|
أساتذة جائعون يا جلالة الملك / عبد الرحيم الوالي
|
قد يقول المتثورون أن لاجدوى من توجيه الرسائل والنداءات للملك، وأن ذلك يكرس ممارسة ينبغي أن تتلاشى في دولة القانون والمؤسسات، وما شاكل ذلك من تلاوين الخطاب المتلفع في أثواب "التقدمية" و "الحداثة" وغير ذلك.
لكني مع ذلك مُصر على إيصال هذه الرسالة بالضبط إلى الملك محمد السادس إن كانت ستصله بالفعل. فإن لم يكن فإنها (وذلك أضعف الإيمان) ستصل حتما إلى مَن سيعمل على حجبها عن الملك. لا يهم! فالرسالة ليست رسالة شخص وإنما هي رسالة الملك نفسه التي وجهها إلى الشعب المغربي في خطاب 20 غشت بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب: إصلاح التعليم.
طبعاً، يقتضي مقام الملك مخاطبته بكامل الاحترام الواجب لشخصه. والسؤال، في كل الأحوال، ليس علامة على قلة الاحترام وحاشا أن يكون كذلك، خاصة حينما يكون سؤالا استنكارياً لا استفهامياً. وعليه، أستسمح مقام جلالته في طرح سؤالي هذا: هل سنصلح التعليم، يا جلالة الملك، بتجويع ثمانية آلاف أستاذة وأستاذ من الخريجين الجدد لمدة تزيد عن ستة أشهر؟
بالتأكيد، لا مسؤولية مباشرة للملك في هذا الوضع الكافكاوي بامتياز لأن الحكومة هي المسؤولة قانونيا وأدبيا وأخلاقيا عن هذا الوضع وعن تداعياته النفسية والاجتماعية والسياسية الخطيرة. وحين أسمح لنفسي بمخاطبة الملك فلأنه بنص الدستور ضامنُ "حقوق وحريات المواطنين والمواطنات" وهو، بالنتيجة، ضامنُ حق 8000 أستاذة جديدة وأستاذ جديد في الحياة الكريمة. والحياة الكريمة لاتستقيمُ مع تجويع آلاف الأستاذات والأساتذة الجدد نصف عام وما يزيد، علماً أن أزيد من 60 بالمائة من التعيينات الجديدة تمت في الجنوب، وأن كثيرا من هؤلاء الأستاذات والأساتذة لا يعيلون أنفسهم فقط، وإنما وراءهم نساء وأطفال وشيوخ. هذا، دون أن نتحدث عن تداعيات هذه المحنة على أداء هؤلاء الأستاذات والأساتذة داخل الفصول الدراسية. فهل سنصلح التعليم بأستاذ لا يجد دواء لإبنه المريض؟ أم سنصلح التعليم بأستاذ يهينه مالك البيت شهريا لأنه عاجز عن تسديد السومة الكرائية؟ أم سنصلح التعليم بأستاذ يفتقر جسده إلى السعرات الحرارية الضرورية ويعاني من سوء التغذية؟
لقد اشتكى حتى الآن عدد من هؤلاء الأساتذة من الجوع، علانية، على فيسبوك. والأكيد أن الأغلبية الصامتة تشكو هي الأخرى "تحت أنوفها" على عادة المغاربة عملاً بالقول الشعبي المأثور "جُوعي ف كرشي وعْنايتي فراسي". لكنْ، لا يليق بتاتاً بدولة ترفع شعار إصلاح التعليم أن تبدأ مشوار الإصلاح بحرمان الموارد البشرية الجديدة، لأزيد من نصف سنة، من أبسط الحقوق الإنسانية وفي مقدمتها الأجرة. لا يليق بحكومة تزعم "الإصلاح" أن تصرف رواتب وزرائها منذ الشهر الأول وأن تمنع 8000 أستاذة وأستاذ جدد من رواتبهم التي يُضاعفُها راتب الوزير ما يزيد عن أربعة عشر مرة. وقد قرأ هؤلاء الأساتذة حتى الآن كل التراتيل والأدعية الممكنة لكي تنكشف عنهم الغمة. منهم مَن صلى وقرأ القرآن ودعا بكل الأدعية المأثورة عن النبي. ومنهم مَنْ صلى صلاة الخوف وربما حتى "صلاة الجوع". لكن القرآن لم ينفع. و"مَنْ لم ينفع معه القرآن يؤدبهُ السلطان" كما سبق أن قال رئيس الحكومة "الشيخ" بنكيران. ولم يعد لهؤلاء الأساتذة المُجوعين (وأنا واحد منهم) إلا أن يتوجهوا إلى الملك الذي هو ضامنُ حقوقهم بقوة الدستور لكي يتفضل جلالتُه بتأديب الحكومة، وإشعارها بأن هؤلاء الأستاذات والأساتذة يأكلون ويشربون كما يأكل الناس ويشربون، ويحتاجون سَكَناً كما يحتاجه كل الناس، وعليهم أن يدفعوا في آخر الشهر فواتير الماء والكهرباء كما يدفعها كل الناس، إلى غير ذلك من إكراهات الحياة.
ننتظر إذن أن تصل رسالتنا هذه إلى جلالة الملك، وأن يتفضل بما هو معهود في جلالته من غيرة على الحق، بإصدار أمر ملكي فوري بصرف رواتب الأستاذات والأساتذة الجدد جميعا، دفعة واحدة، ودون تسويف. وإذا لم يحدث ذلك فمعناه أن الرسالة لم تصل. وآنذاك سنوصلها تحت هراوات البوليس التي هي "الحل" الوحيد الذي قدمه رئيس الحكومة حتى الآن لأسرة التربية والتعليم.
|
|
|
|
|
|