|
مسرحية خلوها مستورة
|
على المحك صلاح يوسف – [email protected]
ظلت مقولة (خلوها مستورة) تأخذ حظها في التداول اليومي دون أن تنال شهرة كبيرة إلا بعد أن استخدمها الدكتور على الحاج القيادي بالمؤتمر الشعبي والمقيم حاليا بألمانيا، حينما سئل في حوار صحفي عن إخفاقات تنفيذ طريق الإنقاذ الغربي، باعتباره من الذين أمسكوا بملفه ذات يوم. فظل الناس يتساءلون عن ذلك الشيء المستور ويتحرقون شوقاً لمعرفته فتتضح لهم الحقائق التي ربما لا تكون مثيرة بقدر ما أن الإصرار على سترها قد يزيد المرء الحاحا في السؤال عن السر الغامض. وربما أراد المسرحي الرائد محمد خلف الله أن يستفيد من سحر المقولة باستخدامه ذات العبارة الموحية بالغموض لجذبنا نحو مسرحيته التي قام بتأليفها وإخراجها وحشد لها ممثلين وممثلات طال غياب أغلبهم عن الخشبة. فهل نحج في مسعاه الاستقطابي أولاً، ثم هل نجح في طرق الجديد مقارنة بما اكتسبه خلال أكثر من أربعين عاما؟!. لقد جاء المؤلف يحمل معين الماضي الذي نشأ عليه ليسير على ذات الأيقاع الكلاسيكي الذي عرف مداخله ومخارجه تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً، بيد أنه استنفر هموم وأدبيات ولغة الحاضر ليقربنا من اقعية ما يدور وما يمارس من أفعال.
تعتبر هذه المسرحية واحدة من مسرحيات الموسم المسرحي الأول لولاية الخرطوم الذي فيما علمنا أنه يهدف إلى إحياء المسرح الجماهيري عبر انتقاء أعمال ذات دلالات ومعالجات مباشرة بعيداً عن أدوات التجديد واجتهادات التجريب وفنون التغريب. وكان الموسم قد تم افتتاحه في العام الماضي بمسرحية (فارغة ومقدودة) ثم جاءت بعدها مسرحيات (عيال مختربين) و(وجع رقم 3 ) و(سكج بكج) و(عريس الفيس بوك) مع تأكيد وزارة الثقافة والاعلام والسياحة بالولاية على المضي بذات الخطى لإقامة موسم ثان. وفيما أرى أن من الأوفق أن يتم تقييم الموسم المسرحي الأول لمعرفة ما إذا كان قد حقق أهدافه أم لا لكي يتم تفادي أسباب الفشل الذي كان بائنا، حيث لم تنجح تلك المسرحيات في جذب الجمهور، الشيء الذي يتوجب معالجته برؤى مغايرة لمعايير الموسم الأول وببحث استقصائي عن سر الجفوة بين جمهور المسرح وما يقدمه المسرحيون. وحين شهدت العرض الآفتتاحي لمسرحية (خلوها مستورة) بمسرح خضر بشير ببحري سعدت لكون عدد الحاضرين كان كبيراً مقارنة بما كان عليه الحال في المسرحيات السابقة – ربما لأنه عرض افتتاحي ومجاني - ولكن في العروض التالية تقلص الجمهور كثيراً ليظل السؤال قائماً حول ما الذي يريده جمهور المسرح من المسرحيين؟ فإذا كانت تلك المسرحيات لمؤلفين ومخرجين وممثلين لهم نجاحات سابقة، وإذا كانت تلك المسرحيات تتطرق لما يدور في خلد المشاهد من قضايا إنسانية واجتماعية لا تخلو من الهم اليومي العام مع إلباسها حللاً أدائية على المسرح، فما الذي يجعل الجمهور يقدم رجلاً ويؤخر أخرى نحو المسرح وهو ذات الجمهور الذي كان يتدافع للدخول طائعاً مختاراً؟
تتناول مسرحية (خلوها مستورة) موضوعاً قديماً يدور حول هاجس الهجرة من القرية للمدينة في إطار حبكة بسيطة تم صبها في قالب معالحات آنية أظهرت تمسك الآباء بتراب الأرض مقابل نفور الشباب الذين يتخلون عن مهنهم التقليدية كالزراعة والرعي ويتركون قراهم تطلعاً إلى زخم المدينة وكسبها السريع بهدف تحسين الحال، لكنهم يفاجأون بواقع مخيب للآمال فيعانون شظف العيش ويفشلون في التأقلم إزاء الملاحقات والمنع والكسب غير المجزئ لسد الرمق ناهيك عن بناء مستقبلهم أو عون أهلهم الذين يتطلعون إليهم فلا يجدون مفراً من ممارسة الأعمال الهامشية والغوص في تجارة الممنوعات التي تجرفهم نحو هاوية إنحرافية رأى المؤلف أن يضع لها حداً بمداهمة الشرطة لهم واقتيادهم للعقاب. ومع أن مقالي لا يندرج تحت لافتة النقد فقد لفت نظري أداء عبد الجليل موسى في دور عثمان وأحمد الطيب في دور فقيري في حين لم يقصر بقية الممثلين في القيام بما رسمه لهم المخرج من حركة وتجسيد للشخوص. وحيث أنني كنت قريبا من مراحل إخراج هذا العمل وما واجهه من مصاعب تجدني أقدر الجهد الذي بذله الجميع.
|
|
|
|
|
|