|
عمر البشير الذي صنعناه/ابوعبيدة الطيب ابراهيم
|
هنالك عدد من الكتاب والمؤرخين الذين كتبوا مقالات وكتب وألفوا مسرحيات عن كيفية صناعة الشعوب لدكتاتوريها، ونجد ذلك ماثلا في كتابات ماركيز ونجيب محفوظ ومسرحيات وليام شكسبير. وفي أيامنا هذي لا بد لنا ان نقرأ لما كتبه المقربون الذين عاشروا ثم ابتعدوا عن الدكتاتوريين أمثال عبد الرحمن شلقم في كتابه "قراءة في أشخاص حول القذافي" والباحث سلام عبود العراقي في كتابه " من يصنع الدكتاتور..صدام حسين نموزجا". فنجد ان كل الدكتاتوريين لم يولدوا متسلطين او جبابرة ولكن مع طول الحكم وإحاطة الحاشية السيئة وغفلان الناس وخوفهم، يترعرع الدكتاتور ويكبر الي المدي الذي يقول فيه انا ربكم الاعلي، كما نراه ماثلا في حالة بطلنا عمر البشير السوداني. فعمر عندما جاء الي سدة الحكم في يونيو 1989 لم يكن دكتاتورا ولكن يمكن ان نقول انه كان كاذب عندما أوهم الناس بعسكرية الانقلاب بعيدا عن الحزبية وكاذب عندما قال انه جاء من اجل كل السودانيين وإنقاذهم وكاذب عندما قال انه اتي من اجل الفقراء والمعدمين. لكن مع مرور الأيام ومساعدة الظروف المحيطة، واغراء الشعب له، كبر شيطان الدكتاتور في عمر فأصبح لا يأبه للقتل ولا التحريض علي الاغتصاب ولا حتي السماح لاتباعه وذويه وحتي شخصه في نهش أموال الدولة بلا رحمة ولا وازع أخلاقي او ديني، حتي تصدر البشير لستة الرؤساء السارقين في مذكرات ويكليكس المسربة التي لم يطعن احد في صدقيتها حتي الان. تدخل البشير في القضاء فافسده وفي التعليم فخلفه حتي المؤسسة العسكرية الي اتي منها الرجل استبدلها بمليشيات تترية قبلية متوحشة لا انسانية لها ولا اخلاق فعاثت في الناس قتلا وترهيبا وبمساندة من البرلمان الاسلامي الذي دعي كثير من أعضاءه الميامين بان يسمحوا لتلك المليشيات ان تحارب وفقا للشريعة الاسلامية، وفي هذا معنا كبير اذ ان اهل دارفور الذين رفضوا سياسة الحكومة كلهم مسلمون ، اذاً لماذا يحاربونهم ككفار؟! الإجابة لانهم أفارقة سود في نظر عمر البشير الذي يضحك علي نفسه واتباعه، لأننا نعلم ان اهل السودان جميعهم سود، وبعدها فاليقسموا الي أفارقة وعربا سود حتي لا ندخل اهل الجزيرة والشام ونحملهم اوزاراً لم يقترفوها. أشعل البشير الحروب الدينية والعنصرية داخل بلاده وغذي الإرهاب خارجها، فدفع الشعب كل هذه الفواتير الباهظة واحيانا معها الهتاف والتكبير ولذلك تمادي البشير وكبر فيه الدكتاتور. والمشكلة في ان الذين حول الرجل لم ينصحوه او يعيبوه ولسؤ الحظ اجتمعت حول الرجل حاشية من الحمقي والطفيليين والمهوسين والنفعيين، فكلُُ يسبح بحمد الدكتاتور وينهش في كبد الوطن بلا وازع او حسيب. فنجد من وصف البشير بالطاهر الامين الذي ابتعثه الله ليعلي مت شأن كلمته كما في كتابات الطيب مصطفي وجيش من الكتاب والمؤلفين بل وحتي الفيتوري الذي قال مقولته المشهورة " من اين اتي هؤلاء" رجع عن كلمته وأصبح يسبح بحمد البشير.اما المعارضة السياسية فيكفي ان الصادق المهدي اصبح دولفيناً للإنقاذ اذ كل ماحاول الشعب إغراق سفينتها أسرع الرجل في النجدة والتثبيت، وكل ثمنه مدفوع، وذات الرجل الذي زين لعمر مايفعله حينما قال ان عمر رجل طيب ومزاجه مزاج ابن البلد العادي، وفي هذا يمكن لنا ان نفهم في ان كل من يقتل، ويحرض علي الاغتصاب، وينهب أموال الدولة ويخادع الشعب وينقلب علي الشرعية يمكن ان يسمي في قاموس الصادق بابن البلد، وذات الصادق هو من قال "البشير جلدنا وما بنجر فيه الشوك" وذلك عندما طلبت محكمة الجنايات من البشير الامتثال أمامها لاتهامه بجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية. عرف البشير انتهازية وخنوع ماحوله فلم يتردد في عرض المناصب السياسية لهؤلاء رقم معارضتهم، فتلهفوا لها ووضعوا أبناءهم حتي ينهلوا من معين الدكتاتور ويجد هو الشرعية بأسماء هؤلاء. فلا غرابة ان يعاون الصادق والميرغني عمر البشير في إثمه اذ ان تأريخهم في معاونة المستعمر ضد أبناء شعبهم لا تحتاج الا الي الرجوع قليلا للوراء لنري ما الدور الذي كانت تلعبه هذه الأسر في حقبة الاستعمار، وفي كيف انهم عارضوا إيقاف تجارة الرق في بني وطنهم بعد ان منعها المحتل الكافر! ولذلك كان التعاون مع البشير أيسر وأهون مادام انه طيب ومزاجه مزاج ابن بلد كما تفضل الامام. لا يمكن ان نبرئ أحد في صناعة دكتاتور البشير، اذ ان الجموع هتفت له وغنت وتمايلت معه طربا في رقصاته علي الوطن الجثة وحفلاته الجماهيرية العبثية المُخدِرة للعقول. حتي المعارضة المسلحة ساهمت في تمادي البشير في حروبه وقتله اذ انها الي الان تحارب بعيدا عن المركز، دائماً مدافعة منتظرة هجمات البشير ومليشياته عليها في كل مرة وكل صيف مما شجع البشير علي التمادي وإطالة أمد الحرب. والشئ الذي يقف الانسان محتاراً أمامه هو استخدام البشير لهؤلاء الذين يقتل أهلهم ويغتصب نساءهم ويشتت شمل أسرهم، استخدمهم البشير ليشاركوه طائعين كل ما يفعله بأهلهم ومبررين له ماداموا هم في أمان ونعمة، فمثلا وزير العدل السوداني الذي نكل البشير بأهله ورئيس سلطة دارفور الانتقالية وتابيتا بنت البشير الباكية لعدله وسماحته ودنيال كودي المحارب الذي اعياه النضال فاستسلم للبشير وأهداه بندقيته ليقتل بها البشير أهله ورفاقه، كل هؤلاء ساهموا في تربية شبح الدكتاتور في البشير. فعمر يمكن ان ينصلح حاله ويرعوي ويرجع الي رشده اذا ما وجد من يقول له هذا خطأ وذاك عيب ولا يجوز، اذا وجد من يعرض عن رقصاته و أوسمته التي يوزعها عبثا لاسكات الخصوم وشراء ذممهم،و لكان البشير قد توقف عن استهزائه بهذا الشعب اذا حذي كبار القوم حذو الكماندور عبد العزيز الحلو الذي رفض التوشح بأوسمة ونياشين البشير واعتذر لانها لم تأتي من رجل مؤهل لإعطاء الأوسمة والنياشين بل حتي جدير بالاحترام. وفي خاتمة القول اني أؤمن بأننا كشعوب نصنع الدكتاتور ونربيه ونرعرعه بسكاتنا وجبننا، ودائما ما أتذكر مقولة ديموثنيس وذلك عندما خرج الي الشعب ليبلغهم بوفاة فليب المقدوني، وحينها كان الشعب يبكي وينوح علي ديكتاتوره فقال لهم: "هونوا عليكم، سرعان ما تصنعون فليبا غيره " فنحن نحتاج الي وعي الشعب وشجاعته وصدق المعارضين وقوتهم وعدم التردد في وقف الحاكم عند حده اذا لزم حتي لا ينفلت أمره ويصبح دكتاتورا. فعندما سؤل فرعون عن الذي فرعنه، أجاب قائلا: مالئتش حد يحوشني. كما يقول المثل المصري.. وهذا بربي ذاته ما جعل البشير فرعونا.
ابوعبيدة الطيب ابراهيم مجلة سودنة الالكترونية الولايات المتحدة Sudnah.com
|
|
|
|
|
|