|
إشكاليات خطاب البشير ..! د. العوض محمد أحمد
|
أنتظر الجميع مفاجأة تعيد بعض التوازن للمشهد السياسي السوداني .. ولم ينتظر أحد خطاباً يمكن أن يقول به أي من تلامذة العمل العام لتسويق نفسه في الساحة السياسية..! وحتى في هذه أدخل كتبة هذا الخطاب رئيسهم في ورطة استيعابه للغتهم المترفة..! وكانا بأحد طلابنا وهو يخطو أولى خطواته في حصة المطالعة بالمدرسة الأولية..! 1. هل كانت هناك من ضرورة لجمع هذا الحشد من قادة العمل السياسي ليستمعوا إلى ما قاله البشير..! أو لم يكن من الممكن ان يطرح البشير ما قد طرح من خلال خطاب عام يلقيه من أجهزة الإعلام وهو قابعٌ في مكتبه.. على الأقل كان من الممكن أن يقرأ خطابه دون أن يتلعثم أو يضطرب..! لكن واقعة الدعوة لهؤلاء القادة والخطاب الممعن في تعقيد كلامته يوحي بأن وراء ذلك تخطيط يستهدف ملقي الخطاب في المقام الأول ووحدة صف المعارضة ثانياً..؟. حاول معدي الخطاب شق صف المعارضة أو على أقل تقدير إعادة فرز أوراقها .. وكأنا بهم يعودون بالسودان لتلك الأيام التي اصطفت فيها قوى اليمين الأصولي والطائفي في مواجهة القوى الحديثة.. و لا أستبعد هنا دور قطري – تركي بمباركة أميركية لإعادة رسم الحياة السياسية ومن ثم الدولة السودانية..!، كما إن معدي الخطاب يهيئون الجميع لإزاحة البشير وكسر شوكة ذاك البعض الذي يرى فيه رمزاً للحراك الإسلامي في الساحة السياسية السودانية..!. 2. طرح الخطاب أربعة قضايا تستوجب النقاش وإعادة النظر فيها..! فتحدث عن السلام ناسياً او متناسياً إن من أجج أتون الحرب في البلاد لم يكن سوى نظام الإنقاذ نفسه بل وقد اكد البشير نفسه في أكثر من مناسبة أنهم لا يعترفون إلا بالذي يقارعهم بالسلاح ومن يريد أن يحل مكانهم عليه أن يشرع بندقيته..! وها هو يطلب من التنظيمات المسلحة إن كانت تريد مشاركته في هذا النقاش الذي أبتدر أن تترك سلاحها..! لكنه لم يقل إن كان نظام الإنقاذ سيدخل هذه المعمعة شاهراً بندقيته أم سيأتي دون جيوش أمنه وسرايا دفاعه..!. وتطرق خطاب البشير للاقتصاد.. ولم يجف مداد مؤتمره الاقتصادي بعد.. وكأنا به يَعِدُ لاعبين من الخارج بأن هناك إصلاح سيتم.. إعداداً لما ينتظره من تدفق مالي في حال أكملت الخطة مراحلها..! حديث عن تخطيط غاب طوال خمسة وعشرين عاماً وسكوت عن من أغتنى من أموال هذا الشعب.. فمن المخاطب يا ترى هل هم أهل السودان أم الضامنين لما يحاك لنا..!. على استحياءٍ.. تطرق الخطاب للحريات ومعلوم أن بعض الفاعلين في الشأن السوداني لم تتم دعوتهم أصلاً لهذا الذي ابتدره المؤتمر الوطني تحت ظل الدولة السودانية.. ورغماً عن ذلك حاول الخطاب أن يؤكد بأن للحريات اشتراطاتها ومحدداتها التي يمسك بها من في يده الصولجان..!. فهل سيتم النقاش عن حريات في ظل سيف أجهزة الأمن المشرع!! في وجه كل من لا يتفق ورؤياهم.. أم إن أجهزة الأمن ستغيب في مسار الحوار الذي يرجون ويسوقون..؟ ما جعل البشير يضطرب هو دفعه لتغيير جلده.. والاعتراف بهوية سودانية تستقي جذورها من منابت شتى..! وقد تكون هذه إضاءة الخطاب الوحيدة..! لكن لمن تحسب؟ حتماً ليس للبشير و لا لمؤتمره الوطني ولا يمكن أن تكون كرامة وعطية قطرية..! لكن يمكن التوافق عليها تركياً وأمريكياً وإن كنا نحسب إن الإمبراطورية العجوز التي غابت عنها الشمس تجيد اللعب في هذه المضارب بأكثر من مما قد يفعل أهل العم سام وما العراق ببعيد..! 3. من توقيت الخطاب والصورة التي برز بها يتضح بأننا نحكم بواسطة نفر لا يملكون ابجديات العمل السياسي العام..! دعوة لقادة إن أرادوا دفعهم بعيداً عن مواقع المعارضة كان يفترض أن يقدم لهم أكثر من عبارات إنشائية جوفاء.. وها هو الترابي لم يعوزه سواء دقائق معدودة ليقول بأن الخطاب لا جديد فيه..! أما الصادق المهدي فقد قال قبل أيام قليلة في ندوة ما! ما يشير إلى توافقه مع دعوة المؤتمر الوطني حين قال باغتراب الحركة الإسلامية عن القوى الإسلامية الفاعلة في السودان ويعنى بها الأنصار والختمية..! فهو أي المهدي فاعل أصيل في يحاك اليوم..!. رغماً عن عدم رضا المؤتمر الشعبي فيما قاله عرابه في أعقاب سماعه لخطاب البشير.. إلا ان تلك البشريات التي قال أهل المؤتمر الوطني بأنها أتية في نهاية الأسبوع ستجعل أهل المؤتمر الشعبي بين نار تركة الإنقاذ التي وضعوا مهدها وقوى إجماع تتساوى فيها الكتوف..!. غير إن التساؤل الملح حول ما دار بالأمس هو والدهشة ترتسم على وجوهنا!!، إن كان ما أتى به البشير قد أستغرق قرابة الستة أشهر من نقاش داخلي ..! فما الذي دعا بغازي ورفاقه أن يتركوا مركب الإنقاذ التي كانت تطبخ ورقة إصلاحها؟؟؟، أم كانوا مغيبين عما يدور في أروقة مؤتمرهم الوطني!!!، وهل يصح لنا القول بأن خروج غازي وعلي عثمان ونافع هو مهر رجوع الشعبي والوطني ليتساكنا من جديد!!!. خطاب البشير في ركوع و خنوع بعيداً عن عنجهية المشروع الحضاري ولكن هل يكفي ذلك لحلحلة مشاكل السودان التي لوثتها ايدي المتسولة في عالم السياسية والأخلاق..! لا اظن..! ولابديل للإنقاذ والإنقاذين من تسليم الراية .. فحاملها لن يكفي غليل هذا الشعب..!. د. العوض محمد أحمد لندن 28/01/2014م
|
|
|
|
|
|