|
من طرائف أشعار العلماء محمد وقيع الله (1من2)
|
من طرائف أشعار العلماء محمد وقيع الله (1من2)
[إهداء إلى تلميذيَّ النجيبين والشاعرين المحسنين الحسن والحسين هدية الله .. من أبناء يوروبا بنيجريا]
ذكر الثعالبي في (يتيمة الدهر) أن الصاحب بن عباد نظم قصيدة من بحر المجتث، عرَت من حرف الألف. مع أنه أكثر الحروف ورودا وتكرارا في النثر والشعر على السواء. وقد كانت القصيدة في مدح أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء في مستهلها:
قد ظلَّ يجرحُ صدري من ليس يعدُوه فكري ظبيٌ بصفحةِ بدرٍ يزهو به سطرُ شَعْر كم مِلتُ فيه لوصْلٍ وكم يميلُ لهجْر يُغري همومي بقلبي فكم يَجورُ ويُغري حسبتُ نوميَ فيه من قُلِّهِ بعضَ صبر رَعَيتُ زُهرَ نجومٍ رحمن سَقمي وضُري من بعد تجريبِ كَهلٍ لَبستُ حُلَّة غِرِّ نفسي فدتْ نظمَ شِعرٍ مُحجلٍ نَظمَ دُرِّ لو مُلّكَتْهُ ظلُومٍ حَلَّته في عَقد نَحر!
ثم حلا الأمر للصاحب فتمادى فيه ونظم قصائد شتى. خلا كل منها من حرف من حروف الهجاء. وبقي عليه أن ينظم خريدة تخلو من حرف الواو فما استطاع. وهذا ما تصدى له صاحبه أبو الحسن الهمداني الذي نظم قصيدة في مدح الصاحب قال في أولها:
برقٌ ذَكَرْتُ به الحبائب لما بدا فالدمعُ ساكب أمدامعي منهلةٌ هاتيك أم غُزرُ السحائب نثرتْ لآلي أدمعٍ لم يفترِعْها كفُّ ثاقب يا ليلةً قد بتُّها بمضاجعٍ فيها عقارب لما سرَت ليلى تخبُّ لنآيها عنا الرَّكائب جعلتْ قِسِيَّ سهامها إنْ ناضلَته عَقد حاجب لم يُخطِ سهمٌ أرسلَتْه إنَّ سهمَ اللحظِ صائب تَسقيكَ ريقاً سُكرُه إنْ قِستَه للخمرِ غالب كم قد تشكَّى خَصرُها من ضعفِه ثقلَ الحقائب كم أخجلتْ بضفائرٍ أبدتْ لنا ظُلَمَ الغياهب!
ويبدو أن هذا الضرب من تأليف الكلم قد ابتدره قديما زعيم المعتزلة واصل بن عطاء (80 - 131هـ). وقد ألقى واصل خطبة في ميدان تنافس مستعر على الخطابة فعرَّى خطبته من حرف الراء الذي ما كان يحسن بسبب لثغة في لسانه أن ينطقه فارتجل خطبة طويلة جاء في مطلعها: الحمد الله القديم بلا غاية، (ملحوظة: لا يجوز وصف الله تعالى بالقديم لأنه لم يصف نفسه سبحانه تعالى بهذه الصفة وإنما قال الأول والآخر .. واستعمال ألفاظ القديم والأزلي والسرمدي في وصف الله تعالى من البدع المستهجنة التي لا تجوز في دين الله تعالى) الباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالِ سبق، بل أنشأه ابتداعا، وعدّله اصطناعا، فأحسن كلَّ شيء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدَلَّ على ألوهيَّته، فسبحانه لا معقّب لحكمه، ولا دافع لقضائه تواضع كلُّ شيء لعظمته، وذلَّ كلُّ شيء لسلطانه، ووسِعَ كلَّ شيء فضلهُ، لا يعزُب عنه مثقال حبّةٍ وهو السميع العليم. وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا مثيل له إلها تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلِّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يعصىَ فيحلم، ويُدعَى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وقد أثنى على صاحب هذه الخطبة الشاعر المعروف بشَّار بن بُرد الشاعر وكان معاصرا له فقال:
تكلّفوا القولَ والأقوامُ قد حفلوا وحبَّروا خُطباً ناهيك من خُطب فقام مرتجلاً تغلى بُداهتُه كمِرجلِ القيْنِ لما حُفَّ باللهب وجانبَ الرَّاء لم يشعرْ بها أحدٌ قبل التَّصفُّح والإغراقِ في الطلب!
وقد كان واصل بن عطاء مضطرا إلى اقتراف ما اقترف من التكلف في تجنب حرف الراء للثغة في لسانه لا تكمنه من الإتيان بهذا الحرف بنطق صحيح. أما الصاحب بن عبَّاد وصاحبه فكانا متكلفين لا غير. وفي ظن شيخنا العلامة الدكاترة زكي مبارك فربما ألهم فعل فعل الصاحب بن عبَّاد هذا وصاحبه الشاعر الكبير أبا العلاء المعري فكرة التزام ما لا يلزم. وهو نوع من التكلف الثقيل الظل أثقل به المعري ديوانه (اللزوميات) المعروف بديوان (لزوم ما لا يلزم). الذي جعل فيه صدر البيت وعجزه مقفيين بحرف الرَّوي عينه. وعلى هذا النحو من التقليد الشعري المتكلف وإن جاء طريفا هذه المرة جاء شاعرنا الفقيه السوداني محمد المجذوب المولود في عام 1860م بسواكن. وهو ابن الشيخ الطاهر المجذوب الذي ولد بالمتمة في عام 1832م وهاجر منها إلى سواكن لنشر العلم بين أهلها. وتتلمذ عليه رهط من أفاضل أهلها كان أبرز الشيخ الثائر عثمان دقنة. وقد تتلمذ شاعرنا على أبيه وحفظ صحيح البخاري وأصبح عالما مفتيا ذا تآليف حسان. وعندما ثارت فتنة كتاب (الإسلام وأصول الحكم) الذي ألفه الشيخ على عبد الرازق ودعا فيه إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة، رد عليه الشيخ محمد المجذوب بكتاب دعاه (تضييق المآزق في الرد على علي عبد الرازق) أعلنه فيه بأن ما ذكره في كتابه لا علاقة له بدين الإسلام الذي له أقوى العلائق بأصول الحكم. ومن مؤلفاته الأخرى: (نسب المجاذيب) و(الوسيلة إلى المطلوب في بعض ما اشتهر من مناقب وكرامات الشيخ المجذوب)، و(الورد المطلوب في شرح رواتب الشيخ محمد المجذوب)، و(فتح الرحمن الودود في حل ألفاظ سر المدد والشهود). وله ديوان شعر بعنوان (فريد العاشقين في بدئه ومآله) جعله كله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم. وقد توفي في سنة 1930م. (ونقف غدا إن شاء الله على ما كان من أمر تشطيره الطريف لقصيدة الشاعر النيجيري الإمام ألفا هاشم تلك القصيدة التي عَرَت كلها من أي حرف منقوط).
|
|
|
|
|
|