|
"حركات " !! (1- 10) أبو البشر أبكر حسب النبي
|
تعتبر مفردة " حركات " ، في القاموس الثانوي للعامية السودانية -( وهو القاموس الذي يتضمن المفردات الخاصة بلغة "الحركات"!) - من المفردات التي تنوء بحمولة هائلة من الدلالات السالبة وتكتنز بشحنات عالية من المقاصد الاستنكارية .. فعندما يقول قائل إن ما يقوم به زيدٌ من الناس هو " مجرّد حركات منه "! أو أن عمرو "بتاعين حركات ساكت "! يتطابق مراد مقصده مع مدلول مفردة " الاستهبال " الشائعة في القاموس الرسمي للعامية السودانية المتبلورة ..(نقصد بـ"العامية المتبلورة " تلك اللغة الدارجة بحالتها المعيارية التي يتحدث بها أهل المدن و سكان النطاق النيلي من السودان-(بدون الحيز النوبي) ـ بباديتيه الغربية /كردفان- (بدون جبال النوبة-) والشرقية / الشرق – (بدون تلال البحر الأحمر) -ويسميها البعض بـ"لغة أمدرمان" ) ، حيث " المستهبل " في هذا القاموس هو مَن يأتي بقائمة طويلة من السلوك المستبعد والمستهجن ، تمتد من التنطع والحذلقة حتى الاستهتار والعجرفة والصخب والتهريج والنصب والاحتيال ، حيث يغمر مثل هذا الفرد "المستهبل" كامل حركاته وسكناته بفيض من الهزل حتى في مواضع الجد ومواقع الحزم .. ودائما ما يقيم نفسه مقام " الشاطر/ الشيطان" وينظر إلى الآخرين باعتبارهم "هُبَل / أغبياء ". إن إسقاط هذه الدلالة على ما جرى وما زال يجرى في دار فور منتج في كثير من جوانبه.. وما ذلك إلا لأن معظم الـ"حركات " التي تأتيها تلك الحركات المسلحة ما هي إلا مجرد حركات ! إن وعت أم لم تع . ولعل أوضح مؤشر على وجود (هزل ) ما في المنظومة الأدائية للحركات هو حكاية الرُتب العسكرية ، التي يتقمصها بعض القادة من العسكريين في تلك الحركات ، والتي تتدرج من ( عقيد ) -" وهي الرتبة التي ظل عليها الراحل "جون قرنق" من قبل دخوله الغابة إلى قبيل دخوله القبر " !) - إلى (فريق أول) " وهي رتبة يصلها الضابط المحترف بعد أربعين عاما -على الأقل- من الخدمة المتواصلة ) ، وقد يجملونها في مسمى الـ" جنرال " ويعني "العميد "أو "اللواء "- لأشخاص لم يروا في حياتهم أي معهد عسكري دعك من أن يلتحقوا به ويتخرجوا فيه ! ..و قد يطل علينا مشاغب من مشايعيهم ويقول لنا (أنهم قد تخرجوا في الميدان)! ولكن هذه هي عين الحذلقة والاستهبال الذي نتحدث عنه . وقد تسبب هذا الاستهبال في غياب أية استراتيجية قتالية حقيقية لتلك الحركات التي نجدها قد اكتفت بذلك التكتيك الرديء القائم على القتال من الوسط الأهلي أو الاجتياح الاعتباطي للبلدات الآمنة والقرى المطمئنة والخروج منها بعد يوم أو يومين ( أحيانا بعد ساعات فقط) لتأت على اثرها القوات الحكومية والمليشيات المتجحفلة معها وتنتقم من المواطنين وتفتك بهم وتشردهم ..فقد دمرت دارفور كلها بهذا التكتيك الراتب الذي لا يحيدون عنه ،والدوامة العبثية التي لا يمعنون النظر في أكلافها ، ولو مرة واحدة . والمحزن حقاً أن هذه النزعة الاستهبالية قد تغلغلت عميقاً في كامل أدبيات ومسلكيات الحركات مما أفضى إلى كم هائل من تجليات عدم التناغم في السيرورة المفهومية لمرتكزاتها الفكرية واختلال التوازن الدلالي لمعظم معالم منظومتها الكلية ، من ذلك مثلا تلهف بعض قادتها من السياسيين إلى قرن اسمائهم بألقاب يسارية عتيقة ،أكل عليها الدهر وعفا عنها الزمن ، من قبيل لقب (الرفيق ) أو إعادة استهلاك بعض الشعارات البالية والمحفوظات المستنفذة مثل العبارة الأثيرة ( إنها ثورة حتى النصر)! .. وحتى الإصرار على مفاهيم ملتبسة الدلالة مثل ( التحرير) و( الأراضي المحررة ) التي تبدو كأنها خارج سياق الواقع الماثل واللحظة التاريخية أو الحرص على مفاهيم نظرية ذات دلالات نسبية مثل " العدل" و"المساواة "، وغيرها من الوقائع والعوائد التي تندرج في قائمة الـ(حركات). فإذا ما نظرنا إلى ما كان سائداً في جنوب السودان مثلاً ، نجد أن مصطلح " حركة التمرد " بهذه الصيغة المفردة والجادة هو الاسم / النعت الرسمي "للحركة الشعبية لتحرير السودان " في الخطاب السياسي والقاموس العسكري معاً ، حتى في أوج انقسامات هذه الحركة ؛( لقد أطلقت الحركة على نفسها في المرحلة الأولى من التمرد (55-1972 ) اسم "أنانيا" وهو اسم أفعى سامة تعيش في الجنوب ، ففي المرحلة الثانية (1983- 2005 ) سحبت السلطة الحالية مصطلح " الخوارج " من أعماق التاريخ الإسلامي وأطلقته على الحركة ، وهو أيضا من باب "الحركات" لأن هذا الاسقاط كان مفارقاً تماماً للواقع الدلالي للمفهوم لهول الفجوة بين الحالتين (شكلا وموضوعاً ) ولعسر المقاربة الذهنية بين المفهوم التاريخي لمصطلح الخوارج وهذه التسمية المرتجلة ) ، ولكن دون أن تترك كلتا الحالتين أية آثار سلبية على دلالة المفهوم الأساسي (للتمرد الجنوبي/ الحركة الشعبية ) . وعلى نقيض من ذلك نجد أن إطلاق مفهوم الـ "حركات" ، بهذا السمت السائل و السائب ، على الجماعات المقاتلة في دارفور قد دحرج بالمفهوم الدلالي لمصطلح " الحركات " إلى الحضيض ودحر أية دلالة إيجابية للمفهوم مذ أن استقرت على هذه الصيغة من الجموع النكرة "حركات " ..حتى كادت أن تتناص مع الدلالة السالفة الذكر لمفهوم "حركات " الدارجة ، وذلك بعد أن امتصت هذه الصيغة السالبة كامل رحيق الجد والطاقة الإيجابية لدى حركة الحركات ، لأن كل جادٍ سوف يتساءل : لماذا هي حركات وليست حركة واحدة ، أو اثنتان أو ثلاث ..أو عشرة...لماذا هي عشرات الحركات والقضية التي اضطرتها إلى التحرك كانت واحدة؟ .. والحق بجانب هذا المتسائل الذي يشاطره الكثيرون ممن لم يصادفهم في حياتهم أية تجربة في تاريخ أن تفتتت وتشظت "حركات التمرد" إلى هذا القدر من الشظايا والفُتات . وقد نزلت هذه الدلالة السلبية عميقا في المجتمع الدارفوري الذي انخدع بتحرك تلك الحركات في بادئ الأمر ، واندفع مع تيار هذه الحركة ودفع ثمناً غاليا لهذا الاستهبال الجماعي الذي ألبس زورا رداء "التحرير "ودثار " الثورة " وأثواب "العدل" و"المساواة " الزائفة ، ولكن ما برح أن استيقظ على الحقيقة المُرة ، عندما لم يجد في جميع الصُعد والفضاءات غير الـ"حركات " ..وأضطر إلى سحب تأييده ، وقذف بعيدا بتلك اللبوس الكاذبة ، وخلع على تلك الحركات اسماً جماعياً تظلله غيمة ثخينة من الازدراء والتهكم وهو " تورا بورا " ! أجهل تماما ما الذي دفع المخيال الشعبي إلى سك هذا المصطلح بسحب اسم جبال في أواسط آسيا وإسقاطه على حركات مقاتلة في دارفور ، ولكن لدي اعتقاد جازم بأن المراد هو التدليل على عدم جدية هذه الحركات فيما تقوم به من الحركات ،أن لم يكن القصد التصغير والتحقير ، فغرابة التسمية تأتي في الغالب الأعم من باب الاستبعاد والرفض مثل مصطلح "الجنجويد " أو لأغراض النفي والاستنكار لسلوك معين كما هو الحال لمصطلح الـ"تربترب " الذي نحلله لاحقاً -، واستبعد أن يكون لإطلاق مسمى الـ(تروابورا) على الحركات أية علاقة مباشرة بعمليات القذف أو القصف التي قامت بها القوات الأمريكية على جماعة القاعدة والطالبان في تلك الجبال عام 2003 م .أكثر من أن تلك العمليات كانت سببا في وصول المفردة إلى دارفور .( لقد استخدم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المصطلح عينه ذات مرة عندما نعت المقاتلين في بلدة "سلمان باك " بأنهم "تورابورا" !). في البدء لزامٌ عليّ أن أنوِّه بأنني قد قمت بإعداد هذه المقالات (السردية) على (مهل).. لتكون بمثابة المرحلة الأخيرة من مراحل (المشروع )- إذا صح أن نسميه كذلك - الذي بدأته بالاستهلال المنعوت بـ(مفاهيم دارفورية ) والذي تلته لبنة التأسيس المُسماة ( الفضاء الإثني والاتجاهات الحِراك ) ومن ثم العبور إلى ( الفضاء القتالي وساحات العِراك )بأضلاعه الثلاثة ( الجيش السوداني وحلف الجنجويد والحركات المسلحة ) وقد تناولنا الضلعين الأولين في وقت سابق ، وها نحن نتناول الآن الضلع الثالث والأخير أي الحركات المسلحة .. وبما أنها المرحلة الأخيرة من ( المشروع ) فإننا نفترض أن يكون ( الهدوء )هو السمة البارزة لهذه المقاربة . .. كما يجب عليّ أن أثبت حقيقة مهمة أخرى ألا هي أنه عندما أيقنت بأن ما تقوم بها تلك الحركات ما هي إلا مجرد " حركات " وجدت أن لا طائل من أي تنظير (أكاديمي )حول حركة هذه الـحركات استناداً إلى مبادئها المقررة واعتمادا على هياكلها المؤطرة ، مفضلاً دراسة سلوكها غير الرسمي ، أي الـ(حركات ) .. ولكن ليس معنى ذلك إننا نجاريها في الـ"حركات " ! وإنما نتناول وندرس حركات هذه الحركات بكل جدٍ وإحكام ، والقصد أبداً هو الإثبات على أنها مجرد " بتاعين حركات" ! ولم نرد من هذا الاستقصاء إلا تصحيح الخطأ وتعديل الاعوجاج ودفع -من يقبل برأينا - إلى تجاوز ساحة الهزل والاستهبال والانتقال إلى حومة الجد والصدق . أما المنهجية التي تنهض عليها هذه السرديات فهي عبارة عن إسقاط توليفة واسعة و خليط متنوع من الخواطر والذكريات والتجارب والخبرات الذاتية مع الأعلام والشخوص الذين ترد أسماءهم الحقيقية في متن هذه المقالات وحواشيها .حيث قنعت – أخيراًـ أن لا مسوغ للجوء إلى الاستعارة والترميز في أسماء الأعلام (إلا في حالات قليلة تحتم الضرورة فعل ذلك ) طالما أننا نتناولهم في إطار (الفعل الاجتماعي )بعد نزع غلاف الحياء البروتوكولي والتعامل مع حيواتهم الانسانية وسلوكهم البشري كما هو ، علاوة على إن ما نقوله لا يسئ إلى أحد ولا يشي بأي شيء يفهم منه على أنه تعبير عن موقف عقدي أو سياسي مع أو ضد عيسى أو موسى !. أما سياقات التحليل والتحرير فتنطلق وتندلق وفق ما يراه الكاتب بأنه المسار الصحيح لتحليل وذلك عن طريق تفكيك المركب البنيوي للحركات إلى مكوناته الأولية ، وتتبع مسارب حركاتها (سلوكها) بغية الوصول إلى الفص الكامن الذي يضمر الحقيقة المجردة ويؤكد بأن سلوك الحركات ما هو إلا(حركات )! مع الإقرار بأن صدور الكثيرين سوف تضيق بمثل هذه التفاصيل والتجارب شخصية المملة ، كما أن كشف المستور وفضح الملثم سيزعج أولئك الذين نشئوا في كنف التكميم والتعتيم واعتادوا على سماع صفير الصوت الواحد ، كما حدث في المرات السابقة ، حيث اغتاظ بعضهم من مبدأ تناول "حركة" الحركات بالنقد والتمحيص أصلا .. ولكن من موجبات العقلانية أن لا نصغي لتلك التشنجات (الدغومائية )بعد مرور أكثر من عشر سنوات على ظهور هذه الحركات .. والتي من المفترض من أنها قد شبَّت عن الطوق وبلغت طور الرشد... ويجب على القارئ الكريم عدم التسرع في الحكم على ما نكتبه قبل اكتمال الحلقات فلتتسع صدور الجميع لمناقشة الأفكار بجدية وبعيدا عن الهزل و"الاستهبال " و " الحركات "!. إن إيلاء الممارسات العادية (التي تبدو ثانوية للغاية ) عناية خاصة عن طريق منهج التقاط الأشياء البسيطة من حول الشخوص والأحوال والأقوال وجعلها معطيات لتفكيك "الخطاب " الحقيقي هو الذي يقودنا إلى كشف الحقائق الهامة والكامنة وراء أغلفة سميكة من (الرسميات ) ؛ وليس التركيز على البرنامج السياسية و الوثائق الأساسية والبيانات العسكرية و التي - في رأينا - لا تضيف شيئا لأنها جامدة وجافة و مكررة ومستنسخة بعضها من بعض فهي لا تعكس الخطاب الحقيقي لتلك الجماعات ، لذلك نجد دائما أن ثمة مفارقة بين النصوص المدونة والممارسات القائمة .. وهي المشكلة حتى الحركات نفسها تشتكى من أن الحكومات التي تعقد معها اتفاقيات لا تُزل تلك الاتفاقيات إلى أرض الواقع إلا بقدر يسير وتتهرب عن تحقيق مطلوباتها متذرعة بتعقيدات الواقع . فعليه من هنا جاءت أهمية العناية بالفعل المستتر والممارسة الثانوية الثاوية خلف القول الظاهر والفكر المسطور رغم إنه من المفترض أن تكون هذه هي مظان وحواضن الأفكار المركزية والمبررات الأخلاقية غير أن المانع هو شكلية الهياكل في هذه الحركات التي ركبت على أرضيات في غاية من الفقر والعوز الفكري والبؤس الأدبي ، لذلك بدت وكأنها واجهات جوفاء تخفي ورائها النقائص و العيوب ولا تقوى إلا على اعتمالات فطيرة التي لا تقود إلا إلى مخرجات وممارسات باهتة وواهنة ومجلبة للإحباط الجماعي . نسميها "سرديات " لأنها كذلك ! بمعنى إننا ننأى بأنفسنا عن منهجية كبت العاطفة والإمعان في السرد التجريدي للحقائق وتحليل وتعليل المعطيات بالمنطق ( الأرسطي ) وإنما نعتمد منهج "التفاعل العاطفي " مع الأحداث ، وذلك بقرن الـ(تورخة ) بـ(الشهادة ) وإيثار طرائق ( النقد الاجتماعي ) مع اهمال مقصود لنزعة البحوث العلمية من ثبت المراجع والإحالة إلى المصادر - فمن أراد التنظير الأكاديمي الذي يروم الترصين العلمي عليه التوجه إلى مجهود طلاب الدراسات العليا حول " قصة دارفور وقضيتها " عله يجد بًغيته هناك - كما أننا نذر الأفكار تتدفق براحاَ ،بعيدا عن المحفوظات النمطية والـ(أكليشيهات) الجاهزة والنزوع إلى التنميق الصيغي التي تعيق الدفق العفوي الذي له القدرة على التأشير وإظهار حقيقة البنية التكوينية الأولية للحركات من دون تغليف أو تدليس ، ربما قد يصدم ذلك - كما أسلفنا - بعض حادبين عليها .. ولكن مما يساعد على امتصاص مثل هذه الصدمات هو أن هذه المكاشفات كثيرا ما تفيد المناصرين قبل المعارضين.. لأنه – بداهة - إذا قررت أن لا تعرف شيئا لا ترغب في معرفته للمحافظة على توازنك المعنوي والنفسي ، ستظل جاهلا إلى الأبد ، وهو السر الذي يتم توظيفه في ( التعبئة السياسية ) من قبل السياسيين إزاء (المسيسين) من أتباعهم وأشياعهم فكثيرا ما تفضي هذه المنهجية إلى تبلد الحس وجفاف العاطفة بل أحيانا تُعدل المشاعر الإنسانية وتحدث شرخا في القوام النفسي للجموع . في الحقيقة أن أغلب الذين يؤيدون هذه الحركات كثيرا ما يبدون استغرابهم من بعض " حركاتها" ، خاصة أولئك الذين ينتمون جغرافيا إلى مناطق خارج حدود إقليم دارفور ، لأنهم يؤيدونها أصلا إما نكاية بالسلطة القائمة التي يعارضونها لأسباب سياسية صرفة (دون أن يكون لديهم فوارق ذات أبعاد ثقافية وتاريخية معها )أو لأسباب نفسية كناية عن يأسهم من إصلاح الحال بوسيلة أخرى غير العنف ، ففي كلتا الحالتين ليست قناعة في أنفسهم بأن أطروحة الحركات هي المثلى لإرساء سفينة السياسة في السودان إلى بر الأمان ، وقليل منهم يفعلون ذلك نتيجة لجهلهم بـ(ماهية ) الحركات ، ونحن نستهدف من هذه السرديات هؤلاء جميعا وليس أهل دارفور حصرا .. إن التأييد الحركات لعدم معرفة بنيتها التحتية قد ينسحب حتى على بعض حصفاء القوم .. ولعل الأستاذ ( سيف الدولة حمدنا الله ) أحدهم - يعجبني مقالاته التي لا تتسم فقط بالصفاء ودقة بسط الحجج (ربما لأنه رجل قانون ) بل وأيضاً قدرته على (تدبيجها ) بلغة صافية وراقية - على كل حال ، أنه طرح في إحدى هذه المقالات كثيراً من الأسئلة وقائمة طويلة من "لماذات" حول حركة الحركات وقدم كثيرا من النصائح التي تقترب بعضها من الوعظ المحض والتلقين المباشر ،مثل طلبهم إليهم إنشاء منبر إعلامي حتى لا يؤيدهم الشعب من( تحت البطانية ) فقط !! ولكن من سوء طالع الاستاذ حمدنا الله فقد حمل "لماذاته " إلى الكاتب الصحفي (أبوبكر القاضي) ظناً منه بأنه دارفوري أصيل وضليع بشئونها ، والواقع أن هذا الأخير لا علاقة له بدارفور البتة ( إنني لا أعرف أبوبكر شخصيا ، أما شقيقه مولانا القاضي / عبد المنعم القاضي ، ليس أعرفه فقط بل وقد أقمت معه في منزل واحد سنين عددا ، وهو من النوع النادر في الرجال لما يتمتع به من شيم طيبة من صدق وإخلاص ووفاء .. وقد سُمِيَ جدهم بـ( القاضي) لأنه كان يشغل منصب قاضي قضاة سلطنة (سوكتو) في شمال نيجيريا ، وهاجر إلى السودان النيلي في مطلع القرن المنصرم ضمن حاشية السلطان "مي ويرنو " الذي حط رحاله بواضحي سنار حيث نبتت مدينة " مايرنو" الحالية) . على كل حال ، سوف نتحدث بإسهاب فيما بعد عن هذا الجنس من الناس ، من المتسلقين والمتطفلين و"أب صُمَّاك " (المتشعلقين) على شجرة دار فور ارتزاقاً أو استهبالا أو بحسن النية أحيانا -( "أب صُمَّاك أو سُمَّاك " اسم جرادة تتشبث بأغصان الشجرة ولا تغادرها إلا بعد القضاء على جميع الأوراق الخضراء وقد أطلق على بعض القادمين من ليبيا كناية عن طريقة ركوبهم الشاحنات مع كثرة أغراضهم ) - وعندما نتحدث عن هؤلاء لا يظنن ظآن بأننا نحاكم نواياهم ..كلا بالمطلق . نحن ندرس فقط سلوكهم ( حركاتهم ) لنثبت بأنهم في الواقع في المكان ( الغلط ).. فقد انسحب عدد كبير منهم ساحة الاستهبال طوعا بعد أن أدركوا الحقيقة دون أن يتركوا أي أثر أو رصيد غير اجترار التجارب المريرة ولعن الحظ العاثر. أعلم يقينا بأن عديد من المتلقين لمثل هذه الكتابات الناقدة قد تغشاهم علة "سوء تفسير المقصد " وهذا الداء العضال لا يصيب إلا صنفين من الناس " البسيط الطيب " و"العنيد المكابر" فالأول يحدد موقفه عفواً لوهن إدراكه أو ربما لسذاجة تكوينه المعرفي الذي لا يسعفه بأن يرى المشهد من زاويته الكلية أما الثاني فيلجأ إلى الاستهبال والحركات وإنكار الحقائق لحاجة في نفسه وسلاحه الوحيد هو (الردع بالدمغ ) ..ما من أحد منا لم يمر بتجربة من هذا القبيل أي من حيث أراد أن طرح فكرة لوجه الله يُساء مقصده بسبب الجهل أو تلوى عنق الحقائق بقصد الدمغ .. كمثال للحالة الأولى أذكر أنه مرة من المرات رزق أحدهم بمولود جديد .. وكان حائرا ما بين شراء عنزة حلوب أو الاكتفاء بالألبان الصناعية المعلبة لإطعام الوليد ، فطلب رأينا وكنا ثلة من الرجال فتدخلت و قلت - ويشهد الله كان بحسن نية شديدة – أنه من وجهة نظري وبصفتي مربي مواشي عريق – أرى أن للألبان المعلبة ميزات إضافية وسقت حججا كثيرة بعضها صحية وأخرى اقتصادية منها أن تكلفة رعاية عنزة في المدينة ليست سيرة .. بالإضافة إلى احتمال تلوث حليبها ورائحة روثها وجلبة ثغائها ، إذا ما تم ربطها أو حجزها في الزريبة طوال الوقت قد تعاني (نفسياً )! أما اطلاقها هملا في الشوارع لترعى على خشاش الأرض فقد تتغذى على القمامة والنفايات الملوثة وقد تضل أو حتى تسرق .. لكن أحد حضور - سامحه الله - قد فسر رأي على أنه كلام (واحد أفندي متعال ) فقطب جبينه وانفعل حتى تصبب عرقاً فقال (واحد ربوه من ثدي الشاة / العنزة مباشرة يجي يتفلهم لينا ويفضل حليب الصناعي على الطبيعي ) وقال موجها حديثه لصاحب الشأن "بلاش حركات أمش اشتري ليك غنماية وريِّح نفسك )!. أما المثال الثاني الذي يسعى إلى (الردع بالدمغ ) فهو لا يناقش الفكرة بالحجج والمعطيات وإنما يلجأ إلى التجني وإطلاق التهم الجزافية بسبق الإصرار والترصد ، مرة كتبت مقالا انتقد فيه حركة الحركات ، فبرز من رمز نفسه بـ(هري مرسال ) – ومن غرائب المصادفات انني كنت أكتب مقالات في بعض الصحف السودانية تحت اسم مستعار هو ( هري أبكر مرسال المحامي )- وأقسم ثالثا بأنني لم أكتب هذا المقال مجانا .. يا له من يمين حانث ! أما من انتحل صفة ( خال صاحب المقال) فقد قال بالحرف الواحد (يا ابني قد قبضت الثمن من أولى نعمتك ).. أما صاحبنا المسكين ( الفكي سنين) أحيانا يستعير لقب (واحد من بلديات الكاتب ) ظل يركض ويلهث وراء ما أكتبه ويوزع ويكيل عليّ التهم بالجملة حتى أدركه الإعياء فانصرف.. و إن تعجب فالعجب أنني تمكنت من معرفة ثلاثتهم بنسبة تقترب من 90% وكلهم من أقربائي ويا لمضاضة ظلم ذوى القربى ! . أما الدليل على أنني لم أقل شيئا خطأ في ذلك المقال هو ذلك الاتصال الهاتفي الذي تلقيته من أحد المؤسسين للحركات وذكر أن ما قلته في المقال كان صحيحا بنسبة ( 98% ) ولكنني – والحديث له- كنت أفضلها ورقة داخلية للتداول المحدود وليس مقالا ينشر في المنبر العام ، فكان ردي أن قلت له إنني لست عضوا في أي حركة من تلك الحركات فبأي صفة أقدم ورقة داخلية كما إنني لا أرضى لنفسي أن اتقمص دور الواعظ المتطوع أو المتطفل المتسلق لكي أوزع العظات الداخلية عليهم ) . في الختام نعتذر لطول هذا التمهيد فاعتبارا من الجزء الثاني لهذه السرديات سوف نبسط الحديث على حركة الحركات بشكل مباشر بأن نميط اللثام عما غمض من بنيتها التحتية وبث أدق تفاصيل حركتها ، وقد قررنا بطوع إرادتنا أن نذر كل شيء مبثوثا على (السهلة) ! .. فقط مضطرين أن نختصر الحديث على الحركتين " تحرير السودان " و " العدل والمساواة " هاتين الحركتين هما أم الحركات ولا طائل من عد الحركات إلا إذا أردنا أن تنفتح أبواب الجحيم علينا ، حينها ينصرم أعمارنا ونهرم ولن نحرز شيئاً في إحصائها.. ولدواعي عملية ربما نضطر إلى فرد حصة لـ(جماعة الفور) التي يقودها عبد الواحد نور بتقصي منفصل. كلمة أخيرة .. فقط وحدي مسئول عما أقوله في هذه السرديات ومستعد لتحمل تبعاته .
|
|
|
|
|
|