|
القمة العربية ال25/برهان إبراهيم كريم
|
عقدت القمة 25 في جو مربك ومرتبك, فكل من حضر كان همه محاربة الارهاب فقط. ولم تكن أكثر من احتفال جنائزي لدفن هذه القمة مع سلسلة مؤتمراتها السابقة في الحفر. فكل من حضر القمة كان مرتبك وحائر ومحير, وتعصف بعقله وقلبه عواصف الخوف والرعب والقلق والفشل. وبعض قادة دول مجلس التعاون الخليجي خائف يترقب ما ستفضي إليه نتائج الحملة الاعلامية التي تشنها وسائط الاعلام الاميركية والروسية والصينية والغربية على تورطه بدعم تنظيم القاعدة والفصائل الارهابية خلال العقود الثلاثة الماضية. وهذا معناه أن أي توافق روسي أميركي سيكون على حسابه بقرار دولي يصدر عن مجلس الأمن الدولي يحمله المسؤولية, ويلزمه بدفع تعويضات لباقي الدول عن كل ما ألحقه الارهاب من ضرر. المتابع لهذه القمة, استنتج بأنها كانت قرقعة إعلامية. وهذا بعض ما بطن منها وما ظهر: مظاهر الأبهة والبذخ الذي تميزت به عمليات استقبال وإقامة الوفود المرتب والمنظم. كلمات رؤساء الوفود التي أجمعت على محاربة الارهاب لما يشكله عليهم من خطر. سوء خطاب معظم الوفود الذي كان أشبه بمجزرة لمفردات وقواعد اللغة العربية. ألغت هذه القمة بدعة من بدع حكام قطر وهي دعوة أردوغان لحضور هذه القمم. اعتمدت القمة بدع جديدة كالحضور الموقف الاستثنائي والوعود المطاطة والمماطلة والتسويف. وعرض نبيل العربي براعته كمفتي وفقيه ومتفلسف بهذه البدع الجديدة. اعتمدت القمة القضية الفلسطينية كديكور لتزيين كلمات رؤساء الوفود فقط. شغل الشأن السوري الحيز الأكبر من هذه القمة كما كان متبع في قمة الدوحة. تمسك رؤساء الوفود بالشأن السوري في خطاباتهم ومجمل نشاطهم. لأنه بنظرهم هو القشة التي إن تمسكوا بها تنقذهم من الغرق في هذا الأجواء المتلبدة والعاصفة. فبعضهم أصر على الحسم العسكري ودعم المعارضة. في حين ذرف البعض دموع التماسيح على ما يعانيه السوريين. ولكنهم أقروا بأن الحل هو حل سياسي فقط. تطابق موقف الأخضر الإبراهيمي مع ممثل بان كي مون بأن الحل سياسي فقط. ومطالبة الابراهيمي الحضور بعدم دعم أطراف النزاع لتسهيل ولادة الحل السياسي. وأحبط همتهم بإعلانه أن لا مؤتمر لجينيف آخر إذا ما بقيت الحال على هذا المنوال. تباكي بعض رؤساء الوفود على الشعب السوري الذي بنظرهم يتعرض لخيانة دولية. ومطالبتهم بتسليح المعارضة وتقديم المساعدات الانسانية للشعب السوري. متناسون أنهم لم يجرئوا على قرن الكلام بالفعل كي يتقوا غضب سيد البيت الأبيض. المديح والاطراء المقرف والمبتذل للدولة المضيفة وبعض القادة ممن غاب أو حضر. تكرار أسطوانة الوعود الجوفاء والفارغة عن المصالحات, وضرورة تعزيز وتوحيد الصف والتضامن العربي, وتفعيل مؤسسات الجامعة العربية, وحماية المسجد الأقصى. الحيرة التي بلبلت وصدعت رؤوس الوفود في هذا المؤتمر من تصنيف حركة الإخوان المسلمين وفصائل المقاومة وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وبعض الأحزاب على أنهم منظمات ارهابية لإرضاء واشنطن, و اعتماد نهج اجتزازهم من مجتمعاتهم, رغم أن مثل هذه الأمور ستعرض مجتمعاتهم لأشد درجات الخطر ومشاكل هم بغنى عنها. الرقص المتقن بالكلمة وسحنة الوجه والقلم على شاطئ الخلاف الخليجي القطري. زيادة عدد المتسولين في هذه القمة لتحصيل مئات الملايين من الدولارات والدنانير. شطب محمد مرسي وتناسي مدحهم له وإشادتهم بنهجه ودوره في قمة قطر. التلميح بعتبهم المخفف جداً على واشنطن التي تهملهم ولا تقيم لهم وزناً, وعلى طريقة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي أعلن على الملأ تأييد بلاده لانفصال القرم عن أوكرانيا, في تحدٍّ واضح للسياسة الأميركية ولحلف الناتو الموجود في بلاده. تراجع قمة الكويت عن قرار قمة الدوحة بمنح مقعد سوريا في الجامعة إلى المعارضة. وـأجيل منح المعارضة المقعد إلى القمة القادمة في آذار عام 2015م, وعلى مبدأ بعد عام قد تتغير الظروف, فقد يموت الذئب, او يموت الراعي, أو يفنى القطيع. وأقترن قول من شارك بالقمة مع فعله بدعم مصر من كافة النواحي. بينما لم يقرنوا أقوالهم بأفعالهم بدعم الشعب السوري وتقديم كافة المساعدات الانسانية والمادية له داخل سوريا وخارج سوريا. وأقتصر نبيل العربي بدعمه على الكلام الموجز فقط.
ثناء المؤتمر على دور الأردن ولبنان باستقبالهما اللاجئين السوريين. ولكنه بنفس الوقت حطم كلاً من طموح ميشال سليمان بالتمديد, وحلم سمير جعجع بالرئاسة. خيبة بعض الزعماء العرب من فشلهم بالضغط على الأميركيين بانفتاحهم على الصين وغيرها. بعد أن تبين لهم أنهم لا يملكون سوى سلاحي النفط والمال، وهما باليد الأميركية، فالمال في البنوك الأميركية، والنفط بيد الشركات الأمريكية، والأمن بيد المارينز، ولذا فضغوطهم لا تأثير أو وزن لها. وقد يدفع بالأميركيين لمحاسبتهم على دورهم بزرع وتنمية ورعاية ودعم تنظيم القاعدة وباقي التنظيمات الارهابية. إقرار المشاركون بأن مصر هي من يجب أن تقود جامعة الدول العربية مستقبلاً. ولوحظ ذلك من نشاط وزير الخارجية المصري نبيل فهمي عضو في لجنة الأزمة الممولة من الكونجرس و الملياردير الصهيوني سورس. والذي يحظى هو والبرادعي بعضوية مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن. والذي زار معظم القيادات اللبنانية وهو في طريقه للكويت, وقال لهم: لا مجال لرفاهية الانتظار. قد لا نبالغ في خطاب العروبة، لكن العروبة هويتنا، وهي من ركائز الأمن القومي المصري، ومن يريد أن يخطف مني هويتي ويجعلني طائفيًّا إنما يهدد الأمن القومي المصري. عتب الائتلاف الوطني السوري على القمة, والذي عبر عنه نزار الحراكي سفير بقوله: إنها قمة مخيبة للآمال، فلم تعط المعارضة السورية مقعد سورية في القمة، ولم ترفع علمها على المقعد الشاغر، ولم تحصل على قرار واضح بالدعم العسكري. بروز تيار داخل القمة بقيادة الجزائر ولبنان والعراق ومعه السودان التي تميز موقفها بالاستحياء. والذي هدد بالانسحاب من القمة اذا اعطي مقعد سورية للمعارضة كان مؤشراً كبيرا على التغيير وتراجع الهيمنة السعودية القطرية على الجامعة والعمل العربي المشترك. وضم نبيل العربي نفسه لهذا المعسكر, حين قال في المؤتمر الصحفي مع وزير خارجية الكويت بأنه هو من عارض منح المقعد للمعارضة. إقرار بعض الوفود بالفشل , حين ركز خطاب وفديهما على ملفات عدة, إلا أنها ركزت أكثر على الملف الفلسطيني الذي تم اهماله عمداً في قمم سابقة. مراهنة البعض على بروز سيسي جديد في تركيا ينهي أردوغان وحزبه كما حدث في مصر, وخوف الدوحة من سقوط أردوغان لأنه يضع إمارة قطر على كف عفريت. وخطاب الرئيس المصري خلال القمة برزت فيه النبرة المصرية التاريخية التي تظهر انّ مصر تتصرف عن الامة كلها، إذ نادى بجعل المنطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي الاسرائيلي، وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي وتنقية العلاقات العربية العربية. فبَدا وكأنه يعلن سياسة جديدة ودائمة لمصر الجديدة. اختتم القادة العرب مؤتمرهم بعد يوم واحد من الناحية العملية ، وأصدروا اعلان الكويت في اليوم الثاني بدلا من البيان الختامي وفق التقاليد المرعية. والإعلان يتناول موضوعاً محدداً أو ملحقاً للبيان الختامي حسب المفاهيم والأعراف الدبلوماسية وليس قضايا وقرارات متشعبة. بعبارة أخرى صيغة أقل مستوىً من البيان الختامي المتكامل. ولا يعلم أحداً لماذا تم استبدال هذه الصيغة والاكتفاء بالحد الأدنى, وهل هي استجابة للضغوط الأمريكية حسب ما قيل في أروقة المؤتمر, أم أن في الأمر غاية أخرى؟ أسئلة كثيرة ومحيرة ربما ستكشف عنها الأيام القادمة. والملاحظة الأخرى في إعلان الكويت الختامي لدى تناوله الموضوع الفلسطيني وحظي بالإجماع وصفه الحالة الراهنة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وهي لغة مستحدثة تتجاوز الوصف المعهود للصراع العربي الإسرائيلي. فهل هي إدارة الظهر للقضية الفلسطينية وتركهم وشأنهم وحيدين أمام الضغوطات الدولية؟ ولماذا لم يعلن كل ما تقرر في هذه القمة؟ وامير الكويت كرئيس للقمة حسم الأمر بقوله: الأيام أثبتت بأن خطر هذا النزاع المدمر قد تجاوز الحدود السورية والإقليمية ليهدد الأمن والاستقرار في العالم. وأدعوا مجلس الأمن الدولي ليعيد للعالم مصداقيته باعتباره الجهة المناط بها حفظ السلم والأمن الدوليين، وأن يسمو أعضاؤه فوق خلافاتهم لوضع حد لهذه الكارثة. والضغوط والمخاطر التي تعصف بالكويت كبلد مضيف للقمة دفعها لاختيار شعار للقمة العربية في دورتها الـ25. وهو التضامن من أجل مستقبل أفضل. وبهذا الشعار تتخلص الكويت من متطلبات التضامن العربي والأسس التي يقوم عليها ميثاق جامعة الدول العربية, ووفر لها فرصة التهرب من إيجاد حلول للمشاكل بين الدول الخليجية. وكل ما قام به أمير الكويت الشيخ صباح هو جمع كل من الامير سلمان بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية والرئيس المصري عدلي منصور مع الامير القطري تميم, وانتزاع ابتسامات مصطنعة منهم امام الكاميرات فقط. صحيفة الجمهورية اللبنانية نشرت خبراً جاء فيه: اتصل سياسي عربي بشخصية كويتية صديقة له وهنّأها على انتهاء قمة الكويت العربية بـأقلّ الخسائر الممكنة، إذ لم يكن متوقعاً لقمة تنعقد في ظلّ الحال العربية الراهنة وما يشوبها من انقسامات ونزاعات وتوترات أن تخرج بنتائج أفضل ممّا خرجت به. ضحكت الشخصية الكويتية, وقالت لهذا السياسي: بالفعل كانت نتائج القمة اقلّ ممّا كان مطلوباً منها، ولكنها أفضل ممّا كان متوقعاً لها. واكدت هذه الشخصية انّ إعلان الكويت الصادر عن القمة هو إعلان الحد الادنى الذي راعى جميع الاطراف من دون ان يمكَّن طرفاً واحداً من فرض رأيه كاملاً. ففي الموضوع السوري مثلاً، دعت هذه الشخصية الكويتية البارزة الى ان تتمّ المقارنة بين البيان الصادر عن هذه القمة وبين ما ورد في بيان القمة السابقة. فقد نجحت الكويت في جعل سياستها الاصلية غير المعلنة تجاه الازمة السورية الإطار الذي خرج به بيان القمة، فلا دعوة الى إسقاط النظام ولا الى تنحّي الرئيس بشار الاسد، ولا تبنّيَ لدعم مجموعات المعارضة المسلحة. وأصرّت الكويت مع دول عربية ذات ثقل، على ان يبقى الموقف من التمثيل الرسمي السوري في القمة مقتصراً على تعليق المشاركة السورية، وليس على قاعدة إعطاء مقعدها لأيّ جهة أخرى. والأزمة الخليجية بين بعض الدول الخليجية وقطر، بُحثَت في كواليس القمة بأكثر مما هو متوقع. يقول عبد الباري عطوان: القمم العربية مرت بثلاث مراحل: الاولى مرحلة الزعماء الوطنيين المتميزين. والثانية مرحلة الزعماء المهرجين التي انتهت ببدء ثورات ما يسمى بالربيع العربي. والثالثة مرحلة هيمنة المال وزعمائه على القرار العربي والجامعة العربية، وهي مرحلة ندفع كأمة ثمنها غاليا من دمائنا ووحدة اوطاننا، وضياع قضايانا المركزية. والسؤال المطروح: هل دول العالم قاطبة ومعهم مشاكلهم وحتى خلافات الحكام العرب هم من حضروا هذه القمة, والغائبون عنها أنما هم الشعب العربي والقضايا العربية فقط؟ الجمعة: 28/3/2014م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم [email protected] [email protected]
|
|
|
|
|
|