|
مفاجأة الترابي والبشير... تحليل سياسي/شوقي إبراهيم عثمان
|
مفاجأة الترابي والبشير... تحليل سياسي
(في أكثر من مقالة وتحليل سياسي قلت أن على الشعب السوداني أن يشكر كلا من الشعبين السوري والشعب المصري اللذان أنقذا السودانيين من آخر مآسي فصل من فصول الشيخ حسن الترابي التي لا تنتهي في أساليب الخداع السياسي والمكر والدهاء - وهذه حقيقة. هذه الحقيقة تأتي ضمن حقيقة كبرى أن الشعب المصري والسوري أنقذا الشعوب العربية. هذا الاستحقاق التاريخي للشعبين لا يفوت على المحلل السياسي المحترف. ولولا صمود الشعب السوري ودولته ورئيسه بشار الأسد، ولولا الشعب المصري وعبد الفتاح السياسي، لما أحتاج "الشيخ" حسن الترابي كتابة خطابه الأخير للبشير، ولما جلس تلك الجلسة الملوكية الأخيرة في قاعة الصداقة!!).
مفاجأة!! وأي مفاجأة. لم يفهم كتاب المقالات والمنظمات السودانية المعارضة أن المفاجأة هي دخول حسن الترابي المسرحي للقاعة من الباب الخلفي، تماما مثلما تتحفنا أفلام حسن الإمام. لقد حبس الجمهور "الداخلي" أنفاسه مدة طويلة واعتقد أن الشيخ حسن لن يأتي، وتماما كما في الأفلام، دخل "البطل" وهم ما بين يائس ومؤمل. وصفق جمهور "الترسو" كثيرا لدخوله. كتب صحفيو اليوم التالي:
(مر زمن ولم يحضر الضيفان الكبيران الترابي والصادق المهدي، وراجت توقعات داخل القاعة ساخرة بأن الاثنين لن يأتيا، بعدها حضر الترابي من باب مختلف عن باقي الحضور وسبق المهدي في الدخول، الترابي لاقى استقبالا حافلا داخل القاعة قابله الشيخ بابتسامته المعهودة، حيث ألتف حوله كل الإعلاميين والسياسيين، فالحدث كبير، والرجل انشق عن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني منذ عام 99، يأتي ليستمع إليهم الآن لعلها بداية للعهد الجديد، يعود فيه الشريكان مرة أخرى لجسم واحد..).
ليهنأ إذن المحبوب عبد السلام، ويقر عينا.. ويعد العدة لكي يجد له موطئ قدم بعد "الوثبة" الجديدة، أي المؤتمر الوطني2. لقد انتهى دور ما يسمى بالمؤتمر الشعبي (التنظيم الخاص). لقد أذن أخيرا شيخه حسن الترابي بدمج الحركة الإسلامية، وإنهاء مسرحية المفاصلة التي طبخها في نهاية التسعينات.
في تقديري، لم تكن هنالك مفاجأة سوى ظهور حسن الترابي مجددا سافرا بعد أن كان يختبئ خلف الستار على خشبة المسرح السياسي منذ 1999م. وفي الحق، هذه هي هي "المفاجأة" التي أعدها أصحاب مطبخ المؤتمر الوطني، لا غير، لذا سربوا وسربوا للإعلام بمفاجأة قادمة في الطريق. ولكن هذه "المفاجأة"، أو النكتة على الأصح، أتت بما لا تشتهي سفنهم، حيث أرتفع سقف التوقعات من قبل الشعب السوداني. إذ يمكن لأي فريق إستبيان من الهواة أن يكتشف أن رغبة الشعب السوداني ليست أقل من ذهاب البشير وجماعته، وأن تسلم ما تسمى بحركة الإنقاذ السلطة للشعب السوداني، كاملة غير ناقصة!!
وحين أكتشف طباخو المؤتمر الوطني أن "الشعب فهم غلط"، وأنهم طبظوا أعينهم بأصابعهم، أخذ "طباخو" حزب الوطني يروجون على أن الخطاب "مقدمة". ونسوا أن مقدمة كتاب الإنقاذ هي في عام 1989م. لو قالوا كما قال الدكتور نافع "نُصَفِّر العداد"، لكانوا أصدق لهجةً و "أظهر" صدقا.
من كتب خطاب البشير؟ الخطاب الذي أعياه وتعثر ما بين سطوره وأرتكب كثيرا من الأخطاء؟ كتبه الشيخ الترابي بنفسه. ليس الدليل قوة الخطاب وفصاحته فحسب، بل لأن أسلوب الترابي اللفظيبين، وأكثر ما فيه يفشي إنه قد كُتِبَ ببنان الشيخ حسن الإكثار من اسم "الحال" المنصوب.ولقد قمنا بجردة لخطاب البشير لاذي كتبه الشيخ حسن الترابي، كالآتي:
ألفاظ هي في موقع المفعول به منصوب من الإعراب: وقد بذلا للجنوب عقداً منصفاً وكريماً وناظراً؛ أحدا؛ عراكاً، أو معارك؛ يتضمن سبيلاً؛ كابحا؛ عملا وتوافقا؛ أنموذجاً باهرا؛ أحدا قوماً أو قبيلة أو لونا أو لسانا أو كيانا وقوةً.
ألفاظ هي في موقع اسم إن وأخواتها أو خبر كان وأخواتها منصوبا: خروجا سابقا؛ أن تكون أحابيل؛ غارماً رافداً مشروعا؛ حنيناً؛ فرديا؛ قراراً موحداً، سلاما؛ تطلعاً؛ كاملاً؛ خياراً تكتيكياً؛ ترحيباً؛ تأهيلاً؛ إقبالاً؛ ممكنا؛ كان قائماً؛ ممكناً؛ فعلاً لازماً.
ألفاظ هي في موقع الحال منصوبا، والحال اسم فضلة، نكرة، منصوب، يبين هيئة اسم معرفة قبله يسمى صاحب الحال ويستفهم عنه بكيف. والشيخ حسن الترابي في أسلوب كتاباته "مغرما" باستعمال الحال وهو ما يميزه عن غيره من الكتاب. وجدنا في خطاب عمر البشير اسم الحال بكثرة كثيرة: تنافساً؛ إلا عملاً؛ واقعاً؛ رشاداً وتمكناً من أمره؛ سيداً؛ منظمين أو غير منظمين؛ ترويضاً؛ إعلاءاً؛ أولاً؛ أصلاً؛ لاهياً؛ بعضاً؛ أظهر؛ جماعيا؛ أفذاذا؛ أظهر؛ منظوراً؛ أولاً؛ معاً؛ كاملاً؛ تماماً؛ عقدياً فكريا، إيمانياً وطنياً؛ واقعياً إرادياً؛ وترتيباً عملياً؛ انتظارا وترقباً؛ تقليلاً من شأنها، ودافعاً؛ كافلاً؛ نابذاً؛ راعياً؛ حقاً؛ ترابطاً وتراتباً؛ فكراً ومبدأ؛ أساسا؛ أبداً؛ أساسا؛ واسعا؛ عقداً وفكراً وبناءاً ونيةً؛ (فهلوة)؛ اقتراباً؛ علوّا؛ امتزاجاً؛ تميزاً؛ إندغاما؛ حباً صحيحاً؛ إنبتاتا؛ اوقاتاً آتيةً؛ سياسيا؛ جوهرا؛ استراتيجيا؛ جزءا أصيلا؛ متراتبة؛ سياسات أو إجراءات؛ كمطلوبات؛ منهجاً؛ انعقاداً؛ بين كل السودانيين قوىً سياسية وأحزابا؛ مجتمعا مدنيا؛ وفئات ومنظمات حضراً وريفا؛ جهات وخصوصيات إقليمية مثقفين وغيرهم، شباباً وكباراً رجالاً ونساءاً كلياً أو جزئيا؛ محاوراً؛ وليكن تنافسنا بالحوار تحفيزاً لا تعجيزاً، حجاجاً لا مراءاً؛ وأريحيةًً. ستجد كل هذه المنصوبات في خطاب عمر البشير!! وكما قلنا سابقا أن الشيخ حسن الترابي يحب النصب اللغوي. أما النصب السياسي فهو فيه أكثر باعا وبراعةً. ولا نقول قولنا هذا إلا لأنه يستحقه، إذ لم يركب الشيخ حسن الصعب إلا مضطرا بعد إحباط، سببه صمود الشعب السوري دولةًً ورئيساً في وجه أكبر حملة بربرية دموية متخلفة في التاريخ القديم والمعاصر. ومما زاد في اكتئابه ثورة الشعب المصري التي أطاحت بمحمد مرسي ومكتب الإرشاد العميل، واهتزاز الأرض تحت أقدام "أخيه" الغنوشي مطولا، لم يجد الترابي سوى الانكفاء نحو الداخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيلةً وقسرا، فخرج علينا بهذا الخطاب الإنشائي الراقي أسلوبا، معجزا لرجال بينهم وبين الضاد عداوة أصلا، يتزلف النصح تزلفا، متسربلا بالغموض البناء عمدا، مغلقا على فهم الشعب السوداني غلقا، مهددا مستبطنا إما "أنا" وإما "أنتم" مهددا محذرا، كل ذلك في قالب بين فصيح يفهمه اللبيب ويجهله المعيب، مفهوما لدى بعضهم رجالا ونساءً دانت لهم اللغة قطافا، وهم قلة قليلة صادقة أمينة تعدهم عدا أمثال الدكتور غازي صلاح الدين، وحسن مكي، والطيب زين العابدين، وحسن عثمان رزق، وصلاح كرار، وهويدا العتباني، وعلي العتباني، وأسامة توفيق، وفضل الله أحمد فضل الله الخ، ثلة من السابقين وكثير من الآخرين يشقون معالم الطريق شقا.
الشيخ حسن الترابي أفضل من يمارس اللغة العصبية بجدارة، أين تعلمها؟ هذا سؤال جاد. فهو لا يمر العام إلا ويزور دولة قطر مرة أو مرتين، ومنها يطلق أحكامه الذكية التي تخترق القلوب والعقول. قال الترابي لصحيفة الشرق القطرية 14 يونيو 2013م وقد شارك في ندوة عن "السياسة والأخلاق" وقدم فيها ورقة بعنوان "هوادي الأخلاق من وراء الأحكام السلطانية" اشتقاقا من الماوردي وبن أبي يعلي الفراء، إنه في حال أصر النظام الحاكم، وتشدد وطغى على الأقاليم، فإنه لا يستبعد أن تنفصل دارفور، أو أن يطالب أهلها بأن تعود مستقلة كما كانت من قبل، وفي ذات المنوال الشرق والنيل الأزرق، مطالباً بوحدة بين "السودان ومصر وليبيا"، إلا أنه عاد ليؤكد أن حل أزمات السودان ممكن بذهاب الطغيان وبسط الحريات والشورى، والحكم النيابي. واعتبر أن أي حديث عن انقلاب، فإنه سيكون انقلابا من داخل النظام وليس للتغيير، كما أن الأحزاب قد جربت هذا، مثل الأمة، والشيوعي، وكل الأحزاب باتت تعرف أن الحكم العسكري خطر عليها. وقال على النظام أن يدرك أن السودان ذل بعد أن كان محترما من جواره، باستثناء مصر، وأن البلاد باتت في أزمة وضائقة اقتصادية وفساد شديد).
ويمكنك ملاحظة التركيبة اللغوية العصبية التي يستعملها الدكتور حسن الترابي، حين يبدأها بدغدغة عقول كل المعارضات ومنها المسلحة بالتباكي على دارفور وبقية الأقاليم، ويندب ضياع الحريات، ثم يرمي اللائمة على نظام الخرطوم ووصفه بالطغيان، وبعدها "يحقنك" بنقطتين: 1) وحدة السودان مع ليبيا ومصر، وهي حاجة إستراتيجية يخطط لها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منذ زمن بعيد، والثانية 2) يحذر من انقلاب عسكري على البشير!! قطعا مفضلا أن يعمل انقلابه المسرحي بنفسه، بيدي وليس بيد عمرو!!
ماذا يعني وحتى 14 يونيو 2013م يرفع الترابي شعار وحدة السودان ومصر وليبيا؟ ثم كان مفترضا أن يزور عمر البشير مصر في 3 يوليو من عام 2013م؟ كيف نفهم هذين الحدثين؟ الترابي لم يكن ليتخيل قط سقوط مرسي وتنظيم الأخوان المسلمين في مصر. هذا غير أن الترابي كان ممنوعا من دخول مصر لأن الأمن المصري وجد دراسة عن التمكين في إحدى شركات خيرت الشاطر عام 1992م، ومنع الترابي من هذا التاريخ. إذن العداء ما بين مكتب الإرشاد بالمقطم منذ تفجر الثورة المصرية في 25 يناير 2011م مع نظام الخرطوم كان عداءا ظاهريا تكتيكيا، وما يفضحه تلك الهدية "الثمينة" التي أرسلها عمر البشير "للأخوة" المصريين خمس ألف رأس من البقر، ومثلها من الإبل والضأن.
المشكلة إنك لا يمكن أن تثق في الشيخ الترابي!!
ويفرض السؤال الإستراتيجي التكتيكي نفسه: هل يئس الشيخ الترابي من الإسلام السياسي والمحاور الإقليمية؟ لماذا تحول نحو الداخل، ولماذا قرر أن يزيل المفاصلة المسرحية في 27 يناير 2014م؟
الجواب كلا، لم ييئس ولكنه محبطا قطعا. وإذا فهمت أن مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي خططا لحكم مصر إلى الأبد، ستفهم أن أي تنظيم إخواني لن يفرط في السلطة السياسية التي أستلمها في دولة عربية ما، ولن يتنازل عنها قط. وهذا ينطبق على دولة السودان.
لذلك على الشعب السوداني والمعارضة السودانية أن تبني استراتيجيتها وتكتيكاتها السياسية على هذه المقولة التي في داخل الصندوق. غير ذلك، ستجد نفسها تدور في حلقة دائرية. فهذا الخطاب الذي كتبه الشيخ حسن الترابي وتعثر في قراءته عمر البشير، ويعجز كتابته الرجال من حول الرئيس، هو خطاب لفظي ديماجوجي، غامض بحكم لغته الإنشائية المغرقة في المتجردات وحكم القيمة value judgments، لم يفهمه المتعلمون ناهيك أن يفهمه الشعب السوداني. وهذه عادة الشيخ الترابي، لا يحب الفرقعة فحسب، بل أيضا يمارس ذاتيته النرجسية على الشعب السوداني ك "مفكر". وبما أنه يبيت النية ألا ترجع السلطة إلى الشعب السوداني، وهدد في ثنايا خطابه أن حزبه هو الحزب الأوحد، وهو الحزب القائد، وما على الجميع سوى السير خلفه وخلف حزبه المؤتمر الوطني، تظل الأزمة السودانية قائمة.
وطبقا للسيناريو الذي رسمه الشيخ حسن الترابي، كان عليه أن يزيح بعض الوجوه القديمة، وأولها علي عثمان محمد طه. ولم يك خروج الدكتور نافع علي نافع إلا تكتيكيا لحفظ ماء وجه علي عثمان. وبالرغم من سطوة الدكتور نافع على أجهزة الأمن، ولكن الذي لا شك فيه هو إنه ورجاله ليسوا لصوصا، بينما سقط على عثمان وأشتهر بأنه يحمي اللصوص ويحافظ على وضعه القانوني أي يقف على حافة القانون. لذلك، ولكي يعطي الانطباع أن تغييرا قد تم، وضع الترابي طاقما آخر مستأنسا لا تزيد سطوته على سكرتيره أو سكرتيرته وحتى إشعار آخر. ولكن بقيت بعض الوجوه، مثل وجه مصطفى عثمان إسماعيل، وهذا لأنه كان يعلم منذ 1998م بأن المفاصلة مسرحية!! ورغم إنه في دائرة على عثمان الذي أباح له بالسر، لكنه نجح أن يرقص على كل الحبال وأن يحافظ على طاعة عمر البشير، وكما ترى، مصطفى عثمان إسماعيل كان مثل "أم العروسة" في حفل الخطاب التدشيني لإسدال الستار على مسرحية المفاصلة. بينما "الغندور" صديق مصطفى عثمان إسماعيل ورفيق دربه في طب الأسنان، تُرِكَت له مهمة مهاجمة معارضة "الكيبورد". وحقا نسخر من هذا "الغندور" الذي أصبح نائبا لرئيس الجمهورية، وربما يسأل بعضكم كيف نساعد طبيب الأسنان للقضاء على معارضي الكيبورد!؟ صراحة لا أجد سوى أن يهدي "الغندور" كل "مناضل كيبوردي" حقيبة للتجميل و"الميك آب"، ومراهم تنظيف الجلد وتنعيمه وتلميعه، مثل النيفا واللوتيون، وبهذه الطريقة ربما يجعل الله كيد المناضلين في "أنفسهم" بدلا من السياسة!! ألم يأتي كمال عبد اللطيف بالدكتور إبراهيم الفقي ليحل أزمة عدم كفاءة القوة البشرية في السودان، واستفاد منه الدكتور الترابي وطاقم المؤتمر الوطني أيما استفادة؟
ومن هذه الاستفادة، ليس فقط علم اللغة العصبية neurologial linguistics الذي سيسجل التاريخ أن الدكتور إبراهيم "الفقي" أدخل علومه في السودان على يد كمال عبد اللطيف، بل أيضا استفاد الدكتور الترابي من بركات "الفقي" أن "يصنع" خطابا هو مصيدة للمعارضة!! ليس فقط أن تصنع تركيبة لفظية بأسلوب اللغة العصبية كأن تضع فيها الشيء ونقيضه فحسب، بل أيضا طبقا لإبراهيم "الفقي" عليك أن تستخدم أو تسرق لغة ومصطلحات خصومك، أي المعارضة.
نعم، خطاب الدكتور الترابي الذي قرأه رئيس الجمهورية هو مصيدة للمعارضة الداخلية، وأول المستهدفين داخليا هو حزب "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي ورزق وصلاح كرار وفضل الله وأسامة توفيق وكثيرون. هذه المصيدة غزلها الترابي مبكرا، في الفترات التي كان يتقاوح فيها مع الصادق المهدي، وكان عمر البشير هو "خيط معاوية" بينهما. فالصادق المهدي هو الكرت "الاحتياطي" الذي يمكن للترابي أن يستخدمه في أي وقت، وأن يزيحه في أي وقت!! ففي فترة صعود الإسلاميين إقليميا، وضع الترابي كرته الاحتياطي (لا نقصد علي كرتي) على الرف أي وضعه في محيط الدائرة C، وتعني أن يشد عمر البشير الشعرة!! ويجن جنون أبو عيسى ورفاقه!! ولكن بعد سقوط مرسي والإسلام السياسي إقليميا، أرخى عمر البشير الشعرة وأصبح الصادق المهدي في الدائرة A إذانا بتفعيل السيناريو القادم الكبير.
الصادق المهدي وحزبه القومي (!) هو أحد مفاتيح التغيير القادم، بينما محمد عثمان الميرغني سلم بيارقه مبكرا لعمر البشير، ولا يبقى إلا الخطر الجديد هو غازي ورفاقه، أي حزب حركة الإصلاح الآن، وكما يقول مصطفى ويكليكس، لم يك غازي صاحب حزب مسجل بعد، ومع ذلك تغلبوا على مشكلة دعوته لسماع خطاب الشيخ الترابي في عرسه، بصفته الشخصية المفكرة المؤثرة، أما رزق وفضل الله فقد أعطيا ديباجة الحزب الوطني عند دخولهما الصالة، وليست ديباجة "ضيف" مثلا، نكاية بحزبهم الجديد. ولكن تأتي المفاجأة حين أجلسوا الدكتور غازي "سندوتشاً" ما بين الترابي والصادق المهدي. على فكرة: المقاعد الأمامية المهمة هي للشخصيات المهمة وهي مرقمة، ويعطى لكل ضيف مهم رقم الكرسي الخاص به عند بوابة الدخول للصالة، فهي إذن عملية ليست صدفة أن يوضع الدكتور غازي "سندوتشاً". ويبدو أن هذه الحركة الثعلبية هي من بنات أفكار "الترابي والصادق"، وقصدوا بذلك أن يشعروا الدكتور بعز "المقدمة" "دون العالمين" أو أبهتها، لعله يلين للتحالف القادم الجديد.
هذا التحالف السياسي القادم سيتكون من أربعة أحزاب: الأمة القومي، المؤتمر الوطني، والوطني الاتحادي الأصل، ورابعهم المأمول ضمه حركة الإصلاح الآن. بينما المنبوذون هم الشيوعي والسلفي والحركات المسلحة الخ ليسوا في اعتبار هذا التحالف الذي سيشكله الترابي، ربما البعثي (الصدامي الانتهازي) أما الحزب الشيوعي فلا. المنبوذون وبقية أحزاب الفكة، وهي فكة كما يشير الاسم، يمكن صرفهم في تحالف تكتيكي مصلحي مع أي حزب كبير مستقبلا. فهل تستجيب قيادة حركة الإصلاح الآن للعبة الدكتور حسن الترابي والصادق المهدي؟ هذا ما سنراه في مقبل الأيام والشهور التالية.
عموما، لا يخلو إجلاسهم للدكتور غازي في موضع ال "سندوتش" ما بين الصادق المهدي والترابي في حفل تدشين "عودة الروح" الترابي لخشبة المسرح أيضا من ابتزاز سياسي.
ففي الوقت الذي يتعثر رئيس الجمهورية ويتلعثم في إلقاء خطاب "الوثبة" الذي كتبه الشيخ حسن الترابي، ونفدت أنفاسه جهدا صعودا وهبوطا مع وثبات "الحال المنصوب" و"المجرور المنون" في توصيف وثبة (الحريات) التي أجزم بها الترابي بن ولاية الجزيرة جزما إن في (نفض الغبار عن المعدن السوداني الأصيل، لهو أحد أهم ركائز هذه الوثبة)، وفشخرته كأن (يدار الخلاف السياسي، بحيث يمكن إدالة السلطة من الذي يتولاها، بثمن يدفعه هو، ولا يكون السودان غارماً، بل يجني ثمرة هذه الإدالة رشاداً وتمكناً من أمره، سيداً على قراره) والكثير من الديماجوجية اللفظية، نقول في هذا الوقت الذي يلقى فيها رئيس الجمهورية هذه الأهازيج اللفظية بقاعة الصداقة يخبرنا الدكتور أسامة توفيق أحد قيادات حركة الإصلاح الآن في صحيفة المجهر، عن ازدواجية الدولة القائمة:
الصحفية نجدة بشارة: ما هذه الأجندة التي تقصدها؟ د. اسامة: نحن نتحدث عن سياسات وليس تغيير شخصيات، فمثلا نحن أقمنا ندوة في مدرسة الحاج يوسف.. الحصل فيها اعتقلوا كوادر الحزب..ندوة بعدد محدد، إذن برامج الدولة البوليسية نفسها والسياسات هي السياسات.. على الرغم من أن المادة (26 ب) من قانون الأحزاب لعام 2007م تتيح لنا حتى حق المواكب السلمية وإقامة الندوات، وهذا القانون يعطيني الحق، ولدينا ورقة من مسجل الأحزاب دون بها (يحق للحزب تحت التأسيس إقامة اللقاءات والتنويرات التحضيرية)..وأتساءل كيف أقيم مؤتمرا إذا لم يحدث لقاء جماهيري.
الصحفية نجدة بشارة: إذن لماذا تم اعتقال كوادركم إذا كنتم تملكون مسودة قانونية؟ د. أسامة: قالو كيف ما تاخذو الإذن.. وقالوا لنا لا تقام اللقاءات إلا داخل مقر الحزب، يعني أنا لو عايز أقيم ألف مؤتمر بكل الولايات لازم يكون عندي ألف مقر.. هذا كلام تعجيزي. يعني الحوار لازم يتم أولا حول السياسات للوصول إلى حد أدنى من الثوابت الوطنية...الناس يتفقوا عليها ويطلقوا الحريات .. بالإضافة إلى رفع الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية، والقضاء على أزمات الغاز، والجازولين والخبز، وقد قرأت أن الدولة أصبحت تسحب من المخزون الإستراتيجي، يعني نأكل من (سنامنا) لأنو لما أنا أصرف من المخزون الاستراتيجي يعني أن البلاد داخلة على كارثة حقيقية. يبقى قضيتنا أننا سنتحاور ونمد أيدينا بيضاء لكافة القوى السياسية، من أقصى اليمين لأقصى اليسار للحوار حول قضايا الوطن والمواطن.
تابعوا الحوار هنا: http://www.sudaress.com/almeghar/17475
وهكذا ما زال الشيخ حسن الترابي يلعب لعبته المزدوجة double standards، أي بتطبيق الشيء وضده ضد مخالفيه السياسيين، وقد ساعده على ذلك مسرحية المفاصلة في الأعوام 1997-1999م حين وضعت دول الخليج والدول الأوروبية وأمريكا دولة حسن الترابي الإسلامية في كماشة، بعد أن حرضت مادلين ألبرايت الجيران أثيوبيا واريتريا ويوغندة بقيادة المعارضة السودانية المرتكزة في الخارج في أديس وأسمرة والقاهرة الخ، وكان أن هبط الوحي في ذهن بعض إستراتيجيي المؤتمر الوطني بدءا من عام 1998م فكرة أن يقسموا الحركة الإسلامية إلى نصفين، طبقا لفن استخدام القوة، وتمت الموافقة على الخطة من قبل الشيخ حسن الترابي، وتمت العملية في صمت وفي دائرة ضيقة جدا، لا يتجاوزون أصابع اليد. وقد تم تطبيقها في نهاية عام 1999م.
أحد قوانين استخدام القوة، أن تعطي خصمك الخيار لكي يختار ما بين خيارين أي "كرتين" تملكهما أنت، وهكذا تخدعه حين يميل خصمك إلى أن يختار كرتا أقلهما شرا، وبهذه الخدعة البسيطة كأنك وضعته على قرني ثور، على أيهما جلس نطحته. وهكذا اختارت دول الخليج، والدول الغربية عموما "كرت القصر" ومقدرا ليس "كرت المنشية". ونفذ عمر البشير كل مطالب دول الخليج بعزل الترابي، ونزع داره التي كانت تسمى "منظمة الفكر الشعبي العربي الإسلامي"، وتم حل البرلمان الخ، وسارت الأمور كما أشتهى الربان!! وهكذا نجا النظام من كارثة ماحقة.. بخدعة أقل الشرين. ولكن الربان وقع في شر أعماله وفي تقديرنا هو الأمر على نفسه. فحين أنقسم الإسلاميون طوليا ما بين القصر أي الوظيفة والجاه والسلطة، وما بين "المنشية" أي القليل الذي ظل وفيا لشيخه، كان انقساما حقيقيا ولم يدروا أنها ملعوبة من قبل الرأس، سقط معظم الإسلاميين في الفساد وولغوا في المال العام حتى الثمالة.
مع مرور بضعة سنين وما أن وصلنا عام 2005م حتى بدا الغزل الأمريكي السري مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد المصري، انتهى بصعود محمد مرسي عام 2012م بدعم أمريكي صهيوني تركي قطري، واتفاقية كاملة كأن تدعم واشنطون فروع الأخوان المسلمين للصعود للسلطة في كل الدول العربية أي "الربيع الإسلامي" سموه كذبا الربيع العربي..الخ الذي لا يعرفه السودانيون حقا، إن من أشعل سورية بدءا من أبريل 2011م هو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين فورا بعد سقوط مبارك في 25 يناير 2011م، وسبق أن ساهم هذا التنظيم الدولي في إسقاط القذافي، وسرق التنظيم الدولي بدعم قطري عبر الغنوشي الثورة التونسية الخ. ولكن صمود الشعب السوري والجيش السوري ودولته بقيادة بشار الأسد، ثم الثورة المصرية في 30 يونيو أفشلا مخطط الشرق الأوسط الكبير لباراك أوباما وإسرائيل بالكامل. وبقية القصة معروفة لديكم، ساهم السيسي في إسقاط مرسي انحيازا لشعبه وبما لديه من معلومات استخباراتية وفشلت الخطة الأمريكية الصهيونية.
منذ 2005م!! أي هل يستطيع الشيخ حسن الترابي أو غيره منذ 2005م أن يتبجح أن واشنطون ضده أو ضد نظامه؟ إذن لماذا استمرت مسرحية المفاصلة حتى 27 يناير 2014م؟ لسببين، فساد المؤتمر الوطني الذي أصبح عبئا على الربان، ثم يمكنه خداع الشعب السوداني والمعارضة معا، إذ في إمكانه عمل انقلاب على نفسه بدلا من ان ينقلب عليه الشعب السوداني، لذا جلوسه مع المعارضة مفيدا، وهكذا أصبحت مسرحية المفاصلة مفيدة له داخليا بعد أن كانت مفيدة له خارجيا. الشيء المضحك أن تمر كل ألاعيب الترابي على الشعب السوداني والمعارضة السودانية أربعة وعشرين عاما، بينما كشف المصريون محمد مرسي ومكتب الإرشاد في عام واحد. أليست هذه هشاشة في السودانيين؟
ونجد في تونس مثلا حيا أن الشعب التونسي قاوم الغنوشي بقوة ووضعه وعصابته المدعومة أمريكيا وقطريا وتركيا وصهيونيا في زاوية ضيقة، واجبراه وعصابته الإرهابية أن يخضعا لإرادة الشعب التونسي، فتم كتابة الدستور التونسي على إرادة الشعب التونسي، وأضطر الغنوشي وعصابته الإرهابية أن يخرجا من الغنيمة بالسلامة وحتى جولة أخرى. لم يستطع الغنوشي "عراب التنظيم الدولي، والعميل القطري" وعصابته أن يقفا أو يتلاعبا على "وعي" الشعب التونسي. فلماذا ما زال الدكتور الترابي وحده إذن يتلاعب بعقول السودانيين، ولماذا يصمت عنه الشعب السوداني؟ لماذا لا نأخذ بالدستور المصري الجديد ونخطو على خطواته حذو النعل بالنعل؟
في ختام هذه المقالة نقول، إنه من المخجل تلك الجلسة في قصر الصداقة التي جرت بمسرحية سخيفة، يجلس فيها كل من حسن الترابي والصادق المهدي متحالفين ولكل منهما منطلقاته ومصالحه، بينما يتم خديعة الشعب السوداني المرة تلو المرة منذ عام 1965م، بينما الكومبارس عمر البشير لا يستطيع قراءة خطاب!! والخدم والحشم ما بين مبجل، ومشهل، وماسح جوخ، ثم، ثم يجلس الوريثان عبد الرحمن، وابن الميرغني وهذا الأخير يدعي إنه من نسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى الصادق المهدي يدعيها، فهل كان نبينا كذاب؟
نقول للدكتور حسن الترابي، وللصادق المهدي، حذار ثم حذار فالتاريخ ليس هو التاريخ كما هو في الستينيات والسبعينيات الخ، إنه الآن عصر الانترنيت، وعصر الـ WhatsApp ومن الغباء أن تعاودا نفس تلك الدسائس والمحاور والأكاذيب القديمة لمنافع شخصية وعائلية، وأقولها بصراحة، جلستكم تلك في قصر الصداقة تفوح منها رائحة التوريث، ولم يفت على شخصي الضعيف تلك المحاولة بإجلاس الدكتور غازي ما بينكما وكأنها مصادفة كما ذكرنا سابقا، بل هي رشوة للدكتور غازي صلاح الدين. قصتكما معه تذكرني بقصة المغيرة بن شعبة الذي نصح عمر بن الخطاب وأبا بكر، لإقصاء الإمام علي، أن يجعلا نصيبا من السلطة للعباس بن عبد المطلب. فذهبوا إليه والقمهم العباس بن عبد المطلب حجرا. ولا أظنني بالدكتور غازي إلا سيلقمكما حجرا. ونواصل
شوقي إبراهيم عثمان
|
|
|
|
|
|