|
من يقلع عين الخياط في الربيع العربي؟؟ أمّ خاطئة أم أب ضال؟؟/شوقي إبراهيم عثمان
|
(اخترنا لكم هذه المقالة من صحيفة "سوريا الآن" ولم يمهرها مؤلف، وربما تعجبكم لأنها تفضح المثقفين عامة والمتأسلمين خاصة، وتعبر عن مرحلة الانحطاط العربي والإسلامي!! قد تعجبك المقالة أو قد لا تعجبك. وفي تقديري قد أصاب وأجاد صاحبها في نقد المصريين والأزهر الشريف خاصة، ولكننا لا نذهب بعيدا في شطب هذه المؤسسة العريقة التي يجاهد آل سعود وطابورهم الخامس من سلفيين وأخوان من تدميرها. فالأزهر الشريف آخر قلعة سنية أشعرية فشلوا في تحطيمها!! ومع ذلك أصاب كاتب المقالة في أن المصريين "ناموا على عسل" ثم استيقظوا بعد فوات الأوان والإرهاب الإخواني السلفي يضربهم بعنف!! فأخذوا يولولون!! وقد أنطبق عليهم قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للمسلمين في خلافته: (لو لم تتهاونوا في نصرة الحق وتخذيل الباطل، لما قَوِىَ عليكم من قوي..). وكان يقصد معاوية وجماعته!!
لماذا صمت المصريون ثلاث سنوات عن الإرهاب السعودي الذي يدك سورية؟ ثم لماذا صمت الأزهر؟ العجيب أن الصحافة المصرية "الكهنة" ما زالت تمدح في آل سعود. رغم الثورة المصرية العزيمة، ولكن ما زال فيها عوار!! لذا يجب أن يأخذ السودانيون الدرس بجد، عليهم أن ينصروا الحق دائما – إنما كان، وإن يُخذِّلوا الباطل –إنما كان، وإن لم يفعلوا سيأتي يوما ما الدور عليهم ولن يجدوا من يقف معهم..!! وهذا هو حال دولة حسن الترابي التي لم تنصر حقا ولم تخذل باطلا لا مع شعبها ولا خارج السودان... فكان مصيرها الزبالة، أصبحت الدول تعاف السودان وأهل السودان). شوقي إبراهيم عثمان
أدخلوا على المقالة:
في قصة شهيرة ناقدة لعدالة العين بالعين والسن بالسن .. يتخاصم الخياط والخباز في المدينة فيقوم الخياط بقلع عين خصمه الخباز أثناء النزاع .. ولما شكى الخباز ذلك إلى قاضي المدينة حكم الأخير بأن يقلع الخباز عين الخياط عملا بمبدأ العين بالعين والسن بالسن .. ولكن الخياط يطلب من القاضي إعادة النظر في الحكم لأنه كخياط يتعامل بالإبرة والخيط فانه يحتاج عينه أكثر مما يحتاجها الخباز .. ولذلك إذا كانت القضية عينا بعين فلتفقأ عين الحداد - الذي لم بكن طرفا في النزاع - بدلا من عينه .. فيوافق القاضي وتقلع لذلك عين الحداد (الذي صنع الإبرة) .. وتتحقق العدالة .. عين بعين ..
القصة في الحقيقة هي قصة الربيع العربي .. المليء بالخياطين والخبازين والقضاة الذين يقلعون عيون من لا يستحقون طالما أنها تحقق عقلية العين بالعين والسن بالسن .. لا يهم عين من ولا سن من .. ولذلك يمكنكم أن تتصوروا حالة التيه والتخبط وقلة الحيلة التي يعاني منها مجتمع يقلع عيون بعضه وتقوم مجموعة من رجال الدين والمثقفين بدور القضاة قلاعي العيون الحكماء..ولو قمنا بمراجعة بسيطة لما يدور من جدل فكري وثقافي عربي لعرفنا دقة التشابه الثقافي بين الحكاية والمجتمع العربي ولوجدنا أن هذه الأمة هي أمة العين بالعين .. ولكنها عين الحداد مقابل عين الخباز ..
فمثلا قامت قيامة الأزهر الشريف على الشيخ يوسف القرضاوي وتوالى شيوخ الأزهر على ذم الشيخ المزواج المطلاق والقاتل الأكبر ويتبارون في طرده من مجالسهم ويخونونه ويتهمونه بالعمالة والخيانة ورذالة العمر والعتاهة .. وكان الأزهر الشريف قد أصابه الصمم طوال ثلاث سنوات عن كل الكوارث والعنف الذي أطلقه القرضاوي وكانت أذنا الأزهر مثل أذني أبي الهول من حجر أصم .. ورأى الأزهريون القرضاوي يملأ رقبته بدم العقيد القذافي ودم عشرات آلاف الليبيين والسوريين والعراقيين ويحلل ويحرم ويفتري على المسلمين ونبيهم حتى أنه وظف الإسلام ونبيه في الناتو .. ولكن عيني الأزهر كانتا جامدتين مثل عيني تمثال توت عنخ آمون .. وشوهد القرضاوي ينفث سمه ويسفك دم العذارى والصبايا والايامى على فراشه الشبق ولكن لم ينبس الأزهر ببنت شفة أو يعاتب هذا الشيخ على تهتكه وهو يفتي بفتاوى الجنس المريض .. وكانت دعوات الجهاد لمؤتمر الإسلاميين عقب معركة القصير تهز جدران الأزهر وتشققها وتميل معها المآذن ولكن الأزهر كان يشخر من شدة التعب والإنهاك من كثرة الصلاة والصيام والقيام والقعود .. وعندما زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مصر استقبله شيخ الأزهر بقسوة واستعلاء وأعلن الأزهر ثورة احتجاجية على ما سماه تدخل إيران الشيعية في العالم السني ..ناسخا ما كان يدعو إليه القرضاوي صاحب رذاذ الدم دون أن يحيد عنه قيد أنملة ..
وما أن فتح القرضاوي فمه المبلل بالنفط وأطلق الرذاذ المدمي ضد الجيش المصري والجنرال السيسي حتى انتفض الأزهر وثارت ثائرته وكأنما حرب الردة على الإسلام قد وقعت وقد أعلن أبو بكر النفير على مسيلمة الكذاب .. وكأن كل رذاذ الدم والرذائل التي كانت تنهمر من فم القرضاوي طوال سنوات لا تعني شيئا للأزهر..
بقي الأزهر مقلوع العينين والأذنين غير معني بكل ما طحنه فك القرضاوي من لحم المسلمين وما كرعه من دم .. ولم يثر شرف الأزهر وغيرته على الدين إلا عندما وصل نفث الدم إلى صورة السيسي وجنود الجيش المصري .. وحتى هذه اللحظة لا يزال غضب الأزهر من القرضاوي محصورا بالشأن المصري فقط ولم يقم بمراجعة نقدية وتصويبية لمواقفه الصامتة وتخاذله عن نصرة دم المسلمين وحقن دمهم في سورية والعراق وليبيا .. بل ولا يزال صامتا أو خجولا عن معارضة فتاوى مطابقة لفتاوى القرضاوي الدموية والجهادية التي تخص سورية لأنها تصدر عن السعودية .. مثل الأزهر في موقفه مثل القاضي الذي يحكم بين الخباز والخياط ...
والمجتمع الإسلامي كله خياطون وخبازون وحدادون تقلع فيه العيون وتفقأ عيون من لا ناقة لهم ولا جمل لأن القضاء والدين والثقافة يقوم عليهم قضاة العين بالعين .. وخياطو الثقافة لهم قضاتهم الذين سيقلعون أي عين ..إلا عيونهم. كان الأزهر طوال ثلاث سنوات يقلع عين إيران وعين الشعب السوري وعيون المظلومين العرب لأن القرضاوي خياط الدين وعيناه لا يجب قلعهما .. ولأن قطر هي دار الخياطة وكل خياطيها عيونهم لا تقلع .. ولأن ملوك النفط يخيطون لنا ثقافتنا وربيعنا وإسلامنا .. وطالما أن الشعب الليبي والشعب السوري جاءهم يشتكي من قلع عينه من قبل خياطي الدين في قطر والسعودية فان قضاة الأزهر قرروا أن يقلع الشعب العربي عين إيران وعين حزب الله .. وعين نظام الحكم في سورية .. اليوم سيقلع الأزهر عين القرضاوي ويقتلع لسانه .. ولكن هيهات فعيون القرضاوي صارت مخارز في عيون الدين بعد أن ملأ الدنيا بعيون العرب المقلوعة .. وتبعثرت عيونهم على كل أرصفة العالم واللجوء ..
وللأسف فان ثقافة قضاة العين بالعين ليست مقتصرة على الأزهر بل هي ثقافة شاملة في الأمة كلها .. ويمكنكم مراجعة مواقف كل المثقفين العرب من الأزمة السورية التي كان فيها بارونات الثقافة العربية يتبارون في إصدار أحكام قلع العين على الشعب السوري ودولته الوطنية .. الغريب أن كل المثقفين رأوا الذبح الذي مارسته الثورة عبر مئات المشاهد المتاحة في العالم التي نشرتها الثورة للمباهاة بقسوتها الثورية .. وجميع المثقفين رأوا اللحى والهمجية الثورية ورأوا ثقافة تورا بورا تجتاح شوارع مدن سورية المكسوة بالجمال المدني والبهاء التاريخي والثقافي العربي وتنخر مثل السوس في جامعات سورية ومعاهدها التي استولى عليها التكفيريون .. وكل المثقفين العرب يعرفون أن تدخل قطر والسعودية وتركيا في شأن سوري داخلي بلغ حد قلع العين ظلما وعدوانا .. وجميع المثقفين العرب يعرفون أن الثوار استخدموا السلاح الكيماوي في الغوطة لاستدراج تدخل غربي ليصلوا إلى السلطة .. وجميع المثقفين العرب رأوا أن الثورة تريد تسليم رأس سورية وعيونها للناتو .. ومع هذا يردد هؤلاء المثقفون أحكام قلع العيون العشوائي .. ليس ضد من يقلع العيون ويفقأ الأحداق مثل دول الخليج والسعودية وأمريكان وضد الفرنسيين والأميركيين الذين وصلت بوارجهم لقلع عين الشعب السوري .. بل أصدر هؤلاء المثقفون أحكاما ضد الدولة السورية ومن يؤيدها وسموههم شبيحة وقتلة للشعب السوري .. وجعلوا من رئيس البلاد طبيب العيون مجرما وقاتلا وقّلاع عيون .. تصرفوا كقاضي المدينة الذي قلع عين الحداد كي يعفى الخياط من قلع عينه .. وأعفي خياطو ثقافة العرب في الخليج من قلع عيونهم بحجة أنهم يحتاجونها لحياكة الأثواب العربية الأصيلة .. وحياكة دين جديد وإسلام جديد وأعداء جدد .. وشمل العفو خياطي السياسة الغربية الذين قلعوا عيون الشرق بمشاريعهم الديمقراطية ..عينا عينا.. من فلسطين إلى بغداد إلى بيروت وطرابلس وعدن والخرطوم..
ولا أدل على ذلك من قراءة بعض المثقفين المصريين عندما يتناولون بشيء من الفصامية والعور الشأن السوري .. فيكتب أحدهم عن فظائع الثوار السوريين بإسهاب وتفصيل ثم يصل بنا في اجتراحه للحلول إلى أن حل الأزمة السورية هو في معاقبة نظام الحكم على ما اقترفت يداه من جرائم بحق الشعب السوري!! أو لأنه لم يقم بواجبه في حماية السوريين من هذه المؤامرة!! .. وإذا أردتم قاضيا من جماعة العين بالعين التي تفقأ عيون الحدادين بدل الخياطين ما عليكم إلا أن تقرؤوا مثلا ما كتبه عادل حمودة الصحفي المصري في هجوم مجوقل على الأستاذ محمد حسنين هيكل .. وسبب هذا الهجوم فقط أن "هيكل" اعترف أنه كان شاهدا على اتفاق تنازلت فيه الإمارات العربية عن جزرها الثلاثة مقابل تخلي إيران عن مطالبتها بالبحرين .. والغريب أن ما اعتبره عادل حمودة مقتل هيكل ومصداقيته ونزاهته الفكرية كانت في لقاء الأخير للسفير السوري في لبنان وتلقيه تحية من الرئيس بشار الأسد .. ثم في لقاء هيكل بأمين عام حزب الله..
عادل حمودة وصف الرئيس الأسد بالمجرم الذي يقتل شعبه فيكافئه هيكل بلقاء سفيره وتقبل تحياته .. ويعيب على هيكل تلقيه مديحا من الرئاسة السورية التي تقتل وتنكل بالشعب السوري .. ثم يسدد طعنة نجلاء إلى قلب هيكل باتهامه بممالأة نظام الحكم الأميري القطري ومديحه ومباهاته بصداقته لأسرة آل ثاني .. ويعزو ذلك لأسباب شخصية ومالية ..
وأذكر إننا اختلفنا مع هيكل حول بعض القضايا السورية يوما وعاتبناه برقة على موقفه المداعب لقطر ولكن لم نندفع في مشاعرنا إلى حد الوقوع في التناقض وقلع العيون العشوائي .. ولكن في محكمة قلع العيون العربية يجب أن نسأل القاضي عادل حمودة عن سبب هجومه على قطر عندما تهاجم مصر وتتدخل في شأنها .. ولكنه في ذات الشأن القطري لا يعنيه الكلام عندما تتدخل قطر وتتآمر على الشعب السوري ويلتزم الصمت المريب الذي يفهم منه على أن التصدي لقطر ومشروعها في سورية خيانة وطعنا للثورة العظيمة السورية .. في مصر قطر مجرمة والسيسي بطل والإخوان والإسلاميون إرهابيون وقتلة وخونة ووعاء للمؤامرات الغربية والمخابرات البريطانية.. ولكن في سورية قطر شقيقة الثورة السورية وآمها الحنون.. والرئيس الأسد مجرم وقاتل.. والإخوان المسلمون السوريون ضحايا السفاح!! .. انه مبدأ قلع العيون العشوائي الذي يتقنه مثقفو العرب.. المهم أن نقلع عينا بعين.. أي عين.. والمهم أن يبقى خياط الثقافة العربية في خليج العرب بعينين يمارس حياكة الثقافة الرثة والأثواب المزركشة بالنفاق والخيانة .. وعادل حمودة قلع عين الدولة السورية من أجل الهجوم على هيكل وقطر .. وترك السعودية ومخارزها وترك قطر ومخارزها تقلع عيون الإسلام وعيون الثقافة العربية والمدن السورية عينا عينا .. وأعاد غرز مخرزه في عين الدولة الوطنية السورية عدة مرات ..
مشكلة كل المثقفين العرب على ما يبدو إنها واحدة وأنهم يشربون من نفس الإناء وكلهم أعضاء في نادي العيون المقلوعة .. وهم تلامذة مدرسة مجتمع الحداد والخياط والخباز وقاضي العيون المقلوعة .. بل إن من يستمع إلى لميس الحديدي وهي تقابل أحمد الجار الله وتكيل له المديح اثر المديح وتخلع عليه ألقاب الثقافة والفكر وتسميه عميد الكتاب الخليجيين لأحس بالمخرز يدخل عينيه وقلبه وعقله وأذنيه .. فلميس الحديدي تقول بأن الشعب المصري يتقدم نحو استقلاله الوطني وصناعة قراره الوطني الذي صنعه 30 مليون متظاهر .. ولكنها تستضيف رمزا من رموز العبودية للاحتلال الغربي للشرق هو الكويتي أحمد الجار الله الذي تقدمه على أنه من المعجبين بالثورة المصرية ويقلدها الأوسمة .. علما أن القاصي والداني يعرف أن هذا الأحمد الجار الله هو الذي يسقي بقلمه خيول الكاوبوي الأمريكي التي تجثم على صدورنا .. ويبدل لها حدواتها بانتظام .. ويقدم لها مقالات البرسيم في مقالاته ويكرمها بالعلف والتبن كي لا تجوع القواعد الأمريكية وخيولها .. كل مقالة من مقالاته هي رزمة من البرسيم والعلف لقرائه العرب ليس إلا كمن يربي بغالا عربية ليحمل عليها الكاوبوي محاصيل النفط والغاز والثروات العربية المنهوبة .. وكل تعليق سياسي يكتبه أحمد الجار الله هو كيس من الخيش المليء بالتبن ليعلف به قراء عربا من البغال الذين يجترون حديث الدمقرطة والتنوير والتحرير .. وهو ذاته أحمد الجار الله الذي يعلق صورة جورج بوش في مكتبه وليس صورة الكعبة .. وهو الذي يمكن أن ينقلب على مصر كما ينقلب أي بائع برسيم وتبن على البيادر حسب المواسم .. كيف يمكن لأحمد الجار الله أن يكون ضد الإخوان المسلمين المصريين ويتمنى الخير والحرية لمصر لكنه مع الإخوان المسلمين السوريين ويدعو لقصف الشعب السوري بالبوارج الأمريكية؟؟ إنها حكايات القاضي وعين الحداد والخياط .. فهي تركيبة المثقفين العرب..
وكمثل فاقع على موزعي البرسيم والعلف الفكري انظروا إلى موقف المثقفين الثورجيين العرب جميعا من وجود وفد إسرائيلي في الإمارات العربية المتحدة مثلا التي صارت محشوة بالثوار السوريين الأحرار .. وأحد مثقفي البرسيم الثوري الذي يكرر اعتزازه بكنزه الإسلامي وهو رياض نعسان أغا والذي أغدق على حكام الأمارات المدائح في عدالتهم وشهامتهم ومروءتهم ورؤياهم الإسلامية النقية حتى ظننا أنهم سيورثونه .. ولكن عندما استقبل شيوخ الإمارات الوزير الإسرائيلي سيلفان شالوم قرر أن يحشو فمه برزمة من البرسيم القديم التقطه من إحدى الزرائب الثقافية وأتبعها بكيس من التبن دون أن يغص ..
قد تستغربون إن قلت لكم إنني لست قلقا من السنوات الخمس القادمة لكنني ربما قلق على ألف وخمسمائة سنة قادمة بعد أن تحطمت القرون الماضية وتهشمت أمام عيوننا أو على الأقل تحولت خلال ثلاث سنوات سميت الربيع العربي إلى آثار في المتاحف النفيسة والمحنطات .. في ثلاث سنوات حدث صمود أسطوري لشعب سورية وقيادتها أدهش العالم .. ولكن الشرق كله وقع أخلاقيا وثقافيا كما الأشجار ذات الجذور المهترئة والجذوع المنخورة ..
دعونا نعترف أن ثقافة كاملة لأمة كاملة قد سقطت .. واهتز دين كامل بكل نصوصه وأحاديثه وتفسيراته وتأويلاته ومؤسساته .. وبالتالي سقطت منظومة أخلاقية كاملة عمرها خمسة عشر قرنا .. وما بقي الآن هو أمة بلا روح لأنها باتت بلا ثقافة وبلا أخلاق ولا عدالة .. وما فيها هو خبازون يقلعون عيون القضاة وقضاة يقلعون عيون الحدادين .. وحدادون يتصرفون كالقضاة .. وعلف وبرسيم وتبن .. وبغال ..
علينا الاعتراف بأن أهم ثلاثة أشياء في حياة أية أمة قد تعرضت لاهتزاز عنيف وهي الثقافة والدين والأخلاق .. وهي البنى الأساسية لكل المنظومة الوجودية لأي شعب له رحلة نحو المستقبل .. فقد سقطت الثقافة العربية سقوطا مخجلا وتبين أن لدينا بالونات ثقافية منفوخة نفاخر بها ونقارع بارونات الثقافة العالمية .. وجلست الثقافة العربية تتسول على أبواب ثقافات العالم حلولا لمشاكلها المستعصية لأن بالونات الثقافة لا يملأ رؤوسهم إلا الهواء المضغوط .. وثقافتنا تشحذ الخبز والثياب والعطف والخيام لتنام فيها .. وأخشى أن أقول بأنها قبلت أن تعيش في مخيمات اللجوء الثقافي العالمية .. وربما تعرضت ثقافتنا في تلك الخيام لما تعرضت له نساء اللجوء السوريات من بيع وشراء وزواج عابر واغتصاب متواصل وسبي إلى المنافي .. والمكان الذي ارتضته الثقافة العربية هي الجلوس على باب ثقافة العالم وتحولت إلى دور البواب المسكين الذي يفتح الأبواب للوردات الثقافة العالمية ومفكريها .. ولا تصدقوا أن أمة يقبل أبناؤها أن يعيشوا في خيام الأمم المتحدة في المنافي من عين الحلوة في لبنان إلى الزعتري في الأردن يمكن أن يكونوا إلا نتاجا لثقافة صارت تعيش أيضا لاجئة في خيام اللجوء الفكري والثقافي الدولية .. فالهزائم الاجتماعية الكبرى هي انعكاس لهزيمة ثقافية كبرى .. ومقابل كل خيمة لجوء في المنافي تجدون خيمة للمثقفين والثقافة في منافي الفكر أيضا.. ولا تغرنكم تلك الألقاب لبالونات الثقافة من صادق العظم إلى أحمد زويل .. لأنهم بالونات ثقافية ..
اليوم يمكن أن نقول بأن المعركة الحاسمة والأهم قد بدأت .. لن نطلق عليها أم المعارك بل هي المعركة مع الأم الخاطئة والأب الضال .. أي الثقافة والدين .. إنها المعركة مع الأم والأب ..
فعندما وقعت أحداث سبتمبر كانت شكلا من أشكال المواجهة بين طرفين متطرفين (قاعدة وصهيونية مسيحية) بغض النظر عن هوية الفاعل والمدبر الحقيقي .. ولكن الآن المواجهة بين طرف ونفسه .. فهو يمسك بالسيف بيده اليمنى ليقطع يده اليسرى .. ويطعن بيده اليسرى ذراعه الأيمن .. ويقلع عينه اليسرى بيده اليمنى وعينه اليمنى بيده اليسرى .. ولن تجدوا في تاريخ العرب بعد معركتي صفين والجمل ما يشبه الآن لأنه مواجهة بين الجمل والجمل نفسه وبين صفين وصفين ..وبين عائشة وعائشة .. وبين معاوية ومعاوية .. وبين زياد وزياد .. وبين علي وعلي ....وبين عمر وعمر ..وعثمان وعثمان ..ووو لا يهم ما تحطم من أبنية وشوارع وبيوت .. ولكن ما يهم إن بقيت لدى العرب ثقافة ووعاء للدين .. وان بقي لهم ماء دينهم الذي شربوه خمسة عشر قرنا ..؟؟
سيخطئ من يعتقد أن المشكلة هي بين "السنة والشيعة" .. بل تحولت المشكلة إلى صراع بين سنية الإسلام وإسلامية السنة .. وسيتلوه يوما لدى التوأم الشيعي صراع بالعدوى سيظهر بين شيعية الإسلام وإسلامية الشيعة .. والنتيجة هي انفصال حاد بين إسلام ما قبل الربيع وإسلام ما بعد الربيع .. وربما إسلام السنوات الألف والخمسمائة سنة الماضية عن إسلام السنوات الألف وخمسمائة القادمة ..
ومن هنا يبدو أن عملية الاستيلاء على القرون المقبلة وإعادة المسروقات من الثقافة العربية يجب أن تنطلق من مشروع مارشال ثقافي عربي .. ومارشال ديني إسلامي .. يقوم على مبدأ تقوية الثقافة ومعالجة بطالتها الفكرية وحقن الدين بالحياة وليس بالموت والبطالة اللاهوتية .. ولنا في درس مشروع مارشال الأوروبي الاقتصادي عقب الحرب العالمية مثال يجب التعلم منه طالما أننا مقتنعون أننا خضنا حربا عالمية كان مسرحها الشرق وقلبها سورية ..
فعندما تحطمت أوروبة تحطم الاقتصاد وعجلة الصناعة وانتشر الفقر بسرعة كنتيجة طبيعية للدمار الهائل .. وكانت التيارات الشيوعية ستنتشر في أجواء الفقر بسرعة .. فخلف كل حي فقير كانت الشيوعية تستقر وتبني لها بيتا ماركسيا .. لذلك قامت أمريكا بمشروع مارشال الشهير الذي كان في ظاهره إعادة أعمار أوروبة المحطمة ولكنه في الحقيقة إيقاف للمد الشيوعي الفكري الذي ستتشربه أحياء الفقراء بنهم في ظل اقتصاد حرب منهك ..
فكّر الأمريكيون بأن الحائط الذي سيوقف الشيوعية ليس حائط الدبابات بل حائط الرفاهية والنمو والضمان الاجتماعي والسوق القوي عبر تدوير عجلة الاقتصاد ومنع الفقر والانهيارات الاجتماعية .. فالدبابات لا تدمر الشيوعية بل ما يدمرها هو تدمير الفقر والبطالة ..فماذا سيبشر الثوار الحمر الشعوب الأوروبية إذا كانت أهم نقطة ارتكاز في التبشير الشيوعي هي قلة عدالة اجتماعية في ظروف فقر وحرمان .. فكان مشروع مارشال عملية بناء السد الاقتصادي الحديدي في أوروبة وحقنه بمليارات الدولارات .. إلى أن تهدمت الشيوعية ..
الهزة الأخلاقية التي عشناها في العالم العربي وفي سورية ستعطينا فرصة تاريخية كطرف منتصر ننتمي إلى حلف نهض لإطلاق مشروع مارشال ثقافي عابر للمنطقة لإعادة أعمار الثقافة التي تحطمت وتجلى حطامها في مثقفين عور بعين واحدة .. وشعب من الخبازين والخياطين والحدادين وقضاة لا يهمهم من العدالة إلا فقء العيون وقلع الأسنان مهما كان مصدرها .. وبالطبع يجب أن يترافق مارشال الثقافي مع مشروع مارشال ديني يسير معه يدا بيد .. فالدين يشبه الإناء الذي تصب فيه الثقافة .. وإلا فان كل هذا النصر الذي نحضر له الاحتفالات لا معنى له وهو مجرد احتفال بهزيمة ثقافية وترحيب بهزيمة عسكرية قادمة .. وان لم ننطلق بمشروع ثقافي ديني عملاق فان الشيوعية الدينية الوهابية بمعناها المجازي تستعد لاقتحامنا دوما طالما إن هناك فقرا ثقافيا ودينيا بعد انهيار منظومة الفكر والثقافة والدين .. وهي ستستفيد من حقيقة أن الإسلام يسكن كل نفس شرقية وهو بالتالي لديه قطاع ومنصة إطلاق جاهزة يمكن أن تنطلق منها بسهولة فائقة على عكس القيم الفكرية الحديثة مثل القومية والشيوعية والاشتراكية والوطنية ..
المهمة شاقة جدا وتشبه بناء حائط سد أو سور الصين العظيم .. ولكن في النهاية يجب إطلاق ثقافة تجعل الناس يحسون بالخجل من المشاركة في فعاليات ثقافية وفكرية وفنية تستضيفها زرائب الثقافة وخياطو الأمارات والمشيخات مهما كانت براقة .. ويجب مثلا تركيز المفكرين على إرساء الشعور بالعار والخجل من طرح المسألة الطائفية والمذهبية في الحوارات اليومية والسياسية العلنية وعلى الملأ لأن هذه المسائل يجب أن تبقى ذات طابع ثقافي وتاريخي وبحثي وليست ليتداوله الناس والعامة ويختلفوا فيه وإلا فقس لدينا العراعير وجمهور الإفتاء وجهاد النكاح .. وتطورت العملية الثورية على طريقة الدراويش نحو أي تغيير اجتماعي لتصبح غير قادرة على إثبات طهوريتها إلا بالطقوس الدينية والهوية الطائفية كما تجلى في إصرار رئيس الوزراء السوري الهارب رياض حجاب على الظهور بعد أيام من فراره في جلباب ديني يؤدي الصلاة كما الدراويش رغم أن أول شيء كان عليه إصداره هو بيان وطني جامع لكل السوريين العلمانيين والإسلاميين .. المسيحيين والمسلمين .. وليس صورته يصلي بجلابية دراويش .. وكأن الصلاة هوية ووسيلة تعبير عن موقف سياسي اشتراكي وبروليتاري أو ليبرالي تحرري وليست شيئا روحانيا خاصا جدا لا يجب توظيفه في التجاذبات الوطنية ..
من غير المقبول أن نستكمل الصراع مع دولة دينية نقية الهوية مثل إسرائيل فيما نحن نذخّر النموذج السياسي العربي المتهتك والممزق سياسيا ودينيا وفكريا ببالونات سياسية وثقافية تنتج النموذج السياسي والفكري العربي المليء بالعوران الذي يتجلى مثاله الذي يطفو على السطح في الإطار اللبناني القائم على حصة عمر وعثمان وعلي والسيد المسيح والنبي بمقاعد في البرلمان والوزارات .. من المخجل أن يكون هناك نائب في أي برلمان عن السيد المسيح وآخر عن المعتز بدين الله الفاطمي وآخر عن آل البيت وغيره عن الصحابة وأمهات المؤمنين كما في لبنان .. هذه الثقافة ستنجب شخصيات ########ة خرقاء مثل سعدو الحريري وعائلات برجوازية أكثر فصامية مثل بيت جنبلاط وبيت الجميل .. وسيتكرر محمد مرسي في مصر وستنسخ تونس الأبله المرزوقي والغنوشي .. إنها جزء من ثقافة متهالكة ومنخورة يقتات منها مجتمع بأكمله ويمارس قلع العيون .. ولا يسير في طرقاته إلا العور ..ولن يمنع قلع العيون إلا مشروع ثقافي وديني وأخلاقي كبير .. أعظم من مشروع مارشال الأمريكي في أوروبة.
|
|
|
|
|
|