|
النظام السوداني يأتيكم … برعاية قطر! بقلم: أبوبكر صديق محمد صالح
|
لن نبعد كثير عن الحقيقة اذا زعمنا ان ما يحدث فى السودان هذه الايام من تحركات سياسية و دعوات للحوار من قبل المؤتمر الوطني فى مجمله يتبع للتداعيات السياسية الكبيرة التى حدثت فى مصر منذ يونيو من العام الماضي. اذ فقد تنظيم الاخوان المسلمين السلطة فى مصر بانقلاب السيسي المدعوم من قطاعات شعبية عريضة. و هو الانقلاب التوسنامي الذى تداعت موجات تاثيره على مصر و محيطها الاقليمي فأنقسم على أثره الخليج العربي الى قسمين. قسم أول تقوده السعودية و يضم الامارات و البحرين و قسم أخر هو قطر و معها تنظيم الاخوان المسلمين فى المنطقة. ما حدث فى مصر ليست مجرد خسارة للسلطة فى دولة واحدة اٍنما فتح باب واسع للمواجهة الصريحة بين قطر و بين عدد من دول مجلس التعاون الخليجي. هذه الاخيرة صعدت الامر الى أزمة دبلوماسية تم التعبير عنها بسحب السفراء و اٍجراءات أخرى مثل التضييق على الحركة فى الممرات و المعابر البينية مع قطر.
النظام السوداني كان و لا يزال فى مهب رياح الانتفاضات العاتية التى تجتاج المنطقة فيما عرف بثورات الربيع العربي. و الشعب السوداني على وجهة التحديد صاحب خبرة و باع طويل فى هذا المضمار قبل أن تعرفه شعوب الاخرى من حولنا، و ربما فى العالم باسره. نحن أول شعب فى العصر الحديث أسقط الدكتاتورية العسكرية عن طريق الانتفاضة الشعبية فى العام 1964. و أعادنا تكرار التجربة بنجاح مرة ثانية فى مارس-أبريل 1985. بالنسبة للربيع العربي نجد أن دولة قطر دعمت اٍعلامياً و مادياً و سياسياً كل ثورات الربيع العربي فى المنطقة ما عدا فى السودان. لان الثورات فى مختلف البلدان كانت تفتح الطريق أمام جماعة الاخوان للوصول للحكم. أما فى السودان فمشروع الثورة موجه ضد تنظيم الاخوان الذى يحتكر السلطة و يحكم البلاد بالحديد و النار منذ ربع قرن من الزمان.
قطر و أخوانها فى ورطة اٍذن. النظام السوداني يخرب عليها و على تنظيم الاخوان الرصة. يخرب الرصة لانه يُخزى عين الدعاية الكاذبة التى تروج لها قطر و حزب الاخوان من أنهم مع اٍرادة الشعوب و الحريات و حكم الديمقراطية. فالوضع السوداني هو المخادة التى ينكشف عندها كوك السياسة الخارجية القطرية و البرغماتية الاخوانية. و من ناحية أخرى فالنظام يعيش فى مرمى نيران الغضب الشعبي و تمسك بخناقه أزمات سياسية لا تحصى و لا تعد. فهو يترنح و يغرق فى دماء الابرياء كل يوم و الاوضاع مرشحه للانهيار فى اي لحظة. و هو اٍنهيار سوف تكون له آثار كارثية على حزب الاخوان. لذلك فأوضاع النظام السوداني، مضاف لها ما حدث فى مصر و تداعياته الاقليمية هى التى حدت بقطر و تنظيم الاخوان الى السربعة و تأليف مسرحية الحوار الجاري هذه الايام. و عاد حسن الترابي مرة أخرى يمد لسانه كبساط أحمر، يتمشى عليه المشير ليدخل بستان النوم. أجزم انه لا يوجد فى التاريخ الانساني من أجتمعت فيه علامات النفاق مثل حسن الترابي، أن يغيير جلده أسهل عنده من شربة ماء.
ما يجرى الان هو محاولة من قطر لتمكين نظام الاخوان ليحكم السودان 25 سنة قادمة عن طريق ترميمه و اٍعادة تدويره مرة أخرى. رغم التركة السياسية الرثّة و المثقلة بالفشل و الخيبات و خيانة و الوطن و الولوغ فى دماء الناس الابرياء و نهب المال العام لازالت جماعة الاخوان بمسمياتها المختلفة تحلم بالبقاء فى سدة السلطة. يريدون اٍشراك القوى السياسية معهم حتى تغسل عنهم أدران تاريخهم المخزى فى تمزيق البلاد و اٍفقار العباد و تشريدهم. عموماً، الدور القطري و الاخواني فى المنطقة يتم بترتيب و رضى تام من الامريكان. الا ترى وجود خالد مشعل الى جوار القواعد الامريكية سوياً سوياً على داخل الاراضى القطرية؟ فالذى يحتضن القواعد الامريكية لا يجمع معها رجل مثل مشعل الا اٍذا كانت المسالة بالتراضى. لذلك يجب على الشعب السوداني مقاومة التدخل القطري فى الشؤون السودانية بهذه الكيفية. سودانيي الخارج على وجه التحديد لديهم فرصة كبيرة للتحرك فى هذا الاتجاه. على سبيل المثال: يمكن القيام بمظاهرات متزامنة أمام السفارات القطرية فى عدد من الدول لتنبيه الراى العام الخارجي لهذا الدور السيئ الذى تقوم به قطر تجاه مستقبل السودان. اذا لم نتحرك فى مثل هذا الإتجاه سوف نترك قطر ترسم لنا خريطة حياتنا.
أما من الداخل فقوى الاجماع الوطني بموقفها الحالي تمثل حالة من الرفض و المقاومة للمصائر التى يحاول ان يسوقنا اليها التدخل القطري فى السودان. الابتعاد عن هذا الشكل المبهم من الحوار هو موقف سياسي فى غاية الذكاء و الدقة. تحاور لكن ليس بشروط النظام، و ليس وفق سقفه الذى يريده اٍنما بشروط و سقف الشارع الديمقراطي العريض. يجب اٍيقاف الحرب و حماية المدنيين، فتح ممرات الاغاثة، الالتزام بالدستور و وثيقة الحريات فيه. شئ عجيب أن يكون مطلب الناس من الحكومة أن تلتزم بالدستور الممهور بتوقيع رئيسها! هذه صورة مقلوبة. و فوق ذلك يجب ان يكون من الواضح و المعلوم للجميع أن سقف الحوار هو تفكيك دولة التسلط و القهر لصالح دولة الحرية و الديمقراطية. سقف الحوار النهائي هو فك الارتباط بين حزب المؤتمر و مؤسسات الدولة السودانية (الجيش، الشرطة، الامن، القضاء، الخدمة المدنية و المال العام.) اي الانتقال من دولة الحزب الواحد الى دولة كل السودانيين. هذا هو سقف الحوار المطلوب لا ينقص قيد أنملة. اٍذا قبل به المؤتمر الوطنى و حقن دماء الســودانيين، كان بها و خير و بركة. و أن أبى و أستكبر فلينتظر مصائر المستكبرين.
Department of Meteorology, Stockholm University. Stockholm, Sweden. Email: [email protected]
|
|
|
|
|
|