|
هذا المارق يزكي نفسه! محمد وقيع الله
|
هذا المارق يزكي نفسه! محمد وقيع الله
فارق هذا المارق المدعو مبارك الفاضل حزبه ليلحق بحكومة الإنقاذ مساعدا لرئيس الجمهورية. ومرق من حزبه كما يمرُق السهم من الرَّمية، وسط اعتراض أهله ######ط الجمهرة الغالبة في أوساط حزب الأمة قيادة وقاعدة. ولكنه ما بالى بمن اعترض منهم ولا من سخط. ولم يكن يعنيه إلا تحقيق حلمه الرئاسي الذي ظن أن عهد تحقيقه قد اقترب. واجتهاد وهو في خدمة الحكومة الإنقاذية على التقرب من رئيسها البشير بما رأى فيه البعض تهميشا للوضع الدستوري والبروتوكولي للنائب الأول وقتها الأستاذ علي عثمان محمد طه. وربما كان ذلك الظن صحيحا. لأن المدعو مبارك خاطب البشير في مرة قائلا: إنت معاك الجيش، وأنا معاي الشعب، وجون قرنق معاه الجنوب، فلنقتسم السلطة بيننا وفقا لهذه الحظوظ والأنساق. وانسياقا مع هذه الأوهام التي نفخها في روحه اتصل بالأمريكان وساق إليهم طرفا من حلمه بأنه قد أصبح المقرر الأول والآخر في أمر السودان. و(خربط) لهم خريطة زعم أنها خريطة الطريق لحل مشاكل البلاد. وعزم على أن يسوق خريطته انطلاقا من منصبه مساعدا لرئيس الجمهورية ومن دون موافقة رئيس الجمهورية ودون رضاه. ولما أعلنت الحكومة صراحة عدم تبنيها وعدم قَبولها لخريطته المزعومة قال إنه سيسوقها باسم الجناح الصغير الذي شقه عن جسم حزب الأمة ومنحه اسما رنانا خفت رنينه وذوى هيكله الآن. وإزاء إصراره على الترويج لخريطته المشبوهة في الخارج اتخذت الحكومة الإنقاذية اجراء حاسما ضده فأقالته من منصبه. وقيل إن خطاب الإقالة سلم إليه بعد أن صعد إلى الطائرة متوجها إلى واشنطون! وتجاه ذلك ألزم مبارك الفاضل وزراء حزبه بالاستقالة الفورية من مناصبهم في خدمة الإنقاذ. فهؤلاء الوزراء جميعا والحزب نفسه ما كانوا إلا ديكورا معدا ومجهزا لخدمة ممثل السيرك البهلوان المتقلب مبارك الفاضل. وبقية قصته معروفة إذ رفض بعض وزراء حزبه الصغير الاستقالة بينما استجاب له الطيعون منهم. ومن يومها بقي الحزب كما ظل رئيسه في أحوال ارتجاج واضطراب. وكان أن نسي مبارك الفاضل خريطة طريقه المزعومة أيضا فلم يسمع لها أحد من يومئذ خبرا. وعندما توفي الدكتور عمر نور الدائم بعد قليل من طرد مبارك الفاضل من حكومة الإنقاذ، طفق يتودد إلى حزبه الذي انشق عنه وإلى ورئيسه عسى أن يعفو عنه، ويعيد استيعابه في صف يقفز منه بوسائله المعروفة في القفز العالي إلى الموقع الذي كان يحتله الدكتور نور الدائم. وقد كانت مناورة مكشوفة الخبء لم تنطل على أحد في الحزب وبالذات على من قدر له لاحقا أن يحل محل عمر نور الدائم من كوادر الحزب القيادية، فرُفض طلب مبارك الفاضل بالعودة إلى الحزب أشد الرفض. وضاعت على هذا الشخص الذي يجري وراء كل سراب لمحةٌ أخرى من لمحات السراب. ثم لاح ومضُ سرابٍ آخر أمس لمخيلة مبارك الفاضل فأخذ يعدو نحوه وهو يلهث. فمنذ أن أعلنت الإنقاذ التبديلات الكبرى في وظائفها القيادية أخذ مبارك الفاضل يرنو إلى منصب له يحسبه هناك. فأعلن عن عودته الوشيكة إلى البلاد. وأخذ يعرض نفسه على وسائط الإعلام. وأخيرا أوحى إلى محرر صحفي في الخرطوم أن يسأله قائلا: "طرح بعض المعارضين اسمك - قبلا - كخيار لترؤس حكومة ما بعد الإنقاذ؟" فأجاب مبارك الفاضل بما يعني أنه لم يسمح بهذا (الطرح) من قبل ولكنه يحبذه في الوقت نفسه. وزعم أنه عرض صادف أهله، فهو السياسي السوداني الوحيد المؤهل ليرأس حكومة ما بعد الإنقاذ، كما قال: وهذه هي نصوص كلماته التي تحسب عليه لا له: " لم أسمع بهذا الترشيح من قبل، ولكن ربما جاء هذا التفكير على خلفية أنني أكاد أكون السياسي الوحيد من الذين لهم ثقل حزبي سياسي واجتماعي، ويملك جسور ثقة مع القوى التي تحمل السلاح، لأن مواقفي ظلت ثابتة ومعلنة من انحياز حزب الأمة لمطالب قوى الهامش، كما أنني لعبت دورا أساسيا في بلورة قرار مؤتمر أسمرا من الدولة المدنية وعلاقة الدين بالسياسة، وظل موقفي ثابتا في هذا الأمر، مما يريح قطاعاً كبيرا من الرأي العام الذي اكتوى باستغلال الدين في السياسة في عهد الإنقاذ، ويطمئنهم لانحياز حزب الأمة إلى خيار الدولة المدنية، هذا إلى جانب علاقتي بدولة الجنوب ودول الجوار والدول الغربية، وهذه العلاقات مهمة بالنسبة لملفات الحكم في الفترة الانتقالية .. ولكن التاريخ السياسي والتنافس غير الموضوعي بين جيل الستينيات من قادة الأحزاب يجعلهم يبتعدون عن اختيار شخصيات نافذة وقوية، ويجنحون إلى اختيار شخصيات ضعيفة تحت مسمى الحياد. حدث هذا في أكتوبر 1964م وأبريل 1985م ". وإنما قلنا إن مبارك الفاضل أوحى إلى الصحفي إياه ليسأله هذا السؤال، لأن مثل هذا (الطرح) المزعوم ليس موجودا ولا متداولا في الأوساط السياسية السودانية، ولم يسمع به أحد في وسائط الإعلام قبل يوم الناس هذا. ولكنه (طرح) موجود طبعا في شكل وسواس خناس وهلواس قهري مدواس مستقر بشكل دائم في ذهن الحالم الأبدي بالرئاسة المدعو مبارك عبد الله الفاضل. ومن خاطره المبلبل انتقل إلى لسان الصحفي الذي يسأل. وفي هذا النص الاعترافي يحمِّل مبارك الفاضل نفسه مسؤولية وضع قرارات مؤتمر أسمرا (وهي القرارات التي أصبحت لاغية الآن!) والتي نصت على مبدأ العلمانية اللا دينية وفصل الدين عن شؤون الحكم في السودان. وبهذا الاعتراف الذي أدان به نفسه فصل مبارك الفاضل نفسه عن التيارات السياسية الحزبية الثلاثة الكبرى في السودان. وفصل نفسه عن إرث جده محمد أحمد المهدي الذي يتزعم مبارك الفاضل السودانيين زورا باسمه ويتسيَّد على الأنصار افتراء برسمه. ومن الواضح أن المدعو مبارك الفاضل ما يزال يعيش تحت وطأة قناعته الذاتية بأن الرئيس البشير ليس معه أحد من بين السودانيين سوى أفراد الجيش. وهكذا رأى:" أن الحل لدى الرئيس البشير والعسكريين إذا توفرت لهم القناعة والإرادة ". وعندما سأله السائل عن كنه هذه القناعة، وكيفية هذه الإرادة، لم يجب إلا بما يعجبه من الرأي، و:" هو أن يتقدم الرئيس البشير باستقالته من رئاسة المؤتمر الوطني، فيحيد بذلك منصبه كرئيس للجمهورية، وبعدها يقوم بحل الحكومة والبرلمان والأجهزة الدستورية كافة، ويعلن الدعوة للمصالحة الوطنية ووقف الحرب، ثم يقوم بتكليف حكومة عسكرية لإدارة البلاد لستة أشهر ..." وإنما حذفت بقية كلامه لأنه من الغثاء الغث المسترسل الذي ظل ينبعث من عبارات السياسيين السياسيين الديماغوغيين منذ نصف قرن ونيِّف.
|
|
|
|
|
|