|
الفقه المالكي والقانون الدولي وجزيرة أم كندلة! محمد وقيع الله
|
الفقه المالكي والقانون الدولي وجزيرة أم كندلة! محمد وقيع الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار". أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه. وصححه الألباني. وفي فقه هذا الحديث النبوي الشريف قال الإمام الخطابي: الكلأ هو الذي ينبت في مَواتِ الأرض. أي في الأرض التي لا يملكها أحد. وأضاف أن المقصود بالماء هو الماء الذي يجري في المواضع التي لا تختص بأحد. وبين أن المراد بالنار الحجارة التي تُورِي النار. وفصَّل سيدنا الإمام مالك في البحث فقال: إن المقصود هو كلأ الفلوات والصحارى، وما لا تملك رقبة الأرض فيه، وجُعل الرجل أحقَّ بكلأ أرضه إن أحبَّ المنع منه فإن ذلك له. ولا نظن أن لمجمع الفقه السوداني برئاسة صديقنا البروفسور العالم عصام أحمد البشير قولا يخالف أقوال أئمة الفقه المالكي الأعاظم في هذا الموضوع المهم. ولكن ما بالهم سكتوا ولم يصدروا فتاوى قوية تزلزل حكامنا وتلزمهم بالتزام حدود الشرع المنيف وترعبهم من تخطيها وتعديها. نقول هذا بعد أن توالى جور الحكام الإقليميين وطال تعديهم على العباد، وعلى رب العباد، بتجاهل فروض شرعه المحكم، وقيامهم بفرض رسوم وإتاوات على المواشي التي تعبر أقاليمهم أو تطَّوف فيها وتقتات من كلئها. وقد جاءت آخر الشكاوى من إقليم النيل الأبيض حيث اشتكت طائفة من الرعاة من صدور قرارات جائرة تُجيِّر أرضا مواتا لصالح أناس دون أناس. والأرض الموات المشار إليها هي الغابات والمزاع الشاسعة التي تترامى في نواحي جزيرة أم كندلة، وهي ليست ملكا ولا حكرا لأحد من الناس، ولكن جار ولاة الأمر وقرروا أن يجعلوا الانتفاع بها حكرا لأحد من الناس. والمقصود بولاة الأمر هنا هم مسؤولو محلية ربك، الذين أصدروا أمرا محليا منحوا به شيخا قبليا نافذا (لعله من مرتزقة المؤتمر الوطني) الحق في التصرف في تلك المراعي، بحيث يحمي حماها عمن شاء ويبيحه لمن شاء. أو بالأحرى يبيحه لمن ينفحه أجرا لقاء ذلك ويحميه عمن يرفض ذلك. ولا ندري لماذا يأخذ الشيخ ويأخذ من فوضوه ووقفوا وراءه من مسؤولي المحلية أجرا على حمىً ينبغي ألا يُحمى وأن يكون مباحا لكل الناس. وما عسى أن يفعل هذا الشيخ (الذي وددنا لو علمنا اسمه) وما عسى أن يفعل مسؤولو المحلية الذين يستغلونه ويستخدمونه بهذا الأجر المنتزع ظلما من الرعاة؟! هل يطورون به هذا الحمى مثلا أو يزيدون من رقعته ونمائه؟! أم إنهم ينتفعون به لمصالحهم الخاصة دون وجه حق؟! أن الإجابة الأخيرة هي التي تعكس الواقع وتكشف عنه فيما يبدو. لأن الحمى المعنِي لا يحتاج إلى تدخل منهم ولا إلى تطويرٍ ولا زَيدَ نماء. فالحمد لله الذي جعله غثاء أحوى، وما أحوج الناس بأمره إلى أمثال هؤلاء المسؤولين الفاسدين إياهم. بل احتاج هؤلاء المسؤولون المتطفلون إلى من يردعهم عن التعدي على الحق والخلق. ومن أسف فإن هذه الممارسات والتعديات الكارثية أصبحت رغم خطرها الداهم لا تهم أحدا من المسؤولين الكبار في الدولة الاتحادية. ولا تدفع جهة منهم للتدخل لحماية الرعاة المغبونين في الأقاليم. إنها لا تهم المسؤولين في وزارة المالية التي تتضرر لا محالة بسبب ارتفاع أسعار المواشي السودانية بتراكم هذه الإتاوات المتنوعة المصادر. وهو الأمر الذي يضعف من قدرت مواشينا التنافسية في الأسواق العالمية. ولا يهم الأمر المسؤولين في وزارة الثروة الحيوانية الموكلة بحماية الثروة الحيوانية وتنميتها واستغلالها الاستغلال الأمثل. ولا يهم الأمر أحدا من نواب البرلمان القومي الغافي. ويبدو أن الأمر سيظل كما هو إن لم يتحرك مجمع الفقه أولا بقوارعه المنددة المنذرة. التي يضع بها حكام السوء على الجادة. ونختم هذا القول بما نحب أن نتحفظ حياله من بعض التفاصيل التي ضمنها رعاة أم كندلة في شكواهم. فما كان رعاة تلك الناحية بدعا في الرعاة الشكاة الذين يبالغون في شكاياتهم رغم عدالتها في المبتدأ. فكثيرٌ من أصحاب الشكاوى من أمثالهم يحبون أن (يزودها شوية) حتى تبدو شكاواهم عادلة مقنعة. والذي يُلقي سمعه إلى هذه الشكاية بالذات لا يعييه أن يكتشف ما عراها من غلو في بعض أطرافها. فقد زعموا مثلا أن القرار المحلي قد فرض رسوما مالية لدخول جزيرة أم كندلة بمعدل مائتي جنيه للمراح الكبير ومائة وخمسين جنيها للمراح الصغير. ثم قفزوا بهذه المبالغ إلى رقم فلكي، بمبلغ ثمانية عشر مليار جنيها، قالوا إنه الحاصل الإجمالي للمبالغ التي تم تحصيلها منهم. ولا شك أنهم قد (زودوها كثيرا) وبالغوا بها كثيرا! ثم زودوها وبالغوا أكثر عندما ادعوا أن القانون الدولي يجعل أرض جزيرة أم كندلة أرضا مباحة لجميع الرعاة! وذلك ما تجلى في قولهم" ولا يمكن لأي جهة أن تحتكرها حسب القانون المحلي والدولي"! فما دخل القانون الدولي بجزيرة أم كندلة ورعاتها يا قوم؟!
|
|
|
|
|
|