|
المصالحة على طريقة الذبابة ايفانوفا الخرطوم: علاء الدين محمود
|
قصة الذبابة ايفانوفا اقراءها من جديد ، في زمن مضى قبل ان الج مهنة الصحافة لم اجد فيها غير قصة ممتعة ومضحكة كشأن تعاملي في الصغر مع حكايات انطون تشيخوف والذي طالما قص علينا احسن القصص ، والصديق عبدالله عيدروس "ينكت" قصة ايفانوفا من "بطن" مؤلفات تشيخوف لنتدبرها من جديد ، وتقول القصة "ذبابة ما طارت في أرجاء الغرفة تتشدق بصوت مرتفع بأنها تعمل في الصحف. وأخذت تئز في الجو : " أنا كاتبة ! أنا صحفية ! أفسحوا الطريق أيها الجهلاء ! " . سمع البعوض ، والصراصير ، والبق ، والبراغيث، أزيز الذبابة ، وشعروا ناحيتها باحترام خاص، وأخذوا يدعونها إلي بيوتهم لتناول الغداء بل وراحوا يقرضونها الأموال ، أما العنكبوت الذي يخشى الظهور علنا ، فقد انزوي في ركن وقرر ألا يلوح أمام عيني الذبابة .. واستفسرت البعوضة – التي تتمتع بجرأة أكبر – من الذبابة : - في أي صحف تكتبين يا ذبابة ايفانوفنا ؟ - تقريبا في كل الصحف ! حتى أن هناك بعض الجرائد التي أضفي عليها بدوري الشخصي صبغتها العامة ونبرتها بل وحتى اتجاهها ! ومن دوني لفقدت صحف كثيرة طابعها المميز ! - وما الذي تكتبينه في الصحف يا ذبابة إيفانوفنا ؟ - أنا أترأس هناك قسما خاصا .. - أي قسم ؟ - نعم .. أي قسم ! وأشارت الذبابة الكاتبة إلي بقع كثيرة من ###### الذباب على سطح ورقة جريدة!." وتشيخوف يقول انه كتب هذا النص تعبيرا عن امتعاضه من المثقفين المزيفين والمأجورين الذين يمشون في ركاب كل سلطة ، وفي زماننا هذا هنالك أكثر من ايفانوفا وايفانوف وايفانوفيتش يفعلون في الصحف تماما مثل ما كانت تفعله تلك الذبابة ارضاءاً للسلطة ، بل ويشكل هولاء تيارا كاملا من كتاب يبشرون بمرحلة جديدة في مسيرة البلاد السياسية يدشنها البشير "وهو من تعلمون" ، يبشر هولاء بالتغيير وبالاصلاح وبالمصالحة الوطنية وبعض منهم يدعو البشير بعقد مصالحة مباشرة مع الشعب دون الالتفات الى احزاب "التحالف" وبالطبع فإن مثل هولاء يختزلون كل "المعارضة" في احزاب تحالف قوى الاجماع الوطني ولا ينظرون الى اي قوى اخرى معارضة ، وهم من جهالتهم لا يدرون ما معنى وجود احزاب وقوى سياسية تصبح الممثل السياسي للجماهير وللافراد. ويقول احد الذين يسودون الصحف بمثل هذا ال..... والطنيين ان اكبر مصالحة ينبغي ان يعقدها نظام الحكم ان يتوجه تلقاء شعبه ، وأن ينظر في اولوياته وفي السماع لها وتقدير وجه نظره واعلاء قدره والنزول عند حكمه والتماس الصواب عنده والتخفيف عليه ورفع الرهق عنه ، فلقد أربى الكيل عليه وثقلت الاحمال على ظهره .. الخ من سجع اقرب الى سجع الكهان ، دون ان يوضح صاحبه ـ اي السجع ـ من المسئول اساسا عن "رهق الشعب" و "وضع الاحمال على ظهره" . هذا الكاتب يظن ان المصالحة السياسية تتحقق بمثل هذا السجع الذي يردده كصدى لخطاب النظام الذي يرفع هذه الايام راية المصالحة الوطنية بعد ان حاصرته الازمات من كل جانب، وهو ذات الشعار الذي تردده قوى سياسية معارضة وشخصيات "وطنية" وفي كل مرة يغفل هولاء نقطة اساسية يصبح من غيرها الشعار المرفوع والدعوة القائمة في حقيقتها بلا جدوى وهو مدى رغبة وجدية واستعداد النظام الحاكم لتقبل الدعوة ، وما يشكك في قيمة هذا الشعار وجديته أن السلطة نفسها تتبناه و برغم دعوتها وقوفها في صف المطالبين بهذه المصالحة الوطنية الا ان سلوكه القمعي والاقصائي يشكك كثيرا في جديته في المطالبة باجراء مصالحة شاملة والواضح أن خطاب السلطة هذا شكلته ظروف الضغط الدولي والداخلي مع اشتداد الازمة السودانية ،ان اية سلطة سياسية عندما ترفض النظر الى واقع التعدد الثقافي، الاثني، والديني وعندما تهيىء لصعود القبلية والجهوية وبالتالي عندما تقطع الطريق امام تنمية النواظم المشتركة نحو تأسيس وبلورة المشروع الوطني، وعندما تتبنى نظاما اقتصاديا رأسماليا مشوها، وعندما تصبح مسيرتها هي مسيرة الاقصاء الاجتماعي السياسي المستمر عندما تفعل ذلك فهي تحقق خدمة فهي تسير نحو الانهيار الكامل ومن ثم اعادة التشكيل من جديد، التفكيك لاجل قطع الطريق امام بلورة مشروع وطني لا يعتمد في تشكله الا على انتصاره وعلى مجموع النواظم المشتركة ، ولقد رأينا في السابق كيف أن لجانا شكلت لهذا الامر بمباركة المؤتمر الوطني في وقت مضى على شاكلة مايسمى بهيئة جمع الصف الوطني ومنبر الحكماء اضافة لما نص عليه اتفاق التراضي الوطني بين المؤتمر الوطني وحزب الامة والذي خرج هو الاخر بفكرة الملتقى الجامع الذي يهيىء لهذه المصالحة ، ولكن هل هذا النشاط هو الذي سيقود الى مصالحة وطنية حقيقية وماذا تعني المصالحة الوطنية قياسا على تجارب العالم من حولنا. ونكرر هنا ما طرحناه سلفا من اسئلة رددها كثيرون يفرزها الواقع السوداني مثلما افرزها الواقع العراقي والجزائري والمغربي ومن قبل الواقع الجنوب افريقي ، مع مراعاة اختلاف كل تجربة عن الاخرى،، على نحو : هل ارتقينا الى قبول فكرة الفضاء السياسي والمدى الاوسع الرافض لكل استثناء واقصاء، هل توافقنا على نزع القداسة عن الشأن العام لنتساوى امام القانون في الوازع والنظام الرادع، هل بالامكان جعل سلامة النفس والجسد شعارا ثقافيا، سياسيا عاما، هل يمكن اعتبار قيام حركة مدنية واسعة شعارا سياسيا يبعث الروح في الحركة السياسية المعارضة والمجتمع الصامت والمحيد وهل وضعنا في الاعتبار ان المصالحة عملية تتم مع المواطنة اولا ومع فكرة الشراكة في صنع المستقبل ثانيا لاشخاص لهم حقوق ويتمتعون بالحريات الاساسية وهل وضعنا ايضا في الاعتبار ان السلام الاهلي اهم ركائز المصالحة الوطنية وان السلام يتطلب نزع السلاح لا توزيعه كما يتطلب احترام الدولة لحياة مواطنيها، والفصل بين الدولة والسلطة السياسية. ان عملية المصالحة تتحقق عندما نجيب على هذه التساؤلات وعندما يصل الجميع من حكام ومحكومين ومعارضين ومجتمع الى ان السير في نفس الطريق القديم لم يعد ممكناً عندما ينظر الجميع - دون مناورات وتسويف - الى خطر المضي في طريق يفضي نحو الهاوية وبالتالي خلق حالة جديدة ان النظام وهو يمضي في هذه العملية ويدعو القوى السياسية للمضي نحوها لا يقدم ما يسبق هذه العملية من استحقاقات فالنظام بسلوكه السياسي قد انتج حالة من العداء الكامن مع المجتمع هذا السلوك الذي عمق اجتماعياً التهميش والنفي والاقصاء وهو ما يتطلب حالة جديدة ، ان كتاب "السلطة" يتجاهلون ذلك عن عمد ويسودون الصحف بالاوهام ويبشرون بها
|
|
|
|
|
|