|
المُونقِيكِي*: المافيا الكينية
|
المُونقِيكِي*: المافيا الكينية
سيف اليزل سعد عمر
تعيشُ كينيا هذه الأيام رُعباً وهلعاً متنوع الإشكال والأهداف والغايات يُشكل عبئاً كبيراً علي الدولة في تأمين سلامة المواطن. في ذات الوقت يقف المواطن والدولة في حيرةٍ من أمرهِما يتلفتون يميناً ويساراً ومن أعلاهم وأسفلهم لا يدرون من أين تأتي الضربة القادمة. هل تأتيهم من شبح الإرهاب السياسي الذي يخيم علي الأجواء الكينية مع إحتداد وإحتدام التنافس السياسي بين مجموعة أحزاب الحكومة المسماة تجمع الجوبيلي بقيادة أهورو كنياتا والتجمع المعارض المسمى كورد بقيادة رائيلا أودينقا، رئيس الوزراء السابق؟ أم تأتيهم من هجمات حركة الشباب الصومالية التى نفذت العديد من العمليات الإنتحارية الإرهابية في نايروبي خلال السنوات الماضية؟ في خضم هذا الصراع السياسي والذي ترجع جذوره أيضاً الي صراعٍ قبلي بين اللُّوو والكالِينج والكِيكُويو تُعششْ عصاباتٍ دموية مُشرِعةً أسلِحتها وبنقِاتِها (سواطِيرها) لإزالة خُصُوِمها من المسرح السياسي.
إرهابُ حركة الشباب الصُومالية معروفةٌ أساليبهُ وأهدافهُ بل أحياناً معروفٌ من هُمُ الذين يقفون خلفه من بشرٍ لهم جذور في دولة الصومال المجاورة. قد يقف خلفه مُخططون ومُمولون من دُول عربية وأوروبية أو غيرها، لكن يظل الأسلوب معروفاً ومُجرّب. فالهجوم الأخير علي مركز ويست جيت التجاري يُذكِّرُ بالعمليات الإرهابية التى نفذتها القاعدة في السفارة الامريكية في نايروبي ودار السلام في التسعينيات. ثم من بعدها الهجوم علي بعض المصالح الإسرائيلية بتفجير فندق بَاراديس في مُومبسا وفي ذات الوقت مهاجمة طائرة رُكابٍ إسرائيلية بصاروخين في مطار مُومبسا. توالت العمليات الإرهابية من هذا النوع إلا أنها أصبحت أقل حجماً في الخسائر البشرية بسبب تحسن الوسائل الوقائية، لكنه نفس الأسلوب نفس الطريقة. مؤخراً تم تفجير العديد من حافلات المواصلات الصغيرة (متاتُو*) أو مهاجمة كنائس بأسلحة رشاشة خفيفة. آخر هذه العمليات تفجير لحافلة في موقف بصات مدينة مُومبسا قبل إسبوعين راح ضحيته عشرة أشخاص. المتداول والمعروف عن نايروبي أن الشخص قد يُقتلُ فيها لمجرد ساعة يد رخيصة صُنعت في الصين لا قيمة مادية لها. لذلك يتجنب زوار المدينة تعريض حياتهم للخطر بتجنب الأحياء الفقيرة وعدم إستخدام المتاتُو وسيارات الأُجرة المشبوهة وترك ممتلكاتهم الثمنية في مكان آمن. قبل خمسة أعوام كانت حوادث إعتراض البصات والمتاتو ونهب المسافرينَ أموالهم وممتلكاتهم الثمينة أمراً عادياً. وأحيانا يتم ترتيب العملية بإتفاق مع السائق ذات نفسه كمشارك في العملية الإجرامية. في إحدي عمليات السطو هذه نهبت عصابة إجرامية مقتنيات مسافرين جميعها حتى ملابسهم الداخلية وتركتهم عراة لا يستر عوراتهم سوي أوراق وأغصان الأشجار. بالنسبة لضحايا تلك العمليات الإجرامية يلعب عامل المفاجأة وسوء الحظ دورا مهماً في الخوف أو الموت. التواجد في المكان الغلط في الزمن الغلط.
في كينيا يوجد إرهاباً من نوعٍ آخر. إنه إرهاب المليشيات والعصابات الإجرامية المنتشر في المدن الكبري . فحسب دراسة حديثة يوجد في نايروبي مجموعة أو عصابة إجرامية علي بعد كل أربعة كيلومترات. المونقيكي هي الأكثر إنتشارا وإرهابا. مارست المونقيكي إرهاباً من نوع آخر. أدخلت خوفاً ورعباً في نفوس ضحاياها لفترات طويلة قبل أن تقطع رأس الضحية وعضوه الذكري. وكأن لسان حال الكينيين ينطبق عليه المثل السودانى القائل : كتلوك ولا جُوك جُوك.
بدأت المونقيكي نشأتها ونشاطها في الريف الكينىي. مع إشتداد شدة الفقر في كينيا هاجر الشباب إلي نايروبي ومعم هاجرت المونقيكي لتجد تربة خصبة للنمو والإنتشار في أحياء مدينة نايروبي الفقيرة. فرضت المونقيكي ضريبة مالية يومية علي الباعة المتجولين وعلي سائيقي الماتاتو والتاكسي في نايروبي. إستخدمت وسائل التخويف والإرهاب والإبتزاز لجمع تلك الأموال. لم يسلم من ذلك الإبتزاز حتى الإطفال الذين يسترزقون ببيع حبات من الفول السودانى أو قطعِ السامبوسة والماندازي. أما من إعترض أو رفض أو أفشي أساليب وأسرار المونقيكي فقد كان مصيره القتل والتبشيع بجثته بصورة وحشية. في كثير من الحالات يُفصل رأس الضحية عن جسده ويُقطع عضوه الذكري أيضاً. يترك الجسد بدون رأس. بعد مرور أيام من تلك الجريمة يُوضع الرأس في مكان آخر كعلامة لتهديد شخص آخر قبل أن يتم قتله بنفس الطريقة. الصراع الذي نشاهده مؤخراً بين زعماء المونقيكي هو نتاج لنمو إسثماراتها في شراء الأراضي بعد تراكم الأموال التى جمعتها من إبتزاز الفقراء في نايروبي علي مدي قرون من الزمان.
يعيش سكان ضاحية كِتنجيلا في نايروبي هذه الأيام حالة من الخوف والزعر بسبب المونقيكي. فقبل إسبوعين تم إكتشاف سبعة جثث مدفونة في قبر جماعي في أحد المزارع من المرجح أن تكون لأفراد من المونقيكي ذات نفسهم بسبب صراع بين مجموعتين. الأولي بقيادة مائِينا إِنجينقا والذي أعلن توبته وأنسلخ من المونقيكي ليصبح قِسيساً في "كنيسة الأمل المتحد الواصل عالميا". والثانية يقودها ثيونجو كاقِيشا والذي كان مقرباً من مائينا إنجينقا. الأقرب في الامر أنه كان ناشطاً في مجال حقوق الإنسان. يدور الصراع بين الاثنين حول ملكية قطعة ارضٍ كانت حِكراً لمصنع للإسمنت. وضع مائينا يده علي قطعة الارض وبني له كنيسة فيها.
بعض الإتهامات الموجهة للرئيس أُهورو كنياتا تدور حول علاقته بالمونقيكي وهناك من يعتبره الزعيم الأول لها. فالمونقيكي يمكن وصفها بملشيات تابعة لقبيلة الكِيكُويو التى ينتمى لها كنياتا. إرتكبت المونقيكي جرائم فظيعة ضد المعارضين من قبائل الكالينج واللوو بعد الخلاف علي نتائج الانتخابات في نهاية عام 2007. فأعملت سواطيرها في أطراف ورقاب معارضيها وحرقت منازلهم وإغتصبت نسائهم وشردتهم في الغابات والأدغال. يوم 24 مايو تعرض مائينا إنجينقا لمحاولة إغتيال عندما فتح مجهولون النار علي سيارته وأمطروها بوابل من الرصاص. مات في ذلك الهجوم ستة من حراسه بينما أصيب هو برصاصة في كتفه. في أول تصريح له من مستشفي أغا خان قال أن العناية الإلهية كانت بجانبه فقد كان ممسكاً بالإنجيل بين يديه عند لحظة الهجوم. أصبحت محاولة إغتيال مائنيا قضية مصالح. فقد أعلن بِيتر كمُونية، الشقيق الأكبر لمائينا، والذي يقود أحد أجنحة للمونقيكي أعلن انهم هم الذين نفذوا تلك العملية للتخلص من شقيقه. نفي مائينا هذا الإدعاء وأتهم الشرطة الكينية بمحاولة إغتياله. فقد جاء في شهادته أن الذين أطلقوا النار عليه كانوا رماة محترفين يجيدون إستخدام السلاح وليس المونقيكي الذين يعرفهم. وأتهم مائينا أُهورو بالوقوف وراء محاولة الاغتيال بإعتبار أن مائينا يملك وثائق وشهادات مهمة تدين أوهورو والمُلاحق من محكمة الجنايات الدوليه لارتكابه جرائم فظيعة خلال مجزرة ديسمبر في 2007. إنتهز رائيلا أودينقا، زعيم الكتلة المعارضة، فرصة الخلاف بين أهورو ومائينا وقام بزيارة الاخير في منزله في ضاحية كارين بغرض الإطمئنان علي صحته بعد محاولة الإغتيال. ومن خلال الزيارة وجّه أودينقا نقدا لاذعاً لكنياتا بقوله: لماذا تتعجب من تحذيرات الدول الغربية لرعاياها بتجنب زيارة كينيا وإنت غير قادر علي حماية المواطن الكينى. وإن كنت تتهِم المونقيكي بتدبير وتنفيذ هذه العملية لماذا لا تقبض عليهم وتحاربهم بصفتهم جماعة إرهابية؟
في 20 أكتوبر 2013 قُتل أحد القساوسة وهو يصلي لوحده في كنيسة قوسيبل في مدينة مومبسا. وكان القسيس قد فتح بلاغا في الشرطة عدة مرات بتهديدات كانت قد تعرض لها قبل وفاته يرجح أنه كان من خلفها المونقيكي. أصابع الاتهام تتجه نحو شرطة كينيا في تواطوئها مع المونقيكي. ففي تقرير نشر حديثاً من أحد المؤسسات البحثية يري الباحثون أن القضاء علي الإرهاب والمليشيات يبدأ من تأهيل الشرطة وتعاملها الجاد للقضاء علي المونقيكي. الإحصائيات التى نشرت توضح أن هناك عشرين شرطيا مقابل مائة من مليشيات كينيا.
في كينيا توجد الآلاف الكنائس المسيحية بمسميات مختلفة وبالمقابل يوجد بها الآلاف من الجماعات الاسلامية بمذاهبها ومسمياتها المختلفة. واحدة من تلك المسميات التى رسخت في ذاكرتي هي "راهبات الدم النفيس". فقد كانوا يديرون لوكاندة في وست لاند بالقرب من مسجد ومكتب لمجلس الدعوة الاسلامى في شارع نقوق علي بعد خطوات من مبني السفارة السويدية القديم ومركز ويست جيت الذي هاجمته حركة الشباب الصومالية مؤخراً. علاقة المونقيكي بالكنيسة علاقة متناقضة. فمن جانب نشأت المونقيكي علي تعظيم التقاليد والأعراف الإفريقية في المجمتع الكينى ومعادات الكنيسة والإستعمار وكل أشكال المدنية. فلها تقوصها وعاداتها المستمدة من ثقافة قبيلة الكيكويو. لكنها من جانب آخر لها علاقة وطيدة بالكنيسة خاصة بعد تخلي زعيمها مائينا والتحول الي قسيس وداعية مسيحي. تقول إحدي الدراسات أن المونقيكي كحركة قد ولدت بعد حادث عرضي تعرض له مائينا عندما كان طالباً في أوآخر الطاشرات من عمره. فقد شعر بانه قد بُعث من الأموات وأن هناك من أوهمُوه أو إعتقدوا أنه يحمل صفات نبوية. بتقربه لكنيسة الأمل المتحد والتحول لمُبشِر وخطيب نقل مائينا المونقيكي وأفرادها للدايانة المسيحية علي شاكلة الطوائف الدينية الأخري. كان هذا التحول مهماً لمائينا للتحرك بمساحة أفضل وسط مراكز القوي السياسية والدينية بدل أن يكون زعيما لعصابة مطاردة ومخيفة. لقد وجدت المونقيكي في معتقداتها الدينية غطاء لنشاطها التنظيمى والإجرامى كطائفة. فقد فرضت معتقداتها قتل كل من يفكر في الإنسلاخ عنها وإفشاء أسرارها. لكن مثلما تطورت أسلحتها من السواطير الي إستخدام الكلاشنيكوف فهي الآن تعيش مرحلة تغيّير بالهروب للكنيسة وإعادة التنظيم وتطوير الأساليب علي أساس طائفي. ففي أكتوبر من عام 2009 أعلن مائة شاب من المونقيكي توبتهم والإنضمام الي الكنيسة. جاءت تلك الخطوة بعد إعتناق زعيمهم مائينا للمسيحية بعد خروجه من السجن. عندها صرح قائلاً "لقد وجدت فرصة كافية في السجن للتعرف علي الإنجيل واليوم أحس بأننى ولدت مسيحياً من جديد مما يؤهلني أن أكون بروفسورا في تدريس الإنجيل." قوبل ردة مائينا بكثير من الحذر والتشاؤم. كيف يصبح زعيم جماعة إرهابية مبشرا وقسيسا في كنيسة. ذلك التشاؤوم عبر عنه الأب الكاثوليكي مارتن كيفوفو من كنيسة ماجاكوص في نايروبي قائلا "الوقت كفيلاً بأن يثبت لنا أن مائينا ورفاقه يريدون إصلاح أنفسهم بصدق أو أنهم يستخدمون الكنيسة كغطاء للقبول من عامة الناس". لكن سرعان ما قفز مائينا للجلوس في كرسي السياسة. فبعد فشله في تسجيل حسب سياسي تحت مسمي تجمع الشباب الوطنى الكينى دعي عضويته للتسجيل بصورة فردية في في حزب تضامن الكينيين في مطلع 2012 والذي فاز برئاسته.
مع فشل محاولة إغتيال مائينا إِنجينقا ومقتل ستة من حراسه المقربين، ومع إشتداد حِدة الصراع السياسي الكينى بين كتلة الأحزاب الحاكمة (جوبيلي) وكتلة الاحزاب المعارضة (كورد)، فإن كينيا معرضة لموجات من العنف والأنفلات الأمنى لفترات طويلة قادمة. أما خلافات الحكومة مع بعض مراكز السلطة في الغرب خاصة بريطانيا وأمريكا وتهديدات حركة الشباب الصومالية فإنها تضع النظام الحاكم في حالة كش ملك وموقف دفاعي قد يفاقم من تدهور الأوضاع الأمنية. تحت كل هذه الظروف تصبح المونقيكي مليشيا وطائفة مخيفة وإرهابية. --------------——–•-------------------------------///////---------///////--------//////-----///-----///--------
المونقيكي* حركة دينية، سياسية، شبابية إجتماعية نشأت لمحاربة الفقر والتهميش. بنت أفكارها ومعتقداتها وتقاليدها وأعرافها علي أسس محلية وتقليدية. ناصبت العداء للمسيحية وكل ما هو دخيل علي المجتمع الكينى. يعود أصل التسمية لكلمة في لغة الكيكويو في ما معناه الجماهير او الحشد وأقرب لكلمة إتحاد باللغة السواحلية. يقال عن الحركة أنها إمتداد لحركة الماو ماو المناهضة للإستعمار البريطاني. لكن أساليب المونقيكي بإستهدافها للمواطنين في العقود الاخيرة ينفي هذه العلاقة كما أنها حركة مرفوضة من المجتمع الكينى. وجدت المونقيكي ضالتها في السياسة والدين لحماية مصالحها فأصبح زعيمها مائينا مسؤولا للشؤون المالية لتجمع الشباب الوطنى والذي أصبح يمثل الجناح السياسي للمونقيكي.
أتهمت المونقيكي بالمشاركة في العنف القبلي الذي إندلع عقب إعلان نتائج إنتخابات 2007 بمهاجمتها للمعارضين من قبائل اللوو والكالينج. الإرهاب والعنف هو سمة ملازمة للمونقيكي فقد فقد الآلاف أرواحهم ذبحا وتقطيعا بالسواطير. ولازال هذا الأسلوب هو السائد في نايروبي حيث تعمل المونقيكي كعصابة لحماية المواطنيين مقابل مبلغ من المال او إرهاب شخص آخر بدون وجه حق لإغتصاب إرضه وأملاكه.
متاتو*: هي حافلات المواصلات التى تربط أحياء نايروبي ببعضها البعض ووسط المدينة. معظمها هي بصات من ماركة تويوتا من الهآيس والكوستر. سميت متاتو لانها سعر التذكرة كان 3 شلن كيني. اما الرقم 3 فيسمى تاتو باللغة السواحلية وإضافة ما لكلمة تاتو هي صيغة الجمع لهذه الحفلات.
الماندازي*: اللقيمات
إيريك هنيجنسون وبيريز جونس. المونقيكي قوة الحركة في تعبئة الجماهير. المعهد النرويجي للأبحاث الحضرية والإقليمية ص 8
|
|
|
|
|
|