8/ الوصل والفصل بين الإسلام والعلمانية/خالد الحاج عبدالمحمود

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 10:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-08-2014, 05:55 PM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 164

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
8/ الوصل والفصل بين الإسلام والعلمانية/خالد الحاج عبدالمحمود

    بسم الله الرحمن الرحيم
    "وَand#1649;لَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ and#1649;للَّهُ بِهِand#1766;and#1619; أَن يُوصَلَ، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَيَخَافُونَ سوء and#1649;لْحِسَابِ" صدق الله العظيم

    قلت أنني سأعود لقضية فصل الدين عن الدولة، فهي قضية أصولية، تتعلق بجوهر الدين.. وهي تشكل الاختلاف الجوهري بين الدين والعلمانية.. فالإسلام يقوم بصورة أساسية على الوصل، من حيث الحقيقة، ومن حيث الشريعة.. هذا، في حين أن العلمانية، تقوم على الفصل، ليس بين الدين والدولة، وإنما في كل شيء.. العلمانية ابتداءً فصلت الله من الكون، بمعنى أنها أبعدت الله تعالى، عن الكون ـ عن خلقه.. نتيجة للتفسير العلمي للكون، أو التفسير الآلي، تمّ استبعاد الله عن الكون، بصورة نهائية، أو أُبعد إلى بداية الخلق، عند الذين يؤمنون بالله، وبأنه خالق.. وفي الحالين لم يعد لله أي دور في الوجود، ولا في الحياة الإنسانية، فحاجة الإنسان يمكن أن تكون مكفيَّة عن طريق العلم.. ومع إبعاد الله، تم إبعاد التفكير الغائي.. هذه النظرة هي النظرة الأساسية للكون، وهي نتيجة لسيادة العلم التجريبي، وتفسيره للكون.. فما يُسيِّر الكون، حسب هذه النظرة، هو قوانين الطبيعية، وليس الله.. فالله تعالى، حسب زعم لابلاس "فرضية لا حاجة لها".. حدث تحول كبير جداً في العلم، يلغي هذه النظرة.. ولكن من الناحية العملية لا زالت هي السائدة.. فالفصل الأساسي الذي تم في العلمانية، هو فصل الله تعالى عن الكون.. وهذا هو جوهر فصل الدين عن الدولة.. أما الفصل في جانبه العملي، فهو فصل الكنيسة التي كانت لها سلطة زمنية، عن الدولة صاحبة السلطة الزمنية.. فهو فصل بين مؤسستين، متصارعتين على السلطة الزمنية: الدولة والكنيسة.. هذا هو الجانب السياسي لفصل الدين عن الدولة، وهو مجرد إنعكاس للجانب العلمي، والفلسفي.. فهذا الأخير هو الأساسي، لأنه يمثل إطار التوجيه.. وهو سابق على نشوء الدولة المدنية، بصورتها المعروفة.. وعندما جرى الفصل بين الدين والدولة، في المجال السياسي، وهو قد جاء مؤخراً جداً، لم يكن فصلاً بين الدين عامةً، والدولة، وإنما هو فصل بين الدين الذي تمثله المسيحية في الغرب، والدولة.. وهو فصل في جوهره بين الدين السماوي والدولة ـ وذلك لأنه في الأساس فصل بين الله والعالم ـ ولكن نفس هذا الفصل، هو وصل بين الدين والدولة في إطار العلمانية ـ يجب ملاحظة أن العلمانية دين، ولكنها ليست دين سماوي.. الله تعالى، أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للكافرين: "لكم دينكم ولي دين".. فالكفر، بمختلف أشكاله دين، كما الإسلام دين.. على كلٍ أصحاب العلمانية نفسها يعتبرونها ديناً.
    الحضارة الغربية عموماً، لأنها تقوم على العلمانية، والعلم التجريبي، والمادية، والعقل المجرد، هي بالضرورة تقوم على الفصل بين الأشياء.. فالعلم، لكي يدرس أي شيء، يفصله أولاً من بقية الأشياء.. والمادية لابد أن تقوم على فصل الأشياء عن بعضها البعض.. والعقل والحواس، لا يعطيان إلا التعدد، والفصل بين الأشياء.. فالفصل، في جوهر العلمانية.. وأهم مظاهر هذا الفصل، الفصل بين المادة والروح أو المادة والفكر.. وبين المادة وما وراء المادة.. وهو فصلٌ، في بعض حالاته يبعد تماماً الروح وما وراء المادة.. يبعد الله والغيب.
    أما الإسلام، فعلى العكس من العلمانية، تماماً.. هو يقوم على الوصل.. الوصل هو جوهره.. هذا الوصل في الإسلام، هو "التوحيد".. والتوحيد حسب الإسلام، يعطي تصوراً للكون، يجعله كله وحدة، ليس فيها اختلاف نوع!! وإنما كل ما فيها من اختلاف هو اختلاف درجة.. والأشياء كلها حسب التوحيد: أصلها واحد وطبيعتها واحدة والقانون الذي يحكمها واحد، ومصيرها واحد!! فالكون الحادث كله، من الله صدر، وإليه يعود.. كما أنه تجسيد لإرادة الله.. فمن المستحيل فصله عن الله، لأن قيوميته به تعالى.. فالفصل محض جهل.. والكون في الإسلام، صنع من مادة الفكر!! يقول الأستاذ محمود: "فالعالم هو تجسيد علم الله ـ هو تجسيد فكر العقل الكلي، وأنه لحق أن العالم قد صنع من مادة الفكر، ومن أجل ذلك جاءت كرامة الفكر.. ولم يجعل الله هادياً في شعاب ظلمات العالم غير نور العقل القوي الفكر" .. وفي توكيد أمر الصلة، في الإسلام، يجئ قول الأستاذ محمود عن البيئة: "البيئة بيئتان: بيئة طبيعية، من العناصر الصماء، في الأرض، وفي السماوات، وبيئة اجتماعية، من جميع الأحياء، من لدن حيوان الخلية الواحدة ـ سواء أن كانت خلية حيوان، أو خلية نبات.. والبيئة مع ذلك، وحدة متحدة، الاختلاف بين أعلاها، وهو الإنسان، وأسفلها وهو ذرة بخار الماء، إنما هو اختلاف مقدار".. فالبيئة (وحدة متحدة) ومتحدة تعني متصلة.. والبيئة، بيئة روحية ذات مظهر مادي.. فالروح والمادة شيء واحد متصل.. المادة مظهر الروح، وليست شيئاً غيرها.. وعندما نقول أن البيئة مظهر إرادة الله، فالإرادة لا تنفصل عن المريد، وهذا هو أصل الوصل.. الأصل في الوصل، هو رد الأشياء إلى مصدرها ـ الله ـ وعدم فصلها عنه تعالى.
    وفي السلوك، العمل كله يقوم على الوصل ـ رد الأمور إلى الله، وربطها به، والنظر إلى كل شيء، من خلال نسبته إلى الله ـ على اعتبار أنه فعل الله، على اعتبار أنه إرادة الله متجسدة.. وكل شيء يحدث في الوجود، هو كلام الله الخَلقي، وعلينا أن نتعامل معه كذلك، فنسمع لله، في خطابه من خلال أحداث الوجود، ونفهم عنه ونعي.. فالوجود هو كلام الله الخَلقي، ومن يكن على صلة بالله تعالى ـ حاضر معه ـ يفهم عنه.. فالحضور وما ينبني عليه هو جوهر السلوك الديني، وهو الوصل.
    يقول تعالى: "وَand#1649;لَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ and#1649;للَّهِ مِنand#1762; بَعْدِ مِيثَـand#1648;قِهِ، وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ and#1649;للَّهُ بِهِand#1766;and#1619; أَن يُوصَلَ، وَيُفْسِدُونَ فِى and#1649;لْأَرْضِ، أُوand#1759;لَـand#1648;and#1619;ئِكَ لَهُمُ and#1649;للَّعْنَةُ، وَلَهُمْ سُوand#1619;ءُ and#1649;لدَّارِ".. ويقول تعالى: "and#1649;لَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ and#1649;للَّهِ مِنand#1762; بَعْدِ مِيثَـand#1648;قِهِ، وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ and#1649;للَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ، وَيُفْسِدُونَ فِى and#1649;لْأَرْضِ، أُوand#1759;لَـand#1648;and#1619;ئِكَ هُمُ and#1649;لْخَـand#1648;سِرُونَ".. ويقول تعالى: "وَand#1649;لَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ and#1649;للَّهُ بِهِ، أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَيَخَافُونَ سُوand#1619;ءَ and#1649;لْحِسَابِ".. "عهد الله من بعد ميثاقه"، إشارة إلى قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنand#1762; بَنِىand#1619; ءَادَمَ، مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.. وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىand#1648;and#1619; أَنفُسِهِمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ !؟ قَالُواand#1759; بَلَىand#1648; and#1755; شَهِدْنَآ، أَن تَقُولُواand#1759; يَوْمَ and#1649;لْقِيَـand#1648;مَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـand#1648;ذَا غَـand#1648;فِلِين" فقد شهدنا جميعاً لربنا بالربوبية، ولأنفسنا بالعبودية.. وقد كان هذا في عالم الملكوت، وعلينا أن نعود إليه، ونحققه في عالم الملك ـ في تجسيد.. فتحقيق العبودية لله، هو الوصل، وهو الغاية المنشودة، إذ به تتحقق خلافة الإنسان لله في الأرض.. وهذا الوقت من تاريخ البشرية، هو وقت تحقيق هذا العهد في قمته، بتحقيق الخلافة لله في الأرض، بعد أن استعدت الأرض لها.. وهذا ما ظلت حركة التطور في الكون في جميع المجالات تعمل له.. قوله تعالى: "وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ and#1649;للَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ".. ما أمر الله به أن يوصل، في القمة، وفي الأساس، هو الميثاق القديم، مع تحقيقه في الأرض.. أو وصل الملك بالملكوت.. هذا هو الأصل، وهو الغاية.. وجميع صور الوصل في سبيله.. ما أمر به أن يوصل من الناحية السلوكية العملية هو الرحم.. الرحم في مستوياتها المختلفة.
    الفصل تناقض
    والوصل محبة:
    الفصل يقوم على التناقض: التناقض بين الإرادة الإلهية، والإرادة البشرية، والتناقض بين الفرد والمجتمع.. والتناقض داخل الفرد، بين العقل الواعي والعقل الباطن.. وأصل جميع هذه التناقضات، هو التناقض بين الإرادة الإلهية والإرادة البشرية.. وبحل هذا التناقض، يتم حل جميع التناقضات.. وحل هذا التناقض هو بالتخلي عن وهم الإرادة المستقلة، وردها للمريد الواحد.. وهذا هو الوصل، وهو الإسلام.. وبحل هذا التناقض، يتم الوصل الأصلي.. ثم يتم الوصل في المستويين الآخرين، مستوى التناقض بين الفرد والمجتمع، والتناقض داخل الفرد.. ومن الناحية العملية، حل التناقض داخل الفرد هو الأساس، لحل جميع التناقضات.. وحل التناقض، في هذا المستوى، هو التوحيد كصفة للموحِّد.. وهو يعني الوحدة بعد الانقسام، وحدة الفكر والقول والعمل.. فانفصال هذا الثالوث هو الفصل.. وإنما جاء الدين لوصل الثالوث وتوحيده.. يقول تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".. فسبب المقت هو الفصل ولا يرفع المقت إلا بالوصل.. وفي قاع الفصل يجيء النفاق، ثم جميع صور الكذب، التي تقوم على اختلاف الظاهر مع الباطن.. فالكذب هو أصل الفصل السلوكي، فهو حاضر دائماً، في كل صورة من صور الفصل.. وعلى العكس من ذلك الصدق، فهو الوسيلة الواسلة لجميع درجات الوصل.. ولهذا السبب المؤمن لا يكذب!!
    وحدة الوصل الأولى، هي وحدة الفكر، وهي توحيد: الفكر والقول والعمل.. أما الوحدة الثانية، فهي وحدة الحياة: وهي وحدة العقل والقلب والجسد.. وهذه، هي مطلب الدين الأساسي، وغاية الغايات فيه، وبها يتم وصل الحياة بمصدرها وبالأحياء والأشياء، فتقوم العلائق على الوصل ـ وهو هنا المحبة ـ وتنتهي كل صور الفصل، وما تقوم عليه من قيم سلبية: الغل، والحقد، والكراهية، والبغضاء، والحسد، ...إلخ، فهذه القيم السلبية، هي الفصل داخل الفرد، وبين أفراد المجتمع فيما بينهم.. والوصل هنا، إنما يكون بتجاوز هذه القيم السلبية، وإحلال المحبة مكانها.. وهذا هو جوهر وخلاصة الوصل ـ خلاصة التجربة الدينية، وأساس تحقيق إنسانية الإنسان.
    المحبة هي أصل الوصل، فهي ما تقوم عليها طبائع الوجود كما عليها يقوم أصل الطبيعة الإنسانية، ولذلك التكليف بالصلة ـ صلة الرحم ـ إنما يستهدفها.
    التناقض هو مظهر الوجود، أما أصل الوجود فيقوم على التناغم، وهو المحبة.. فبالمحبة يتم حل التناقض، ورد الأمور إلى أصلها، وهو الوصل بين المتناقضات، بدل الفصل.. يقول الأستاذ محمود: "البيئة مظهر إرادة الله.. والإرادة (ريدة) والريدة عندنا نحن السودانيين ـ محبة.. العالم (محبة) والله (محبة) ولم يجعل الله في العالم بغضاً وعداوة إلا لحكمة تعليمنا نحن.. والتعليم يبدأ من الجهل ـ وكذلك بدأنا نحن بني البشر نتعلم من الجهل ونسير، بتسيير الله لنا، من الظلام إلى النور ـ من الجهل إلى العلم.. وما خلق الله الظلام إلا لنتعلم نحن بالضد.. قال تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) خلق الظلام لنعرف النور، وخلق الشر لنعرف الخير، وعندما نفهم، لا يبقى إلا العلم، ولا يبقى إلا الخير".. عندما نفهم نتجاوز الفصل، إلى الوصل.. نتجاوز التناقض إلى الوحدة.
    المحبة العامة، تقابل الرحمة العامة ـ الرحمة الرحمانية، التي وسعت كل شيء.. أما المحبة الخاصة، فهي تقابل الرحمة الرحيمية، وفيها يقول تعالى: "إن ربي رحيم ودود".. ويقول: "وهو الغفور الودود".. والودود تعني الكثير المحبة.
    ونهج الإسلام، نهج طريق محمد صلى الله عليه وسلم، هو نهج المحبة، وآيته من كتاب الله: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ and#1649;للَّهَ فَand#1649;تَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ and#1649;للَّهُ".. فهو "طريق المحبة الخصبة الخلاقة".. فالإسلام في هذا المستوى، هو دين الحب.. والحب فيه هو الوصل.. وهذا الوصل يقوم على مستويين: وصل الصلاة، ووصل الصلة، يقول الأستاذ محمود "وسبيل الإنسان إلى التخلق (بالأحدية) إنما هو التخلق (بالواحدية).. والواحدية هي التفرد الذي لا يشبهه شبيه.. وسبيل الإنسان إلى التخلق بالواحدية تجويد التوحيد، (لا إله إلا الله).. وسبيل الإنسان إلى تجويد التوحيد، تجويد العبادة.. والعبادة معاملة.. والمعاملة، كالعملة، ذات وجهين: من أعلاها معاملة الرب.. ومن أدناها معاملة الخلق.. وأعلى معاملة الرب (الصلاة).. وأعلى معاملة العبد صلة الرحم.. وليست الرحم هنا قرابة الدم، (وإن كانت هذه موجودة في أدنى المنازل)، وإنما الرحم هنا بمعناها الواسع، وهي رحم العبودية للمعبود الواحد.. قال تعالى، في ذلك: "إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى.. وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي.. يعظكم لعلكم تذكرون".. قمة الصلاة أن تكون صلة بينك، وبين الله، حتى تكون معه كما هو معك.. وهيهات.. وقمة المعاملة أن تنشأ الصلة، بينك، وبين الأشياء، والأحياء، فتتصرف فيها وأنت تتوخى الحكمة التي ترضي خالقها، في تصريفها.. هذه دائماً ممكنة، في مستوى من المستويات، للعارفين الذين تبلغ بهم المعرفة منازل المحبة ـ حب الأحياء والأشياء.. وبالمحبة نتحرر من الخوف، ونتخلص من الحجب، التي رسبها هذا الخوف، في صور عقد نفسية".. راجع كتاب "السلام" الباب الثامن "المحبة الوجه الإيجابي للسلام".
    هذه هي الصلة: الصلة بيننا وبين الله، والصلة بيننا وبين الأحياء والأشياء، وهذا هو الدين، وهو ما يدعو له الأستاذ محمود، الذي قال: "ولن يهدأ لي بال حتى أرى الإنسانية قاطبة وقد قام ما بينها وبين ربها على الصلاة، وبينها فيما بينها، على الصلة، وعلى الله قصد السبيل".. وهذه الصلة، هي ما يقوم عليه الوجود كله.. ففي العلم التجريبي، المادة إنما تطورت نتيجة لخلق الصلة بين جزيئاتها من دون الذرية، وحتى العناصر، فجميعها من أصل واحد، وتكونت نتيجة للتفاعل.. فمن الجسميات الأولية، ونتيجة للتواصل، تكونت أنوية الذرات، ثم الذرات.. ذرات العناصر الخفيفة أولاً، ثم الثقيلة.. وعندما بدأت الحياة أخذت نفس المسار.. فكل شيء أصله الهيدروجين، ونتيجة للتغيرات والتحولات التي حدثت، بين أجزاء المادة، صار الكون إلى ما صار إليه.. هكذا الحال بالنسبة للحياة، فقاعدتها المستوى الجزيئ، ثم عن طريق التواصل والتفاعل، تطورت حتى الخلية، ثم الكائنات متعددة الخلايا.. ولولا وجود تواصل بين الخلية وبيئتها لما وجدت حياة.. ولو ظلت الخلايا في حالة انقسام فقط، دون تواصل وارتباط، لما تطورت الحياة.. الكائن الحي، بيولوجياً، هو عبارة عن خلايا متواصلة فيما بينها، وفيما بينها وبين بيئتها.. يخبرنا كتاب "تاريخ النشوء" عن دور الاتحاد التعاوني، فيقول: (هذا ما حصل لدى تجمع ذرات الهيدروجين، مُشَكِلَةً النجوم التي تشكلت فيها العناصر الأساسية عن طريق اتحاد نوى ذرات الهيدروجين، ومن اتحاد هذه العناصر تشكلت الروابط الكيميائية التي تعقدت عبر اتحادات متتالية مُشَكِلَةً مختلف المواد والمركبات.. ومن الخلايا البدائية عديمة النواة تشكلت، عن طريق الاتحاد التفاعلي، خلايا أعلى مجهزة بعضيات شكلت بدورها متعضيات كثيرة الخلايا قادرة على الحياة كوحدة منفردة مستقلة.. يستطيع المرء في الواقع بواسطة تأثيرات هذا الميل إلى "الاتحاد التعاوني" أن يروي كامل التاريخ الذي سار بتواصل لا انقطاع فيه من ذرة الهيدروجين إلى الكائن البشري).
    ولولا التواصل، والتواصل التعاوني بالذات، لما نشأ المجتمع وتطور.. ولكي تكتمل مسيرة الفرد وسيره في المجتمع، لابد من مستوى جديد من التواصل، يتفق والمستوى الذي وصل إليه المجتمع البشري، الذي أصبح ولأول مرة في تاريخه، مجتمعاً كوكبياً.. هذا هو التحدي الأساسي، الذي يفرضه الواقع الحضاري.. وهو تحدٍ لا يمكن أن يستجيب له، إلا فكر يمثل التواصل جوهره.. وهذا ما تركه أصحاب البيان، وذهبوا يبحثون عن الحلول، في الفكر الذي يقوم على الفصل، بدل الوصل!! لقد أوردنا في كتاب "العصر الذهبي" قول بيتر راسل، الذي جاء فيه: "وكما حدث من ذي قبل بعد نشوء الحياة من المادة، أن ارتقى التطور من المستوى الفيزيائي إلى المستوى البيولوجي، كذلك فقد ارتقى التطور الآن إلى مستوى جديد هو الوعي. لذلك صار بوسعنا الافتراض بأن اندماج المجتمع البشري على شكل عضوية عليا سوف يحدث عبر تطور الوعي أكثر مما سيحدث عبر التطور الفيزيائي أو البيولوجي. وسيقوم ذلك على اندماج العقول مع بعضها.. وهذا هو السبب في كون الاتصال يمثل هذا الجانب الهام من التطور اليوم. فهو عليه ربط العقول .. إن البشرية في اندماج متزايد عقليا مهما نكن بعيدين عن بعضنا فيزيائياً".. وقد جاء من الكتاب المذكور: "إن مفهوم ( الوحدة)، سواء كانت وحدة الفرد البشري، أو المجتمع البشري، على كوكب الأرض، هي العنصر المشترك، بين كل الذين يتطلعون إلى عصر جديد، أكمل. والمهم أن المنطلق الأساسي في ذلك، هو التصور لمشكلة العصر، والتي اشرنا إليها في المقدمة عند حديثنا عن اريك فروم، فجوهر مشكلة الإنسانية هو الانقسام، والصراع الداخلي، عند الفرد البشري، وفي المجتمع البشري، ولا مجال لكمال مرتقب إلا بالتوحيد.."
    أما بالنسبة للفرد، فإن مشكلته الأساسية هي الانقسام، وعدم توحيد قواه.. وحل هذه المشكلة، لا وجود له إلا في الإسلام "التوحيد"، والمعنى السلوكي له هو (التوحيد صفة الموحِّد) كما يقول الأستاذ..
    وبهذا جاء الأمر في الإسلام، منذ البداية، يقول تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِى، وَنُسُكِى، وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ and#1649;لْعَـand#1648;لَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُand#1765;، وَبِذَand#1648;لِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَاand#1760; أَوَّلُ and#1649;لْمُسْلِمِينَ".. لا شيء ينفصل عن الله، وإنما كل شيء يُوصل به تعالى، وبهذا أُمِر "وبذلك أمرت".
    الأصول والفروع:
    ومن أهم مجالات الوصل والفصل في الإسلام، الأصول والفروع.. فالفروع انفصلت عن أصلها في الأصول، والعمل كله في رد هذه الفروع إلى أصولها.. هذا العمل هو ما يقوم عليه التصور التوحيدي، وهو ما تقوم عليه الممارسة في السلوك.. وفي بيان أمر الأصول والفروع جاء من كتاب "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ما يلي:
    قلنا إن بيان غايات القانون في الإسلام، يقتضي منا تناول مفهوم (قانون الوحدة).. وقد تناولناه .. كما يقتضي الحديث عن الأصول والفروع ..وقد سبق أن تحدثنا حديثاً محدوداً عن الأصول والفروع، في النص القرآني.. أما الأصول والفروع التي سنتحدث عنها هنا ، فهي تتعلق بطبائع الأشياء في الوجود: طبيعة الوجود، والطبيعة البشرية.. وهما معاً، يشكلان القرآن الخَلقي.
    آصل الأصول، في الوجود، هو الذات الإلهية المطلقة.. وكل ما عداها، هو تجلي ومظهر لها.. وبين الذات وتجلياتها تقع كل الأصول والفروع والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :ـ
    1. الأصل في الوجود هو المطلق.. وما المحدود إلا مظهر للمطلق.
    2. المطلق هو الثابت الوجودي الوحيد.. وكل من عداه، وما عداه لا يقوم بذاته، وإنما يقوم بالمطلق، ولذلك حاجته للمطلق حاجة تامة لا مجال فيها للاستغناء، وحاجة دائمة، وهذا هو جوهر العلاقة بين الخالق والمخلوق.. الخالق في حالة استغناء تامة.. والمخلوق في حالة حاجة للخالق تامة، مطلقة وسرمدية.
    3. الأصل في الوجود الوحدة، وما التعدد، وفي قمته الثنائية إلا مظهر لهذه الوحدة.
    4. الوجود الحادث، متحرك، حركة حسية ومعنوية، ولن ينفك.. وهو في حركته، يطلب غاية واحدة، أساسية، هي المطلق.. ولذلك الحركة ، هي حركة من النقص إلى الكمال .. ومن الجهل إلى العلم، ومن القيد إلى الحرية، ومن الباطل إلى الحق.. ومن الحق إلى الحقيقة.
    5. الأصل في الوجود، هو الخير، والخير المطلق.. وما الشر إلا فرع من الأصل، ومظهر له، متنزل عنه لحكمة سوق المحدود إلى المطلق.. فالشر، وجنود الشر جميعاً، موظفون لخدمة الخير، الذي هم طرف منه
    6. القانون الذي يحكم الحركة في جميع مستوياتها، وفي مختلف إشكالها، هو القانون الطبيعي الذي تحدثنا عنه ـ الإرادة الإلهية ـ وهو الأصل وما عدا ذلك من قوانين هو فرع.
    7. البيئة في جميع مستوياتها، هي بيئة روحية ذات مظهر مادي.. فالروح هي الأصل، والمادة هي الفرع، والمظهر.. والاختلاف بين المادة والروح اختلاف درجة.. اختلاف في درجة اللطافة.. فالمادة هي الروح في حالة من الذبذبة تتأثر بها حواسنا.. والروح هي مادة في حالة من الذبذبة لا تتأثر بها حواسنا.. فالروح هي الطرف اللطيف من كل شيء، والمادة هي الطرف الكثيف.. والحركة كلها هي حركة من الكثافة إلى اللطافة..
    8. الحياة هي الأصل، والموت فرع ومظهر لها، وهو لا يختلف عنها اختلاف نوع، وإنما اختلاف درجة.. والأصل في الحياة هو حياة الله، في ذاته المطلقة.. وكل حياة أخرى، هي مظهر لهذه الحياة، ومستمدة منها، وتقوم عليها.. وأدنى مستويات الحياة، هي حياة المادة غير العضوية ـ تلك التي نسميها اصطلاحاً ميتة ـ لأن حياتها كامنة فيها.. أما البداية بالنسبة للحياة التي نصطلح على تسميتها حياة فهي حياة حيوان الخلية الواحدة.. وكل حياة، في أي مستوى من المستويات هي نامية ، ومتطورة، تطلب أصلها.
    9. عن طريق قانون المعاوضة في مستوى الحقيقة، برزت المادة العضوية من المادة غير العضوية.. وأصبح عندنا ما أسميناه (إرادة الحياة).. وقانونها طلب اللذة بكل سبيل، والفرار من الألم بكل سبيل، ثم بفضل الله، وبفضل صراع الحياة، الذي يقوم على قانون المعاوضة في مستوى الحقيقة، برز الإنسان، ببروز العقل المكلف.. وظهرت إلى جانب (إرادة الحياة) (إرادة الحرية)، وهي مستوى جديد من الحياة.. ولتوجيه هذا المستوى جاء قانون المعاوضة في مستوى الشريعة ـ قانون الروح ـ وهو يقوم على شريعة الحرام والحلال.. ويتوجه بخطابه إلى العقل (إرادة الحرية) ليقيده بقانون يحاول أن يصاقب قانون المعاوضة في الحقيقة.. وقد ظل هذا القانون يتطور، بتطور الفرد البشري، والمجتمع البشري.. مستنداً في تطوره على التعلم، من خلال التجربة في الخطأ والصواب.
    10. الإرادة الإلهية هي الأصل، والإرادة البشرية مظهر وفرع.. والفعل الإلهي هو الأصل، في حين أن الفعل البشري هو مظهر وفرع.. والله تعالى هو الفاعل الحقيقي في الوجود، وكل فاعل عداه هو فاعل مباشر، وفعله محاط به من قبل فعل الفاعل الحقيقي.
    11. النعيم هو الأصل، والعذاب فرع ومظهر.. واللذة هي الأصل، والألم فرع ومظهر.. والخير هو الأصل، والشر فرع ومظهر، ووسيلة إلى الخير.
    12. الحق هو الأصل، والباطل فرع ومظهر
    وعلى ذلك قس، كل الأضداد في الوجود .. فالأصول هي الحق، والفروع هي أوهام وأباطيل.. والأصل دائماً مهيمن على الفرع، وأكثر منه بقاءً واستمرارية.. والفروع جميعها فانية.. ومعنى فانية هو أنها متحولة، وصائرة إلى الأصل.. والأصل نفسه متحرك وصائر أو سائر إلى مركز دائرة الوجود (الله).. ولذلك دون مستوى الإطلاق، الأصل نسبي، والفرع نسبي.. والقانون هو الذي يسير الفروع إلى الأصول، فيحكم هذا السير، ويوجهه.. ومع أن السير كله في اتجاه واحد، اتجاه الأصل، إلا أن حركة السير ليست خطية، ولا هي دائرية، وإنما هي لولبية، تشبه النهاية فيها البداية ولا تشبهها.. فالتكرار في هذا السير يمتنع.
    خلاصة الأمر، كما ذكرت أعلاه، هو أن الوصل هو رد الفروع التي انفصلت، إلى أصلها ـ إلى الأصول.. رد التعدد إلى الوحدة.. الشر إلى الخير.. الجهل إلى العلم ... إلخ، وهذا ما تدعو له الفكرة الجمهورية.. وهو هو الإسلام، الدين الذي لا يقبل الله غيره "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين".. وهذا التصور لا يوجد في أي فكر بشري، سوى الإسلام، كما يدعو له الأستاذ محمود محمد طه، وبه يتميز الإسلام عن غيره من الأديان والأفكار تميزاً واضحاً، كما به تصبح الرؤية لطبيعة الوجود، والطبيعة البشرية متسقة، ومتكاملة، ومقنعة جداً للعقول الحرة، التي يعنيها، ويهمها معرفة حقائق الوجود، وطبائع الأشياء فيه.. ولكل ذلك قضية الوصل والفصل، قضية جوهرية، بل هي القضية الجوهرية، وهي أوضح مجال يظهر فيه تفوق الإسلام على الأفكار والأديان، ومن أجل ذلك أحببت أن أكتب هذه الحلقة دون ربطها بتفاصيل البيان.
    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 7/1/2014























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de