|
الامام والرهان الخاسر/حماد صالح
|
منذ أول يوم لقيام الانقاذ امتطى الامام الصادق المهدى صهوة الحوار الوطنى حيث وجد فى جيبه فى لحظة اعتقاله مذكرة مضمونها أن معكم القوة ومعنا الشرعية فتعالوا نجلس نتحاور ولكن عناد أصحاب الرسالة السماوية والجهاد الاسلامى وابناء الله واحباؤه كان أكبر من تطلعات الامام ولم ييأس الامام فخرج وعاد فى تهتدون وتفلحون ودخل فى حوارات كثيرة واتفاقات لا شك أنها نجحت نوعاً ما فى زيادة مناخ الحريات ولكنها لم تحقق أحلام الامام فى تفكيك الدولة الشمولية لصالح الديمقراطية . المعارضة من جانبها كانت تعول على شعبية الامام فى اسقاط النظام وكانت تصب جام غضبها على الامام الذى لم يحرك قواعده لاسقاط النظام ولم تكن المعارضة وحدها بل من داخل حوش الامام ولكن ما الذى جعل الامام يدير ظهره لكل هؤلاء ويمضى قدما فى تفكيك الانقاذ سلميا ولو نظرنا نظرة تاريخية بعيدة عند قيام نظام مايو نجد أن الامام اجتر ذكريات مؤلمة عندما تم ابادة الأنصار فى الجزيرة أبا ولا شك أن الشيوعيين والاسلاميين كانوا السبب الأساسى فى ابادة الأنصار فالاسلاميين حرضوا الامام الهادى والأنصار على قتال لم يحسبوا له حسابات تكتيكية فكانت الخسارة مؤكدة فالاسلاميين كانوا يحاربون نظام مايو بالوكالة وكان الأنصار بين مطرقة الشيوعيين وسندان الاسلاميين فحصدهم نميرى ونفس المشهد حدث فى 1976 والآن يتكرر السيناريو ولكن هذه المرة تبادل المطرقة والسندان مواقعهم فالشيوعيين الآن يريدون من شعبية الامام أن تحارب عنهم وتضحى لتخليصهم من الاسلاميين فأصبحوا يحاربون بالوكالة فهم الآن السندان والاسلاميون المطرقة ولكن لم يحن وقت الضرب لأن الامام لم يدخل الأنصار بين المطرقة والسندان فالامام قد وعى الدرس ولذلك هو يريد أن يتخلص من النظام بأقل الخسائر خاصة فى ظل معارضة لم تتفق حتى على خارطة طريق لما بعد الانقاذ حتى يضمن استدامة الديمقراطية فالأنصار هم الذين خسروا فى عهد نميرى وقدموا أرواحهم وللأسف لم يجنوا شيئاً ابان الديمقراطية قصيرة العمر فما لبثوا حتى غشيتهم سحابة سوداء اسمها الانقاذ الوطنى فغطت على كل آمالهم ووأدت أحلامهم فكيف للامام أن يرمى بشعبه الى المحرقة وهو لم يحصل على ميثاق شرف من المعارضة لاستدامة ديمقرطية تستاهل التضحية دعك من أطياف المعارضة الاخرى فربما لها أهداف اخرى لاغتيال شخصية الامام سياسياً ولكن انظر داخل حوش الامام فان فى حزب الامة من يقف سداً منيعاً أمام مواقف الامام بل ويتهم الامام بأنه مهادن للانقاذ وفى قمة محنة الامام ابان اعتقاله صدرت بيانات من هذه المجموعة تشجب الاعتقال وفى نفس اللحظة تحمل الامام وزر مواقفه من الموتمر الوطنى وتظهر وجه الشماتة . اجتهاد الامام لايجاد حلول سلمية للخروج من الأزمة لا يقدح فى مواقفه بل يحسب له حتى ولو خسر الرهان فى ذلك , وسيكتب التاريخ أن الامام حاول جهده أن لا يتصومل السودان وأن لا يصبح سوريا افريقيا وأن خيار المواجهة الشعبية للاطاحة بالنظام مطروح عند المهدى وهو يمثل عنده خيار العدم أى اذا انعدمت كل الخيارات لازاحة النظام سلمياً وايجاد مخرج آمن للسودان عندها لا مفر من استخدام الكرت الأخير وهو الانتفاضة الشعبية بعد أن يهيئ لها الحماية المسلحة فان أى انتفاضة غير محمية من القوات المسلحة فان الفشل سيكون قاسى جداً وسيدفع الشعب وحده تكاليفه عليه يجب أن نأخذ الموضوع من واجهة الحنكة السياسية لا من واجهة التهور الأعمى والاندفاع غير المدروس والذى ستكون نهاياته سلبية أما مسالة اعتقال الامام فالواضح أنه منذ بداية الدعوة للحوار أعلن الامام موقفه من الحوار وترحيبه بهذه الخطوة وفى نفس الوقت وحتى لا ينسى الناس أعلن الامام التعبئة العامة لقواعده فان لسان حاله يقول للمؤتمر الوطنى احذر ما تتمناه فالامام يريد أن يحمل النظام عنوة على تفكيكه فبحصول التعبئة الشعبية يكون هناك ضاغط قوى على الحكومة المخادعة فهو يقول لهم اما أن تواصلوا قدما فى هذا الموضوع أو نسلط عليكم ثورة شعبية والمؤتمر الوطنى قد تنبه للأمر وقبل فوات الأوان واكتمال تعبئة الامام قام بخطوة استباقية واعتقل الامام وأدخل راس الحوار فى حبل المشنقة ولأنه لم يعد يثق فى القوات المسلحة وربما ان الامام كانت له خططه وترتيباته مع بعض ضباط الجيش لحماية الانتفاضة الشعبية استقوى النظام بمليشياته الخاصة واستدعاها لحمايته. هذه هى السيناريوهات والمآلات وقديما قال المتنبئ : ومن يك ذا فم مر مريض ** يجد مراً به الماء الزلالا وأيضا قال : قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ** وينكر الفم طعم الماء من سقم حماد صالح
|
|
|
|
|
|