|
حيَّ الله الكويت .. تسمو فوق مراراتها نبلا وعطاء/جبرالله عمر الامين
|
شاهدت مؤخرا على شاشة التلفزيون طالبات جامعة الكويت اثناء وضع حجر الاساس لمدرسة ثانوية للبنات في كسلا متطوعات ضمن مشروع خيري تنفذه الكويت اطلق عليه" ادفع دينارين واكسب الدارين” فتداعت امام عيني ذكريات ومواقف تمتد لاكثر من اربعين عاما مضت.. جبرالله عمر الامين [email protected] • بعضها مشرق يتدفق اريحية وعطاء ونبلا، يجعل البعض يتساءل .. ما الذي يعجب هؤلاء الكويتيين فينا. يهرعون رغم كل الذي حدث، متسابقين شعبا وحكومة كلما ألمت بنا كارثة ـ طبيعية او من صنع انفسنا ـ يعطون بلا منى او ضغينة. يبنون المدارس والمستشفيات. يقدمون المنح والقروض. ويمولون مشاريع التنمية بمئات ملايين الدولارات. • وبعض تلك الذكريات مؤسف. ليته يبقى دفينا في الذاكرة. يحجبه عشق متبادل عبر عنه السفير عبدالله السريع انزل الله على قبره شئابيب الرحمة. فقد بدأ مقدمة كتابه (كنت سفيرا في السودان) قائلا " غادرت مطار الخرطوم في يوم الخامس والعشرين من شهر اغسطس عام 1991 مودعا السودان بوصفي سفيرا لبلادي.. وما ان استقريت في مقعدي بالطائرة حتى وجدتني ألصق وجهي على النافذة الزجاجية.. اطل منها بشغف على المباني الجامدة امامي واخالها تلوح لي مودعة.. وانظر الى الناس يتحركون حول الطائرة وخارج مبنى المطار فاشعر كاني اودع فيهم اهلي.. وتملكني شعور بالحنين الى العودة. فقد اشتقت الى الخرطوم قبل ان تقلع الطائرة من مدرجها.... اني اودع في السودان ماءه، ترابه، سماءه، هواءه، هبوبه.. وفوق هذا اودع فيه شعبه الذي احببته بصدق واخلاص. وعبر عنه (هذا العشق) السودانيون وهم يشاركون في المراحل الاولى لتاسيس الدولة الكويتية. وتقف قواتهم في الصفوف الامامية(1961) تحمي مع الكويتيين ارضهم متصدية لاطماع عبد الكريم قاسم. وعبر عنه السودانيون العاملون في الكويت اثناء الغزو العراقي (1990) واجتياح دبابات صدام هذا البلد الامن الوادع، تقتل وتدمر وتحرق مقدمين نموذجا رائعا من الوفاء وصدق الاخوة تحدثت عنه وسائل الاعلام عندما انهمك الناس في النهب والسرقة يحملون ماخف وزنه وغلى ثمنه بينما شمر السودانيون يحمون اسر كفلائهم ويحافظون على اموالهم. وهنا في الخرطوم كان عسكريون على المعاش ومواطنون عزل يتصلون بسفارة الكويت يطلبون تسهيل سفرهم للالتحاق بالجبهة ضد القوات الغازية. بل يبدون استعدادهم لتوفير ما تحتاجه السفارة من اموال لتسيير عملها ودفع رواتب موظفيها. وقد وثق ذلك السفير السريع في كتابه. اما المؤسف الذي اردته ان يبقى دفينا في الذاكرة فهو موقف السلطات الحاكمة في الخرطوم من الغزو، عندما حرض اعلام الحكومة وخطابها السياسي الشارع العام فخرج الدهماء يهتفون".. اضرب اضرب يا صدام" لا ينهرهم او يردعهم مسئول. يقول السفير السريع ".. في هذا الوقت الذي اضطربت فيه نفوسنا وامتلات فيه صدورنا بالمرارة والقلق، كانت الصحف السودانية تنشر الاحداث وتصورها كانها انقلاب قد وقع في الكويت. وكنت اشعر في عناوين الصحف وبين السطور بالشماتة ولم أكن مصدقا..هل هذا هو السودان الذي اعرفه؟!.. اني لا اكاد اصدق" ص (145) كنت في الدمام تقصف دبابات صدام ـ بعد ان اجتاحت الكويت ـ حفر الباطن داخل الاراضي السعودية وتسقط صواريخ اسكود على مقربة منا وتئز فوق رؤوسنا فتسقط في الرياض لا في اسرائيل. وقد كتبت مقالا مطولا في جريدة اليوم السعودية 2 اكتوبر 1990 تحت عنوان " حاشا لله ان يؤيد السودانيون غزو الكويت" ردا على مقال استنكَرَ فيه السفير السريع موقف الحكومة السودانية أقول ".. هذا حديث من القلب للقلب ليس موجها اليك فانت تعرفه، لكنه موجه الى جميع اخواننا الكويتيين. ولو استطعت لابلغته لهم فردا فردا دون ان يطلع عليه احد غيرهم لفعلت.. لا تصدقوا ان يؤيد السودانيون في أي يوم من الايام مثل هذه الجريمة البشعة ضد الكويت وحكومته. ليس لانكم وقفتم معنا في احلك الظروف، بل ايضا لانه عدوان وانتهاك لمبادئ وقيم، السودانيون من احرص المدافعين عنها.. نحن معكم في خندق واحد اليوم وغدا ضد الاحتلال وضد المعتدي حتى تعود الكويت حرة ابية. درة على الخليج، شمسا ساطعة على العالم. الكويت عائدة باذن الله ومصير الغزاة عبر التاريخ هو الطرد والاندحار ملفعين بالعار والهزيمة". وانا اشاهد اولئك الطالبات يضربن المثل لبناتنا في العمل التطوعي اعادتنى الذاكرة الى مطلع ثمانينات القرن الماضي. لقد شاهد الناس طالبات جامعة الكويت ونساء الكويت يسابقن منظمات الاغاثة فوق رمال كردفان وفي معسكرات النازحين، في المويلح وابوزبد. يقدمن الطعام والكساء والمأوى والدعم المعنوي لضحايا المجاعة التي انكرتها حكومة الرئيس نميري حتى اودت بحياة المئات واكل الناس صفق الشجر وحفروا جحور النمل بحثا عن طعام. لقد ظلت الكويت تدعم على مدى الـ 53 عاما الماضية مشاريع التنمية في السودان. تساهم في تمويل بناء الطرق والمصانع والمستشفيات والسدود والمؤسسات التعليمية والصحية. وتعطي منذ استقلالها في العام 1961 خصوصية وأولوية للسودان في قروض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية. يتسامى الكويتيون فوق مراراتهم، مواصلين تقديم الدعم لاخوتهم في السودان. وتجوب المنظمات والمؤسسات الخيرية والأهلية الكويتية مدن وارياف وبوادي بلادنا شمالا وجنوبا شرقا وغربا تبني وتعمر. فالتحية والتقدير لكل كويتي وكل كويتية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ • وقفة الاديب والدبلوماسي عبدالله سِريِّع عبد الرحمن السريع امضي في السودان اكثر من ثلاثين عاما 1974 ـ 1991 عرف السودان وعرفه السودانيون اخا وصديقا. كان له دور بارز في مرحلة ما بعد اتفاقية اديس بابا بتمويل مشاريع التنمية في الجنوب وقد عرف بعدبالله جوبا. ارتبط اسمه بالتنمية وتاسيس مشاريع البنية التحتية في بلادنا. كان في الخرطوم اثناء العدوان العراقي الغاشم على بلده الكويت فتحمل ما لم يكن يتوقعه من مجلس قيادة الثورة ومن الصحافة السودانية. نشر كتابين عن السودان(كنت سفيرا في السودان وسنوات في جوبا) الى جانب عدد من دواوين الشعر والقصة القصيرة. منحه الرئيس عمر البشير وسام الاداب والفنون الذهبي بعد وفاته كما امر باطلاق اسمه على احد الشوارع في الخرطوم تقديرا لما قدمه من خدمة للسودان. __________________________________ سقطت الفقرة الاولى في المقال المنشور بجريدة التغيير بتاريخ 18-3-2014
|
|
|
|
|
|