|
أصول سكان السودان: الجذور والقواسم المشتركة خلفية تاريخية د احمد الياس حسين
|
أصول سكان السودان: الجذور والقواسم المشتركة خلفية تاريخية د احمد الياس حسين [email protected] قدمت هذا الموضوع في محاضرة أشرفت على إعدادها رابطة المهندسين والفنيين السودانيين بدولة قطر بوم ؟؟ في المركز الثقافي السوداني بمدينة الدوحة. وقد أثارت الحاضرة بعض التساؤلات، ولم تكن المحاضر مكتوبة وفد وعدت السا\ة الحضور بكتابتها ونشرها، وأود أن اعتذر للإخوان بتأخير القيام بذلك. ويهدف موضوع المحاضرة إلى التعرف على سكان السودان من دارفور غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ومن الشمالية إلى النيل الأبيض منذ بدايات تطور حضاراتهم القديمة في بداية الألف الثالث قبل الميلاد والبحث عن جذورهم، وكشف الصلات والعلاقات التي ربطت بينهم. وسيتم تتبع ذلك - في عرض موجز - من خلال نتائج الأبحاث في ميادين التاريخ والآثار وعلوم اللغة والجينات الوراثية. وسنبدأ بمدخل جغرافي يساعدنا عل التعرف على ما نحن بصدده. مدخل جغرافي: كان مناخ السودان في حدوده الحالية قبل نحو خمسة ألف سنة يختلف اختلافاً كليّاً عن مناخه الحالي. فصحراء شمال كردفان ودارفور وصحراء البجة شرق النيل لم تكن صحارى بشكلها الحالي بل كانت تهطل عليها أمطاراً بكميات كبيرة وفرت مصادر مياه سطحية وجوفية وأشجاراً ونباتات غزيرة. فالمناطق الصحراوية الحالية كانت مناطق خضراء. وبالإضافة إلى ذلك كانت الأودية الجافة اليوم مثل أودية هَور والملك والمقدم أنهاراً دائمة الجريان في حقب طويلة من تاريخها، ثم أصبحت أنهاراً موسمية كنهر عطبرة الحالي. فمناطق الصحارى الحالية شرقي وغربي النيل كانت مناطق حضرية مأهولة بالسكان وتزدهر فيها الحياة، فكان الامتداد السكاني يتواصل من النيل غرباً حتى داخل حدود دولة تشاد الحالية وشرقاً حتى البحر الأحمر دون انفصال. فوادي هَور الذي سمته البعثة الألمانية للآثار النهر الأصفر كان يصب في النيل قرب مدينة دنقلة وكانت الحياة مزدهرة على جوانبه حتى داخل دولة تشاد، وكذلك كانت بقية الأودية والواحات في المنطقة. كما كانت الحياة مزدهرة أيضاً على واديي الملك والمقدم الذين جعلا صحراء بيوضة الحالية مناطق حافلة بالحياة بين النيل ومناطق شمال كردفان. وبنفس القدر كانت أودية الصحراء شرقي النيل نحو البحر الأحمر. وقد تم عرض التغيرات المناخية في هذه المناطق في الجزء الأول من كتاب "السودان: الوعي بالذات وتأصيل الهوية" لكاتب هذا المقال. يدل ذلك على أن المنطقة الواقعة بين أسوان شمالاً والنيل الأبيض جنوبا وبين البحر الأحمر شرقاً ودولة تشاد غرباً كانت متصلة اتصالاً قويّاً ببعضها، ولم تكن هنالك حواجز أو عوائق أمام تواصل السكان، فالقرى والمدن في مناطق الصحارى الحالية غرباً وشرقاً كانت متصلة بالنيل اتصالاً دائماً. وأدى ذلك إلى عمق التواصل والصلات بين كل السكان منذ بداية الحياة البشرية في تلك المناطق وحتى عصر قيام الحضارات السودانية القديمة. وبرزت مظاهر تلك الصلات الوثيقة والتي دامت لآلاف السنين في الجذور والقواسم المشتركة بين كل سكان السودان الحالي. وقد شهدت الآلاف الأخيرة السابقة للميلاد التغيرات المناخية الكبرى في قارة افريقيا، فقلت نسبة الأمطار التي كانت تصب على شمالي دارفور وكردفان وفي الصحراء الشرقية، وبدأت الأراضي الخضراء تنحصر على ضفاف لأنهار والأودية، وشهدت هذه الفترة في بداية الألف الثالث قبل الميلاد ازدياد الهجرة إلى ضفاف النيل مكونة بذلك حضارات السودان القديمة. فحضارات السودان القديمة ساهم في تكوينها أسلاف كل سكان السودان الحاليين. وسنحاول فيما يلي التعرف على أولئك السكان مستعينين بما توصلت إلية نتائج الأبحاث في مجالات: 1- الدراسات التاريخية والآثارية 2- ما تم الكشف عنه في مجال الحامض النووي. 2- ما تم الكشف عنه في مجال الحامض النووي 3- الجهود المبذولة في علم اللغة.
1- مجال التاريخ والآثار يمكن تقسيم تاريخ السودان باختصار شديد إلى أربعة فترات: 1. الأولى: تبدأ نحو الألف الرابع قبل الميلاد وتمتد حتى القرن الرابع الميلادي (أكثر من 4000 ألف سنة) وتتضمن: حضارات المجموعات المبكرة وحضارة كرمة حضارتي نبتة ومروي 2. الثانية: بين القرنين الخامس والخامس عشر الميلاديين. وتشمل: مملكة مريس (نوباتيا) وعاصمتها مدينة فرس، وهي المملكة التي وقعت اتفاقية البقط مع المسلمين، ومملكة مَقُرة وعاصمتها مدينة دنقلة وقد اتحدت معها مملكة مريس بعد الفتح الاسلامي لمصر. مملكة علوة وعاصمتها سوبة، وممالك البجة الخمسة وأهمها مملكة بقلين الاسلامية في منطقة كسلا، وهي أول مملكة إسلامية في السودان. 3. الثالثة: بين القرنين 16 – 18م وتشمل: مملكة الفونج ومملكة دارفور ومملكة تقلي ومملكة المسبعات 4. الرابعة: من الغزو التركي 1820 وحتى الحاضر حضارات الفترة الأولى: امتد زمن هذه الفترة لأكثر من أربعة ألف سنة، وبدأت بحضارات المجموعات المبكرة التي وجدت آثارها في كثير من المواقع مثل مناطق كرمة في شمال السودان ووادي هَور في شمال دارفور في غرب السودان وعلى النيل الأبيض وعلى واديي القاش وبركة في الشرق. ثم تلتها "حضارة كرمة" وسميت بهذا الاسم لأن أول آثارها وجدت في منطقة كرمة، ولكن تم الكشف عن مناطق أخرى على النيل الأبيض وغرب وشرق النيل تنتمي لتلك الحضارة. ثم تلتها حضارتي نبتة ومروي. والذي يهمنا التعرف عليه في هذه المرحلة هو أنه بما توفر من معلومات – رغم شح المعلومات الآثارية - فإن تراث الأمة السودانية الحالية يمتد إلى أكثر من أربعة ألف سنة، وامتدت حدود الدول المتعاقبة على نفس حدود السودان الحالي تقريباً بين البحر الأحمر ودارفور وبين وادي حلفا والنيل الأبيض. وقد وضحت نتائج الابحاث التاريخية والآثارية منذ ما قبل حضارة كرمة الشبه والقواسم المشتركة بين حضارات المجموعة ج في مناطق كسلا ووادي بركة في الشرق ومناطق وادي حلفا في الشمال ومناطق وادي هور في الغرب والنيل الأبيض في الجنوب. (انظر سامية بشير دفع الله، تاريخ الحضارات السودانية القديمة ص 154و A. J. Arkell, A History of the Sudan p43-44) ولا يقتصر التشابه فيما عثر عليه من أدوات فخارية فقط بل كذلك في أنماط المعيشة والأصول المشتركة. وقد اتضح التواصل والقسمات المشتركة في العصور المتتالية في كل حقب التاريخ القديم. فقد عاش سكان السودان في تواصل مستمر، حيث لم تكن هنالك صحارى. ولنا أن نتصور الصلات القوية بين سكان دارفور وكردفان بسكان نهر النيل عبر أودية المقدم والملك وهور وواحات غربي النيل وارتباط كل هؤلاء بسكان شرق السودان عبر النيل الأزرق وروافده ونهر عطبرة. ويفسر ذلك أصول السكان في هذه المناطق كما تناولها ماكمايكل (انظرMac Michael, A History of the Arabs in the Sudan. Vol. 1,. p20) فقد ذكر ماكمايكل أن تحركات الشعوب التي أتت من جنوب دارفور وكردفان في القرون الميلادية الأولى والتي عرفت في المصادر اليونانية باسم النوبة والتي اجتاحت أراضي مملكة مروي في مناطق الجزيرة والبطانة وعلى طول النيل شمالي الخرطوم هي نفس سلالة سكان الجزيرة – في القرن الثاني قبل الميلاد - والذين وجدت بعض آثارهم في منطقة جبل مويا في الجزيرة غرب مدينة سنار، وهم نفس سلالة الشعب الأسود الذي هزمه سيزستريس الثالث في الربع الأخير من القرن التاسع عشر قبل الميلاد في منطقة وادي حلفا كما وضحت الدراسات الآثارية والأنثروبولوجية التي قام بها كل من Derry وSeligman . وهم من جانب آخر قريبي الشبه من السلالة التي تعيش اليوم في منطقة جبال جنوب كردفان مما يؤكد التواصل العرقي لسكان كل تلك المناطق – غرب وشرق وشمال وجنوب السودان - منذ عصور موغلة في القدم.
الحامض النووي والسلالات البشرية التقسيم القديم للسلالات ومواطنها قسمت النظريات القديمة سكان العالم وفقاً لبعض السمات الطبيعية للبشر مثل شكل الجمجمة والفك والأنف ولون العيون إلى سلالات مثل السلالات الآرية والسامية والحامية وغيرها. وقد قسم العلماء - حسب التقسيم القديم - سكان افريقيا إلى زنوج وهم سكان الغابات الاستوائية وحاميين وهم سكان الصحراء الكبرى وشمال افريقيا وسواحل البحر الأحمر الغربية وخليط من العناصر الزنجية والحامية وهم أكثر سكان افريقيا في مناطق- افريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وسكان السودان حسب التقسيم القديم ينتمون إلى هذه الفئة.
واختلفت الباحثون في تحديد المواطن الأولى لتلك السلالات. وعلى سبيل المثال نورد هنا ما نقله المؤرخ العراقي المشهور الدكتور جواد علي والمعروف في الأوساط العلمية بتميزه وتخصصه في دراسة تاريخ العرب القديم في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام (ج 1 ص 224 – 229) عن النظريات التي طرحها العلماء حول موطن الجنس السامي.
ذكر جواد علي أن بعض علماء الساميات – مثل بلكريف - لم يقبلوا الرأي القائل بأن شبه الجزيرة العربية هي موطن الجنس السامي بحجة أنه ليس هنالك أدلة قاطعة تسنده. ونلخص هنا بعض تلك الآراء المعارضة كما ذكرها جواد علي: رأى هؤلاء أن افريقيا هي المكان المناسب كوطن أول للجنس السامي لوجود تشابه في الملامح وفي الخصائص الجنسية والصلات اللغوية بين الأحباش والبربر والعرب. ورأي جيرلند أن الدراسات الفيزيولوجية مثل تكوين الجماجم والبحوث اللغوية تجعل شمال افريقيا الموطن الأول للساميين. وذهب إلى أن الجنس السامي والحامي سلالة واحدة انقسم إلى عدة فروع منها الفرع الذي استقر في منطقة غرب آسيا وكون سكان المنطقة بما فيهم سكان شبه الجزيرة العربية. ويرى بارتون أن شرق افريقيا بالتحديد هو الموطن الأول للساميين للعاقات الاثنية الظاهرة، وعبر الساميون إلى شبه الجزيرة العربية عبر طريقين هما باب المندب وسينا، وأكسبتهم إقامتهم في "بلاد العرب" خصائص جديدة ووسمتهم بسمات اقتضتها طبيعة الوطن الثاني. وهنالك نظريات الأخرى عن أصل الجنس السامي جعلت إحداها منطقة أرمينيا هي الوطن الأول للساميين اعتماداً على ما ورد في المصادر اليهودية القديمة، بينما ذهب آخرون إلى جعله أواسط آسيا. وقد ذهبت بعض الدراسات الأخرى (Crowford Howellm, “Semeticuages” Jewish Encyclopdi.com cited in July 2005.) إلى أن السلالات السامية/الحامية كانت في بدايتها جزء من سلالة شعوب البحر الأبيض المتوسط القديمة، وكان موطنها الأول شمال افريقيا ثم تحركت مجموعة منها شرقا نحو غرب أسيا وانتشرت في تلك البقاع بما في ذلك شبه الجزيرة العربية التي لم تكن صحراء كما هي الآن. وأدى انفصال المجموعتان إلى ان تطور كل منهما لغته الخاصة فنشأت اللغات السامية والحامية اللتان ترجعان إلى أصل واحد. ويبدو أنه ليس من السهل القطع بتحديد الموطن الأصلي للجنس السامي الذي يمثل العرب واليهود الآن أهم فروعه. ورغم أن الرأي الأكثر شيوعاً هو الذي جعل الجزيرة العربية الموطن الأول للساميين، إلا أن أصحاب الآراء الأخري - وهم مجموعة من العلماء المتخصصين – ساقوا من الأدلة ما يجعل مسألة الوطن الأصلي للساميين - علي أقل تقدير – قيد البحث والنقاش لعل الدراسات تتوصل إلى القول الفصل فيه. الـسلالات البشرية والحامض النووي DNA تدخل دراسة الحامض النووي - التي يقوم بها علماء الوراثة – في عدة مجالات وإحدى تلك المجالات هي "علم السلالات البشرية" ويقوم الباحثون في هذا العلم بدراسة الصفات الوراثية التي تنتقل بطريقة رقمية دقيقة من الأب إلى الأبناء ثم إلى الأحفاد، ويمكِّن ذلك من تتبع تسلسله في الأسر والتوصل إلى صلة القرابة بين الجماعات. كما تمكِّن دراسة الحامض النووي إلى معرفة الزمن الذي كانت فيه تلك الجماعات ترجع إلى أصل واحد. وبالطبع فإن شرح القيام بذلك يقوم به المتخصصون في علم الوراثة، وما يهمنا هنا هو نتائج الأبحاث في ميدان علم السلالات البشرية. فقد جمع علماء الجينات الآلاف من العينات من البشر من مختلف أنحاء العالم وتمكنوا من التوصل إلى السلالات الجينية Haplogroup لسكان العالم ورمزوا إليها بالحروف اللاتينية C, B. A الخ وتم التوصل إلى رسم شجرة الجينات الوراثية تحت إشراف المنظمة العالمية للجينات الوراثية International Society of Genetic Geneology وبقوم المنظمة بتحديث الشجرة الوراثية بصورة منتظمة كما تقوم المنظمة بتتبع الأبحاث في هذه المجالات وتقوم بنشر نتائجها في موقعها www.isogg.oeg أصبح الحامض النووي هو الحكم الفصل في مجالات السلالات، ولم يعد علم الأنساب يعتمد على المصادر التقليدية مثل الموروثات المحلية الشفاهية والمكتوبة بل أصبح يعتمد على نتائج أبحاث الحامض النووي الذي تعتبر نتائجه قطعية إذا لم تتعرض إلى أخطاء في عمليات التحليل. وقد ورد مثال في موقع http://alzeer-j1.com الذي رجعت إليه في جمع هذه المعلومات أنه إذا استقر "رجل افريقي بين العرب منذ أربعة أو خمسة قرون أو أكثر من ذلك واختلطت ذريته بالعرب وتزاوجت معهم وتغيرت بالطبع أشكالهم مع الزمن ، فلو فحص أحدهم بعد ذلك الزمن الطويل ستكون سلالته الذكرية هي سلالة جده الافريقية ... فالسلالة الذكرية تبقى تبقى ثابتة في الشريط الذكري Y ولذلك خرجت عدة نتائج فارسية وهندية وقوقازية لأشخاص يتحدثون العربية وأسرهم تسكن بلاد العرب منذ قرون ولم يغير من سلالتهم لا وجودهم بين العرب ولا تزاوجهم مع العرب ولا تغير الشكل مع الأجيال." السلالات البشرية في افريقيا يرى أصحاب النظريات العلمية الحديثة (أنظرRichard potts, Human Evolution p 17-18; Richard Leaky and Roger Lewin, Origins Reconsedered p 218-220. ) إن أقدم إنسان تم العثور على آثاره حتى الآن وجد في قارة أفريقيا، وخرجت سلالة ذلك الانسان من افريقيا وانتشرت في كلِّ أنحاء العالم. وقد أيدت أبحاث الحامض النووي DNA هذا الرأي. وهذه الآراء العلمية التي توصل إليها العلماء لا تتعارض مع نظرية الخلق، فالقرآن الكريم لم يحدد اين هبط آدم عليه السلام. وليس هنالك ما يمنع أن يكون آدم قد هبط في شرق افريقيا حيث وجد أقدم حامض نووي للإنسان. أو يكون آدم قد هبط في مكان ما، ولكن أقدم سلالاته حتى الآن وجدت في افريقيا. وهذا يوضح أن السكان في افريقيا لم يهاجروا إليها من خارجها، بل هم سكان أصليون منذ بداية الحياة البشرية على الأرض، بل إن سكان افريقيا هم الذين تناسلت منهم الشعوب الحالية في القارات الأخرى.
وعندما تكاثر البشر في افريقيا نزحوا إلى القارات الأخرى، فأحدثْ DNA في العالم وجد في أمريكا الشمالية إذ كانت آخر محطة وصلها أبناء آدم. وبمرور الزمن وبعد آلاف السنين تكيفت كل مجموعة بالبيئة التي استقرت فيها، فاختلفت الألوان وبناء الأجسام والسحنات بحكم اختلاف البيئات والقرب أو البعد من خط الاستواء وحرارة الشمس. وفي افريقيا نفسها اختلفت الأجناس فسكان الغابات الكثيفة في المناطق الاستوائية - الزنوج – اختلفوا عن سكان مناطق السافنا جنوب الصحراء الكبرى، وهؤلاء اختلفوا عن سكان الصحراء وسواحل البحر المتوسط. ولون السكان أشد سواداً في مناطق خط الاستواء، وتقل نسبة السواد كلما ابتعدنا شمالاً وجنوباً من خط الاستواء.
فأصبح سكان السافنا سمراً كسكان السودان الحاليين، وسكان الصحراء الكبرى وصار سكان شمال افريقيا بيض أقرب إلى الأوربيين. وكل هؤلاء – السود والسمر والبيض - هم سكان افريقيا الأصليون، فلا يوجد جنس واحد في افريقيا بل توجد أجناس متعددة وكلها أفريقية أصلية. والعدد الأكبر من سكان افريقيا هو الجنس الأسمر وليس الجنس الأسود. فافريقيا قارة تنتمي إليها أجناس مختلفة، كما ان آسيا قارة تنتمي إليها أجناس مختلفة. وقد وضحت نتائج أبحاث الحامض النووي أن هنالك ثلاث مكونات أصلية للسلالات في أفريقيا رمزوا إليها بالحروف A, B. E وأتضح أن السلالتان A, B يمثلان أغلب سكان افريقيا جنوب الصحراء ويندر وجودهما خارجها. ولم يتأثرا بأي عنصر من خارج القارة. وينتشر أفراد السلالة A في شرق افريقيا وتوجد أعلى نسبة لها في السودان حيث تشكل نسبة 42.5% من السكان كما ورد في الموقع المذكور أعلاه.
أما السلالة E فهي من أقوى السلالات الافريقية وأوسعها انتشاراً في افريقيا، وقد تأثرت وأثرت على سلالات حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط. وأعلى نسبة من هذه السلالة توجد في الصحراء الكبرى (الأمازيغ) وسكان وادي النيل القدماء وشمال شرق افريقيا. كما توجد سلالة أخرى أثرت تأثيراً واضحاً على سكان شمال افريقيا والصحراء الكبرى وهي السلالة R التي تكونت في منطقة شمال البحر الأسود وانتشرت بصورة واسعة في قارتي آسيا وأروبا. وهنالك بعض السلالات الأخرى التي دخلت في تكوين السكان في القارة الافريقية ولكن مواطنها الأصلية خارج القارة مثل السلالاتK J, T, G السلالة Kتنتشر في وسط وجنوب آسيا، ويوجد بعضها في افريقيا في الصومال واثيوبيا ومصر. والسلالة G توجد في منطقة الشرق الأوسط وأروبا وشمال شرق افريقيا بما في ذلك السودان. والسلالة T يقول علماء الجينات أنها انفصلت من السلالة K وتوجد بصورة أساسية في شرق آسيا لكنها انتشرت غرباً حتى وصلت شرق وغرب افريقيا. والسلالة J وهي المعروفة بالسلالة السامية، وتنقسم إلى J2, J1 وتنتشر السلالة J2 في مناطق أواسط آسيا والشرق الأوسط وأروبا، أما السلالة J1 فهي السلالة التي ينتسب إليها العرب.
فهي السلالة المعروفة في التقسيم القديم بالسلالة السامية والتي من بينها العرب الذين يرمز إليهم الحرفJ . وقد رأينا أن العلماء لم يتفقوا على الموطن الأصل لهذه السلالة. وقد انتشرت في العراق والشام وشبه الجزيرة العربية ثم دخلت الحبشة من اليمن. (اعتمدت المعلومات السابقة على الوماقع: http://mathildasanthropologyblog.wordpress.com ; http://dienekes.blogspot.com ; http://alzeer-j1.com وكان كتاب الحمض النووي يكشف السلالة الجينية للعرب لعلي بن محمد الشحي من بين مصادر الموقع الأخير.) يتضح مما سبق انتقال السلالات البشرية من مكان إلى آخر مما أدى إلى اختلاط وتنوع المكونات السكانية للقارات والدول بحيث أصبح من غير المتوقع أن يتكون شعب بلد ما من سلالة واحدة. ولعل في مثال كلوّن سكان المملكة العربية السعودية في الجدول رقم واليمن ومصر مثال لذلك. جدول رقم 1 يوضح نسب السلالات المكونة لسكان السعودية واليمن ومصر الاسـم عدد الأفراد مكون % J1, J2 مكون % E , R مكون فرعي % السلالات الفرعية السعودية - 58 24 18 I,K,Q.G,C.H.O, A,B اليمن - 82 16 2 G مصر - 31 47 22 I,K,Q.G جمعت مادة الجدول من موقع: http://www.arabiandna.com إذ يلاحظ العدد الكبير من السلالات المكونة لسكان المملكة العربية السعودية من واقع عينات الأفراد الذين خضعوا للتحليل. ورغم ان هذه الأرقام لا تمثل النسب الحقيقية لسكان المملكة إلا أنها تعطي مؤشراً للمجموعة التي خضعت للتحليل، وكذلك الحال في كل الجداول التالية. فقد اتضح أن هنالك عدد تسع سلالات تمثل 18% من سكان المملكة، وتكون السلالات E,R 24% من السكان أي ما يقرب من ربع السكان. والسلالة E سلالة افريقية أصيلة، بينما بلغت نسبة السلالة العربية 58% فقط. ويبدو واضحاً أن بعد اليمن من حوض البحر المتوسط ووسط آسيا قد أدى إلى قلة المكونات الفرعية لسكانها 2% فقط، بينما بلغت نسبة السلالتين الأفريقية وشمال غرب آسيا 16% والعربية 82%. أما مصر فنسبة السلالة العربية بلغت نحو ثلث السكان بينما وضح تأثير سلالتي افريقيا وشمال غرب آسيا إلى جانب المؤثرات الفرعية الكبيرة العدد.
أصول سكان السودان قامت بعض الجهات التابعة لمراكز الأبحاث العلمية وبعض الجهات الخاصة التي تعمل في حقل الجينات الوراثية داخل وخارج السودان بأخذ عينات دم من أفراد من مختلف أنحاء السودان لمعرفة الانتماء العرقي سلالاتها. وبالطبع فإن العينات التي تم جمعها وتحليلها لا تغطي مجموعات كبيرة من السكان حتى تعطى نتائج نهائية، لكنها مؤشراً يعطى فكرة عامة عن مدى تنوع التركيبة السكانية للسودانيين، وقد تشير أيضاً إلى المكون الرئيس للسلالات. وقد لاحظنا أثناء تناولنا السلالات الافريقية أن عدد من المجموعات السلالية وهي A, B. E, R, J, K, G, T تدخل في التركيبة السكانية في السودان مما يوضح تعدد التنوع السلالي في السودان. وقد وضحنا أعلاه أماكن تواجد هذه السلالات.
والجدول رقم 2 يعطي صورة عن سلالات سكان السودان، ولم يوضح المصدر الذي جمعت منه المادة عدد العينات التي تم فحصها أو مناطقها. ويتضح أن الأفراد الذين أخذت عيناتهم ينتمون إلى المكون المحلي وهو A و B, E,ويساوي 72.2% من عدد العينة. ويمثل المكون العربي نسبة 25% والمكون الفرعي يمثل 5.3%. وتوضح هذه النسب الغالبية العظمى من السكان – الذين – أخذت عيناتهم ينتمون إلى السلالات الافريقية الأصيلة. جدول رقم 2 يوضح نسب السلالات في السودان السلالات A B C R J I K F النسبة % 16.9 7.9 34.4 13 22.5 1.3 0.9 3.1 http://mathildasanthropologyblog.wordpress.com جمعت مادة الجدول من أما الجدول رقم 3 فيتضمن معلومات عن تنوع التكوين العرقي لبعض القبائل السودانية. وفي الجدول تشير م أ-1 إلى المكون الأصلي الأول للسكان في افريقيا وهما السلالتان A و B اللتان لم يتأثرا بالسلالات من خارج افريقيا. وتشير م أ 2 إلى المكون الأصلي الثاني للسكان في افريقيا وهما السلالتان E, R اللتان أثرتا وتأثرتا بالسلالات من خارج افريقيا، وتشير م ع إلى المكون الفرعي للسكان وهما السلالة السامية J1, J2وتشير م ف إلى المكون الثانوي الفرعي للسكان، ويوضح العمود أنواع السلالات الفرعية الأخرى التي داخلت في تكوين القبيلة. جدول رقم 3 تنوع المكون السكان لبعض قبائل السودان الاسـم عدد الأفراد م أ-1% A, B م أ-2% E, R م ع% J1, J2 م ف % نوع السلالات الفرعية الجعليين 50 6 34 40 20 K,I,F النوبة (شمال) 39 7.6 33.3 43.5 15.4 I,F العركيين 24 - 25 66.6 8.3 F البجة 42 4.7 57.1 38.1 - - المسيرية 28 - 39 42.8 17.8 I.F الفور 32 34.3 59.3 6.25 - - المساليت 32 21.8 71.8 6.25 - - جمعت مادة الجدول من : Hisham Y Hassan, et. Al. (2008) “Y-Chromosome Variation Among Sudanese” American Journal of Physical Anthropology” 137: 319 ويؤكد الجدول رقم 3 تنوع المكون العرقي لقبائل السودان، وتختلف نسب المكون العربي في القبائل. فالمكون العربي مثلاً في قبائل النوبة في شمال السودان أعلى منه في قبيلة الجعليين والمسيرية، كما يتضح وجود المكون الأفريقي في كل القبائل الواردة في الجدول وتتفاوت نسبه من قبيلة لأخرى. وكما ذكرنا سابقاً فإن ما ورد من معلومات في الجدولين يعتبر مؤشراً فقط، فليس من الضروري أن تكون نسبة المكون العربي في كل أفراد قبيلة العركيين 66% أو لا تزيد نسبة المكون العربي في كل أفراد قبيلتي الفور والمساليت عن 6.25% لأن العينات المأخوذة عددها لا يغطي كل أفراد القبائل، لكنه يعطي فكرة عامة عن وجود التنوع العرقي في التكوين القبلي في السودان.
وفي دراسة حديثة لبروفسر منتصر الطيب وفريقه في معهد الأمراض المتوطنة بكلية الطب بجامعة الخرطوم – لم تنشر بعد – اتضح أن أقدم حامض نووي في افريقيا وجد في سكان شرق السودان، وبعد نشر واعتماد هذه الدراسة يصبح سكان السودان من أقدم المكونين الأساسيين لسكان العالم.
نتائج الأبحاث اللغوية كما قسم العلماء سكان العالم إلى أقسام متنوعة حسب أصولهم والقواسم المشتركة بينهم كذلك قسمت لغات شعوب العالم إلى اسر تعرف بالأسر اللغوية. ويوضح الجدول رقم 4 اللغات الرئيسة في افريقيا. جدول رقم 4 يوضح اللغات الرئيسة في القارة الافريقية اسم اللغة متحدثيها الافرو آسيوية يتحدثها العرب واليهود وباقي الشعوب كما في جدول رقم 5 النيلية الصحراوية تتحدثها بعض القبائل في جنوب ليبيا وتشاد ومناطق جنوب السودان النيجر- كنغو يتحدثها سكان غرب ووسط وجنوب افريقيا (تضم جنوب كردفان ودارفور) Khoisan جنوب غرب افريقيا جمعت مادة الجدول من: B. Heine and D Nurse African Languages. P 78 – 81. ويهمنا في هذا الجدول أن اللغة العربية من بين اللغات الأفروآسيوية، أي أن اللغة العربية - كما صنفها علماء اللغات الغربيون - ليست لغة غريبة أو أجنبية في القارة الافريقية. ويقودنا هذا إلى ضرورة ملاحظة أن اللغة لا دخل لها في تصنيف الشعوب. فليس كل من يتحدث اللغة العربية كلغةٍ أم في افريقيا يكون بالضرورة عربيّاً، كما أنه ليس من الضروري أن من يتحدث اللغة الانجليزية في كندا أو استراليا أو نيوزيلندا كلغة أم يكون بريطانياً. ويوضح الجدول رقم 5 اللغات الأفروآسيوية الحية التي ما زالت مستخدمة والتي انقرضت. والذي تهمنا في هذا الجدول هو اللغات الكوشية والبربرية والتي تدخل تحت المصطلح الحديث "لغات السودان الشرقي" فتلك اللغات هي اللغات التي كان يتحدث بها سكان السودان القديم في مناطق البجة وكردفان ودارفور ومناطق النيل ما بين النيل الأبيض وأسوان والصحراء الكبرى. واللغات القديمة المشهورة الآن في الدراسات القديمة هي اللغة الكوشية (المروية) واللغة النوبية القديمة. واللغة الأمازيغية لغة سكان الصحراء الكبرى جدول رقم 5 اللغات الأفروآسيوية اللغة متحدثيها يالمصرية القديمة انقرضت السامية العرب واليهود وبعض الأثيوبيين الكوشية السودان القديم وحاليا البجة وبعض القبائل في ارتريا والصومال واثيوبيا البربرية سكان صحراء الكبرى التشادية مجموعة قبائل في تشاد، نيجريا، الكمرون، افريقيا الوسطى، النيجر. وأشهر فروعها الهوسا أُمُتِك Omotic تتحدث بها مجموعة صغيرة في جنوب غرب اثيوبيا جُمِعت مادة هذا الجدول من نفس مصدر الجدول رقم 4 وقد ذكرنا في مدخل هذه الدراسة أن مناخ السودان لم يكن جافاً كحالته اليوم، وكان هنالك تواصل وتداخل بين كل السكان لأن الحواجز الصحراوية الحالية لم تكن موجودة في تلك الأوقات. ويعني ذلك أن السكان كانوا يستخدمون لغة مشتركة في تخاطبهم، أو كانت هنالك لغة عامة ذات لهجات متعددة كما هو حال اللغة العربية الحالية. والمفترض أن تكون تلك اللغة هي لغة الدولة الرسمية وهي اللغة الكوشية (أي المروية). ولما ازدادت حدة الجفاف منذ نحو ثلاثة ألف سنة ـــــ أي قبل سقوط دولة مروي ـــــ تحرك السكان من مناطق الجفاف نحو مصادر المياه في مناطق جنوب دارفور وكردفان على ضفاف النيل وفي الجزء الجنوبي من بلاد البجة. وبمرور الزمن وبانفصال المجموعات السكانية عن بعضها البعض وانقطاع التواصل تطورت اللهجات المحلية إلى لغات، كما حدث في ميلاد لغات غرب أوربا الحالية التي تطورت من اللهجات المحلية ولغات القبائل الجرمانية واللغة اللاتينية فظهرت اللغات الانجليزية والفرنسية والإيطالية وغيرها خلال الأف سنة الماضية. وشاهدنا هنا هو أن نتائج الأبحاث اللغوية الحديثة مثل أبحاث كلود ريلية رئيس البعثة الفرنسية في الهيئة القومية السودانية للآثار بدأت توضح أن هنالك صلة قرابة بين اللغات المتخاطب بها الآن في دارفور وكردفان وشرق وشمال السودان. ومن جانب أخر تبين أن هنالك أيضاً صلة قرابة أيضاً بين هذه اللغات واللغة الكوشية (المروية) مما يشير إلى الأصل المشترك لكل هذه اللغات القديمة التي ماتت والقديمة التي لا زالت حية. ويدل ذلك على أن متحدثي اللغات الحالية في غرب وشرق وشمال السودان ينتمون بصلة القرابة إلى الشعب الذي كان يتحدث اللغة المروية منذ خمسة ألف سنة. وبدأ بعض الباحثون السودانيون يتجهون إلى الدراسات المقارنة لتلك اللغات. وقد تبني قسم اللغات بكلية الآداب بجامعة الخرطوم هذا الاتجاه، وشجع متحدثي هذه اللغات بالقيام بالدراسات المقارنة لأنها أولاً: تمثل رمزاً لتراث الأمة وثانياً: للمساعدة في دراسة وتوثيق تاريخ السودان القديم. وينبغي علينا تسجيل وتدوين تلك اللغات قبل انقراضها. الخاتمــة الكوشيون هو الاسم الذي أطلقه السودانيون على أنفسهم منذ بداية حضارتهم، والاثيوبيون والنوبا والبجة هي الاسماء التي أطلقتها المصادر اليونانية والاثيوبية على سكان السودان. والسودان والنوبة هما الاسمان اللذان أطلقتهما المصادر العربية على سكان السودان. هذه الأسماء تشير إلى سكان السودان الحاليين ذوي الأصول الافريقية الأصيلة كما وضحت نتائج الأبحاث الآثارية والتاريخية، وأتضح أنهم ينتمون إلي نفس السلالات التي عاشت على تراب هذه الأرض منذ أكثر من خمسة ألاف سنة.
كما بينت نتائج دراسات الحامض النووي أن سكان السودان الحاليين ينتمون إلى السلالات التي عمرت القارة الافريقية والعالم منذ بداية تاريخ الانسان على الأرض. وبينت الدراسات اللغوية أن اللغات التي يتحدثها السكان في غرب وشمال وشرق السودان الآن تنتمي بصلة القرابة إلى اللغة الكوشية (المعروفة بالمروية) التي كان يتحدثها السودانيون في عصورهم القديمة. هذه الدلائل توضح أن كل القبائل السودانية الحالية ترجع إلى أصول مشتركة، ونحن في حاجة إلى القيام بالمزيد من البحث والتنقيب في تاريخ هذه القبائل في الخمسة قرون الماضية في مجالات التاريخ والآثار اللغات وكل أنواع التراث لنتعرف عليها، ونعرف بعضنا البعض. فنحن في واقع الأمر نحتاج إلى معرفة أنفسنا معرفة تعتمد على المصادر الأصلية والموثوق بها لا على التراث المنقول عبر الأجيال. فنحن نروي تاريخنا كما نتصورة ونريده أن يكون لا كما كان في الواقع. فنحن أمة تكونت منذ أكثر من خمسة ألاف سنة، تغيرت لغاتها وثقافاتها ودياناتها لكنها حافظت على تكوينها العرقي عبر القرون.
|
|
|
|
|
|