|
أمريكا لم تتغير.. فاستقل حتى نحيي القضية بقلم / حمزة إسماعيل أبوشنب
|
يغادر الرئيس عباس بعد أيام إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأمريكي أوباما, استكمالاً لجولات وزير الخارجية الأمريكي كيري المكوكية لنجاح العملية التفاوضية مع الاحتلال, ويعتبر اللقاء محاولةً جديدة من الولايات المتحدة لدفع و إنجاح جهود كيري تتوج باتفاق إطار يشمل مزيدً من التنازل من قبل المفاوض الفلسطيني, و يأتي هذا اللقاء في ظل مشهد متبعثر الأوراق على الساحة العربية انعكست نتائجه على الواقع الفلسطيني مع مواصلة الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، وكسب المزيد من الأراضي وتوسيع المستوطنات, ويذهب الرئيس عباس للقاء وهو لا يمتلك أياً من أوراق القوة التي يمكن أن تسانده ؛ بعدما تراجع عن شروطه السابقة وعاد إلى طاولة المفاوضات ، بالإضافة إلى الصراع الفتحاوي الداخلي بين الرئيس عباس والنائب محمد دحلان المفصول من الحركة بقرار من عباس , وغياب الإجماع الفصائلي على المفاوضات .
أمام هذه الظروف المحيطة يسهل على الولايات المتحدة أن تساهم في تشكيل ضغطٍ كبيرٍ على السلطة المفاوضة في رام الله ، ولعل الناظر إلى تاريخ الولايات المتحدة في الصراع العربي الإسرائيلي يعي موقفها ؛ فقد صممت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1948 مقارباتها الخاصة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط ، وتميزت السياسة الأمريكية تجاه الصراع بالانحياز المطلق والالتزام الثابت تجاه "إسرائيل"، فضلاً عن كونها الحليف الأمريكي الأول في المنطقة ، ولم يكن بمقدور أية إدارة أمريكية كانت ، ديمقراطية أو جمهورية ، ممارسة ضغوط مؤثرة على الجانب الإسرائيلي ، وتمكنت الولايات المتحدة خلال الفترة الزمنية من 1991 حتى الآن من دفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للدخول في مفاوضات لكنها أخفقت في التوصل إلى حل نهائي للصراع وإن كان يرتكز على رؤية حل الدولتين ، على الرغم من أن الولايات المتحدة تعلن بأن حل الصراع والتسوية في المنطقة مصلحة أمريكية، ولم تخرج كافة أطروحاتها عن أربع ركائز أساسية قدمت للاحتلال ضمانات مكتوبة في أكثر من مرة ، وهي إيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين بعيداً عن حدود فلسطين التاريخية ، أي بالمفهوم الفلسطيني لا عودة للاجئين وقدمت حلول التوطين و التعويض بدلاً من العودة ، ففي أفضل مبادراتها اقترحت عودة مائة ألف لاجئ من أصل 900 ألف ممن هجروا من ديارهم في عام 1948 ، وبلغ عدد اللاجئين الآن سبعة ملايين لاجئ .
كما التزمت واشنطن بتقديم الدعم الكامل للحفاظ على أمن إسرائيل وعدم المساس بها و المحافظة على التفوق العسكري والأمني لدولة الاحتلال على باقي محيطها العربي , والركيزة الثالثة لا دولة فلسطينية ذات حدود واضحة إنما كان الاتجاه دائماً نحو إيجاد إدارةٍ أو حكم ذاتيٍّ للفلسطينيين في داخل حدود العام 1967 , وآخرها مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية والانفتاح على الأطراف المؤثرة طوال فترة الصراع والنظر إلى حل قضية فلسطين عبر الأفكار الاقتصادية .
لذلك نجد عباس أمام إحدى الخيارات الثلاثة : الاستجابة للضغوط الأمريكية والتي تمنح الاحتلال مزيداً من التنازلات ، وهذا أمر وارد على الرغم من الحديث المتكرر عن الحفاظ على الثوابت الفلسطينية ، ونعلل ذلك بضبابية مواقفه وغياب المصارحة مع الجماهير الفلسطينية ، كذلك نجد أن محددات الثوابت الفلسطينية غير واضحة من قبله .
أما تمديد المفاوضات فهي الخيار الثاني الذي قد ينتج عن اللقاء مع أوباما ، وهذا يعطي الاحتلال المزيد من الوقت لعمليات تهويد القدس ومصادرة الأراضي ، والخيار الأخير هو رفض الضغوط الأمريكية وهذا له عواقبه المالية على السلطة الفلسطينية ، ويدخلها في مواجهة مع الولايات المتحدة قد لا يكون بمقدور السلطة الفلسطينية تحملها في ظل الحالة العربية المترهلة .
لكن باعتقادي أن ثمة خياراً رابعاً يخرج أبا مازن من الضغوط الأمريكية ويُجنِّبه المواجهة معها وهو أقصر وأسهل الطرق بإعلانه الاستقالة من منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المهترئة والمعينة ، وكذلك من رئاسة السلطة الفلسطينية والاستعداد لترتيب البيت الفلسطيني من خلال اختيار قيادة جديدة ، هذه الخطوة تفتح المجال أمام المصالحة الفلسطينية مع حركة حماس ، ويتجاوز من خلالها الضغوط ويعود ليحيي القضية ، فبعد فشل مسار التسوية منذ عقدين وتجريب المجرب مع الاحتلال فإن خطوته هذه تعود بنا إلى مواجهة المحتل وطرح الخيارات المغيبة، ولكن السؤال: هل يمتلك الرئيس عباس الجرأة للاعتراف بفشل خياره ؟ .
على الجانب الآخر أصبح من الواضح غياب التفاعل الفلسطيني الشعبي ، لذا فإن المطلوب من الفصائل الفلسطينية هو إعادة إحياء الكتلة البشرية التي تساهم في الضغط على الاحتلال، فمن ينجح في حشد الآلاف في المهرجانات الحزبية قادر على إعادة الاستفادة من الكتلة البشرية من خلال تفعيل المقاومة الشعبية المجمع عليها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم انتظار عباس وإلى أين سيصل بالعملية التفاوضية، فحالة الصمت وتحميل الفشل فقط لفتح أو رئيسها لا يعفي الشارع الفلسطيني وفصائله من عدم تغيير المسار وإعادة الثقل لقضية فلسطين ، فلابد أن تعود فِلَسطين وقضية فِلَسطين لتأخذَ بُعْدَها العربي والإسلامي، ويجب ألا تُترَك قضية فِلَسطين رهنَ الواقع العربي الذي يتشكَّل وخارطة التحالفات الجديدة، فالصراع في المنطقة مشتعلٌ بين القُوَى المؤثِّرة في الإقليم، وأعتقد أنه لا فائدة من الانتظار وتعليق الآمال، فالقيادة العربية الرسمية تركت القضية لأهل فِلَسطين، والشبابُ الثائر في الوطن العربي يحتاج إلى وقت لترتيب أوراقه.
|
|
|
|
|
|