|
نهاية مأسويه لفتاة ليل ( تمبوشه ) ... محاكمة القيم وإدانة الأعراف الأبيض ... ياسر قطيه
|
. هى فتاة فى منتصف العمر . وجه مألوف لمعظم رواد سوق الأبيض بخاصه لأولئك الذين يرتادون السوق ليلاً . مهنتها معروفه لأهل المدينه التى تقطن الضحيه فى أحد احياءها الفقيره والطرفيه . فتاة ليل ، بائعة هوى تصطاد الضحايا من أطراف الشوارع وبين الأزقه المظلمه إذ لا أحد يمتلك الجرأه ليدخل معها فى مساومه تحت الأضواء الكاشفه أو فى وسط السوق . أحياناً كانت تندلع المعارك بسببها ويحدث الشجار الذى عادةً ما ينتهى فى حينه دون الوصول لقسم الشرطه ، رجال الشرطه يعرفونها عن ظهر قلب ويعرفون مشاكلها فهى زبونه دائمه للأقسام والحراسات يفضون مشاجراتها الشخصيه أو تلك تى تنشب بسببها فى محلها وغالباً ما تتم بتسوية الموضوع إذ لا طائل من وراء إقتياد فتاة ليل للمخفر . دائرة نشاطها تشمل المساحه الممتده من بنك الدم وعلى طول الشارع وتنتهى فى ( أٌمية الكهرباء ) (الدلاله) سابقاً حيث تعودت أن تأخذ إستراحه قليله هناك ريثما تنبأها حاستها وغريزتها اليقظه بوصول زبون . عندها تتحرك كدليل سياحى محترف يعرف وجهته تماماً وتقصد ضحيتها بالضبط فى حيث مكانها . الضحيه فى هذه الحاله أو الصيد غالباً ما يكون أحد الوافدين الجدد للمدينه أو غريب عابر لأحد المحليات أو الولايات المجاوره أو مغامر يبحث عن متعه ، الغرباء صيد دسم لتلك الليله . ما يميزها كان عطرها الزهيد الثمن الذى يصفع حواسك ويعلق بأطراف خياشيمك ، عطر شعبى نفاذ محلى الصنع ، وهو على أية حال عطر . عطر شأنه شأن ( شانيل ) أو ( أليزابيث أردن ) أو ( باكو رابان ) عطر يعبق فى الأجواء التى تمر بها عطر تميزت به وهو يدل عليها ، هذا العطر هو الماركه التى تميزها . بالإضافه لذلك كان ما يلفت النظر إليها هو ثوبها الصارخ الألوان والفاقع والذى لا يدرى الناظر إليها إن كان هذا الثوب الذى ترتديه هو توب سهره ولا توب ( مرقه ) أو توب (جارات ) . أياً كان فهو توب ، رداء باذخ الألوان لماع وما يشدك الى النظر والتمعن فيه هو الطريقه التى ترتديه بها وتلك الأشياء التى ترتديها من تحته ، إنها تلبسه كطقم كامل ، الثوب على الفستان أو البلوزه والإسكيرت و الذى غالباً ما تحرص على أظهاره كل ذلك الوانه متقاربه وكذلك لون الحذاء وشنطة اليد . كله طقم ، فإرتداء ( الطقوم ) ليس حكراً على نسوان عيال أم زغده . فتيات الليل أيضاً لهن ذوق وذوق خاص فى اللبس ، طقم متداخل الألوان بهيجها الأمر الذى يوحى إليك بإن هذه الفتاة كانت ذات يوم تتمتع بحس إناقه قديم طغت عليه ( متطلبات المهنه ) ومتاعب الحياة . وتحت هذا المهرجان الصارخ الألوان والضاج بالعطر الزهيد الثمن النفاذ الرائحه جسمت تلك الفتاة شخصيتها ، كانت هيئتها العامه وسمتها النهائى يشئ بأناقه ، أناقه قد توافقنى عليها وقد تخالفنى الرأي فيها ، إختلفنا أو إتفقنا فهى أناقه تُسأل عنها صاحبتها لوحدها طالما كان القانون لا يحرم إرتداء الثياب البراقه واللماعه الغنيه بالألوان كشاشة حاسوب لرسام تشكيلى ، ونختلف أو نتفق حيال تلك الظاهره فهى ذوقها الخاص فلولا إختلاف الأذواق لبارت السلعه ، تلك الأناقه التى كانت ترفل فيها ( تمبوشه ) وهذا هو لقبها الشائع بالمناسبه . ( تمبوشه ) ... هذا هو لقبها وإسمها المعروف حتى الأن للعامه من البشر ، تمبوشه هذه بطلة قصتنا الحزينة هذه كنت ألتقيها مصادفه مراراً وتكراراً فى شوارع الأبيض . لم أتحدث إليها مطلقاً ربما لعدم الموضوع وإن كانت تراودنى الرغبه أحياناً فى إلقاء التحيه والسلام عليها وكانت تلك الرغبه سرعانما تتلاشى من خاطرى تحت ضغط وزحمة تفاصيل اللحظه ، شاهدتها فى عشرات المواقف وشهدت لها حزمه من المعارك والملاسنات كل تلك المعارك التى كانت تنشب كانت سريعاً ما تنتهى كما أسلفنا وتتبخر بذات السرعه التى نشبت بها . إذ أنها ليست معارك فكريه أو قضايا ميراث أو نزاع حول أراضى . كانت مجرد ملاسنات ، وكانت غالباً ما تنشب وتحتدم بسبب (شيطان التفاصيل !) ومع إنك قد تشهد مئات المعارك لتمبوشه وقد تشهد نهاياتها لكنك على الإطلاق لن تعرف أو تشهد بداية المشكله . لن يحالفك الحظ على الإطلاق فى معرفة ومشاهدة أسباب وبدايات النزاع . وهكذا كان موقفى إلا فى مره واحده حالفنى فيها التوفيق ، تلك المره اليتيمه التى سأورد لك تفاصيلها بعد قليل كانت هى المره الأولى والأخيره التى أشهد فيها نشوب معركه كاملة التفاصيل موفورة الدوافع والأسباب ، ففى السابق كنت أجد المعركه ناشبه حامية ا########س منعقده كعجاجه سرعانما تنجلى أمام ناظرى ، كنت أشهد لتلك المعارك نهايات ولا أدرى او أعرف كيف بدأت ومتى إندلعت ، بيد أن أشرس معاركها تلك التى إندلعت كالإعصار ( ديفل ) قبل أكثر من عام كانت أمام مطعم قدوره . وهى المعركه التى وعدتك بروايتها لك قبل قليل ، كانت بالنسبه لتمبوشه كما سيتضح بعد قليل هى ( أم المعارك ) . معركه ضاريه ضاربه ظهر فيها الوجه الحقيقى الأشرس لتمبوشه . ففى ذات ليله من ليالى ديسمبر شديدة البروده وبعيد منتصف الليل بقليل توقفت سيارة إجره من نوع ( أتوز ) بشكل مفاجئ أمام رواد المطعم فى الباحه الخارجيه معترضه طريق أحد الشباب . ذلك الشاب البادئ الأناقه كان خارجاً من المطعم متأبطاً ذراع فتاة فى مقتبل العمر ذات تقاطيع وسيمه بعض الشئ ، تتوقف سيارة الأجره بطريقه عنيفه لفتت أنظار رواد المطعم لتمرق منها كالسهم فتاة لا يميزها إلا عطرها النفاذ الزهيد الثمن الذى يملأ خياشيمك وهى تمبوشه لتندفع بقوه فى هجوم مباغت لم يرى أياً من شهود عيان تلك الواقعه شيئاً سوى جثه بشريه ضخمه ( تعجن ) شيئاً ما تحتها وكان ذلك الكائن المعجون يئن بصوت مكتوم وموجوع ويصرخ تحت وابل صفعاتها وضرباتها المنهاله كالمطارق وسباب منطلق بسرعة طائرة كونكرد كسرت حاجز الصوت فوق الرؤوس . سباب بذئ لاذع تقشعر له الأبدان ينطلق كقذائف مدفعيه من عيار ألف ملم ، تمبوشه وبعد جهد خارق ومقاومه هى الأعنف من نوعها واجهت كتيبة مغاوير قدوره من عمال المطعم الذين هرعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا ذلك الكائن الموجوع والذى يئن تحت براثن تمبوشه وعندما تمكن المغاوير كونش من رفع تمبوشه قليلاً عندها بدت الضحية سيئة الحظ فى تلك الليله مكومه كجثه هامده بين الحياة والموت وبدت للعيان هى تلك الفتاة الخارجه للتو من سهرة عشاء رومانسيه والتى كان يتأبط ذراعها العشيق الرسمى لتمبوشه !! ( ود أم زغده ) . عرفنا بعد إنجلاء غبار المعركه القاسيه إن ود ام زغده عشيق تمبوشه كان دون جوان يلعب على الحبلين ! وعرفنا كذلك إن تلك الملابس الغالية الثمن التى كان يرتديها بزهو وخيلاء أمام صديقته الجديده كانت من عرق ( جبين ) تمبوشه ! والهاتف الجوال كذلك ! والعطر الفواح الذى ينسكب بصخب ويضج من بين طيات ملابسه . ! والأدهى من ذلك والأمر بالنسبه لتمبوشه كانت تلك ( الأكياس الموضبه ) والممتلئه بكل مالذ وطاب والتى يحملها العشيق لصديقته الجديده كانت من قروش تمبوشه !! وتمبوشه التى ضبطت عشيقها الرسمى بالجرم المشهود وقفت على سنقة عشره والشعر منكوش والتوب فى محل ولا أثر للشبشب وبفستان سهره قصير لماع فى خط سته بدأت تمبوشه معزوفه تاريخيه لسمفونيه من الشتائم التى قل أن يحظى المرء بسماعها ( لايف ) .... ( بتأكلا من قروشى يا ود الشر............. !! ) ( قاشر معاها بقروشى يا لو ................... ) ( ودايرنى أجيب ليك موتر كمان يا ..................... ) ( الـلو ..... دى (( أي والله قالتها زي ده يا مبارك شمو ... اللو ...... دى أحسن منى شنو ؟ )) ... ( فى شنو مركب فيها أنا مالصنو منى الملص الينـ ...... أم حلتك !! ) أستغفر الله ( النقط نقط دى يا ود الزين والحمرى بتاعت تمبوشه ما تمشو تقولوا قطيه رجع لينا تانى لنقط نقط بتاعتو دى ) دى بتاعت تمبوشه يا أبو جيب تمبوشه الت....................... أم حلتك ... قول أأمين يا أبو جيب ) . ثم جمله من الصفعات التى إنهالت على حين غره ملهبةً خد العشيق الخائن . صادرت بالطبع تمبوشه العشاء بعد أن كشفته أمام الملأ وقدمته للجمهور المحتشد كمعروضات وكانت كلما رفعت دجاجه محمره ملفوفه بورق السلوفان بعنايه يزداد هياجها ونحيبها . تأكلا بقروشى يا .... ؟ وكانت كلما تعثرت يدها بتفاحه تكاد أن ترجمه بها . بحقى يا ود الـ ..... ( أستغفر الله ) . حشر مغاوير مطعم قدوره تلك الفتاة الى كانت فاقده للوعى فى أقرب سيارة أجره أتوز وسائق سيارة تمبوشه الذى ترك محرك سيارته دائراً طوال ذلك الوقت بأمر من تمبوشه سرعنما تلقى منها تعليمات جديده بالعوده للخلف وفتح ( الضهريه ) ولما فعل ذلك فجأت تمبوشه الجميع بقذف عشيقها ود أم زغده الذى وقع فى أتعس أعماله وحشرته فى ذلك المكان الضيق مغلقةً عليه الباب بعنف إرتجت له السياره ومن ثم فتحت الباب الأمامى لتدلف الى جانب السائق وهى متأبطه الغنيمه الدسمه وبالتزامن مع إغلاقها للباب الأمامى بعنف أيضاً سمعناها بوضوح تام وهى توجه خطابها لعشيقها الخائن المكوم فى الضهريه كأي خروف قائله ( الليله بوريك لى فى البيت يا لو............. ) إستغفر الله العظيم . السائق الذى بدأ منتشياً لحضوره هذه الأكشن بدأ فخوراً كذلك أمام الغوغاء المتجمهرين بكثره حول المشهد وهو يرمق أولئك الغوغاء بنظرة أفتخار من يحمل بطلاً على متن سيارته أطلق للأتوز العنان كأي رولزرويس ممنياً نفسه بعطاء سخى من تمبوشه المجروس ! ولربما ذهبت به أطماعه وأحلام اليقظه التى بدأت تطل من عينيه الماكرتين بالإستحواذ على تمبوشه نفسها وطرح نفسه كبديل لهذا العشيق الخائن طالما الشغله فيها عشاء وعطور وملابس ومصاريف جيب . ! وتمبوشه تبقى هى الضحيه ، ضحيه المجتمع وضحية الظروف وضحية الغِل والحسد وضحية لهذا الوضع العاهر الذى يكابده سوداننا الحبيب . تمبوشه كرمزيه هنا للضحايا نحسبها شهيده ! شهيدة العهر والفسق والفجور وأكل أموال الناس بالباطل وشراء الذمم وبيع الضمائر وسرقة موارد الشعب والدوله ، وتمبوشه ضحيه لحقها المسلوب فى وطنها فهى بلا وطن . وطن تتغذى فيه الحره من ثدييها وتبيع فيه حرائره أجسادهن ليأكلن ويبقين على قيد القيد وملعون أبوك وطن . تمبوشه هى نحن ، أنت وأنا وهى وهن وأولئك وهؤلاء وجميعنا فكلنا عهره ولكن كلٍ بطريقته . فالعهر لا يتقتصر على الجنس والجسد . وأصل الحكايه . رواية الجريمه ، تفاصيل تدمى القلب وتلعن سنسفيل جدود الحاجه . وتمبوشه ذهبت والألوف منها ينتظرن وهؤلاء يحتاجون لنفير . نحن نحتاج لنهضه فى القيم والدين والسلوك والأخلاق يا ايها الناس . نحن فى أمس الحاجه لنفير أخلاقى نحن فى حوجه ماسه لإطلاق نفير دواخلنا كى لا تنجب الأرض تمبوشه أخرى . ويا أيتها النفس المطمئنه أرجعى الى ربك راضيةً مرضيه فأدخلى فى عبادى وأدخلى جنتى . صدق الله العظيم . [email protected]
|
|
|
|
|
|