|
وآسفي عليك يا ميادة سوار الدهب (2 من 10)/عادل عبد العاطي
|
صورة الذات في مرآة الذات وفي مرآة الواقع أو يا دنيا ما فيك إلا أنا
أحجية:
هناك احجية اوروبية وربما كونية وثقها الاخوة غرين ضمن ما وثقوا من احاجي الشعوب ؛ وهي عن ملكة صعدت للملك بالصدفة ؛ بعد موت الملكة وزواج الملك منها. وكانت هذه السيدة مغرورة بجمالها اشد الغرور ؛ وترى نفسها اجمل شخص في الدنيا. كانت هذه المرأة صلفة جدا في تعاملها مع الخدم والحشم بل مع ابنة الملك البرئية النقية الجميلة. ولم يكن لها من صديق الا مرآة سحرية كانت تتأمل فيها آناء الليل واطراف النهار؛ وكان سؤالها المفضل لهذه المرآة هو : يا مرآة يا مرآة من هي أجمل امراة في الدنيا ؟؟ وكانت المرآة تجيب : انت يا فخامة الملكة ؛ وكانت هذه تذوب من النشوة وهي تسمع تلك الكلمات .
الا ان الزمن قد فعل فعله علبها ؛ كما نمت واحلوت بنت الملك؛ فأتت الملكة يوما المرآة تسألها: يا مرآة يا مرآة من هي اجمل أمرأة في الدنيا ؟؟ ردت المرآة : ربيبتك الاميرة يا فخامة الملكة . فاستشاط غضب الملكة الشريرة وحاولت تدبير قتل الطفلة الجميلة؛ ولكنها لم توفق كحال كل شرير؛ وكانت نهايتها بائسة اشد البؤس .
الشاهد ان اغلب سياسيينا السودانيين يملكون مرآة سحرية خيالية كهذه ؛ هي مرآة ذاتهم. وعكسا لمرآة الاحجية التي كانت تقول الحق دائما؛ فان مرآتهم تقول الكذب دائما؛ اذ هي مخلوقة من شخصياتهم نفسها؛ لذلك يحلسون امامها كل صباح ومساء ويسألونها: من هو أجمل واذكى وافضل سياسي في السودان بل في العالم ؛ فتجيبهم مرآة غرورهم وصلفهم : انت يا سيدي الامام او انت يا سيدي الشيخ او انت يا سيدي الرئيس او انت يا مولانا العظيم او انت يا سيدي السكرتير العام وهكذا دواليك . فيخرجون الى الناس بهذه الاوهام ويسومونهم العذاب.
ليس هناك من يصلح لرئاسة الحزب غيري:
تحدثنا في الحلقة السابقة من هذا المقال كيف ان الحزب الديمقراطي الليبرالي قد نشأن ليقدم قيادة جديدة غير السايكوباتيين الذين ينظرون لنفسهم في المرآة في ابهى حلة؛ ثم يسومون الناس العذاب. ونضيف ان النظام الاساسي يلزم الحزب وقيادته بتدريب عضويته من الشباب حتى يتأهلوا للقيادة؛ وانه يعتبر قضية التبديل القيادي امرا ملزما ؛ وأنه يحرص على انشاء القيادات الجديدة والبديلة وقيادات الظل؛ وفق منهج يؤمن بالشباب وقدرات النساء وابناء المناطق المهمشة ؛ ويعمل على اعطائها كل الفرص للتطور.
هذا المنهج الديمقراطي الاصيل ادى لأن تحتل النساء مواقع رفيعة في الحزب ؛ من رئيسة الحزب وحتى الامين العام؛ وان يكون الاستاذ مدثر خميس اصغر امين عام لحزب سياسي على الاطلاق؛ حين تولى هذا المنصب في الحزب الليبرالي السوداني (وهو احد افرع الحزب الحالي). وهو ما ادى لأن تطلب الاستاذة نور تاور في المؤتمر الثاني للحزب ( بعد اقل من سنة من اختيارها رئيسة ) ترشح اخرون للقيادة ؛ وما ادى لان تدعم زهرة حيدر ادريس بعد اقل من عام على انتخابها امينة عامة ؛ في المؤتمر الثاني للحزب؛ ترشيح نائبها مدثر خميس طه لذلك المنصب؛ وان تدعمه من خبرتها وتقف بجانبه في الايام والشهور الاولى بعد انتخابه . وهو ما ادى لأن ترشح الاستاذة ولاء عوض حسين ؛ اول مسؤولة للتنظيم والادارة في الحزب في المؤتمر الثاني نفسه؛ نائبها مجاهد حسب الرسول لتولي المنصب؛ وان تدعمه في ذلك طوال فترته من خبرتها واستشاراتها.
أدى هذا ايضا لأن يترشح الاستاذ عبد العزيز كمبالي وهو في عام 2010 في مؤتمر الحزب الديمقراطي الليبرالي وهو ابن 25 عاما او اقل ؛ في منافسة الجليلة استاذة نور تاور على رئاسة الحزب ؛ وحصوله على عدد جيد من الاصوات ؛ ولم ير احد ان هذا غير طبيعي. كما ادى لسيادة منهج – قبل فترة الرئيسة الجديدة – باتاحة فرص المساهمة في الدورات والمشاركات الخارجية لشباب الحزب ؛ فالاستاذة نور تاور لم تشارك الا في مؤتمر عالمي واحد؛ وكانت ترسل عضوية الحزب الاخرى لتصقل بالتدريب والاحتكاك. عكس الحال على رئاسة الكتورة الشابة الطموحة والتي كادت ان تحتكر كل التمثيل الخارجي للحزب ؛ في ظل فهمها ان الحزب يجب ان يبكون ممثلا بشكل مشرف ؛ وكأن الآخرون لا يشرفوا. رغم ان فترتها في القيادة اقل من فترة نور تاور .. وهكذا كان منهجنا الى وقت قريب.
من جهته فقد تغير الحال بعد صعود الطموحة ميادة سوار الدهب بنمط قيادتها الفردي العشوائي غير الرشيد؛ الذي تريد فرضه على الحزب الديمقراطي الليبرالي وربما على شعب السودان اذا القاه حظه العاثر تحت هذا الخيار. فالسيدة لا تؤمن ابدا بمبدأ التبديل القيادي؛ ولا تؤمن ان في الحزب من هو مؤهل اكثر منها او مثلها ؛ بل ومن يمكن أن يكون مؤهلا لقيادته غيرها.
فقد شهدت هذه السيدة نفسها؛ وشهد ايضا الاستاذ عبد العزيز كمبالي ؛ العضو السابق في المجلس السياسي للحزب . إنه قد زارها في معية الزميل الاستاذ معتز صالح؛ عضو المجلس السياسي للحزب وقتها؛ قبل مشروع الوحدة مع حركة حق جناح الاستاذ بكار في بيتها للتداول حول آليات الوحدة وقضاياها. والاستاذان كمبالي ومعتز هما من قيادات الحزب المؤسسين ولكل منهما تاريخ سياسي ونضالي حافل ومشرف أكثر منها. وفي اثناء النقاش طرح الاستاذ كمبالي سؤالا على الدكتورة الطموحة وهو التالي: من ترين يمكن ان يكونوا مرشحين لرئاسة الحزب الموحد الناتج عن الوحدة ؟ اجابت الشابة الطموحة: أنا ... اندهش كمبالي فقد توقع ان تقدم له قائمة بمن ترأهم اهلا لذلك المنصب ؛ فسألها أيضا: وهل ترين ان هناك شخص اخر يمكن ان يكون مؤهلا للرئاسة ؟ كان الرد السريع: لا .. زاد اندهاش الاستاذ كمبالي فسألها: هل لا ترين في عضوية حزبنا وفي عضوية حق اي شخص اخر مؤهل لتولي الرئاسة غيرك ؟؟ اطرقت الشابة ثم رفعت رأسها للسماء وفكرت كثيرا ثم كانت اجابتها: احتمال عادل عبد العاطي.
الغرور الشديد والجلافة الفجة:
كانت هذه الاجابات تعبر عن الغرور الشديد والجلافة الفجة. فقطع شك ان كل اعضاء المجلس السياسي والمكاتب التنفيذية والعديد من عضوية الحزب يمكن ان يكون رئيسا للحزب. وقطع شك ان كل من معتز صالح نفسه وعبد العزيز كمبالي ذاته يمكن ان يكونا رئيسين لليبرالي وغير الليبرالي. كان هذا الرد في وجههما وبهذه الطريقة يعبر ليس فقط عن الغرور الطافح ورؤية انها الاجمل والافضل في مرآة الذات؛ بل يعبر عن الخراقة وانعدام اللياقة والاتكيت؛ في قول هذا لاثتين من مؤسسي الحزب ؛ كل منهما عضو في المجلس السياسي وهو اعلى هيئة قيادية في الحزب؛ وكان احدهما مرشح سابق لرئاسة الحزب في مؤتمر عام حضرته هي ذات نفسها. لقد كانت هذه الردود تعبيرا عن العالم النفسي لميادة سوار الدهب التي لا ترى امكانية لأن يقود الحزب الديمقراطي الليبرالي او اي حزب ينشأ بالتوحد معه ؛ غيرها.
إن هذا يفسر انزعاج هذه السيدة الكاسح من امكانية اندماج حزبنا مع حزب الحقيقة الفيدرالي؛ وامكانية ضياع رئاسة الحزب الموحد منها. لذلك وضعت كل العراقيل امام هذا المشروع. الغريبة انها لم تعرف ولم تكن تتصور انني في حواراتي مع قيادة حزب الحقيقة اقترحت عليهم قيام مجلس رئاسة وليس رئيس واحدا؛ وانه عندما قال لي احد قادتهم انه يتصورني في موقع رئيس الهيئة السياسية العليا رفضت ذلك وقلت له ان هذا الامر يقرره الحزب والعضوية واني راغب عنه؛ واني ارى ان السيدة ميادة يمكن ان تكون الرئيسة او رئيسة الهيئة السياسية العليا؛ وذلك ايضا ليس من أجل جمال عيونها؛ وإنما في سبيل دعم قيادة المرأة والقيادات الشابة.
لقد قال لي احد اعضاء المجلس السياسي للحزب في حوار معه ان السيدة ميادة تمانع الوحدة اساسا خوفا من ضياع منصب الرئيس منها. قلت له : اذن هي لا تثق في قيادات حزبها وتيمهم التفاوضي ؛ اذ اننا لن نترك قياداتنا دون ان نوفق اوضاعها جيدا وبشكل مشرف في الحزب الموحد. ليس هذا من اجل عيونهم ولكن من اجل حزبنا وشعورا منا بالندية امام اي شخص وعدم دخولنا في اي تحالف او اندماج نكون فيه في الوضع الأضعف. ولكني اضفت انه اذا كان هذا فعلا السبب الخفي في معاندة هذه السيدة؛ فهذا يعني ببساطة أنها لا تصلح للقيادة ولا للرئاسة؛ اذ تضع مصلحة ذاتها فوق مصالح الحزب ومصالح الشعب السوداني.
ان طموحات هذه السيدة التي لا ترى الا ذاتها لا تنحصر في السيطرة على حزب صغير وجعله مسخا مشوها وتحطيم اجمل تقاليده التحررية والديمقراطية؛ بل هي تريد ان ترمي شعب السودان المسكين بنموذج قيادتها العاجزة؛ وكأنه ليس هناك ما يكفينا من القادة الجهلة النرجسيين المغرورين. الشاهد ان أول ترشيح تراه لنفسها في العمل العام هو ... رئاسة الجمهورية. وهي مثلا بدلا من ان تقول انها سترشح نفسها نائبة برلمانية حتى تتعلم الافصاح والاجراءات والنظم والسياسة؛ او بدلا من ان ترشح نفسها لمنصب والي على الاقل؛ مما سيعطيها خبرة ادارية تؤهلها لما بعدها من مناصب؛ تريد ان تقفز فجأة وبالزانة لرئاسة الجمهورية. ان السياسي الذكي والقائد الرشيد لا يلقي بانفسه فيما ليس مؤهلا له؛ وكفانا النميري والبشير والصادق امثلة؛ بل ينبغي ان يتدرج ويتدرب في مختلف المناصب السياسية والادارية ؛ فيكون نائبا اولا او رئيسا لمدينة او واليا على محافظة؛ قبل ان يفكر في الرئاسة. ولكن أنى ذلك من الشخصيات القزمية التي تدور حول نفسها وتتآمل مظهرها العملاق في مرآة ذاتها المقعرة والمشوهة ؛ وهي لا تعدو ان تكون خصما على مفهوم القيادة المؤسسية والحكم الراشد.
تأهيل الذات وتأهيل الآخر:
هل بذلت الدكتورة ميادة سوار الدهب أي جهد لتأهيل قيادات جديدة للحزب الديمقراطي الليبرالي يمكن ان تحل محلها في الرئاسة ذات يوم ؟؟ كلا واطلاقا .. فهي لم توفر فرص التدريب للعضوية والكوادر؛ وهي لم تكن تتواصل معهم وتنقل لهم من خبرتها البسيطة مهما كانت؛ وهي لم تكن تكتب المقالات او التقارير عن رحلاتها الخارجية وما تعلمته منها. كما يفعل كل كوادر الحزب الاخرون بما فيهم اعضاء شاركوا في مؤتمرات اقل اهمية من التي شاركت هي فيها؛ وهي لم توفر لهم الكتب والمراجع اللازمة؛ ولم تحدد لهم سبل الوصول اليها. ان اسهامها في هذا الامر كان صفرا كبيرا.
يرجع هذا ليس فقط لضعف تأهيل هذه الشابة الطموحة التي تريد الترشح لرئاسة السودان وهي لا تستطيع ادارة حزب صغير؛ بل من منهجها في القيادة والقائم على الا يظهر مشروع اي قائد بديل يمكن ان يحل محلها. ان هذه الشابة الطموحة التي تقرر كل شيء بنفسها دون التفات للمؤسسات وتريد بناء حزب رئاسي تكون فيه الكل في الكل؛ قد ماطلت طوال ستة اشهر ونيف في تنفيذ قرار المجلس السياسي في استبدال نائب رئيس الحزب الغائب عن ممارسة عمله بسبب ظروفه الخاصة والمرضية . لقد ناقشت هذه السيدة طوال تلك الاشهر الست وكنت استعجلها من خلال ممارستي لمهامي كرئيس للمجلس السياسي السياسي وكان ردها دائما انه ليس هناك شخص مؤهل لملء هذا المنصب. كنت استغرب واقترحت لها ان تنفذ اقتراح المجلس وتوصيته باختيار الزميل الدكتور ابراهيم النجيب احد كوادر وقيادات الحزب بشمال كردفان فماطلت ورفضت طويلا؛ حتى اتت اخيرا لتقول انه نقل الى الدندر وبذلك لا يصلح. اقترحت عليها مساعدة في الاختيار الزميل استفانوس شوقان وذلك لوجوده في اقليم الجزيرة مما يساعد على بناء الحزب هناط وحرصه على الحزب الخ فرفضت متحججة بصغر سنه؛ وكأن عمرها ألف عام. اقترحت عليها الزميل مدثر خميس طه عضو المجلس السياسي ومن مؤسسي الحزب فرفضت بسبب ان بعض القوى السياسية لا تقبله؛ وكأننا في اختيارنا لمناصبنا ينبغي ان ننظر لمزاجات القوى الاخرى. وكانت كل مرة تكرر كاسطوانة مشروخة انه ليس هناك شخص مؤهل للمنصب. اذن ليس فقط في ذهن هذه الشخصية ليس هناك شخص آخر غيرها مؤهل لرئاسة الحزب؛ بل ليس هناك شخص آخر مؤهل لأن ينوب عن شخصها العظيم؛ فيا لاندهاش الاخوة غرين؛ ويا لتواضع الترابي والصادق اذن بالمقارنة معها وهما يرينان في عضوية حزبهما من يمكن أن ينوبهما؛ ويا اسفي عليك يا ميادة سوار الدهب.
عادل عبد العاطي
25-5-2014
|
|
|
|
|
|