|
الجزء الثاني المسيحية والإسلام فوق التأريخ إلى العقيدة بالإله الواحد الأحد بقلم جوزيف سويشن ترجمة
|
الجزء الثاني المسيحية والإسلام فوق التأريخ إلى العقيدة بالإله الواحد الأحد بقلم جوزيف سويشن
ترجمة: سعيد محمد عدنان – لندن – المملكة المتحدة
ردود فعل المسيحيين – حساباتهم الناقصة للإسلام: فضّل مسيحيّو الغرب، كما فعل من قبلهم الرومان في القرن الخامس الميلادي، أن يعاملوا غُزاتهم كأنهم متوحشّون جاءوهم من المجهول، لا تجمعهم بهم صفة مشتركة. فالمصادر الإغريقية واللاتيينية لم تشر أبداً إلى "مسلمين". فقد كان المسلمون لديهم هم العرب وآل هاجر، أي سلالة إسماعيل، إبن سفاح لإبراهيم الخليل من خادمته هاجر7. ومع أن سماحة المطران "بيدا" لم يكن الأول ليضع ذلك التمييز، إلا أنه هو الذي قدّمه للعرف المعمول به في تفاسير العصور الوسطى الإنجيلية، ومن يومها صارت الموضوع الشائع في الدراسات الغربية. وقد كانت تساعد في تطرية المناقضات الحامية بين المسيحية وأعدائها الغامضين هؤلاء. مكّن ذلك الأمر من إفساح موقع للمسلمين في تأريخ المسيحية (الجنوبي: 1962: 17). إضافةً إلى ذلك، لم يُرَ الإسلام سوى "هرطقة مخادعة مستحدثة، عبارة عن نسخ عاجز لنوع من المسيحية، أتى بها محمد ليضفي على شنائع أمّته8 الدموية حُلةً من الوقار الديني. في العادة كان هنالك الإعتقاد بأنّ جون من دمشق إعتبر الإسلام "بدعة مسيحية"، حسبما ذكر في جزئه "ضد البدع" من أعماله الرئيسية "في منبع المعرفة"، والتي شخّص فيها "الإسلامويات" و"الهاجريّة" بأنها البدعة ال101 (يانولاتوس 1996:513). كان نقد المسيحية للإسلام يستهدف في الأساس شخص محمد، بالتشكيك في نبوّته. إعتبر أكثر البيزنطيين محمداً مسيحاً دجالاً وأنه أول علامات آخر الزمان. أيضاً، انقلب الكتاب المسيحيون على القرآن يشيرون فيه إلى ما هو في اعتقادهم تزويرات وعدم استيعاب وتناقضات، وعليه استنتجوا بأن الكتاب المقدس للإسلام يتكون من نظريات وتعاليم أخلاقية ناقصة (يانولاتوس، 515). يحتوي القرآن على عدة مقروءات مستنبطة بوضوح من المصادر المسيحية. لاحقاً، وفي عام 1460، إعتقد "نيقولا الكوزي" في كتابه "تمحيص القرآن" أنه اكتشف أن هنالك ثلاث مساقات في القرآن، الأول: المسيحية الناسوتية (والتي تحرّم تأليه المسيح لإيمانهم بوحدانية الإله، إلا أنهم يعتبرونه كلمة الله في الأرض، ويستشهدون بالقرآن في ذلك، ولكنهم يقدسونه بحكم أنه "جزء من الإله"، (وهو بذلك شخصين، واحد إنسان وآخر جزء من الإله)، والثاني: مشاعرمعاداة المسيحية والتي يتهمون "اليهودي المستشار" لمحمد (عساهم يقصدون ورقة بن نوفل) في ترويجها، والثالث: التحريف الذي أدخله التصحيحيون اليهود بعد موت محمد. ومع أن النقد الكتابي الذي قام به نقولا الكوزي يشخِّص تشخيصاً صحيحاً بعض التأثيرات المذهبية للقرآن، فإنه لا يمكن لأحد وضع أي قيمة لمثل تلك التحليلالات الكتابية الآن (الجنوبي، 93-4). ويرى جيرمي جونز، المحاضر في الآثار الإسلامية بجامعة أكسفورد، أنه لا يمكن القول عن متى تم تضمين تلك وكذلك وجود أي تأثيرات مسيحية أخرى في القرآن بصورة أكيدة. التراث الإسلامي هو تقريباً المصدر الوحيد الذي منه يمكننا إحراء أي إستخلاص، علماً بأنه لم يتم بعد تحديد أية معالم داخلية مقنعة يمكن الإعتماد عليها لتأسيس عناصر الإسناد والتتابع المنسق. وفعلاً يحتفظ التراث الإسلامي بأسماء بعض المسيحيين الذين عاشوا في مكة الوثنية في زمن حياة محمد، وحتى أنه يؤكّد حقاً بأن داخل الكعبة في مكة كان مزيّناً برسومات لعيسى ومريم، ولكن لا يقف ذلك سبباً كافياً للإستنتاج بأن المجتمع المسيحي الذي تواجد بمكة كان نشطاً، ناهيك عن أن يكون له تأثير على الإسلام. ويشيرالتراث الإسلامي إلى أن هجرة محمد واتباعه للمدينة أتت بهم إلى تلامس قريب مع يهود شمال الحجاز النافذين، حتى أنه، وتقريباً فوراً، بدأ المسلمون في فرز أنفسهم من جيرانهم اليهود، وذلك بتبديل قبلتهم من القدس إلى مكة. ولم يكن إلا بعد غزو فلسطين وسوريا ليكون للشباب المسلمين أي تلامس يستحق الذكر مع المسيحيين، وكان التأثير الأساسي للمسيحية في الدين الجديد هو أن حثّ الإسلام الأوّل لتحديد هويّته في رد فعلٍ ضد ممارسات ومعتقدات أعضائه الجدد من المسيحيين (جونز، 170 – 1، 182 – 3). مثال تسامح الأسلام مع غيره: بالرغم من رفضه مباديء الثالوث والتناسخ (ومعها القدسية والصلب والقيامة للمسيح)، فالإسلام لدى المسيحية قد تقبّل المسيحية شرعياً ومذهبياً ك"دين كتاب"، والمسيحيين ك"كتابيين"، بكل ما تحمله تلك المكانة المضمنة لهم تماشياً مع نصوص الإسلام المقدسة، وتشمل الإعتراف بدينهم وتوفير الحماية له متى وأينما كانوا تحت الحكم الإسلامي (نصر، 4). وبداخل المناطق التي كانت تنضوي تحت الإمبراطورية الإسلامية، كان مسيحيو الشرق الأدنى يتمتعون بوضعٍ أفضل بكثير من أي يهود أو وثنيين في الإمبراطورية المسيحية. فبمقابل دفعية جزئياً هي عبارة عن رد للجميل وجزئياً ضريبة دينية (وهي الجزية)، كان اليهود والمسيحيون يُمنحون حماية الدولة في شكل "أمان الذمة"، وكانت تؤّمن لهم حرياتهم الشخصية وحرية التملك وحرية العبادة9. لم يكن ذلك الوضع كلّيةً ولا عقائدياً مجحف في حقهم، ولامطّهداً لهم. ولاشك، بالرغم من أنها تعتمد على السلطة الإسلامية بالإضافة إلى دفع ضريبة شخصية، فقد كان لهم إمتياز استقلاليتهم الإقرارية والقضائية، وحق مجتمعاتهم الدينية، وإعفاؤهم من الخدمة العسكرية للحركات التوسعية أومن أجل الدفاع عن الإمبراطورية الإسلامية. في المبدأ فالخلاف عن الإختلاف الديني الحاد لم يكن موضع تساؤل لفترة الألف عام من تأريخ العلاقات الإسلامية المسيحية، حتى في أعنف فترات المصادمات بينهما. فقد انتعشت الجماعات المسيحية واليهودية تقريباً في كل الفتوحات الإسلامية، في تباين شديد مع فشل آوروبا القرون الوسطى في إستيعاب دائم لمواطنيها من الجالية الإسلامية أو اليهودية. واليوم، ولأول مرة منذ العصور الوسطى، تستضيف المجتمعات المسيحية واليهودية أعداداً هائلة لجالياتٍ إسلامية. ويُبرز المثال التأريخي لتقبّل المسلمين للآخرين تساؤلاً يبدو أساسياً للعلاقة بين المسيحية (واليهودية) وبين الإسلام: كيف ولماذا تمكّن الإسلام من الإستيعاب الناجح لمجتمعاتٍ مسيحية في المجتمع المسلم، بينما عجزت أوروبا المسيحية تماماً في محاولاتها لتقبُّل المسلمين في مسيحيتها؟ كان المجتمع المسيحي الغربي، منذ القرن الرابع، يحبك آلياته لاستئصال الضلال الداخلي. أما تقبُّل المسيحية الغربية لليهود والذين كانوا ضحايا لعديدٍ من الإطّهادات، فقد كان مردُّها يعود إلى حدٍّ كبير لوضع اليهودية في الطوق الأدنى في سلم الرسالات، والتي قادت إلى المسيحية. وقد رفضت المسيحية عموماً دعوى الإسلام بأنه دين ابراهيم وبدلاً عن ذلك، اعتبرته ديناً مستحدثاً وانفلاتاً منحرفاً10. ولكن العجز الكامل للمسيحية الغربية على العموم في إستيعابها مواطنيها خارج الديانة الكاثوليكية يُمثل واحداً من أسوأ اخفاقات التأريخ الأوروبي11. من ناحية أخرى لم يكن ماقامت به الإمبراطورية الإسلامية، في تعاملها العادل العفوي مع الجماعات المسيحية واليهودية، إلا إعلان فترة انفتاح للمواجهات العقائدية بين اليهود والمسيحيين، وبين التقديسيين (اليعقوبيين) والثالوثيين (الملكانيين – ملة الإمبراطور _ يقصد به قسطنطين)، والذين طوروا طبعاً خاصاً يتكون من أسئلة وإجابات تشمل مناظرات خيالية مع أعداء دينيين. السوريون والمصريون من طائفة اليعقوبان، الكنيسة التقديسية، يرون في الفتوحات العربية عقوباتٍ على أباطرة شرق روما لاطهادهم الكنيسة التقديسية الحقة: "إنما بدخولنا في صفقة مع أحفاد إسماعيل أن استطعنا تأمين خلاصنا. كان ذلك مكسباً ضئيلاً تعود به مملكة الروم الجبارة". أما بالنسبة للنسطوريين من منطقة الفرس سابقاً (وهي الجماعة التي ترفض تأليه المسيح)، يُعتبر الحكام المسلمون على الأقل نُقلة مميزة إلى الأفضل من الوٍصاية المتخبطة لملك الملوك الوثني. أمّا نسطوريو العراق فقد رحبوا بتأسيس إمبراطورية توحيدية قويةٍ واضحة. إن ما اشترك فيه هؤلاء المسيحيون المتناحرون، هو حماستُهم للتحدث بلغة العرب الحديثة. وقد وجّهت المسيحية الناطقة بالعربي قبلتها المتنامية للإسلام لأهداف حصيلتها اللغوية والمذهبية، وليس إلى المراكز المسيحية الغربية (براون، 190 - 4). في نفس الوقت، وفي خلال التطورات التأريخية، أدخلت تلك الكنائس في مجموعات قوانينها الكنسية ممارسات سلوكية مستمدة من قانون الشريعة الإسلامية، في محيط الأحوال الشخصية وقانون الأسرة، وقانون التوالي والإلتزام الإجتماعي. وقد كانت الممارسات التي لم تؤذِ القوانين الهامة للمسيحية ومبدأ الإقرار الحر، مقبولةً بمحض الإختيار وبحرية كأدوات وسائل تم توظيفها لفائدتها وفعالية دورها الطبيعي لخدمة خير وخلاص أعضاء المؤسسة الكنسية التي وحلت في تقلبات الزمن (حجار 1996:66، 73). وبذا فقد عاشت وتعايشت الكنيسة الشرقية في الدول الإسلامية تحت نظام حرية مؤسسية وتشريعية وقضائية12. ________________________________________ إلى أعلى الصفحة صفحة حوار الأديان
|
|
|
|
|
|