|
ما وراء المقال / عبد الكريم ميتسو الذي أعرفه / أحمد المصطفى عبدالعزيز
|
ما وراء المقال / عبد الكريم ميتسو الذي أعرفه / أحمد المصطفى عبدالعزيز [email protected] · رحم الله عبده عبدالكريم ميتسو الفرنسي الجنسية ، المسلم المسالم الذي نشهد له بحسن الخلق وطيب المعاملة والمعشر ذلك الرجل الذي كّرس حياته لأجل والديه ولعدد غير قليل من أبناء السنغال الفقراء والمحتاجين الذين كان يشعر بقسوة الحياة وقهرها لهم. · علاقتي بالمقيم الراحل بدأت منذ العام 2002 أي بعد عودته من المشاركة المونديالية الرائعة مع منتخب السنغال في كوريا الجنوبية واليابان ووقتها رفض ميتسو كل العروض التي إنهالت عليه من عدد كبير من الأندية الأوربية المعروفة التي أبهرها ظهور منتخب أسود التيرانغا الباهر ووصوله بهم إلى ربع نهائي المونديال قبل أن يخسروا نتيجة مباراتهم أمام الأتراك بالهدف الذهبي ( الهارت أتاك Heart attack ) لأجل عين العين الإماراتي الذي فضَل أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بوابته إلى بلاد العرب والبيئة الإسلامية التي كان يفتقدها كثيرا فى مسقط رأسه والتي لم تتوافر له ببلاد السنغال التي شهدت إسلامه وزواجه من أبنوسية مسلمة قبل أن يعود وينفصل عنها لاحقا. · نعم وبحمد الله كنت أول صحفي يلتقي القادم الجديد آنذاك الذي ضربت شهرته الآفاق بعد أن إستقيت من مصادري الخاصة جدا خبر وصول المدرب الخبطة للإمارات عبر مطار دبي وللأمانة سّهل الأخ والصديق سعادة حمد بن نخيرات العامري قلب العين النابض والإداري المحّنك مهمتي وقدّم لي وللأخ الزميل المصور البارع هيثم الخاتم وقتها كل ما نحتاجه داخل المنطقة المسموح بها للمسافرين القادمين ( فقط ) لكي يتسنى لنا القيام بمهامنا ومحاورة ميتسو في حضور مترجم من المغرب الشقيق كان يرافقه ولنحقق سبق صحفي بالصورة والحوار لحساب صحيفة أخبار العرب التي كانت حاضرة وبقوة في تلك الفترة من العقد الأول للألفية الثالثة. · كان ذلك الحوار هو الأول لي مع الفقيد الراحل الذي خرجت منه بإنطباعات عن شخصية عبدالكريم المدرب السوبر ، الإنسان ، الرجل صاحب الإيمان المتدفق والمشاعر الدافئة والأدب الفرنسي المعّطر بأرقى عطور بيوتات الأناقة الباريسية. · إن أكثر ما شدّني لمتابعة حديثي مع المغفور له بإذن الله لفترة ليست بالقصيرة ردوده على أسئلتي التي كانت تفوح صدقا وقبل ذلك كله تعريفه بنفسه على أنه عبدالكريم ميتسو المسلم وليس برونو ميتسو ثم حبه للسنغال االذي إعتبره وطنه الحقيقي لكون أن الراحل أبصر فيه نور الإسلام بعد ظلام دامس وطويل عاشه في مسقط رأسه الشهيرة عاصمتها بمدينة النور والجمال. · كان يقول لي دائما في كل لقاء ودي يجمعنا بعيدا عن العمل بأن الوطن ليس ذلك المكان الذي تخرج فيه من رحم أمك للحياة وإنما هو المكان الذي تخرج فيه من ظلمة الحياة إلى النور ، نعم لقد كنت أول من يعرف بقرار الفقيد الراحل بإختياره لأن تكون أرض السنغال ومقابر المسلمين دار له بعد وفاته لأنه اخبرني بذلك بيد أنني تجاهلت الإشارة إلى حديثه ذلك في مضابط الحوار. · لقد كان حبه للإمارت وقطر وبلاد العرب كبير وكبير جدا لأنه وكما قال يشعر بنور ونفحات الإسلام وهو ما يجعله يحس دائما بالأمن والأمان ، وكان يقول لي أنتم محظوظون جدا لأنكم تعيشون في بلاد تسمعون فيها الآذان خمس مرات وتنعمون في شهر رمضان بأجواء وروحانيات لم أعرفها إلا بعد إسلامي وقدومي للمنطقة العربية. · ما أعرفه عن الفقيد الراحل أنه كان صادق وامين وعبدالكريم يده تصل للمحتاجين في السنغال ولأبناء القارة السمراء التي قال أن عشقه لها لا ساحل له وان اهلها جديرون بالإحترام والتقدير والمعاملة الكريمة. · وما لا يعرفه البعض عن عبدالكريم الذي رحل عنا جسدا وروح وبقي في دواخلنا بأعماله وكلامه الطيب ومواقفه الشجاعة والإنسانية أنه وبالرغم من صراعه الشجاع مع المرض الخبيث حرص على الحضور في آخر أيامه للقاء أسرة نادي الوصل الإماراتي رئاسة ومجلس إدارة وجهاز فني ولاعبين وعاملين وجمهور ليشكرهم على وقوفهم إلى جانبه في الإبتلاء الذي اختاره الله له. · رفض الوصلاوية كل محاولات طيب الذكر لإرجاع المبلغ الذي كان النادي دفعه له كمقدم عقد نظيرالتعاقد معه قبل ظهور المرض اللعين بل زادو بأن تكفل النادي الإماراتي الكبير بنفقات العلاج بناء على توجيهات سمو الشيخ أحمد بن راشد آل مكتوم رئيس النادي وسمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس. · إن دعم جماهير الإمارت الرياضية عامة والعيناوية والوصلاوية على وجه الخصوص للرجل في محنتة عبر رسائلهم الإنسانية الرائعة من المدرجات قبل وفاته كان لها وقع الشفاء في نفس ميتسو الذي قال لي الحمد لله الذي منحني كل هذا الحب من ناس لا أعرفهم شخصيا ولكنني أحبهم كما يحبوني في الله وشعرت بأن دموع الرجل تصارعه كما كنت أنا فحّولت الحديث سريعا لموضوع عن سر جاذبية كرة القدم لكل هؤلاء البشر في مدرجات الملاعب العالمية. · أجابني بأن السر في الجاذبية يكمن في أن ملاعب كرة القدم برغم التعصّب والتنافس الشديد بين الأندية وجماهيرها وإعلامها وكل من ينتمي لها من هنا وهناك هي الروح الطيبة التي جمعتهم جميعا داخل الملاعب لمساندة اللعبة ومن يصنعوا المتعة الرياضية الكروية لهم. · وكان آخر كلامه لي قبل أن يغادر دنيانا ردا على سؤالي له من باب الحديث الودي ماذا لو لم تكن مدرب كرة القدم عبدالكريم ميتسو ماذا كنت تود أن تكون؟ ... أجاب كنت أود أن أكون منتمي للأسرة الرياضية الكروية حتى ولوفي وظيفة عامل لأخدم في دورها لأنها البيئة الصالحة والنقية برغم سخونة أجوائها الطبيعية والغير ضارة. · وتابع مسترسلا في حديثه هي ( ويقصد ملاعب كرة القدم ) التي يخرج منها الخاسر والفائز متعانقان ويصدر من مدرجاتها حماس وأصوات تقديرا وشكرا لكل الأطراف التي شاركت في صناعة المتعة. · ثم عاد ليقول لي حضرت لوطني الإمارت لتقديم الشكر لكل أخواني في الله وأصدقائي الذين أحاطوني بحبهم ودعمهم وهو أقل شيء يمكن أن أقوم به ... أنا أؤمن بأن شكر الناس فيه شكر لله ولهذا السبب أنا معكم هنا الآن وربما لا آكون في هذا المكان ولا غيره غدا. · كان يشعر بأن أيامه في الدنيا بقي منها القليل وان موعد الرحيل عنها قد دنا لكنه كان شجاعا ومتماسكا ومبتسما. · رحم الله عبدالكريم ميتسو رحمة واسعة وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهل خير من أهله ، وزوج خير من زوجه ، اللهم أغسله بالماء والثلج والبرد من الذنوب والخطايا ، ونقه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنّس ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، اللهم وانزل على قبره رحمة من عندك ... وإنا لله وإنا إليه راجعون. شرح صورة · رحل عبدالكريم ميتسو وستبقى ذكراه. · كل شيء يذهب بعد الرحيل إلا العمل الصالح والكلمة الطيبة. · وهذا ما تركه لنا الراحل المقيم. · كرة القدم ليست مجرد لعبة وخاسر وفائز. إنها أكثر من ذلك بكثير.
|
|
|
|
|
|