|
كيف يغرق موسفيني في مستنقعات السد حرفياً ومجازاً ؟ ثروت قاسم
|
Facebook.com/tharwat.gasim [email protected]
1- الموقف العام؟
لا يزال الموقف السياسي والعسكري في الميدان في دولة جنوب السودان عجاجياً وزئبقياً ، في لعبة كراسي شيطانية بين الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار .
عند كتابة هذه السطور ( الأحد 19 يناير 2014 ) يسيطر الدكتور رياك مشار على ملكال ومعظم ، إن لم يكن كل ، آبار النفط الجنوبية في ولاية أعالي النيل وولاية الوحدة .
في المقابل ، تسيطر قوات الرئيس سلفاكير ( الجيش اليوغندي ) على مدينة بور عاصمة ولاية جونقلي ، وعلى بانتيو عاصمة ولاية الوحدة .
طلب الرئيس سلفاكير( السبت 18 يناير ) نجدة إسعافية من الخرطوم لتامين آبار البترول في ولاية اعالي النيل وولاية الوحدة ؛ ومن رواندا لتأمين طريق ياي – جوبا .
ربما بدأت مفاوضات أديس ابابا بين طرفي النزاع يوم الأثنين 19 يناير بالتوقيع علي أتفاق بفصل بنود أجندة النقاش عن بعضها البعض ، ومناقشة كل بند على حدة . وربما الإتفاق على وقف العدائيات ووقف إطلاق النار وتأمين المسارات الإنسانية والإغاثية وإنسحاب القوات الأجنبية .
ولكن قلل وزير الدفاع في دولة جنوب السودان كول مانيانج جوك ( يوم الجمعة 17 يناير ) من فرص صمود أي إتفاقية لوقف العدائيات ووقف إطلاق النار بين طرفي النزاع ، معللاً ذلك بإن الدكتور رياك مشار ليست له سيطرة كافية على قواته ، التي هي عبارة عن أمارات حرب ، كل أمارة تحت سيطرة أمير حرب له نزواته وحربوياته ؟
بدأ الفريق جوك في ( الخرخرة ) ؟ خصوصاً والسيد نيال دينق نيال ، رئيس وفد المفاوضات الحكومي لا يزال في جوبا لإجراء ( مشاورات ؟؟) مع الرئيس سلفاكير ؛ وعليه فالمفاوضات في أديس ابابا مجمدة ، ربما ريثما يستعيد جيش الحركة مدينة ملكال ؛ وبعدها يرجع السيد نيال إلى أديس ابابا للموافقة على وقف العدائيات وجيش الحركة مسيطر على بور وبانتيو وملكال ؟؟
تذاكي مع اُناس أكثر ذكاءاً ؟
أعلاه يلخص الموقف السياسي والموقف العسكري الميداني عند كتابة هذه السطور ( الأحد 19 يناير ) وربما أنقلب الوضع راساً على عقب عند نشر هذه السطور لاحقاً .
اما الموقف الأنساني فثابت في كارثيته وذئبيته وحيوانيته .
بل الحيوان أرفع مكانة من بعض البعض من بني آدم . يعتدي الحيوان على غيره لإطفاء نيران جوعه ، أو للدفاع عن صغاره ومملكته . لا يعتدي الحيوان على غيره حباً في العدوان والقتل سنبلة على الهوية ، كما يفعل بعض بني آدم . لا يعرف الحيوان القتل العبثي كما يمارسه بعض البعض من بني آدم .
هل تصدق أن دبابة من دبابات جيش الحركة الشعبية يقودها عسكري دينكاوي تطرح ، في جنح الليل البهيم ، أرضاً قطية من قطاطي النوير في جوبا ، وأهلها بداخلها وهم نيام مع أطفالهم ؟ ويموت الجميع وهم نيام تحت مجنزرات الدبابة ، الطفل في حضن أمه ، والجريوات في حضن أمهن في حفرة قصية من القطية . وتمر الدبابة على باقي القطاطي النويرية في الحي النويري ، ولا ينجو من جنازيرها غير حفنة من دجاج هربت وهي تصيح لا تلوي على شئ . إتضح إن الدجاج له قرون إستشعارية من على البعدغير متوفرة لبني آدم . أعطني ذئبية أكثر من تلك ... قتل عشوائي عمياني لا يرى القاتل ضحاياه فتختلط دماؤهم بطين القطية وقشها ؟
تجاوز عدد الضحايا حاجز ال 10 الف قتيل ، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين حاجز ال 450 الف ؟ ونجحت قوات الجانبين في تدمير البني التحتية في مدن ولايات أعالي لنيل والوحدة وجونقلي ، فصارت جميعها قاعاً صفصفاً ، بل مدن أشباح تمرح وتسرح فيها الكلاب والكدايس الضالة ، التي صارت تعاف الجثث المتحللة في الشوارع والأزقة ، وتستغرب من ظلم الأنسان لأخيه الأنسان . 2- الرئيس موسفيني ؟
أمام قادة دول منظمة البحيرات العظمى ( الاربعاء 15 يناير 2014 – لواندا عاصمة انجولا ) تشدق الرئيس موسفيني بالدعم العسكري الذي قدمه للرئيس سلفاكير ، بالتنسيق مع وموافقة إدارة اوباما ، ومنظمة الإيقاد ، والأمم المتحدة ، وإستجابة لإستغاثة ( عووووك يا ابو مرووووة ) من الرئيس سلفاكير .
أجمع المراقبون إنه لولا التدخل اليوغندي الحاسم ، لكان الدكتور رياك مشار متربعاً الآن وخالفاً رجلاً على رجل في القصر الرئاسي في جوبا .
مر التدخل اليوغندي بثلاثة مراحل متوالية ، تتبع كل مرحلة الأخرى تراكمياً ، كما ذكرت صحيفة النيويورك تايمز المحترمة :
+ في المرحلة الأولى أرسل الرئيس موسفيني كتيبة من حوالي 500 عسكري بكامل تجهيزاتها العسكرية من دبابات ومجنزرات وطائرات حربية .
أمنت القوة اليوغندية مطار جوبا ، والقصر الرئاسي في جوبا ، لكي تتفرغ قوات جيش الحركة الشعبية لمقاتلة قوات الدكتور رياك مشار في ولايات جونقلي والوحدة واعالي النيل . كما قصفت الطائرات اليوغندية مواقع قوات الدكتور رياك مشار حول وداخل مدينة بور ، عاصمة ولاية جونقلي .
+ في المرحلة الثانية ، أرسل الرئيس موسفيني كتيبة ثانية قوامها 800 عسكري بكامل تجهيزاتها العسكرية، مع عدد أكبر من الدبابات والمدافع الثقيلة .
أنقذت هذه القوة جوبا من الوقوع في براثن الدكتور رياك مشار ، لأنها نجحت في وقف تقدم قوات الدكتور رياك مشار القادمة من ثلاثة محاور نحو جوبا ، كما يلي :
• من شمال جوبا على طريق بور – جوبا ؛ • من غرب جوبا على طريق ياي – جوبا ؛
• من جنوب جوبا على طريق نمولي – جوبا الإستراتيجي وشريان الحياة لجوبا .
+ في المرحلة الثالثة الحالية ، صارت القوات اليوغندة تحارب قوات الدكتور رياك مباشرة في ولاية جونقلي ، ودخلت منتصرة بور في يوم السبت 18 يناير ؛ وفي طريقها لإعادة السيطرة على ملكال وآبار النفط في ولاية أعالي النيل وولاية الوحدة .
صار الجيش اليوغندي طرفاً أصيلاً في الحرب الأهلية في جنوب السودان .
في المقابل ، وفي يوم الجمعة 17 يناير نجحت قوات الدكتور رياك مشار في السيطرة على ملكال ومعظم آبار البترول ( عدرائيل ) في ولاية أعالي النيل .
أستنجد ( السبت 18 يناير ) الرئيس سلفاكير بالرئيس البشير لدعمه بقوات سودانية لأسترجاع وتأمين آبار البترول في ولاية أعالي النيل . كما وعد رئيس رواندا بنجدة الرئيس سلفاكير ، وإرسال قوات رواندية للمشاركة ليس في حفظ السلام بل في فرض السلام بمحاربة قوات الدكتور رياك مشار في الولايات الشمالية الثلاثة ... أعالي النيل والوحدة وجونقلي .
عملت إدارة اوباما أضان الحامل طرشة بخصوص التدخل اليوغندي المهول في دولة جنوب السودان لصالح الرئيس سلفاكير .
3- غ########ة بور ؟
غ########ة بور توضح توازن الضعف بين قوات الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار . خلال الفترة من 15 ديسمبر 2013 إلى 16 يناير 2014( 32 يوم ) تبدلت السيطرة على بور بين قوات الرئيس سلفاكير وقوات الدكتور رياك مشار 5 مرات ، حوالى إسبوع تحت سيطرة كل طرف في المتوسط ، مما يؤكد توازن الضعف بين الطرفين . حتى دخل الجيش اليوغندي في مباراة البونق بونق لصالح فريق الرئيس سلفاكير . يا ترى هل يستمر الجيش اليوغندي في السيطرة على بور لأكثر من أسبوع ، أم سوف تكون سيطرة دائمة ؟ وهل يقبل مواطنو ولاية جونقلي ، وأغلبهم من النوير بالإستعمار اليوغندي الجديد لعاصمتهم بور ، التي صارت قاعاً صفصفاً ، وإسم على مسمى ... من الأرض البور والبوار ؟
راجع لعبة كرة البونق بونق أدناه بين الفريقين المتنافسين : + في يوم الاحد 15 ديسمبر 2013 ، عند تفجر الأزمة في جوبا ، كانت بور تحت سيطرة قوات الرئيس سلفاكير .
+ في يوم الخميس 19 ديسمبر 2013 ، وقعت بور في قبضة قوات الدكتور رياك مشار .
+ في يوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2013 ، إستعادت قوات الرئيس سلفاكير السيطرة على بور . + في يوم الثلاثاء 31 ديسمبر 2013 ، إستعاد الجيش الأبيض التابع لقوات الدكتور رياك مشار بور من قوات الرئيس سلفاكير .
+ في يوم السبت 18 يناير 2014 ، إستعاد الجيش اليوغندي بور من قوات الدكتور رياك مشار ، التي تراجعت تكتيكياً دون أي مقاومة . + متى يستعيد الدكتور رياك مشار بور من قبضة الجيش اليوغندي في لعبة الكراسي الشيطانية ؟ وهل ينجح الجيش اليوغندي في الصمود أمام قوات الدكتور رياك مشار ، التي سوف تقاتل حرب عصابات بغبينة وطنية ضد الإستعمار الأجنبي ؟
أدخل الرئيس موسفيني نقلة نوعية شيطانية في الحرب الأهلية في الجنوب ... العامل الأجنبي .
إنتظروا ، إنا معكم منتظرون .
4- حرب المستنقعات ؟
يحدثنا التاريخ بأن التدخل العسكري في دولة أجنبية غالباً ما يعود بالخسران ، بل الخسران المبين ، على الطرف المُتدخل .
اوراق التاريخ الحديث تحدثنا عن مصيبة الإتحاد السوفيتي في مستنقع أفغانستان ؛ ومصائب أمريكا في مستنقعات فيتنام وأفغانستان والعراق ؛ وقرار أوباما بعدم التدخل العسكري في أي بلد أجنبي ، حتى على البعد بالصواريخ كما في حالة سوريا ، لان التدخل الصاروخي ربما قاد إلى التدخل الأرضي ، وما يجره من كوارث .
التدخل العسكري لعبدالناصر في مستنقع اليمن بدأ بدعم مالي محدود ومستشارين عسكريين للمشير السلال في ثورة 26 سبتمبر 1962 ، ثم نما ككرة الثلج المتدحرجة ، حتى تجاوز 70 الف جندي مصري ، مستنزفاً الجيش المصري والإقتصاد المصري ، وقاد بصورة غير مباشرة إلى هزيمة 1967.
وتتوالى المثلات !
هل نسي الرئيس موسفيني دروس التاريخ ، وقررأدخال جيشه في مستنقع الجنوب ؛ وهو مستنقع ( جد جد ) ، بالمعني الحرفي وكذلك المعنى المجازي للكلمة . تقع بور في حافة مستنقعات السد وبحيرة نو . تحريك القوات اليوغندية في مستنقعات السد الجنوبية أمر دونه صخرة سيزيف . الإنتصار الأولي في بور ، سوف يُسكر موسفيني ويدور برأسه ويجذبه كالمغناطيس نحو ملكال وبانتيو إلى الشمال من مستنقعات السد . وتظهر لموسفيني مشكلة تموين قواته المتوغلة في مستنفعات السد ، في بيئة من النوير المسلحين حتى أسنانهم والذين سوف يقلبون حياة القوات اليوغندية إلى جحيم ، في حرب عصابات شرسة .
سوف تغرق قوات موسفيني في مستنقعات السد ببطء سلحفائي ، ودون أن يشعر موسفيني ، حتى يكتشف أن مياه السد قد وصلت إلى رأسه وربما تجاوزته .
وعندها سوف يكتشف موسفيني إنه وقواته في منعرج اللوى ، وتصيبه لعنة السد في مقتل ؟
ولكن لماذا جازف موسفيني بإغراق قواته في مستنقعات السد ، الأمر الذي ربما قاد للإطاحة به عندما تبدأ جثامين الجنود اليوغنديين في الوصول إلى كمبالا من مستنقعات السد ؟
دعنا نستعرض في المقالة القادمة بعض الأسباب التي دفعت موسفيني للتدخل العسكري في مستنقعات السد في الجنوب ، حرفياً ومجازاً ؟
نواصل ...
|
|
|
|
|
|