيتها ونحن على رحلة قطار كان متجهاً من جهة الشرق الى نقيضها في الإتجاه ، ونقيضها في اشياء كثيرة اخرى كان قدري ان يحجز صديقي تذكرة سفري على ذلك القطار، وكأنه تنبأ بأنها ستكون جارتي في المقصورة ولعله فعل ذلك عن قصد فهو يعلم ولعي بالمغامرات وركوب الأخطار..!.
دعك عن تفاصيل ما قبل اللقاء بها داخل مقصورة القطار ولندلف الى القصة في ضيافة المقصورة بدأت مسالمة للوهلة الأولى ولكن لنقل مع التحفظ أو قل مع وقف التنفيذ، اما انا فليست عادتي الولوج الى المحادثات ـ خاصة مع الجنس الراقي بسهولة او بمعنى اصح قبل التحقق تماماً من موطئ قدمي فيها ـ سائلاً عن الاسم الكريم او معلقاً على طقس اليوم مثلاً كما انني اتمتع بجهل الدابة في معرفة اسماء فناني القنوات الفضائية اضف أنني من الحذرين حذر النمر من الخوض في نقاش جدلية الخطأ في ازلية آدم وحواء لا منذ بدء الخليقة ولا مروراً بالعصور الأولى ولا الحجرية ولا حتى في عصر العولمة و«الإنتركشف حال» وما الى ذلك من ظواهر كونية اخرى ظني انني كنت واحدة منها بالنسبة لتلك الفتاة وهي تنظر الي بترقب وثبة الموت وانا احادث دفتر مذكراتي هي في روعة الصباح عندما يأتيك مصحوباً بوشوشات جذلانة لكروان او معزوفة حالمة لأُنث بلبل تنظر الى الحياة بعيون سنوات التكوين .. تحيطك بدفء رقيق وهي تعكس عملية الشهيق خاصة مع برودة تلك الأمسية عملية الى حد خدش المشاعر تمنطق حتى الإبتسامة وتجلس الضحكة امامها كتلاميذ السنة الأولى وبينما القطار يمضي بتؤددة شديدة وتناقلية خطى وقد ولج نصفه الأول بدايات المساء وذيله ما يزال في نهايات المغيب.. قاطعاً مسافات تكاد يدك تلمس من شدة خلوها من الأشياء قرص الشمس وهو ينحدر بطيئاً في بكائية الوداع الأخير.
لا ادري كيف بدأنا الحديث ولكن ما أعلمه أنه كانت تحدثني عن الحب وكيف انه عامل غير مهم في إختيار الزوج واستمرار الحياة بين دفتي السعادة وكأنها تصف لي كيف يؤكل «ساندويش تيك وي بيرغر» او كيف يحتسي فنجان من الكابتشينو وحدثتني وانا صامت في صمت القبور عن ان الزواج لا يعني لها ولبنات جيلها اكثر من دفتر شيكات، ثم قالت ببساطة أنه : (مثل انسياب الماء بين حبيبات الرمل.. ماذا يعني الحب.. ان اجلس امام عيون الرجل تفصلني عنه شمعة.. ان انظر في عينيه لأرى نفسي؟ طبيعي فصورتي تنعكس على اديم عينيه كما تنعكس صورة الشمعة وهي تحترق) ، وكم كانت قاسية وهي تنطق بكلمة (تحترق) مجردة من معاني التضحية الملتصقة دوماً يملكه التعبير عند رؤية الشمعة.. وكانت تلك دلالة منزوعة الشك على خلو قاموس حواء الجديد من ذلك المعنى حقيقية لم أجد لنفسي هذه المرة حجزاً على قطار الضحك او قطار البكاء ولا حتى طائرة الإندهاش.. أهذه فتاة القرن اصبحت عملية الى حد استفزاز انوثتها وبعثرة اوراق هويتها كأساس للجمال والجهل بمعنى وجودها؟ وبينما انا غارق في فك طلاسم جملتها الأولى اردفت قائلة انها تعتبر الحب الموسم الخامس في فصول السنة فقفزت الى ذهني صورة ألأوراق الصفراء وهي تخشى النسمة في موسم الشتاء ووجدت نفسي مرتكباً بأحاسيس كثيرة متناقضات للحظة ومتفقدات لأخرى فأنا من اولئك الذي يفردون مساحة كبيرة للمرأة في دفتر احوالهم.. فدوماً ما تكتمل بوجودها لوحاتي الناقصات او تجد فيها المرأة قصائدي الباحثات عن ذات ففي حياتي لم التقيها الا وكانت لها دوراً فاعلاً سواء ان كانت ام او اخت او حبيبة او صديقة او زميلة دراسة وهنا ركنت الى التفكير في التغير الجاري في كينونة حواء.. لحظتها كنت انظر عبر زجاج النافذة، والغريب ان يتزامن ذلك مع آخر بريق للشمس وهي تطبع بصمتها الأخيرة قبل ان يطبق المغيب اهدابه عليها معلناً الأفول وبدأت في رحلة البحث عن الأسباب لاقنع على الأقل نفسي اذا ما كنت يوماً اتخيل ان تحيلني واحدة من جنس حواء الى كومة من الثلج وتحملني على ان اكون كتلة من التبلد وتزج بي في عوالم تدفعني الى تبني افكار لذاتي وتكويني وبينما تتقاذفني امواج تساؤلاتي الحائرة وتلج اسئلتي بالإجابة وعلامات الإستفهام تمد لسانها تهكماً امامي.. اكتفت هي بإخراج رواية من شنطة يدها مكتوب على غلافها «الحب في زمن الشتاء» وتراءات لي «الموت في زمن الشتاء» واخرى الرجل في زمن الشتاء كما تراءت لي لبرهة الرجل يموت في الشتاء وبدأت أهذي بالشتاء وأحس بالشتاء حتى اعلنت صافرة القطار الوصول فإذا انا وحيد في مقصورة خالية الا من بقايا عطرها. إلى حبيبتي .. عيناك ... تزيد دقات قلبي ...
|
|
|
|
|
|