|
سفر توثيقي بمناسبة مرور 50 عام علي الاستقلال
|
قامت وكالة السودان للانباء بمناسبة اليوبيل الذهبي لاستقلال البلاد (50عاماًبتقديم هذا السفر التوثيقي في هذه الذكرى العطرة ويحكي بايجاز الظروف والملابسات التي مربها السودان حتى نال استقلاله وفترات الحكم التي سادت من حكومات عسكرية ومدنية لعله يكون اضاءة واضحة للأجيال اللاحقة حتى تستلهم معني التضحيات والشدائد التي ألمت بالبلاد ومعني أن يكون السودان واحداً متحداً حتى يعيش ابناؤه في استقرار ونعمة وأمن وسلام. في ربوعه المختلفة. وحتى يقف الجميع على التضحيات الجسام التي قدمتها الاجيال السابقة على مر تلك السنين حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من تاريخ بلادنا. أهــداء إلى أجدادنا الذين بذلوا دماءهم ذودا عن الوطن وعقيدته حتى حققوا للسودان استقلاله من براثن الاستعمار. إلى جنودنا البواسل وقيادتنا السياسية وكافة رموزنا الوطنية والشرفاء من أبناء الوطن العزيز. وإلى أجيالنا القادمة. نهدى محتويات هذا الملف في الذكرى الخمسين لعيد استقلالنا الحبيب حتى يقف الجميع على التضحيات الجسام التي قدمتها الاجيال السابقة على مر تلك السنين حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من تاريخ بلادنا. مدخل: نبذة تعريفية عن السودان يحتل السودان الجزء الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا، بين دائرتي العرض 4 و22 شمال خط الاستواء وخطي الطول 22 و38 ويمتد طول حدوده البحرية علي ساحل البحر الأحمر، الي حوالي 670 كلم كما يشترك في حدوده السياسية مع 9 دول، منها 2 عربية (مصر وليبيا) و7 أفريقية. هذا الموقع جعل من السودان المعبر الرئيسي بين شمال أفريقيا وجنوبها ، كما أنه ظل، وحتى منتصف القرن الحالي، الممر الرئيسي لقوافل الحجيج والتجارة من غرب افريقيا الي الأراضي المقدسة وشرق أفريقيا. تبلغ مساحة السودان حوالي 5ر2 مليون كلم2 وهو بذلك أحد أكبر الدول الأفريقية كما يأتي في المرتبة الحادية عشر بين بلدان العالم الأكبر مساحة. نتيجة لكبر المساحة هذه، فقد تباينت بيئات السودان الايكولوجية وموارده وثرواته الطبيعية كما تعددت أجناس سكانه وأعراقهم وثقافاتهم . ان موقع السودان الاستراتيجي وغنى موارده وثرواته الطبيعية جعله أحد محاور التنافس الاستعماري القديم في أفريقيا كذلك ظل السودان يمثل أحد أطماع الاستعمار الحديث، خاصة بعد ان شحت موارد العالم الطبيعية وأصبحت مشكلة الغذاء في المستقبل هاجسا أرق العالم المعاصر أراضي السودان عبارة عن سهل رسوبي منبسط، قليل الانحدار، تتخلله مرتفعات قليلة، تغطي أقل من 5ر% من المساحة الكلية، أهمها جبال الاماتونج في الجنوب، تلال البحر الأحمر في الشرق، جبال النوبة في جنوب كردفان وجبل الميدوب وجبل مرة في دارفور. ويمثل نهر النيل أهم ظاهرة جيمورفولوجية في السودان ويمتد لحوالي 1700 كلم من الجنوب الي الشمال كما يغطي حوض النيل وروافده في السودان حوالي 5ر2 مليون هكتار(2500 كلم). تتكون سهول السودان من أنواع مختلفة من التربة أهمها:- -التربة الرملية في أقليم الصحراء وشبه الصحراء في شمال وغرب السودان وهي تربة هشة، قليلة الخصوبة تستغل في زراعة الدخن والفول السوداني والسمسم والكركدي كما توفر مرعى هاما للابل والضأن والماعز . -التربة الطينية في أواسط وشرق السودان، وهى تمثل أهم مناطق زراعة القطن والزراعة الآلية المطرية كما تمثل مصدرا هاما لمنتجات الغابات خاصة حطب الوقود والصمغ العربي، معظم انتاج السودان من الذرة، المحصول الغذائي الرئيسي ،تتم زراعته فوق هذه التربة. -مجموعة التربات الجديدة الحمراء في جنوب السودان وتتميز بانخفاض خصوبتها وقابليتها العالية للتدهور لذلك فان نمط الزراعة المتنقلة ظل اكثرنظم استخدام الأرض ملاءمة لهذه التربة. -مجموعة التربات الرسوبية السهليه علي ضفاف الأنهار والأودية ودلتا طوكر والقاش، تتميز هذه التربات بخصوبتها العالية لتجددها السنوي. -التربة البركانية الخصبة في جبل مرة . وتقدر المساحة الصالحة للزراعة في السودان بحوالي 200 مليون فدان (84 مليون هكتار) المستغل منها حالياً حوالي 40 مليون فدان (20%) منها 4 مليون فدان بالري الصناعي و36 مليون فدان زراعة مطرية، بما فيها المطري الآلي (14 مليون فدان ) والمطري التقليدي 22 مليون فدان. والسودان هو أحد الدول العربية والإفريقية، ويعتبر أكبر تلك المجموعة مساحة، ويبلغ تعداد السكان حوالى 40 مليون نسمه تقريبا ، 85% منهم مسلمون وهم الأغلبية. والسودان جمهورية رئاسية برلمانية، حيث يعتمد النظام الرئاسي فينتخب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب وكذلك البرلمان. وإدارياً يتخذ الفيدراليةمنهجاًلإدارةالدولة في 26 ولاية ولاية على رأس كل ولاية والي، منتخب من قبل برلمانها بناء على مجموعة ترشيحات من رئيس الجمهورية. يتمتع السودان بموارد طبيعية وموقع جغرافي يؤهله للعب دور حيوي في عالميه الإفريقي والعربي. فتباين المناخ والجغرافيا ووجود نهر النيل وروافده الكثيرة جعلت البلاد منتجه لمختلف أنواع المحاصيل والأعلاف والخضروات، وهو صاحب أكبر رصيد من الثروة الحيوانية في محيطه خاصة الماشية، والسودان غني بالبترول والمعادن وأبرزها الذهب والكروم والمايكا. وبدأ مؤخراً في الإستفادة من ثروته النفطية. وقد أدى ثراؤه الطبيعي إلي تعدد مظاهر الطبيعة البكر فيه. كما إن موقع السودان في الجزء الأوسط من حوض النيل جعل سكانه خليطـاً من عناصر مختلفة نزحت إليه من دول الجوار فالمناطق الجنوبية واقعة كلها تقريبـاً داخل نطاق العناصر الافريقية، وإلي الشمال من السودان طغت السلالة القوقازية، وتأثرت بلاد الشرق بالهجرات الحامية، إلي الغرب الصحراء الليبية وفيها جماعات لها صفات البربر. وللسودان مجموعات عرقية إنفرد بها مثل " البجـة والمجموعات النيلية ". اللغة العربية هي لغة عامة أهل السودان و حسب الدستور الانتقالى تعتبر اللغتين العربية و الانجليزية اللغتين الرسميتين للدولة إضافة إلى بعض اللهجات المحلية لعدد من القبائل. العلــم يتكون علم السودان من أربعة ألوان ذات دلالات معينة وهي:- اللون الأحمر: يرمز للكفاح وشهداء الحق والوطن في السودان والوطن العربي الكبير. اللون الأبيض: يرمز إلى الإسلام والسلام والتفاؤل والنور والمحبة. اللون الأسود: يرمز إلى السودان والثورة المهدية. اللون الأخضر: يرمز إلى الرخاء والخير والزرع المورق. النشيد الوطني نحن جنـد الله جند الوطن إن دعا داعي الفداء لم نخن نتحدى الموت عنـد المحن نشترى المجـد بأغلى ثمن هــذه الأرض لــنا فليعــش ســوداننا عـلماً بيـن الأمــم يابني السودان هـذا رمزكم يحمل العبء ويحمى أرضكم
•المبحث الأول فترة ما قبل الاستقلال كان السودان قبل "الفتح" المصري في العصر الحديث يعيش في ظل دويلات منقسمة، لا تدرك حجم ولا طبيعة الأطماع الاستعمارية الأوروبية التي تتحرك في القارة الإفريقية، وفي تلك الفترة اقتربت الأطماع الاستعمارية من منطقة السودان، وبدأ ذلك برحلات الاستكشاف للمنطقة تمهيدًا لاستعمارها، حيث استطاع "جيمس بروس" اكتشـاف منابع النيل الأزرق بالحبشة سـنة (1770م). تكونت منطقة السودان في هذه الفترة من ثلاث ممالك رئيسية هي "مملكة الفونج" الإسلامية وعاصمتها "سنار"، و"سلطنة الفور" في "دارفور"، و"مملكة تقلي" غرب السودان، وكان بينها حروب ومنازعات. وعلى الجانب الآخر كانت مصر في الشمال تؤسس لبناء دولة حديثة بقيادة محمد علي باشا الذي كشفت له حروبه عن حاجته إلى موارد ضخمة لإنجاز بناء هذه الدولة العصرية، ومن ثم كان التفكير في التوسع جنوبًا و"فتح" السودان. فتح السودان جاء لاعتبارات متعددة ومتداخلة، منها الرغبة في اكتشاف مناجم الذهب والماس، إضافة إلى تجنيد السودانيين في الجيش المصري لتنفيذ المشاريع الطموحة لمحمد علي، والقضاء على بقايا المماليك الهاربين للسودان، واكتشاف منابع النيل وتأمينها، وتوسيع حجم ونطاق التجارة المصرية في الجنوب، مع زيادة موارد الدولة المالية من المكوس التي ستفرضها الدولة على التجارة. وبدأ الفتح المصري سنة (1820م) ولم يلق الجيش المصري مقاومة تذكر أثناء الفتح باستثناء بعض المناطق، في الشمال وفي "كردفان" التابعة لسلطان "دارفور"، وفي "سنارجعل "محمد علي" على السودان حاكمًا أطلق عليه "حكمدار السودان" يجمع في يديه السلطة المدنية والعسكرية، وتم اتخاذ "مدينة الخرطوم" التي أنشأها المصريون عاصمة للسودان منذ عام (1830م)، ومع مرور الزمن قُسم السودان إلى مديريات، وارتفع عدد الجيش المصري لتثبيت الحكم إلى (15) ألف جندي بعد عقدين من الفتح، وخرجت عدة حملات مصرية لاكتشاف منابع النيل. وفي عهد الخديوي "إسماعيل بن إبراهيم" تم افتتاح بعض الأجزاء من السودان في المناطق البعيدة، كما عين سنة (1870م) ضابطًا يهوديًا إنجليزيًا هو "صمويل بيكر" للقيام بفتح جنوب السودان، ثم عين "تشارلز جورج غردون" حاكمًا عامًا للسودان. ولعب "غردون" هذا دورًا مشبوهًا في بذر الخلاف بين جنوب السودان وشماله. وعندما قامت الثورة المهدية سنة (1881م) استطاع المهديون أن يسيطروا على السودان بعد مقتل غردون. ثم رأت بريطانيا أن مصالحها تقضي بضرورة عودة الجيش المصري للسودان، فشكلت حملة من 10 آلاف جندي مصري تحت قيادة الإنجليزي "كتشنر"، وتحركت الحملة بأوامر من المعتمد السامي البريطاني في القاهرة اللورد "كرومر"، وانتصر الجيش المصري على المهديين في عدة معارك منها "فركه" و"كرري" ودخل "كتشنر" "الخرطوم" ورفع العلمين المصري والبريطاني. وفي (19 يناير 1899م) تم توقيع "اتفاقية الحكم الثنائي" بين "كرومر" ووزير الخارجية المصري "بطرس غالي"، وقضت هذه الاتفاقية بالسيادة المصرية البريطانية المشتركة على السودان.. ويظهر أن السيادة المصرية على السودان كانت اسمية فقط. الحركات السودانية الوطنية كان للحركة المهدية بقيادة محمد احمد المهدى دورا بارزا في إثارة العاطفة الدينية والوطنية في نفوس السودانيين، ومن ثم لم تخمد الحركات التي ترفض الاستعمار الإنجليزي؛ فقامت ثورات فردية وجهوية، وثورات وحركات وطنية . وغلب على هذه الثورات والحركات السودانية في تلك الفترة البساطة، وضعف اتصال السودانيين بعضهم ببعض؛ مما أفقد هذه الحركات قوتها وقدرتها على التأثير، لكن الحركة الوطنية الشعبية كانت تنمو، وتأثرت بما يدور في مصر من تطورات وأحداث بعد الحرب العالمية الأولى، وقيام ثورة 1919، فبدأت تظهر لأول مرة في السودان الأعمال السرية، فوزعت منشورات تحض السودانيين على الثورة والمطالبة بالاستقلال. وبدأت تظهر طبقة متعلمة ومثقفة سودانية، وتأثر عدد من السودانيين بالروح الوطنية التي بثها الضباط والموظفون المصريون العاملون في السودان المتأثرون بثورة 1919، بينما عملت بريطانيا على تعميق مفهوم "السودان للسودانيين"، وتشكلت جمعية سرية باسم "الاتحاد السوداني" سنة (1921م) وكان أعضاؤها من طلاب "كلية غردون" (جامعة الخرطوم حاليا) التي يشرف عليها الاستعمار، وتشكلت "جمعية اللواء الأبيض" التي أسسها "علي عبد اللطيف" والتي لعبت دورًا كبيرًا في ثورة 1924 م. وكانت الحركة الوطنية السودانية تنادي بالوحدة مع مصر، وأمام ذلك لجأت بريطانيا إلى حث أنصارها من الزعماء القبليين على التصدي لهذه الحركة. وأمام عنف الحملة البريطانية ضد الثوار وأساليب القمع والإرهاب التي لجأ إليها الإنجليز اتجه السودانيون إلى العمل السري، ونمت الروح الوطنية داخل الطبقة المثقفة بتأثيرات مختلفة وكان الجيش المصري قد انسحب من السودان للمرة الثانية في (ديسمبر 1924م) بعد مقتل السير "لي ستاك" حاكم عام السودان أثناء وجوده في مصر، وهو ما أثار اضطرابات كبيرة في السودان. وفي (فبراير 1938م) تشكل "مؤتمر الخريجين" الذي جمع عددًا من المثقفين والمتعلمين السودانيين، والذي بدأ بتقديم خدمات اجتماعية ثم تطرق إلى النواحي السياسية وطالب باستقلال السودان، وعملت بريطانيا بعد عودة الجيش المصري للسودان على تكريس مبدأ انفصال السودان عن مصر من ناحية، وشمال السودان عن جنوبه من ناحية أخرى. وكرست "معاهدة 1936" التي عقدت بين مصر وبريطانيا، اتفاقية الحكم الثنائي 1899م، وهو أن يبقى حكم السودان مقتسمًا بين البلدين، وحاولت مصر إلغاء هذه المعاهدة وتحقيق الوحدة بين مصر والسودان، وجرت مفاوضات طويلة قطعتها الوزارة المصرية وعرضت القضية على مجلس الأمن الدولي في (25 يناير 1947م) فامتنع المجلس عن اتخاذ قرار، فألغت الحكومة المصرية من جانبها معاهدة 1936 في (8 أكتوبر 1951م). سبقت ثورة يوليو 1952 مفاوضات بين مصر وبريطانيا حول الشأن السوداني، وعندما قامت الثورة في (23 يوليو 1952م) تقرر فصل مسألة السودان عن مسألة جلاء البريطانيين عن منطقة قناة السويس في أي مفاوضات بين البلدين. وعندما أجريت الانتخابات في السودان لاختيار المجلس التشريعي كانت الانتخابات معركة لتقرير المصير السياسي للسودان بين جبهتين كبيرتين هما "الحزب الوطني الاتحادي"، و"الجبهة الاستقلالية"، وجاءت النتيجة بفوز الاتحادي، وشكل الأزهري أول حكومة سودانية، وكانت مهمتها محددة في ثلاث نقاط هي: سودنة الجيش والخدمة المدنية، وتنظيم إجراءات تقرير المصير، وإجلاء قوات دولتيْ الحكم الثنائي. وفي هذه الأثناء تأسس "حزب الاستقلال الجمهوري" وبدأت تلتقي آراء ورؤى بعض الأطراف السودانية المتعارضة للمطالبة بالاستقلال، حيث جرت مصالحة بين زعيم الأنصار عبد الرحمن المهدي، وبين زعيم الطريقة الختمية علي الميرغني. وقد أذاعت الحكومة البريطانية في تلك الفترة نبأ استقالة الحاكم العام للسودان السير "نوكس هلم"، وأنها لا تنوي ترشيح حاكم بريطاني آخر مكانه، وعندئذ أعلنت الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الاتحادي قيام لجنة لتحل محل الحاكم العام، وتتولي جميع سلطاته حتى يتسنى للسودانيين اختيار رئيس دولة. لمبحث الثانى إعلان الاستقلال ثمرة لغرس عميق الجذور ان الحدث التاريخي الذي تم في الأول من يناير 1956م بانزال علمي دولتي الحكم الثنائي ورفع علم السودان. كان ثمرة لمسيرة نضال طويلة قادها زعماء هذا البلد في مختلف القبائل والطوائف والملل. وقد وجد الحكم التركي المصري للسودان منذ عام 1820 والذي كان يسيطر على ما يطلق عليه اسم الاراضي السودانية. وكان يسمى باقاليم كردفان، دارفور التاكا والجزيرة.. وجد مقاومة من كل قبائل السودان ابتدءا من قبائل شمال السودان حتى القبائل النيلية مثل الدينكا والشلك مما أدى لغرس البذور الأولى للحركة الوطنية السودانية في عدة مناطق، ونمت كل منها على حدة قبل أن تلتئم . إن المقاومة للحكم التركي في كل اقاليم السودان وفي الجنوب خاصة في وجه تجارة الرقيق كانت رافداً من روافد المقاومة والرفض لذا كانت ثورات جبال النوبة والجهادية في كسلا عام 1865م وهارون الرشيد عن دارفور وصباحي في كردفان وسليمان الزبير في بحرالغزال وانتفاضة بحرالغزال كانت الثورات العديدة تعبيراً إيجابياً عن سخط الأهالي على الحكم التركي ومقدمة للثورة الشاملة فيما بعد – الثورة المهدية. ورغم أن الثورة المهدية عام 1885م كان منبعها شمال السودان ونقطة ارتكازها غرب السودان إلا أنها وجدت مساندة كبيرة وتأييدا من قبائل النوير والشلك والانواك وقبائل بحرالغزال، مما يؤكد أن الثورة المهدية كانت ثورة وطنية ولم تكن ثورة لاقليم. كما وجد الحكم الثنائي عام 1898م مقاومة شرسة وكانت ملاحم كرمة، كرري، وأم دبيكرات التي انهت فترة المهدية ثم كانت في الشرق والجزيرة والغرب، كما شهد الجنوب الحملات التأدبييبة ضد النوير خلال الفترة من 1902 -1929م وضد الدينكا من 1907-1923م واللاتوكا والتبوسا 1916-1922م. ولم يتم اخضاعها إلا في عام 1932م ثم كانت ثورة 1924م التي كانت تمثل تحالفاً بين صفوة العسكريين والمدنيين من الخريجين على اختلاف قبائلهم من الشمال والجنوب لذا كانت ذات هوية وطنية. بداية الجذوة السياسية: ثم كان مؤتمر الخريجين عام 1938م الذي تبلورت من خلاله توجهات سياسية عدة، وحمل في احشائه اتجاهات وتيارات مختلفة في الرؤي ما بين جعل المؤتمر نقابة مهنية للخريجين إلى جمعية خيرية أو منبر للعمل الوطني. وحاولت دولتا الحكم الثنائي كل بطريقتها تحديد علاقتها معه بصورة تحقق أهدافها مما أدى لظهور الأحزاب السياسية في منتصف الأربعينات حيث قامت أحزاب اتحادية تجد الدعم من مصر وأخرى استقلالية تجد المساندة من بريطانيا وثالثة استقلاليه مستقلة كما ظهرت الأحزاب المذهبية حيث أنشأ الشيوعيون تنظيماً سرياً باسم الحركة السودانية للتحرر الوطني عام 1944م وفي عام 1953م أنشأت الجبهة المعادية للإستعمار كمنبر علني كما ظهر أيضاَ جماعة الأخوان المسلمين التي انبثق منها ً الحزب الإشتراكي الإسلامي. وعقب الحرب العالمية الثانية اتفقت الأحزاب السودانية جميعها على التوحد ومطالبة مؤتمر الخريجين بالسعي لتحقيق المطالب التي اتفقوا عليها وأهمها أصدار تصريح مشترك من دولتي الحكم بأن مهمتهما العمل على قيام حكومة سودانية ديمقراطية حرة في أتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا في اقصر وقت ووقعت عليه جميع الأحزاب وابلغ به الحاكم العام وعلى ضوء ذلك سافر وفد يضم ممثلين لجميع الأحزاب إلى القاهرة عام 1946م للأشتراك في المفاوضات المصرية – البريطانية. ولكنه قوبل بالرفض المصري في المشاركة كطرف ثالث مما إدى لانسحاب الأحزاب الواحد تلو الآخر بعد أن دب الشقاق بينهم ولكن التجربة أكدت إمكانية توحيد السودانيين. وانتهت المفاوضات بصدور بروتوكول صدقي – بيفن والذي يتعهد فيه الجانبان بتحقيق رفاهية السودانيين واعدادهم عملياً للحكم الذاتي في نطاق وحدة مصر والسودان وتباينت ردود الفعل الحزبية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ثم تكونت الجمعية التشريعية عام 1948م بمساندة بريطانية ومعارضة الأحزاب الإتحادية والختمية وألغت مصر اتفاقية 1899م ومعاهدة 1936م وصدرت مراسيم ملكية بضم السودان لمصر. وتجاهلت بريطانيا الأمر واعلنت استمرارها في الاستعداد للحكم الذاتي. فترة المخاض: وفي عام 1952م حدث تقارب بين الأنصار والختمية وارسلا وفدا للأمم المتحدة بباريس لطرح فكرة الاستفتاء لتقرير المصير. ثم قامت ثورة يوليو بمصر االتي اعترفت بحق تقرير المصير للسودانيين وفي فبراير 1953م تم التوقيع على الاتفاقية المصرية – البريطانية لتقرير المصير وعلى ضوئها اجريت الانتخابات لتشكيل البرلمان والحكومة الانتقالية والتي حققت السودنة وجلاء القوات البريطانية المصرية مما اضعف الدعوة الاتحادية ووضح التحول في قيادة الاتحاديين نحو الاستقلال – وتوحدت ارادة الامة في الاستقلال التام بعد موافقة الأحزاب الجنوبية أيضاًَ على اعلان الاستقلال من داخل البرلمان. الأحداث التاريخية... بداية النهاية: بدأت الأحداث التاريخية للاستقلال بانعقاد الجلسة رقم 32 لمجلس النواب في دورته الثالثة في يوم الثلاثاء 16 أغسطس 1955م . حيث قدم السيد اسماعيل الأزهري رئيس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع اقتراحاً بأن يقدم خطاب الى معالي الحاكم العام ينص على الآتي: "نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعرب عن رغبتنا في الشروع في اتخاذ التدابير لتقرير المصير فوراً. ونرجو من معاليكم اخطار الحكومتين المتعاقدتين بهذا القرار بمقتضي المادة التاسعة من الاتفاق بين الحكومة المصرية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمي وشمال أيرلندا بتاريخ 12 فبراير 1953بشأن الحكم الذاتي وتقرير المصير". وأضاف: " اقترح هنا اليوم في هذا اليوم المشهود، يوم ليس مقداره خمسين ألف سنة، يوم مقداره تسعون يوماً مما تعد تنقص ولا تزيد. وعقب عليه السيد الصديق عبدالرحمن المهدي مؤكداًَ أن تقرير المصير هو حق طبيعي لكافة شعوب العالم وأضاف أنه قد تهيأت أول اسباب الجو الحر المحايد بعد أن انجزت لجنة السودنة مهمتها بسرعة وجدارة، ها نحن نجتمع اليوم لنقر الخطوة الثانية التي تهدف إلى اتخاذ التدابير اللازمة لجلاء جيش الاحتلال من البلاد. ثم تحدث السيد فلمن ماجوك – دائرة يرول – موضحاً أن هذا الاقتراح سيفتح صفحة جديدة في تاريخ السودان الجديد الحر المستقل – وأشار إلى أن الحرية والاستقلال ليست غاية في حد ذاتها وأنما هي سبل تقود إلى حياة أفضل في تأمين ورفاهية الشعب السوداني الموحد. اعقبه السيد ميرغني حمزة – الدائرة أمدرمان شمال – موضحاً أن هذا القرار يعني أنتهاء فترة الانتقال ونهاية تصفية الحكم الثنائي الأجنبي، وجلاء الجيوش الأجنبية في مدى لايزيد عن ثلاثة أشهر من أرض الوطن المقدس وبذلك يعني زوال آخر أثر من آثار السيطرة الأجنبية المهينة. وتحدث السيد بوث ديو " وادي الزراف" قائلاً " نحن السودانيون سنضرب الآن آخر مسمار في نعش السيطرة الأجنبية وخاصة في الأقطار المجاورة التي قد تطمع في إعادة ما فعلنا من فصول في الماضي. ثم تحدث السيد محمد نور الدين " حلفا" قائلاً : في قاعة هذا المجلس الوطني يشهد التاريخ معني هذه اللحظات الخالدة، مولد الحرية للشعب السوداني وللوطن السوداني وللقومية السودانية. وعلينا أن نذكر ونحن نودع مرحلة حاسمة من مراحل الكفاح ونختار مرحلة من مراحل الحرية أن نحني رؤوسنا تخليداَ لشهدائنا في عطبرة وبورتسودان وشهداء سنة 1924م البواسل. واعرب السيد يوسف العجب " الفونج " عن ثقته هو والشعب السوداني بان جيش البلاد الباسل سيقوم بمسئولياته خير قيام بعد جلاء القوات الأجنبية من أراضيه. وقال السيد حسن الطاهر زروق – الخريجين – أننا في المقام الأول نريد أن نقيم حكماً ديمقراطياً يمثل المصالح الكبرى للشعب السوداني. ومصيراًَ جديداً لشعبنا نطلق فيه الحريات الديمقراطية والمصير الذى نريده لبلادنا. وعقب على المداولة حول الاقتراح السيد محمد احمد محجوب زعيم المعارضة قائلاً: أن ما سننجزه من نصر في يومنا هذا ليس من عمل جيلنا هذا وحده ولكن الفضل في نيل شرفه يعود إلى آبائنا واجدادنا الذين كانوا مثالاً للتضحية والجهاد والذود عن البلاد وكرامتها وحريتها. وأضاف: يجب إلا ننسي أنه وأن كانت حصافة الساسة وبراعتهم في هذه المرة استطاعت أن تحقق جلاء قوات الاحتلال بغير اراقة دماء، إلا أنه لم يكن عسيراً على أبناء هذه الأمة. أن دعا الأمر – إلى أن يحققوا حرية بلادهم واستقلالها التام بغير ذلك الطريق، لما اعجزهم أننا لا نستجدي استقلالنا من أحد كائناً من كان إنما هو حق نطلبه ونأخذه. واختتم الحديث السيد مبارك زروق زعيم المجلس الذي اكد أن يوم 16 أغسطس سيظل من أيام السودان الخوالد . وقال أن العمل الجبار الذي قمنا به والنصر الباهر الذي أحرزناه لم يكن عمل فرد مهما كبر وعلاء شأنه ولكنه وليد إرادة أمة واجماع شعب وحرصه على سيادته واستقلاله. بعد ذلك طرح رئيس المجلس الموضوع لأخذ الرأي واجيز الاقتراح بالاجماع. الجلسة التاريخية.. وسيناريو اعلان الاستقلال: وبتاريخ الأثنين 19/ديسمبر 1955م عقد مجلس النواب جلسته رقم 43 في دورته الثالثة التي قدم فيها العضو عبدالرحمن محمد أبراهيم دبكة " بقارة غرب نيالاً " الاقتراح الآتي: "نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم شعب السودان، أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة، ونرجو من معاليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الاعلان فوراً " وثم قال: يسرني أن اتقدم بهذا الاقتراح العظيم في هذه اللحظة التاريخية الخالدة بعد ان اجتمعت كلمة الشعب السوداني المجيد على الاستقلال الكامل والسيادة للسودان. م تقدم السيد مشاور جمعة سهل " دار حامد غرب " مثنياً الاقتراح وموضحاً أن جلسة كهذه سوف يسجلها في سجل الشرف تاريخ هذه البلاد المجيد وسوف تكون حداً فاصلاً بين عهد الاستعمار الذي رزحنا تحته 57 عاماً وعهد الحرية الكاملة والسيادة التامة والانعتاق الذي يجعل السودان أمة بكل مقوماتها. وعقب السيد محمد أحمد محجوب زعيم المعارضة مؤكداً أن الاستقلال التام الذي يعلن اليوم ليس من عمل الحكومة أو المعارضة ولا عمل حزب من الأحزاب أو زعيم من الزعماء أنما هو من صنع الشعب السوداني جميعه رجالاً ونساءً. ثم تحدث السيد مبارك زروق زعيم المجلس قائلاً: أن هذا اليوم يسجل انتصاراً ضخماً ن أنتصارات شعبنا على أعداء الحرية وعلى الشقاق والخوف وأن اعلان الاسبتقلال من داخل البرلمان سيظل ذكرى حية لمدى ما يمكن أن يحققه الشعب الموحد الكلمة المؤمن بحقه. وطرح الاقتراح لأخذ الرأي واجيز بالإجماع. وبعد ثلاثة أيام اجتمع مجلس الشيوخ وأصدر قراراً بنفس المعني. وما أن إعلن هذا القرار إلى كل من مصر وبريطانيا حتى تشاورتا فيما بينهما لتعديل الاتفاقية بحيث يسمح للبرلمان السوداني بمهمه تقرير المصير. وقد تم الاتفاق بينهما على ذلك.
تكوين مجلس السيادة: وفي يوم 26 ديسمبر 1955م انتخب البرلمان السوداني خمسة أشخاص يمثلون الاتجاهات المختلفة في البلاد ليكونوا أول مجلس للسيادة وهم أحمد محمد صالح، أحمد محمد يسن، الدرديرى محمد عثمان، عبدالفتاح المغربي وسريسو ايرو. ويتولي مجلس السيادة رئاسة الجمهورية ويعين المجلس الشخص الذي ينتخبه مجلس النواب من وقت لآخر لهذا الغرض من بين أعضاء البرلمان الحاليين، يعينه رئيساَ للوزراء.
مشاهد من ذاكرة الوطن – رفع العلم: كان صباح اليوم الأول من يناير عام 1956م عظيماً وشهد سراي الحاكم العام بالخرطوم حضور جماهير غفيرة من الشعب السوداني. كما وصل نواب البرلمان في موكب وقور. وذلك ليشهدوا مراسم انزال علمي دولتا الحكم الثنائي.. ثم رفع السيد اسماعيل الأزهري رئيس الحكومة ومحمد أحمد محجوب زعيم المعارضة علم السودان باسم شعب السودان على سارية القصر إعلاناً لاستقلال السودان. وكان في مقدمة الذين حضروا هذا المشهد التاريخي الخالد الإمام عبدالرحمن المهدي والسيد علي الميرغني. وبذلك طويت صفحة من تاريخ السودان وافتتحت صفحة اخرى جديدة خالدة. وقد كانت دولتا الحكم الثنائي – مصر وبريطانيا أول من اعترف باستقلال السودان في بيانين اصدراهما فى يناير 1956م. •تسابقت الدول في الإعتراف بالسودان دولة مستقلة ذات سيادة أثر إعتراف الدولتين مصر وبريطانيا وقد بلغ عدد الدول في صبيحة اليوم الثاني للإستقلال 13 دولة من اوروبا وآسيا وأمريكا وأفريقيا. •إجتمع السيد إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء (بضباط الإتصال الأجانب- التمثيل الدبلوماسي) بعد حفل رفع العلم وطلب منهم أن يظل التمثيل البلوماسي مستمرا إلي أن تقرر الدول الوضع الذي تريده وتتفق مع حكومة السودان عليه وأن يستمر تمثيل الضباط لبلادهم حتي تستقر الأمور وفق التقاليد الدبلوماسية. المبحث الثالث السودان المستقل ودوره في دعم حـركات التحـرر الافريقية[] التضامن مع حركات التحرر الافريقي قبل الاستقلال: ظل السودانيون يبدون التضامن مع حركات التحرر الوطني عامة والافريقية منها خاصة حتى قبل أن ينالوا استقلالهم فمثلاً حظيت ثورة 1919م في مصر بقيادة سعد زغلول بتعاطف واسع في السودان عبر عن نفسه بقوة في ثورة 1924م بقيادة الضباط الوطنيين من امثال على عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ والتي هدفت لتحرير (وادي النيل) السودان ومصر من الهيمنة الإنجليزية. مشاركة السودان في تحرير اثيوبيا من الاستعمار الفاشي: عندما غزا موسيلينى اثيوبيا عام 1936م شارك السودانيون عبر ما يعرف وقتها بقوة دفاع السودان مع اشقائهم الاثيوبيين في معارك التحرير واسهموا في تحرير بعض المدن الأثيوبية بينما وجد الأمبراطور هيلاسلاسي الذي كان يمثل رمز المقاومة الاثيوبية الملجأ في السودان وأقام لفترة في ضيافة الزعيم السودانى الشريف يوسف الهندي بينما كان الرأي العام السوداني يتابع أخبار معارك تحرير اثيوبيا بحماس كبير. والتضامن مع حركات التحرير الوطني لم يقتصر على افريقيا بل تعداه إلى البلدان المستعمرة الأخرى كالهند والصين فقد كان تعاطف الحركة الوطنية مع نضال الشعب الهندي للاستقلال، بقيادة المهاتما غاندي ونهرو، و شارك قادة الحركة الوطنية في المؤتمر التأسيسي لحركة عدم الأنحياز التي كانت واحدة من اهم منابر محاربة الاستعمار في باندونق عام 1955م والمؤتمرات الاسيوية والأفرو عربية. السودان المستقل وحركات التحرر الافريقية: كان السودان من أوئل الدول التي نالت استقلالها وذلك عام 1956م ومنذ استقلاله جعل السودان من قضية تصفية الاستعمار والتفرقة العنصرية هدفاً ومبدأ أساسياً لسياسته الخارجية وشارك السودان بعد استقلاله في صياغة القرار 1415بالأمم المتحدة حول تقرير مصير الدول والذي بموجبه نالت الدول الافريقية استقلالها الواحدة تلو الأخرى. وفي عهد الحكومة العسكرية الأولى بقيادة الفريق أبراهيم عبود ظل السودان على ذات النهج. وتعزز ذلك النهج في ظل الحكومة المدنية في أعقاب ثورة اكتوبر 1964م حيث اتخذت حركة التحرير الأريترية من السودان منبراً لها بينما كانت الحكومة السودانية تسهل حركة مرور السلاح من مصر والجزائر لصالح ثوار الكونغو انصار الزعيم التاريخي باتريس لوممبا، كما كان السودان يقدم المساعدات لحركة التحرير في تشاد فضلاً عن تصدي السودان بقوة للدفاع عن حركات التحرر الافريقية في المنابر الدولية. وكان لحكومة جعفر نميري 1969-1985م دوراً بارزاً في دعم حركات التحرر الافريقية وحركات مقاومة الفصل العنصري لاسيما في جنوب القارة سواء عبر لجنة التحرير التابعة لمنظمة التحرير الافريقية والتي كانت مقرها دار السلام أو عبر الصلات المباشرة مع تلك الحركات. ولم يقتصر هذا الدعم على التضامن السياسي وإنما شمل المساعدات المادية والعسكرية والتدريب. كما لعب السودان دوراًَ بارزاً في دعم حركة التحرير الوطنية في الجزائر في عدة أوجه دبلوماسية وعسكرية ومادية .وشارك في النضال من اجل استقلال المغرب وكان موقفه واضحاً وقوياً في دعم المطالبة باستقلال موريتانيا. ودعم السودان حركة الماوماو في كينيا إلى جانب دعمه لاستقلال جيبوتي ودعمه استقلال ووحدة جزر القمر. كما دعم استقلال وسيادة نيجيريا وحركة التحرير في الكونغو وغينيا بيساو ودعم تحرير انجولا وموزمبيق. بعد أن تحررت كل البلدان الافريقية، ما عدا اريتريا فقد كان اسهامه كبيراًً وحاسماً في التعجيل باستقلال اريتريا.
السودان ودعم حركات التحرر الافريقي في المنابر الدولية والافريقية: لقد جعل السودان منذ استقلاله من قضية تصفية الاستعمار وتحرير القارة هدفاً ومبدأ أساسياًَ من مباديء سياسته الخارجية ،ورغم تغيير انظمة الحكم في السودان منذ استقلاله إلا أنه ظل محتفظاً بسياسة ثابتة تجاه دعم حركات التحرر الافريقية وقدم الدعم المادي والمساندة الأدبية في سنوات الاستقلال الأولى وقبل قيام منظمة الوحدة الافريقية وأجهزتها المتخصصة. واسهم السودان بفاعلية في الجهد الجماعي عبر منظمة الوحدة الافريقية بمشاركة لجنة التسعة عشر الخاصة بوضع استراتيجية جديدة للتحرر التي كونها مؤتمر منروفيا عام 1979م كما شارك بفعالية عبر الاستراتيجيات التي وضعت لحركات التحرير مثل استراتيجية (دار السلام) واستراتيجية (اكرا) وما صاحب ذلك من تصفية المستعمرات البريطانية. لقد تميزت سياسة السودان تجاه حركات التحرر الافريقية بالعديد من المبادرات الشجاعة فقد اعلن السودان في دورة عام 1964م لمؤتمر القمة الافريقية بأديس ابابا التزامه الصارم باغلاق موانئه الجوية والبحرية أمام حركة الملاحة إلى جنوب افريقيا وفتح اراضيه لتدريب مقاتلي حركات التحرير الافريقية، كما نادي في الجلسة الاستثنائية لمجلس وزراء منظمة الوحدة الافريقية عقب اعلان استقلال روديسيا في نوفمبر 1965م لاستخدام القوة العسكرية لاسقاط حكم الاقلية البيضاء ثم جدد نفس الطلب في مؤتمر القمة الافريقية بالجزائر في يوليو 1967م حيث نادي بخطوات عملية لارسال خبراء عسكريين إلى المناطق المحرر التي يسطر عليها مقاتلو حركات التحرير الافريقية. وما سبق ذكره من أسهام للسودان في دعم حركات التحرير الأفريقية وما ترتب على ذلك من نتائج عملية ملموسة انما هو اشارات لابراز المبدأ الثابت في السياسة الخارجية السودانية انطلاقاً من مبدأ الأنتماء الافريقي للسودان وما يترتب على ذلك من مسئوليات. دور السودان في دعم حركات التحرالافريقية على صعيد الأمم المتحـدة يعد السودان من أوائل الدول الأقريقية التي كان لها شرف الأنضمام لمنظمة الأمم المتحدة وذلك بتاريخ 18 نوفمبر 1956م. ومن أبرز الانجازات التي حققها السودان بالأمم المتحدة: 1-اضفاء صفة المراقب على ممثلي حركات التحرير، حيث كان السودان هو الدولة الافريقية الرئيسية التي ظلت تقدم الحجج والبراهين التي تقدمت بها الدول الغربية، فاز اقتراح السودان بعد التصويت عليه. 2-تصفية الاستعمار البرتغالي. 3-أصدار مجلس الامن قراراً باستمرار المقاطعة الاقتصادية لروديسياً وإجازة قرار من الجمعية العامة بعقد مؤتمر دستوري بشأن روديسياًَ ومن أبرز الإنجازات عام 1972م دعوة السودان ابان عضويته لمجلس الأمن عقد جلسات المجلس في مقر منظمة الوحدة الأفريقية باديس ابابا. وأدان السودان بشدة حكومات جنوب افريقية والبرتغال وروديسياًَ الجنوبية لاضطهادها حركات التحرر الافريقية في جنوب افريقيا وانجولا وموزمبيق وغينيا بيساو وزيمبابوي ولحرمانها شعوب هذه الدول من حقها المشروع في الاستقلال. المبحث الرابع الحكومات الوطنية عقب الاستقلال وبعد ان حقق السودان استقلاله مر بالعديد من الحكومات منها المدنية ومنها العسكرية وفيما يلى نقدم سردا موجزا لاهم مراحل الحكم بعد الاستقلال:- اولاً: حكومة الاستقلال: 1956- 1958: جرت انتخابات 1953م والقوى الكبيرة فيها هما حزبي الوطني الاتحادي والأمة، وقد نال الأول أغلبية مريحة في الأصوات لتشكيل حكومته. ولكن سرعان ما تتالت الانقسامات داخل الحزب الوطني الاتحادي بعد دخول الأزهري في مواجهة مع السيد علي الميرغني زعيم الختمية. وبذلك ابتدأ عهد المناحرات والتحالفات السياسية المتلاحقة بين الأطراف المختلفة في الساحة السياسية السودانية. في نهاية يونيو 1956 سقطت حكومة الأزهري وتم تشكيل حكومة ائتلاف من حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي الموالي للختمية. انتخابات عام 1958: خاضت أحزاب الوطني الاتحادي وحزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي انتخابات عام 1958م فنالت: 62 مقعدا للأمة، 40 مقعدا للحزب الوطني الاتحادي، و26 مقعدا لحزب الشعب الديمقراطي. تكونت إثر تلك الانتخابات حكومة ائتلاف الأمة- الشعب مرة أخرى، والتي واجهت العديد من المشاكل سببها الرئيسي عدم الانسجام بين طرفي الائتلاف وعدم المقدرة على تسيير دفة الحكم في ظل ائتلاف هش وعاجز. وبدأ التململ الشعبي باديا في المظاهرات وفي التذمر من الجميع بما في ذلك الحزبين الحاكمين. داخل حزب الأمة تبنى رئيس الحزب الصديق المهدي رأيا مفاده أن الائتلاف الذي يناسب الحزب هو التحالف مع الحزب الوطني الاتحادي بقيادة الأزهري، وقد عارض ذلك الاتجاه السكرتير العام عبد الله خليل- والذي كان حينها رئيسا للوزراء. وأثناء مناقشة أزمة البلاد وموقف الحزب عرض السكرتير العام على أجهزة الحزب القيادية اقتراح تسليم السلطة لقيادة القوات المسلحة لتنقذ البلاد مما هي فيه من قلاقل، ولحماية سيادة البلاد ومنع أي اتجاه اتحادي محتمل مع مصر. رفضت أجهزة الحزب الاقتراح. ولكن رئيس الوزراء قدر أن المخاوف التي يراها ماثلة لا تحتمل التأخير، فاتصل باللواء إبراهيم عبود في قيادة القوات المسلحة وعرض عليه الأمر ثم سلم له السلطة في 17 نوفمبر 1958م، على وعد إعادة الحكم للمدنيين بعد إعادة الاستقرار للبلاد. ثانياً: حكومة نوفمبر العسكرية 17 نوفمبر 58 – اكتوبر 1964م: استمرت الأوضاع السياسية وتقلباتها حتى قيام الانقلاب العسكري في اليوم السابع عشر من نوفمبر سنة 1958م وفى الصباح الباكر من يوم 17 نوفمبر إذاع الفريق إبراهيم عبود القائد العام للقوات المسلحة بيانه الأول على المواطنين، مذكراً إياهم بما وصلت إليه البلاد من سوء وفوضى وعدم استقرار وأن هذه الفوضى وهذا الفساد قد امتد إلى أجهزة الدولة والمرافق العامة بدون استثناء. وأن هذا يرجع إلى ما تعانيه البلاد من الأزمات السياسية القائمة بين الأحزاب التي لا هم لها غير الكسب الشخصي بالطرق المشروعة والغير مشروعة. موضحاً أن كل هذا أدى إلى النتيجة الطبيعية وهي أن يستولي جيش البلاد ورجال الأمن على السلطة لإيقاف هذه الفوضي ووضع حد نهائي لها وإعادة الأمن والاستقرار لجميع المواطنين. وفي نهاية البيان أعلن قائد الإنقلاب عن عدة أوامر نفذت فوراً وهي:- 1- حل جميع الأحزاب السياسية . 2- منع التجمعات والمواكب والمظاهرات في كل مديريات السودان. 3- وقف الصحف حتى صدور أمر آخر من وزير الداخلية. وبعد إذاعة البيان الأول لقائد الجيش صدر في نفس اليوم عدة أوامر دستورية معلنة: 1- قيام مجلس أعلى للقوات المسلحة. 2- إعلان حالة الطواريء في جميع أنحاء السودان. 3- وقف العمل بالدستور وحل البرلمان ابتداءاًَ من 17/11/1958م.وبصدور هذه الأوامر الدستورية قضى على جميع أجهزة الحكم الديمقراطي فحل مجلس السيادة. مجلس الوزراء والبرلمان بمجلسيه وأوقف العمل بدستور سنة 1956م وآلت السلطة الدستورية العليا في البلاد وتركزت في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي انفرد بها حتى قيام المجلس المركزي الذي أريد له أن يشارك في السلطة التشريعية . ثالثاً: فترة ثورة اكتوبر 1964 (الفترة الانتقالية): عطل قادة 17 نوفمبر 1958م الحياة السياسية وألغوا الدستور وحلوا البرلمان وعطلوا الصحف وصادروا الحريات العامة. وحكموا البلاد حكماً عسكرياً. وعندما شعر كل فرد من أفراد الشعب بوطأة الحكم العسكري وطغيانه وجبروته. هبت جموع الشعب عن بكرة أبيها معلنة ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر الشعبية سنة 1964م. ولم تهدأ ثائرة الشعب إلا بعد أن تم حل المجلس الاعلى وأعيدت الحياة السياسية للبلاد وأطلقت الحريات العامة. وتوصل المتفاوضون من مندوبي الجبهة الوطنية القومية الموحدة مع مندوبي القوات المسلحة إلى اتفاق صدر في شكل ميثاق وطني. وتم الاتفاق على إعادة العمل بدستور سنة 1956م بعد إدخال التعديلات اللازمة عليه وقيام حكومة انتقالية يكون من مهامها اجراء انتخابات الجمعية التأسيسية في موعد أقصاه مارس سنة 1965م. وتعاقبت على الحكم خلال هذه الفترة وزارتان انتقاليتان، حيث شكلت الوزارة الانتقالية الأولى من أعضاء يمثلون الجهة القومية كانت تضم ممثلي الأحزاب السياسية المعروفة بالسودان وممثلي الجبهة الوطنية للهيئات التي قامت بتنفيذ الأضراب السياسي. وقد كان هناك وزير لكل من الحزب الوطني الأتحادي وحزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي وجبهة الميثاق والحزب الشيوعي.. ووزيران يمثلان المديريات الجنوبية وسبعة وزراء يمثلون الجبهة الوطنية للهيئات منهم وزير العمل ووزير المزارعين. وأتفق على أن يرأس الوزارة السيد/ سرالختم الخليفة أحد مساعدي وكيل وزارة التربية والتعليم. وتسلمت الوزارة الانتقالية الأولى مقاليد الحكم في أول نوفمبر سنة 1964م ولكن لم تستمر في الحكم طويلاً حيث استقال الوزراء في 18/12/1964م وذلك بسبب الاختلاف في موعد أجراء الإنتخابات بين بعض الأحزاب والقطاعات المهنية وبعض الأحزاب الأخرى. قامت الحكومة الانتقالية الأولى فور تشكيلها بإصدار قرار باطلاق حرية الصحافة ورفع القيود المفروضة على الأحزاب. كما أصدرت قراراً بإلغاء حالة الطواريء وإلغاء المواد المقيدة للحريات من قانون العقوبات. وأصدرت الحكومة بعض القوانين والقرارات اللازمة لتدعيم الثورة مثل قانون الثراء الحرام لسنة 1964م وقانون العزل السياسي لسنة 1965م والقرار الخاص بتكوين لجنة للإصلاح وإلغاء المواد المقيدة للحريات من قانون العقوبات. ولعل أهم عمل قامت به هو الأشراف على التحضيرات النهائية للإنتخابات العامة التي أجريت في عهدها تحت أشراف لجنة الإنتخابات العامة . وقد استقالت هذه الوزارة في أوائل يونيو سنة 1965م عند قيام الجمعية التأسيسية. رابعاً: فترة الحكومات المنتخبة: قامت جمعية تأسيسية في 10 يوليو 1965م وامتد عمرها حتى أخر فبراير سنة 1968م وقد حلت لأسباب سياسية في 7 فبراير 1968م ومن ثم اجريت الانتخابا ت فى ابريل 1968 لجمعية تأسيسية ثانية. وقد تحركت الحكومة وأحزابها للعمل على إنجاز الدستور الدائم للبلاد في موعد أقصاه ديسمبر 1969م باعتباره الحل الأمثل لمشاكل البلاد السياسية والاقتصادية. خامساً: الحكم المايوي 1969-1985م: قبل أن يحين شهر يوليو موعد تقديم مشروع الدستور للجمعية التأسيسية قام بعض من ضباط الجيش بالإشتراك مع بعض المدنيين بقلب نظام الحكم الديمقراطي في 25مايو 1969م بقيادة جعفر محمد نميرى . أصدر مجلس الثورة أمراً جمهورياً رقم (1) يعمل به فوراً وقد سمى جمهورية السودان بجمهورية السودان الديمقراطية السيادة فيها للشعب. وينوب عن الشعب لمباشرة أعمال السيادة مجلس الثورة . كما أعلن المجلس بموجب هذا الأمر إيقاف العمل بالدستور المؤقت لسنة 1964م كما أعلن حل جميع الهيئات التالية: مجلس السيادة والجمعية التأسيسية. ومجلس الوزراء ولجنة الخدمة المدنية، ومباشرة السلطتين التنفيذية والتشريعية عن المجلس كون مجلساً للوزراء ليكون مسئولاً بالتضامن امام مجلس الثورة. كما حل المجلس الأحزاب السياسية وكذلك قانون انتخابات الجمعية التأسيسة لسنة 1965م والذي صدر في 14 فبراير سنة 1965م. سادساً: الفترة الانتقالية أبريل 1985م أبريل 1986م: استجابة للإنتفاضة الشعبية التي اندلعت في مارس/أبريل 1985م انحازت القوات المسلحة للشعب واختياره في صبيحه اليوم السادس من ابريل 1985م ومعلنة فترة انتقالية محددة بعام واحد تجري خلاله انتخابات حرة في البلاد وكان المجلس العسكري الانتقالي برئاسة المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب وتشكلت حكومة مدنية برئاسة الدكتور الجزولي دفع الله رئيساً للوزراء الانتقالي وقد ضمت الوزارة 15 وزيراً من المستقلين. حدد مرسوم المجلس العسكري الانتقالي مهام الحكومة المدنية بإلاعداد للإنتخابات الحرة لقيام جمعية تأسيسة تقوم بوضع دستور جديد للبلاد.
سابعاً: الحكومة المنتخبة أبريل 1986-يونيو 1989م: شكلت حكومة منتخبة برئاسة الصادق المهدي ومجلس رأس الدولة برئاسة السيد احمد الميرغني، وعضوية السادة إدريس البنا، د. علي حسن تاج الدين، د. باسفيكو لادو لوليك، محمد الحسن عبدالله يسن ثم علي النصري بدلاً عن محمد الحسن. ونتيجة للاختلافات السياسية بين الأحزاب المختلفة أدت إلى فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق الأمن القومي والإستقرار السياسي، والتنمية. وتمددت حركة التمرد وسيطرت على اكثر من 80% من مناطق العمليات العسكرية. ثامناً: حكومة الانقاذ الوطني 30 يونيو 1989م ] في الثلاثين من يونيو من عام 1989م تولت ثورة الانقاذ الوطني سدة الحكم وأصدرت قراراتها وبياناتها ومراسيمها الدستورية حيث تشكل مجلس لقيادة الثورة من السادة: - عميد (أ.ح) عمر حسن أحمد البشير رئيساً - عميد (أ.ح) الزبير محمد صالح نائباً للرئيس وعضوية كل من: 1- عميد (أ.ح ) التجاني آدم الطاهر 2- عميد (أ.ح) فيصل علي أبوصالح 3- عميد (أ.ح) عثمان أحمد حسن 4- عميد (أ.ح) دومنيك كاسيانو 5- عميد إبراهيم نايل آيدام 6- عقيد (أ.ح) صلاح الدين محمد أحمد كرار 7- عقيد (أ.ح) سليمان محمد سليمان 8- عقيد مارتن ملوال أروب 9- عقيد بيو يوكوان 10- عقيد (أ.ح) طيار فيصل مدني مختار 11- مقدم (أ.ح) محمد الأمين خليفه يونس 12- مقدم (أ.ح) بكري حسن صالح 13- ورائد إبراهيم شمس الدين. وقد اعلن قائد الثورة عن إحتواء الموقف بعد أن سيطرت القوات المسلحة على الأوضاع كما تم حل الحكومة الحزبية القائمة وتعطيل الدستور الانتقالي لعام 1986م وحلت المؤسسات الدستورية وتشمل رأس الدولة والجمعية التأسيسية ومجلس الوزراء. كما تم حل جميع الأحزاب السياسية والهيئات والنقابات ما عدا المنظمات الدينية. وأعلنت بيانات الثورة عن حل الحكومات الإقليمية وتم تعيين القيادات العسكرية في الأقاليم حكاماً بينما طلب من وكلاء الوزارات المركزية تسيير دقة العمل بالوزارات. وقد أعلن العميد (أ.ح) عمر حسن أحمد البشير قائد ثورة الانقاذ الوطني أن ثورة الثلاثين من يونيو ثورة سودانية قومية التوجه لا يسار ولا يمين لا حزبية ولا مايوية ولا قبلية ولا عنصرية. وأشار البيان الأول للثورة إلى أن الحكومات الحزبية السابقة قد فشلت في تحقيق أية تنمية واستقرار للبلاد وصحب ذلك تدهور مريع في كل المرافق وأصبح السودان يعيش عزلة تامة في العالم كما انعزلت إقاليمه عن بعضها في الداخل بسبب الإهمال. وتطرق للأسباب الرئيسية لتحرك القوات المسلحة في الثلاثين من يونيولإنقاذ البلادوالتى تمثلت فى الاستجابة لنداء الواجب بعد أن فشلت القيادة السياسية وفشل هيئة قيادة الجيش السابقة في تحريك الحكومات لتنفيذ ما طالبت به مذكرة الجيش الشهيرة وإضافة للتدهورالأمني في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة وطنية وإنسانية. وكذلك لتدهور الوضع الإقتصادي بصورة مزرية مما إدى إلى خراب وتدهور المؤسسات العامة وأنهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطل الإنتاج إلى جانب فشل الحكومات الحزبية في تجهيز القوات المسلحة لمواجهة التمرد. عقب ذلك انتقلت البلاد من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية بقيام مؤسسات الدولة التنفيذية القضائية والتشريعية. ثم مرحلة تطبيق الحكم الفيدرالي بقيام 26 ولاية في إطار جهود ثورة الانقاذ الوطني بتسليم السلطة للشعب. محققة بذلك اهداف الثورة الداعية الى اقتسام السلطة. كما تم انشاء صندوق دعم الولايات الذى خصصت له ميزانية مركزية تدعم بها الولايات الضعيفة . اما فى المجال السياسي فقد استطاعت ثورة الانقاذ ان تحل اكبر مشكلة جابهت كل الحكومات من قبل ان ينال السودان استقلاله الا وهى الحرب فى جنوب السودان، وذلك يتوقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 بعد مفاوضات مضنية استغرقت عدة اعوام وكتابة دستور انتقالى جديد. ومازالت الحكومة جاهدة لبسط الامن والسلام فى ارجاء البلاد. وتعمل الان بدأب على حل مشكلتى دارفور والشرق. حكومة الوحدة الوطنية: تتكون حكومة الوحدة الوطنية من هيئة الرئاسة التى تضم رئيس الجمهورية والنائب الاول لرئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية كما يوجد أيضاً مساعد رئيس الجمهورية. كما أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتعيين 12 مستشاراً برئاسة الجمهورية يتبع سبعة منهم للمؤتمر الوطني، واثنان للحركة الشعبية ومستشار يتبع لكل من الإتحادي الديمقراطي، المنبر الديمقراطى الحر وحزب الأمة الاصلاح والتجديد القيادة الجماعية. كما شكل رئيس الجمهورية بعد التشاور مع النائب الأول لرئيس الجمهورية فى سبتمبر 2005حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً بنسبة 70% وزراء شماليين و30% لوزراء جنوبيين على النحو التالي: يمثل حزب المؤتمر الوطني 52% - 49% شماليون و3% جنوبيون. وقد ضمت الوزارة 13 وزيراً شمالياً ووزيرين جنوبيين وتنازلت عن حقيبة وزارية لحزب الأمة الفدرالي. وتمثل الحركة الشعبية بـ 28% منها 21% جنوبيون 7% شماليون وقد ضمت 6 وزراء جنوبيين و 2 شماليين من جنوب كردفان والنيل الأزرق ، تمثل القوى الشمالية الأخرى بـ 14% وهي أربع وزارت اثنتين منها للتجمع الديمقراطي وواحدة لحزب الأمة الإصلاح والتجديد وأخرى للحزب الإتحادى الديمقراطي وتمثل القوى السياسية الجنوبية الأخرى بـ 6% وتشمل وزارتين لجناحي جبهة الانقاذ الديمقراطية. كما اصدر مرسوماً بتعيين 33 وزير دولة من احزاب المؤتمر الوطني، الحركة الشعبية، الاتحادي الديمقراطي، حزب الامة الاصلاح والتجديد، جماعة انصار السنة، المنبر الديمقراطى الحر وجبهة الانقاذ الديمقراطية والتجمع الوطنى الديمقراطى (بعض الأحزاب الجنوبية). وقع الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني اتفاقا يقضي بمشاركته في حكومة الوحدة الوطنية في الجهازين التنفيذي والتشريعي علي المستويين الاتحادي والولائي وتم الاتفاق على تسمية المشاركين . واصدر ايضا قرارات جمهورية بانشاء عدد من المفوضيا ت منها مفوضية البترول والمفوضية السياسية لوقف اطلاق النار ومفوضية التقويم . واصدر النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب قرارين بتعيين الحكومة الانتقالية للجنوب من 20 وزيراً وتعيين 7 مستشارين. المبحث الخامس ]التجربة البرلمانية في السودان يعود تاريخ التجربة البرلمانية وقيام المجالس النيابية في السودان إلى بداية القرن الماضي بتكوين مجلس الحاكم العام في عام 1910م واقتصرت عضويته على الحاكم العام رئيساً وكل من السكرتير الإداري والسكرتير المالي والسكرتير القضائي أعضاء وتحددت اختصاصاته في بحث وإصدار القوانين واللوائح والأوامر التي يصدرها الحاكم ولم تكن له صلاحيات أو اختصاصات أخرى. وفي يناير 1943م عين معالي الحاكم العام لجنة مكونة من خمسة أعضاء ومديري أكبر مديريتين لبحث ضرورة إنشاء مجلس أية دورة من الدورات. ويرأس المجلس الحاكم العام.استشارى لشمال السودان وقد تم قيام المجلس الاستشاري لشمال السودان بناء على توصية اللجنة من 28 عضواً من زعماء العشائر ورجال الدين من شمال السودان فقط وتم تعيينهم بواسطة الحاكم العام وتعيين رؤساء المصالح والإدارات الحكومية الذين يقدر الحاكم العام ملائمة تعيينهم في ينعقد المجلس مرتين كل عام وتستمر دورات الانعقاد ثلاثة أو أربعة أيام فقط وكان بمثابة فرصة تدريب على الحكم الذاتي واستمر عمله حتى عام 1948م ثم تكونت الجمعية التشريعية: 1948م - 1953 من 79 عضواً تم اختيارهم عبر التعيين أو الأنتخاب بواسطة الحاكم العام. وكانت برئاسة: محمد صالح الشنقيطي وقد تكونت الجمعية بمقتضى تشريع صدر من الحاكم العام بناء على توصية لفيف من المواطنين وكان للحاكم العام والمجلس التنفيذي سلطة تشريعية تعلو سلطة الجمعية التشريعية، وتمثلت أهم انجازاتها في تدريب عدد من النواب والوزراء السودانيين على نظم الحكم والحياة البرلمانية واشتراك بعض الوزراء السودانيين في مجلس الحاكم العام يعتبر تدريباً لهم على ممارسة سلطة الحكم وإجازة قرار دولتي الحكم الثنائي بمنح السودان الحكم الذاتي . في عام 1954م تكون أول مجلس نواب عبر الأنتخابات المباشرة وغير المباشر من 95 عضواً برئاسة بابكر عوض الله واستمر حتى عام 1958م وكانت دورات انعقاده ثلاثة دورات. وكانت أهم إنجازاته:- 1- إعلان الاستقلال من داخل البرلمان. 2- عملية السودنة. 3- اتفاقية مياه النيل. كما تكون مجلس الشيوخ في الفترة من 1955- 1958 من 50 عضواً تم اختيارهم عبر الانتخاب والتعيين وكانت رئاسة المجلس: أحمد محمد يس - محمد الحسن دياب - وأمين السيد - دورة المجلس ثلاث دورات.. غير قابل للحل وتتوقف جلساته إذا تم حل مجلس النواب. اختصاصات مجلس الشيوخ: 1- اتخاذ التدابير اللازمة للشروع في تقرير مصير السودان 2- إقرار قانون انتخابات الجمعية التأسيسية . وفي فترة حكم الفريق أبراهيم عبود 58-1964م تم فى يناير1962 تكوين مجلس مركزي على مستوىقومى تكون له سلطات تشريعية. اختصاصاته تشريعية. وسياسية من 86 عضواً تم اختيارهم عبر الإنتخابات والتعيين برئاسة عوض عبدالرحمن صغير. - عدد الدورات: دورتين فقط وتمثلت أهم الإنجازات في أنه شارك المجلس الأعلى في المهمة التشريعية التي أنفرد بها قبل تكوين المجلس. في عام 1968م تكونت الجمعية التأسيسية الأولى بعد أن تم الأخذ بنظام المجلس النيابي الواحد وذلك حسب نص المادة 41 من الدستور المؤقت لسنة 1964م على تكوين الجمعية من فئتين أعضاء يمثلون الدوائر الجغرافية وأعضاء يمثلون الخريجين. وقد بلغ عددهم 233 عضواً عبر الإنتخاب المباشر منهم 218 دوائر جغرافية و15 دائرة للخريجين وكانت الجمعية برئاسة د. مبارك الفاضل شداد. وتمثلت أهم الإنجازات في:- تكوين لجنة من 37 عضوا من داخل البرلمان وخارجه يمثلون كل الاتجاهات ولجنة أخرى من 15 عضواً من كبار القانونيين بهدف إعداد الدراسات القانونية المتعلقة بالدستور ولكنها لم تنجز مهمتها حتى مايو 1969م وفي عام 1972م تم تكوين مجلس الشعب القومي الأول من 255 عضواً يمثلون ثلاثة فئات.. ويتم اختيارهم عبر: الانتخاب والتعيين والعضوية بحكم المنصب للوزراء. - رئاسة المجلس: النذير دفع الله - دورات الانعقاد: دورة انعقاده 6 شهور فقط. مهمة المجلس لم تكن تشريعية واضحة ولكن أنشأ من أجل إعداد دستور وإجازته في مدة 6 شهور فقط . وفي عام 1974م تم تكوين مجلس الشعب القومي الثاني والذي أستمر حتى عام 1978م من 250 عضواً عبر الإنتخاب والتعيين وكان برئاسة : الرشيد الطاهر بكر - أبو القاسم هاشم وتمثلت أهم الإنجازات: تعديل دستور 1973 وإجازة العديد من التشريعات - وفي عام 1978 كان مجلس الشعب الثالث يتكون من 304 أعضاء عبر الانتخابات والتعيين برئاسة ابو القاسم هاشم واستمر لثلاث دورات. - تم تكوين مجلس الشعب الرابع في عام: 1980 - 1981 من 360 عضواً عبر الأنتخابات والتعيين برئاسة السيد الرشيد الطاهر بكر واستمر لدورتين فقط وتمثلت أهم انجازاته في إجازة قانون الحكم الإقليمي لسنة 1980 وقانون الحكم الشعبي المحلي 1981م. - وتلاه مجلس الشعب الخامس في عام: 1982- 1985 من 145 عضواً عبر الأنتخابات والتعيين برئاسة عزالدين السيد واستمر لثلاث دورات وتمثلت أهم انجازاته في إجازة التشريعات والقوانين الإسلامية التي بلغت (13) قانوناً أساسياً. - وفي عام 1986م عقب انتفاضة ابريل 85 تم انتخاب الجمعية التأسيسية من 301 عضواً عبر الأنتخاب المباشر للدوائر الجغرافية ودوائر الخريجين وقد رأس الجمعية: محمد إبراهيم خليل - محمد يوسف محمد فاروق علي البرير واستمرت لأربع دورات وكانت أبرز انجازاتها تعديل الدستور الانتقالي. وبعد اندلاع ثورة الانقاذ الوطني تم تكوين المجلس الوطني الانتقالي في عام 1991- 1994 ً من 376 عضواعبر التعيين وكان المجلس برئاسة محمد الأمين خليفه وتمثلت أبرز إنجازاته في دعم اتفاقيات ابوجا، إجازة الاستراتيجية القومية الشاملة، إجازة بعض القوانين الهامة في عام 1996 تم تشكيل المجلس الوطني من 400 عضواً انتخاباً وفقاً لما جاء في المرسوم الدستوري الثالث عشر وذلك على النحو التالي: 1- (275) مقعد عن طريق الانتخاب المباشر من الدوائر الجغرافية. 2- (125) مقعد بالانتخاب من المؤتمر الوطني وفق النظام السياسي وقواعده في التمثيل. 3- هنالك بعض الدوائر الجغرافية تعذرت فيها الانتخابات ولذلك تم التعيين. بلغ عدد النساء في هذا المجلس 21 عضواً. ولأول مرة تكون للنساء فرصة المبادرة بالنقاش من خلال توليها لمنصب رائد المجلس سلطات المجلس: التشريعية والرقابية بالإضافة إلى المشاركة السياسية والتعبوية المباشرة. وبعد المرسوم الدستوري الثالث عشر صارت تشمل:- 1- إصدار القرارات في الشئون العامة بصفة التوصية. 2- يجوز للمجلس الوطني عزل الوزير. 3- لا يجوز للمجلس بالتوصية عزل الوزير إلا إذا اخضع الوزير لاستجواب. - رئاسة المجلس: حسن عبد الله الترابي
وكانت أهم الإنجازات: 1- إجازة الدستور لسنة 1998. 2- إجازة اتفاقية الخرطوم للسلام. 3- إجازة بعض المراسيم الهامة والقوانين. وتمثلت أهم الأحداث في: حل المجلس الوطني قبل إكمال فترته المقررة. البرلمان السوداني السابق هو المجلس الوطني الثالث وهو أول برلمان يتم انتخابه في ظل دستور جمهورية السودان لسنة 1998، وقد تم انتخاب هذا المجلس في نهاية العام 2000م وكانت انتخاباته متزامنة مع انتخابات رئاسة الجمهورية. يتكون المجلس من 360 نائباً يمثلون الشعب السوداني بولاياته البالغ عددها 26 ولاية. 270 نائباً يمثلون المواطنين في دوائرهم الجغرافية و90 مقعداً يمثلون دوائر خاصـة تمثيلاً للفئات العلمية والمهنية وتمثيلاً خاصاً للمرأة (بالإضافة إلي حقها العام في الترشيح في الدوائر الجغرافية والعلمية والمهنية). رئيس المجلس المنتخب هو الأستاذ/ أحمد إبراهيم الطاهر وهو عضو برلماني ورئيس لجنة برلمانية سابق، وهو من الشخصيات القانونية والبرلمانية المعروفة: أما نائبا رئيس المجلس المنتخبين فهما:- 1- السيد/ أنجلو بمبارو بيدا 2- السيد/ عبد الله أحمد الحردلو وكل منهما من الشخصيات البرلمانية المعروفة. يباشر المجلس مهامه التشريعية والرقابية والتعبوية عن طريق 16 لجنة متخصصة دائمة تتكون كل منها من عدد من نواب المجلس حسب تخصصاتهم ويرأسها أحد النواب يختاره المجلس بترشيح من رئيسه كما يجوز تكوين لجان طارئة للقيام ببعض المهام التي يتطلبها عمل المجلس وينتهي دورها بتمام مهمتها . تتولى الأعمال التنفيذية والإدارية والمالية والخدمية للمجلس أمانة عامة برئاسة أمين عام يعينه رئيس المجلس بموافقة المجلس. يتولى المشورة القانونية للمجلس وأعمال الصياغة التشريعية والجوانب القانونية الفنية مستشار قانوني يعينه رئيس المجلس. عمر المجلس هو 4 سنوات وله دورتي انعقاد كل عام مدة كل منها 3 أشـهر إلا أن أعمال المجلس الرقابية والتعبوية تتواصل خلال اجازته بواسطة اللجان الدائمة ورئاسة المجلس. وقد اسهمت التحولات الكبيرة التى شهدتها البلاد فى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلاقات الخارجية خلال الفترة من 2001-2005 م فى جعل فترة المجلس من اكثر فترات المجالس البرلمانية السودانية اعمالا وانجازا فى المجالات المختلفة . ففى المجال التشريعى اجاز المجلس اكثر من 90 مرسوما مؤقتا ادخل تعديلات جوهرية على 47 منها ، و17 مشروع قانون و43 اتفاقية دولية . كما قدم المجلس سبع مبادرات تشريعية من داخله اجيزت منها خمس ويعتبر هذا الرقم قياسيا بالنسبة للبرلمانات السابقة و مقارنة بالبرلمانات الاخرى فى المنطقة الافريقية والعربية . وكانت اهم المراسيم التى اجازها اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالى بجانب قانون التنظيمات والاحزاب السياسية والانتخابات ، قانون الصحافة والمطبوعات ، مفوضية حقوق الانسان . كما اسقط المجلس بالتصويت مرسوم قانون الخدمة العامة (تعديل) لسنة 2001 م ، وسقط مرسومان تلقائيا بنهاية الدورة . وفى مجال الاعمال الرقابية اصدر المجلس عدد 256 قرارا تتضمن توصيات وملاحظات حول البيانات والتقارير حول خطط الدولة وتقارير ادائها . كما اتسمت فترة هذا المجلس بنشاط مكثف وجهود ضخمة فى المجال التعبوى على المستوى الداخلى والخارجى نسبة لضخامة التحديات التى واجهت البلاد . كما قام المجلس بنشاط واسع فى مجال العلاقات الخارجية على المستوى العالمى والاسلامى والعربى والافريقي حيث تولى السودان رئاسة الاتحاد البرلمانى العربى وامانة الاتحاد البرلمانى الافريقي كما استضاف اجتماعاتهما بالخرطوم. المجلس الوطنى الانتقالى:- عقد البرلمان السوداني الانتقالي بمجلسيه (المجلس الوطني ومجلس الولايات) جلسته الافتتاحية فى 31 أغسطس 2005. البرلمان السوداني الجديد برلمان معين باتفاق جميع القوي السياسية السودانية حسب النسب المتفق عليها في اتفاقية السلام الموقعة في9 يناير 2005م وانتخب المجلس الوطني الأستاذ احمد إبراهيم الطاهر رئيساً له ويتكون من 450 عضوا وتم توزيع العضوية وهى 52% للمؤتمر الوطنى و28% الحركة الشعبية و16% للاحزاب الشمالية و4% للاحزاب الجنوبية. ويتكون مجلس الولايات من 52 عضوا، حيث تمثل كل ولاية بعضوين ينتخبان من المجلس التشريعى. انتخب مجلس الولايات الأستاذ علي يحي رئيساً له وبهذا تكون الهيئة التشريعية القومية قد بدأت في ممارسة مهامها في الفترة الانتقالية بموجب الدستور الانتقالي.
|
|
|
|
|
|