|
عدالة المعاشات والمنح الاضافية في قانون الضمان 2014 1/2/محمد علي خوجلي
|
محمد علي خوجلي Khogali 17@yahoo .com.
من أهداف مشروع قانون الضمان الاجتماعي 2014 بحسب المذكرة التفسيرية: التأكيد على أهمية وضع اعتبار للتضخم المالي والآثار الاقتصادية التي تؤدي لتآكل القيمة الحقيقية للمعاشات وذلك بإجراء المعالجات اللازمة لتحسين المعاش وعلى ذلك نصت المادة (93) تحت عنوان تحسين المعاشات على الآتي: (1) يجوز للمجلس بموافقة الوزير المختص: (أ) القيام من وقت لآخر بإجراء المعالجات اللازمة لحماية القيمة الحقيقية للمعاشات من آثار التضخم وغلاء المعيشة بقدر ما تسمح به موارد الصندوق. (ب) تقليل فروق المعاشات بين الدرجات الوظيفية الواحدة في الخدمة العامة التي تقاعد أصحابها في تواريخ متعاقبة على نحو متدرج كلما سمحت موارد الصندوق بذلك. (2) يجوز لمجلس الوزراء إجراء تحسينات في المعاشات المنصوص عليها في هذا القانون في إطار معالجات الأجور وتلتزم الوزارة بتحمل تكاليف هذه التحسينات وتدفعها بصفة مستمرة. ونلاحظ الآتي: 1- خلط مشروع القانون بين (تحسينات) المعاشات لجميع المعاشيين وبين استحقاق (معاش المثل) لمعاشيى الخدمة المدنية والمقرر منذ سنين عددا. 2- قيد استحقاق معاش المثل والتحسينات في المعاشات بموارد الصندوق. 3- اجراء التحسينات التي يجوز للحكومة انفاذها في إطار معالجات الأجور، وتتحمل تكلفتها هي أيضاً لمقابلة (آثار التضخم وغلاء المعيشة). 4- لم يرد في أغراض الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي بالمادة (26) من القانون ما يشير إلى أي دور له في تحسين المعاشات. 5- لم ينص القانون صراحة على استحقاق المعاشيين غير الأحياء (المنتفعين) في الزيادات والتحسينات، بما في ذلك الحد الأدنى للمعاش. وثبت خلال الممارسة أن الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي ظل يطبق الزيادات على المعاشيين الأحياء طوال الفترة (1975 – 2011). وفي الواقع فإن معظم الزيادات أو التحسينات في المعاشات، بما في ذلك معاشات عمال القطاع الخاص (التأمين الاجتماعي) تتم بمبادرة من الدولة. ومن غير المتصور بالقيود الموضوعة والواقع الماثل تطبيق معاش المثل لقسم من المعاشيين أو تحسين المعاشات عن طريق مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للآتي: 1- المديونية الضخمة وبالمليارات في ذمة الحكومة وغيرها لصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. 2- ضعف التغطية في نظام التأمين الاجتماعي، فنسبة عدد المعاشيين للمؤمن عليهم المنتظمين في السداد بدراسة الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي هي حوالي 45% ونسبة المؤمن عليهم المتوقفة اشتراكاتهم أكثر من 200% من المؤمن عليهم المستمرين ونسبة التغطية الكاملة أقل من 2% من القوة العاملة. والتقرير السنوي لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي عن العام 2012 كشف أن عدد المؤمن عليهم في التأمين الاجتماعي 316 ألف مقابل 422 ألف في معاشات الخدمة المدنية وهي نسبة ضئيلة سواء بالنسبة للقوة العاملة بأجر أو العاملين لأنفسهم. 3- ومعلوم أن أية تحسينات في المعاشات بالمناهج السائدة في الصندوق يجب أن تسبقها دراسة لفحص المركز المالي، ونص مشروع قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014 في المادة 23(2) في الفقرة الأولى: "يجرى الفحص الأول بعد مرور ثلاث سنوات على تنفيذ هذا القانون ثم مرة على الأقل كل خمس سنوات، وبهذا النص فإن أول تحسينات متوقعة سيتم نظرها في العام 2023 (!). ومن جهة أخرى فإن الدولة لا تضمن بالقانون أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهذا يتضح جلياً في ذات المادة التي أشرت اليها (23) بالنص "إذا تبين وجود عجز في أموال الصندوق ولم تكف الاحتياطات المختلفة تسويته فيجب على الخبير الاكتواري أن يوضح أسباب هذا العجز والوسائل الكفيلة لتلافيه". إن الوضع العادي والمعمول به في معظم قوانين الضمان الاجتماعي هو: 1- أن يحدد القانون نسبة زيادة سنوية في المعاشات (من 5% إلى 8%) وإذا اتضح عجز الصندوق في تغطية كل النسبة تتحمل الدولة النسبة الزائدة. 2- أنه متى ما تبين حدوث عجز في أموال الصندوق فإن الدولة هي التي تقوم بتغطيته كمديونية على الصندوق. ويميز مشروع قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014 بين المؤمن عليهم بوضع المؤمن عليهم من الحكومة وقطاع الأعمال العام في كفه والمؤمن عليهم في القطاع الخاص في كفه أخرى بالنسبة لالغاء الوظائف والفصل التعسفي. مثلما يميز بين المؤمن عليهم في الكفتين من حيث فترة الاشتراك. كما يساوي المشروع (كما قانون التأمين الاجتماعي 1990 تعديل 2004) بين المحالين للتقاعد بالغاء الوظيفة (الفصل الجبري بقرار وزاري) وبين أصحاب المعاشات المبكرة، أو المعاش الاختياري (بالاختيار الحر). وأن المناهج التي اتبعها المشروع تتعارض مع الحقوق الدستورية والقانونية للمؤمن عليهم وتجسد عدم العدالة ولا تخفى مخالفتها لمبادئ الشريعة الاسلامية. فالمادة (73) د جوزت لمجلس الوزارة بناءاً على توصية من الوزير المختص أو الوالي أن يستبقى المؤمن عليه من سنة إلى أخرى بعد سن التقاعد (ستين) إلى أن يبلغ الخامسة والستين وتحسب هذه المدة لأغراض المعاش والنص ينطبق – كما جاء – على العاملين المؤمن عليهم بالحكومة في حين أن المؤمن عليهم في القطاع الخاص لم يرد بشأنهم شئ، صحيح أن من المؤمن عليهم في القطاع الخاص من يصل إلى سن خمسة وستين (بعقودات عمل) لكن هناك غيرهم ليست لهم تعاقدات وقد يرغب صاحب العمل في استبقائهم. إن هذا النص، بصورته، يثير قضيتين كان يجب على مشروع القانون حسمهما بوضوح. حيث أن من أهم أسباب ضعف التغطية التأمينية، التمييز بين العاملين وفقدان الثقة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هما: الأولى: أنه يجوز للمؤمن عليه في القطاع الخاص الاستمرار في التأمين حتى سن 65 متى ما رغب صاحب العمل في استمراره بخدمته.. الثاني: أنه يجوز لكل من ربط له معاش في سن الستين أن يلتحق بعمل جديد وأن تكون الفترة حتى بلوغ سن 65 جزءاً من فترة المعاش على أن يبين القانون شروط ذلك وكيفية إعادة تسوية المعاش... الخ. فالمواطنون سواء أمام القانون. ومعروف للكافة أن معظم الذين يتقرر (استبقاؤهم في الخدمة المدنية هم من أصحاب الحظوة جراء سياسات التمكين فمجلس الوزراء والوزير المختص والوالي هم في الغالب من الحزب الحاكم وحده. إن كل ذلك يشكل تمييزاً واضحاً بين مشتركين في نظام واحد ويخضعون لقانون واحد. وأننا تعرفنا في الواقع المرير كيف أن الآف العائلات حرمت من المعاش بسبب أن عائلها المؤمن عليه كان يحتاج لبضعة شهور لاستكمال المدة المؤهلة للمعاش. وتنص المادة (74) من مشروع قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014 على: (1) يستحق المؤمن عليه في القطاع الحكومي والقطاع العام، الذي تنتهي خدمته بقرار وزاري معاشاً من تاريخ صدور القرار، إذا استوفى شروط المادة 73(ب) و(ج) (عدم بلوغ سن الستين ولا تقل المدة المسددة عنها الاشتراكات عن عشرين سنة). (2) في حالة الغاء الوظيفة يسوي المعاش استثنائياً للعاملين الذين اكملوا عشرين سنة بغض النظر عن العمر على أن يوقف عند اعادة التعيين. وملاحظاتنا حول هذا النص: 1- الفصل بقرار وزاري والغاء الوظيفة ليست حصراً على الحكومة والقطاع العام. فيجوز الغاء الوظائف أو خفض أعدادها بنص قانون العمل القائم لأسباب فنية أو مالية أو اقتصادية أو تكنولوجية. كما يجوز الفصل التعسفي بنص قانون العمل الساري. وقرار التخفيض أو الغاء الوظائف لا يتم بقرار منفرد من صاحب العمل في القطاع الخاص، بل يخضع لاجراءات طويلة عن طريق (لجنة ثلاثية) مثلما يستوجب موافقة الوالي. فما هو الفرق بين دواعي وأسباب الفصل الوزاري والغاء الوظائف في الحكومة والقطاع العام وبين أسبابها ودواعيها في القطاع الخاص؟ هما معاً نتيجة ذات السياسات المالية والاقتصادية للدولة، والعولمة الرأسمالية. وفي الحالتين فإن المؤمن عليهم لم يتقدموا باستقالاتهم أو يتم فصلهم بمجالس محاسبة بل فقدوا وظائفهم (مجبرين) فما هي أسباب التمييز؟ 2- من جهة ثانية فإن مشروع القانون ساوى بين (المعاش الاختياري) أو المعاش المبكر والذي يكون بالإرادة الحرة للمؤمن عليه وبين (المعاش بقرار وزاري) والذي يكون من غير ارادة المؤمن عليه. وأنه لظلم لا يحتاج لبيان.. وأن السودان ليس جزيرة منعزلة ومثل هذه القضايا حسمتها قوانين التأمينات الاجتماعية والمعاشات والضمان الاجتماعي في معظم دول العالم وجرى العمل على أنه في حالات الغاء الوظيفة أو خفض الوظائف أو الغائها (في الحكومة والقطاع الخاص) أن تحدد القوانين حد أدنى لمدة الاشتراك لاستحقاق المعاش (عشر سنوات في جمهورية مصر العربية نموذجاً) على أنه في حالة انتهاء الخدمة بسبب الغاء الوظيفة أو الفصل التعسفي يتم حساب المعاش على أساس ضم عدد من السنوات (خمسة سنوات في مصر). وقد شهدت عمالاً كانوا محتاجين لخمسة شهور لاستحقاق المعاش بعد الغاء وظائفهم. إننا لا تزال في أشد الحاجة لاجراء مزيد من الحوار المجتمعي حول مشروع قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014، إذا كان الهدف الحقيقي هو اجراء الاصلاحات والعدالة بين المؤمن عليهم. فقضايا المؤمن عليهم في القطاع الخاص لن يدركها العاملون في الحكومة والذين أصبح معظمهم من أصحاب الاستثمارات كما لن يدركها اتحاد نقابات عمال السودان من واقع تكوينه وغياب التنظيمات النقابية في القطاع الخاص. ونواصل في الجزء الثاني عدالة المعاشات والمنح الاضافية في مشروع قانون الضمان الاجتماعي 2014 المشوؤم..!!.
|
|
|
|
|
|