|
الردة قضية حول تخوم الحرية د.أمل الكردفاني
|
الجدل حول الردة ؛ سواء من جانبه الشرعي أو الوضعي قد قتل بحثاً ، لا أشير إلى كتابات محددة كمؤلَّف محمد العشماوي الذي تناول فيه هذا الموضوع باعتباره قاضياً وفقيها وعالماً بشكل ميثدولوجي كافٍ بحيث أن مؤلَّفَه هذا في الواقع نهاية المجتهد لا بداية للمقتصد. أقول بأنني لن أتناول ذلك الجدل لأنه خرج بأطروحتين نقيضتين ؛ تقف أولاهما بنوستالجيا طبيعية مع قداسة الحد –هذا في أفضل الفروض باستبعاد الرؤى الراديكالية المعهودة- في مواجهة موقف ليبرالي معروف هو الآخر ، بحيث يموضع الإشكالية في إتجاه هيرمنيوطقية النص كنصر حامد أبو زيد وغيره . وهناك إتجاه ثالث يتم استبعاده دائماً هو الراديكالية الوجودية التي ترفض الميتافيزيقيات بشكل مطلق بحيث تتطابق الراديكاليتان (الدينية واللادينية) من حيث الصرامة التي لا يحتمل معهما البحث عن حقيقة أو حل أو حتى تفكر . فقضية حد الردة لا تنفصل عن الصدام الأزلي بين المقدس واللا مقدس أو بين الإنسان والله ، أو بين الفرد والجماعة ، وهذا يعني باللزوم أن القضية لن تصل إلى نهاية ترضي جميع الأطراف. بل وأن الأخطر من ذلك أننا سنحتاج إلى مناقشة تفريعات كثيرة ، تبدأ من العلاقة بين السلطة الزمنية والروحية ، وبين العقل والدين ، وبين التطور الإنساني والرجعية ، وبين عصور الظلام والنور ، وبين الروح والجسد ، وبين المدرسة التجريبية المنطقية ومدرسة اللغة العادية ، وكافة ما يمكن تصوره من ثنائيات ونظريات متاخمة لصراعاتها الأزلية. إن أردنا أن نتحدث حول الردة ، فهذا يعني أن نناقش تلك القضايا حتماً ويعني أيضاً أننا سنصل إلى ذات النتيجة الممتدة وهي اللا نتيجة . ولذا فعلينا إن أردنا أن يكون نقاشنا منتجاً أن نتبنى منذ البداية خطاً واحداً ، بقناعة ثابتة ، إما تجاه حرياتنا أو تجاه الفكر الديني الإقصائي ، وأقول الفكر وليس الدين ، لأن الدين ليس كائناً يمشي على رجلين ، وإنما هو عبارة عن مفاهيم تنغلق أو تنفتح ، تتمدد أو تنكمش ، ليس هذا هو المهم ولكن المهم أنها في النهاية مفاهيم لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الدين وجوهره إلا بنسبية معروفة للكافة. وما أؤكده أن هذا ليس حقلاً مسكوتاً عنه ، إن تتبعناه أركيولوجياً ، في تراثنا البشري ، هنا أو هناك ، في أفريقيا أو آسيا أو أوروبا ، أو أمريكا ، في الثقافات العربية وغير العربية ، في المنظومات الدينية باختلاف الأديان. فالقضية النهائية إذن ، هي أننا علينا أن نحدد مواقفنا فقط ، موقفنا بغض النظر عن الآخر ، وبغض النظر عن الجدليات اللا نهائية في هذه القضية أو غيرها ، وبغض النظر عن المعايرة العقلانية أو المنطقية ، وبغض النظر أيضاً عن الصحة والخطأ ، وباختصار أن نتبع ما نراه محققاً لمصلحتنا وندافع عنه حتى النهاية ، ولا أقصد بالدفاع عنه الدخول العقيم في تلك السفسطة التي تثار في وسائل الاعلام أو المنابر ، بل أقصد به الاستقطاب المستمر ، استقطاب القاعدة على وجه الخصوص ، وتوجيهها إعلامياً بما نؤمن به وزعزعة قناعاتها بآراء وأفكار خصومنا ، إنني أقصد بالدفاع هنا هو المواجهة ، الحرب غير المسلحة ولكن ليس بالضرورة أن تكون نزيهة كل النزاهة. ما الذي يحقق مصلحتنا كشعوب ، أو على الأقل كمجموعات لديها قاسم مشترك كبر أم صغر تجاه الحرية الفردية ، هل قمع القناعات ؟ هل مصادرة عقولنا؟ هل إقصاءنا من حقوقنا في المواطنة ؟ هل تعميق الفزع في قلوبنا؟ هل سلبنا أعز ما نملك وهو أن نكون نحن لا أن نكون أنتم؟ هذه هي التساؤلات التي من المفترض أن نسوقها بلا جدل تأصيلي فارغ ومجدب وغير منتج. إن القضية هنا قضية لها من الخطورة ما يتجاوز شكلانياتها السطحية حول الردة أو قطع اليد ، أو الجلد ؟ إنها قضية ما نريد بكل ميكافيللية هذا التساؤل . قد يعترض البعض على فكرة التصادم هذه ، ولكني أقول بأن التصادم خير من أن نترك قناعاتنا في حالة سيولة دائمة ، فالهزيمة تبدأ في الواقع من هذه النقطة ، والنصر يبدأ كما في سائر الصراعات من الثبات . لقد قال الرومان في حِكَمهم القديمة بأنه (لا محل لاقناع مقتنع) ، وهذه المقولة تصدق بشكل مذهل في قضيتنا هذه ، فهذه الحكمة تعني شيئين : إما أن الآخر مقتنع بما لديه ، وهنا فإن تحريره من قناعاته هذه أمر مستحيل وإلا ما كانت قناعاته هذه بقناعات منذ البداية ، أو .. أنه مقتنع بذات ما أنا مقتنع به ، فلا محل لاقناعه أيضاً لأنه مقتنع سلفاً. إنني هنا أتساءل ، وأنا أدعو لحرب الاستقطاب بشكل علني ومفضوح ، من نقنع ، أن نقنع السلفيين أم تنظيم القاعدة ، أم تجار الدين؟؟؟؟ إننا لن نقنع هؤلاء ، لأنه لا محل لإقناعهم ، ومن ثم فنقاشنا على أساس الحق والمنطق يبدو نقاشاً شديد العقم . ولذلك فما هو أنسب لنا –إذا كنا مؤمنين جميعاً بالحرية- أن نطرح هذه الفكرة بمقوماتها الأولية والجوهرية للمبدأ ، وأن نزعزع الثوابت المناهضة لهذه الحرية ، وأن نشوه ونشيطن كل فكرة أو مقولة أو نظرية يمكن أن تصادر على إيماننا بالحرية الفردية كقيمة لا يمكننا التنازل عنها. وفي نفس الوقت أن نمنح الأمل والحلم الأكبر لمن لم يزالوا في حالة تردد تجاه التحرر ، لاستقطابهم ، ولتوسيع دائرة النصر والنُّصرة في الانتخاب الثقافي المستقبلي. أنا متأكد ؛ بأن المستقبل سيحتم علينا هذا الصدام الواضح والذي لا يتقنع بأي حجج مقاربة للمتناقضات ، وسيكون علينا – وبلا شك- أن نقود الدولة في اتجاه الحرية دون تهاون ، أو مداهنة ، أو مزايدة ، وإلا –وبإيماني المطلق أقول – وإلا فإننا لن نخسر فقط حقوقنا ، بل سنخسر الدولة ، والوطن ، والشعوب التي رزحت منذ الاستقلال في عبودية الثيولوجية السياسية.
|
|
|
|
|
|