|
الحلقة السابعة من كتابات الاستاذ خالد الحاج عبد المحمود بعنوان الشأن الوطني
|
بسم الله الرحمن الرحيم "لَّا تَجْعَلُواand#1759; دُعَآءَ and#1649;لرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضًand#1773;ا قَدْ يَعْلَمُ and#1649;للَّهُ and#1649;لَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًand#1773;ا، فَلْيَحْذَرِ and#1649;لَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِand#1766;and#1619;، أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" صدق الله العظيم 7/ الشأن الوطني هل التحالف مع د.النعيم، ضروري لخدمة الوطن؟ هل هو ضروري لإزالة نظام الإنقاذ، أو لبناء الوطن بعد الإنقاذ؟. بدأت المشاورات، بين الخمسة الكبار، بعد أن طلب الأستاذ أبوبكر بشير من د.النعيم التدخل، والطلب من الكونغرس الأمريكي تدخل الولايات المتحدة، في السودان!! بغض النظر عن الغفلة، والسذاجة، وغياب الفكر السياسي، هل طلب تدخل الولايات المتحدة، في السودان عمل وطني لمصلحة السودان!؟. لقد تحدث البيان، عن بعض جوانب فساد نظام الإنقاذ، وعن معاناة الشعب السوداني، ومجَّدَ الشرفاء الشجعان، وترحَّم على الشهداء.. وكل هذا جميل، وهو واجب على من يتصدى للشأن السوداني.. ولكن، أصحاب البيان، وهم يتحالفون من د.النعيم، هل قولهم هذا قول تكتيكي سياسي، أم هو قول ينطلق من الدين، ومحبة السودان والسودانيين!؟ لهذا السؤال ما يبرره!! فالحديث عن الشهداء، ومصير الشهداء عند الله، حديث في إطار الإسلام كدين سماوي، موحاً به من الله.. وهذا الحديث يصبح غير مفهوم، إذا كان الدين من صنع البشر وعلماني، ولا علاقة له بالآخرة، كما يزعم د.النعيم.. فالنعيم عندما يتحدث عن الشهداء، وعن أن الدين علماني ومن صنع البشر، لا يمكن أن يعني نفس المعنى الذي نفهمه من الشهادة والشهداء.. فمفهوم الشهادة هنا لا علاقة له بصنع البشر، ولا بالشأن الدنيوي الذي تفيده العلمانية.. وللنعيم قولة واضحة في أمر الثواب والعقاب في الأديان.. فطالما أن الدين من صنع البشر، فالطبيعي أن يكون الثواب والعقاب من صنع البشر!! يقول النعيم: "أحد الطرق التي يلجأ إليها الناس لتعزيز إيمانهم في نظامهم العقائدي هو المبالغة في نوعية أو كمية الامتيازات التي يحصلون عليها أو سوف يحصلون عليها، وفداحة الخسارة التي سيتكبدونها إن لم يلتزموا بالمذهب العقائدي المحدد. وبهذه الطريقة يصبح لدى العديد من الناس إحساس بالمصلحة أو الملكية في نظامهم العقيدي ويكونون نظرة سلبية عن النظم العقيدية الأخرى".. مع هذا النص، يصبح من الواضح بالنسبة للنعيم أن الحديث عن الشهادة والشهداء، ليس إلا حديثاً تكتيكياً. ولكي نفهم حرص النعيم على السودان والسودانيين، وحرص من يقدمونه، لابد أن نورد بعض أقوال النعيم عن السودان. ونبدأ بإيراد بعض أقوال الأستاذ محمود، عن السودان والسودانيين، ثم نورد أقوال النعيم لأن أقوال النعيم هذه، هي في حقيقتها، ضد أقوال الأستاذ محمود، بل هي ردٌ عليها!! يقول الأستاذ محمود: 1/ "أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم.. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحدا هذا القول، لكون السودان جاهلاً، خاملاً، صغيراً، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض، بأسباب السماء..".. النص وارد في كتاب (رسائل ومقالات) الأول.. 2/ "غايتان شريفتان وقفنا، نحن الجمهوريين، حياتنا، حرصا عليهما، وصونا لهما، وهما الإسلام والسودان.. فقدمنا الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة، وسعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب، من كرايم الأخلاق، وأصايل الطباع، ما يجعله وعاء صالحا يحمل الإسلام إلي كافة البشرية المعاصرة، التي لا مفازة لها، ولا عزة، إلا في هذا الدين العظيم .. " هذا أو الطوفان 3/ "لاتحسبن الكيد لهذه الأمة مأمون العواقب، كلا!! فلتشهدن يوما تجف لبهتة سؤاله أسلات الألسن، يوما يرجف كل قلب، ويرعد كل فريصة" أما د.النعيم فيقول: 1/ (السودان، الخرطة النحن بنعرفها دي ما ها حقيقة موضوعية، ولا نزلت من السماء، ولا مقدسة.. في ظروف سياسية محددة شكلت السودان البنعرفو حالياً..).. من ندوة عامة في أمريكا منشورة بالصالون.. 2/ "الناس المتعلقين بالسودان حقو يعرفو إنو السودان جاء نتيجة قرار استعماري.. قوة استعمارية وحدت مناطق مختلفة.. وهي شكلت الوحدة السياسية للاطار المعين، وأجزاء الأقاليم المعينة، بكل الجماعات البشرية، وبكل المناشط الاقتصادية فيه.." الصالون.. 3/ ويقول في حديث له عن المجتمع السوداني: "ولكن القيم والعلاقات الاجتماعية لذلك المجتمع لم تكن، إلا بالكاد، متسقةً مع (الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية المتساوية المفطور عليها كافة أعضاء الأسرة البشرية) المنصوص عليها في ديباجة الإقرار العالمي لحقوق الإنسان".. "الحلقة الثانية نص رقم 61" واضح من عبارات النعيم، أنه اُستُفِزَّ بسبب تعلق الأستاذ محمود والجمهوريين بالسودان، الأمر الذي جعله، في جرأة غريبة، يحاول أن يقلل من شأن السودان!! "الناس المتعلقين بالسودان حقو يعرفو أنو السودان جاء نتيجة قرار استعماري"!! "الناس المتعلقين بالسودان" هم متعلقين به، ونرجو الله أن يزيدنا تعلقاً به، ولكن لماذا أنت غير متعلق به!؟ فمن المفترض أنك سوداني مثلنا!!وما الذي يغيظك في أن نتعلق ببلدنا!؟ والسودان لم يجيء نتيجة قرار استعماري، كما تزعم أنت، في محاولتك الواهية، لتقلل من شأنه.. السودان أرضاً وشعباً، سابق على الاستعمار.. كون هنالك قوة استعمارية وحَّدت مناطقه، ووضعت الحدود، هذا وضع طبيعي في الصراع الحضاري، في كل بقاع الأرض، ولا يقلل من شأن السودان. وأنت تعشق أمريكا، لم نقل لك لا تعشقها!! ولكن أمريكا، حسب تعبيرك، جاءت نتيجة قوة استعمارية، وأصبحت هي نفسها قوة استعمارية!! يقول النعيم: "السودان، الخرطة النحن بنعرفها دي ما ها حقيقة موضوعية، ولا نزلت من السماء، ولا مقدسة"!! واضح جداً أنه مُستَفَزٌّ، وغاضب، من تعلق الجمهوريين بالسودان، فجاءت عباراته، لتعبر عن هذا الاستفزاز "ما ها حقيقة موضوعية، ولا نزلت من السماء، ولا مقدسة"!! أنت أساساً، لا يوجد عندك شئ مقدس.. ومن أقدس الأشياء، عند المسلم، كلام الله، أنت جعلته صناعة بشرية!! النص الثالث، المتعلق بالشعب السوداني، هو أسوأ ما قاله، في أمر السودان.. فهو يقيم فيه القيم والعلاقات الاجتماعية، عند الشعب السوداني، ويصفها بأنها ليست متسقة مع الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، المفطور عليها كافة البشر!! "ولكن القيم والعلاقات الاجتماعية لذلك المجتمع لم تكن، إلا بالكاد، متسقةً مع (الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية المتساوية المفطور عليها كافة أعضاء الأسرة البشرية)" المقصود بهذه العبارات، معارضة قول الأستاذ محمود، عن الشعب السوداني التي جاء فيها قوله: "فإن الله قد حفظ على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء الأرض بأسباب السماء".. فبدل "أصايل الطبائع" في حديث الأستاذ، ومعارضة لها، يقول النعيم: "لم تكن، إلا بالكاد، متسقةً مع (الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية المتساوية المفطور عليها كافة أعضاء الأسرة البشرية)"!! فالشعب السوداني وحده، دون شعوب "أعضاء الأسرة البشرية"، عند النعيم، مفطور على غير "الكرامة الإنسانية ... إلخ".. خل عنك الجمهوريين، أو السودانيين عامة، أي إنسان، غير مغرض، يعرف الشعب السوداني، لا يمكن أن ينكر عليه القيم الأصيلة، التي يتمتع بها.. ولا يمكن لأي إنسان، سليم الصدر تجاه الشعب السوداني، أن يجعله بحكم فطرته، أقل من شعوب العالم الأخرى!!. على كلٍ، رضى النعيم أم أبى، نحن نحب الشعب السوداني، وسنظل نحبه، ونعرف له من القيم والفضائل الأصيلة، التي حفظها الله عليه، ما يزيد حبنا له، وإعجابنا به.. ونحن لا نقول هذا تعصباً، لأهلنا، وإنما لأنه الحقيقة الموضوعية، الظاهرة جداً، لكل إنسان لم تلون الأحقاد نظرته، حتى ولو لم يكن سودانياً. مقابل موقف د.النعيم من السودان، والشعب السوداني، أنظر اعجابه الشديد، وتعلقه بأمريكا، والشعب الأمريكي، فهو يقول: "أعتقد أن كرم الشعب الأمريكي وتفهمه، كشعب، في التعامل مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتوابعها، يفوق ما أبدته الحكومة الأمريكية في هذا الخصوص.. ولهذا أنا تملؤني الثقة، والفخر، لكوني أمريكي، ذلك أني أشعر أنه يمكنني أن أنجز عملي هنا، أن أعيش حياتي هنا، ربما بصورة أكثر راحة، من أي مكان آخر في العالم، بما في ذلك موطني الأصلي، السودان".. (الحلقة الأولى من أقوال النعيم، نص رقم 83).. أنت تملؤك الثقة والفخر لكونك أمريكي، فلماذا تعترض علينا عندما نفخر نحن بوطننا!! ولماذا تذكرت الاستعمار في حق السودان، ونسيته في حق أمريكا!؟ ولماذ نسيت أن شعبك هذا الكريم، أباد السكان الأصليين ـ الهنود الحمر ـ إبادة تكاد تكون تامة!؟ ولماذا نسيت أنه هو نفس الشعب، الذي جلب عن طريق القوى الاستعمارية، ملايين البشر، من موطنهم في أفريقيا، ليكونوا عبيداً له، في أسوأ تجارة رقيق عرفها تاريخ البشرية.. لماذا نسيت أنه الشعب الوحيد الذي استعمل السلاح النووي في هيروشيما وناجازاكي.. لماذا نسيت غزو الشعب الأمريكي للعراق!؟ أين هو كرم الشعب الأمريكي، في كل هذا وغيره!؟ أم تراك تزعم أن هذا عمل الحكومة الأمريكية، والشعب غير الحكومة!؟ إذن من أين أتت الحكومة!؟ من خارج الشعب، والنظام في أمريكا نظام ديمقراطي!؟ لا أقول هذا، لأقلل من شأن الشعب الأمريكي.. لا.. فالإنسان عندنا، من حيث هو كائن مقدس.. وفي أي وضع كان، هو خليفة الله، بالإمكان.. ونحن نعتقد أن الشعب الأمريكي، رغم كل شئ، له خصائصه الإيجابية المتميزة.. ولكننا لا نضعه، من حيث الاستعداد والقيم، مع الشعب السوداني، فالبون شاسع.. فالسودانيون، بفضل الله عليهم، وبما حفظه عليهم من أصايل الطبائع، من السباقين بالخيرات، في الحال، وفي المآل، بإذن الله.. يقول تعالى: "وَمِنْهُمْ سَابِقٌand#1762; بِand#1649;لْخَيْرَand#1648;تِ، بِإِذْنِ and#1649;للَّهِ، ذَand#1648;لِكَ هُوَ and#1649;لْفَضْلُ and#1649;لْكَبِيرُ" د.النعيم من المنبهرين بالحضارة الغربية، وهي عنده ممثلة في الولايات المتحدة، المثل الأعلى، الذي يعمل من أجله، ولو على حساب إنسانيته وكرامته!! يقول د.النعيم: (بصفتي مسلم أمريكي، وكما أكدت في محاضرة الأكاديمي المتميز، التي قدمتها بتاريخ 4 فبراير 2009 فإنني مشغول جدا بالكيفية التي أكون بها مسلما أمريكيا، بالمعنى الذي يعزز ويفعل هويتي كمسلم وكأمريكي، ومشغول أيضا بالكيفية التي أساعد بها المسلمين الأمريكان ليندمجوا في التيار الرئيسي للحياة الأمريكية. ولقد اكتشفت أن العلمانية الأمريكية، أي مفهوم الحرية الدينية ومفهوم إبعاد الدين من أن يكون له أي دور مؤسسي في الحياة العامة، مجتمعتين، أمر هام وضروري للمسلمين، من أجل أن يختاروا الطريقة التي بها يفهمون ويطبقون الإسلام، كما يريدون، وأيضا من أجل أن يندمجوا في الحياة الأمريكية بالكامل).. أنظر لهذه الصفة "بصفتي مسلم أمريكي"!! فهو ليس مسلماً سودانياً، مع أنه اعتنق الإسلام في السودان، وقبل وقتٍ طويل من ذهابه إلى أمريكا، ولكن هذا ليس هو الأسلام الذي يريده ويعنيه، وإنما يريد الإسلام الأمريكي، فهو يقول: "فأنني مشغول جداً بالكيفية التي أكون بها مسلماً امريكياً، بالمعنى الذي يعزز ويفعل هويتي كمسلم وكأمريكي".. هذا مقابل الإسلام والسودان، عند الجمهوري.. من هو المسلم الأمريكي، عند النعيم!؟ هو الذي يندمج "في التيار الرئيسي للحياة الأمريكية".. وهذا ما هو مشغول بمساعدة المسلمين في أمريكا على تحقيقه "ومشغول أيضاً بالكيفية التي أساعد بها المسلمين الأمريكيين ليندمجوا في التيار الرئيسي للحياة الأمريكية".. علينا أن نتذكر زعم النعيم أن المسلمين لا يعملون على تغيير الواقع الذي يجدونه، وإنما يندمجون فيه.. وعلينا أن نتذكر مفهوم المنظور التاريخي عن النعيم.. وعلى ضوء هذا يصبح التيار الرئيسي للحياة الأمريكية، هو الإسلام عند النعيم، فهو يدعو المسلمين في أمريكا، ليندمجوا في هذا التيار ليصبحوا مسلمين، كما فعل هو!! واضح أن وطن د.النعيم الأول، والأساسي، هو أمريكا.. أما السودان فهو الأول في الأصل والأسبقية الزمنية فقط، وليس في الحب، والرغبة في الإقامة، وهذا ما يفيده قوله: "ولهذا أنا تملؤني الثقة، والفخر، لكوني أمريكي، ذلك أني أشعر أنه يمكنني أن أنجز عملي هنا، أن أعيش حياتي هنا، ربما بصورة أكثر راحة، من أي مكان آخر في العالم، بما في ذلك موطني الأصلي، السودان".. فهو يجد الراحة في العيش في أمريكا أكثر من السودان.. ولذلك عملياً، هو يعيش فيها، ولا يجئ للسودان إلا في زيارات خاطفة.. فإذا قرنّا هذا مع نقده العدواني للسودان، وشعب السودان، وانبهاره الشديد بالحياة الأمريكية، نجد بوضوح، أن مثل هذا الشخص، لا يرجى منه خير للسودان، ولشعب السودان، خصوصاً في مجال القيم.. وعلينا أن نتذكر دائماً، موقفه المبدئي من الأخلاق.. وعليه، لا يمكن أن يكون في د.النعيم خير للسودان.. وبصورة مبدئية، من ليس فيه خير لنفسه، لا يمكن أن يكون فيه خير لغيره.. النعيم صاحب مشكلة، كبيرة جداً، فعليه أن يعمل على حل مشكلته هو، قبل أن يتصدى لحل مشاكل الآخرين.. والذين يزيفون واقعه أو يقدمونه لحل مشكلة السودان، هم أيضاً أصحاب مشكلة، وإن تكن أقل من مشكلته، إلا أنها تلحق بها، طالما أنهم يؤيدونه.. فعليكم حل مشكلتكم أولاً، فأهل السودان أدرى بحل مشكلتهم بأنفسهم. يلاحظ أن جميع أصحاب البيان، خارج السودان، ولفترة طويلة، ما عدا الأستاذة أسماء، التي عادت للسودان مؤخراً.. وجميعهم ـ ما عدا د.القراي ـ أصحاب جنسية أجنبية.. ثلاثة منهم، أصحاب جنسية أمريكية، وواحد صاحب جنسية ألمانية.. ولا اعتراض عندنا على الجنسية المزدوجة، فقد أصبح هذا من العرف المعروف، وله دلالته، في تصور مستقبل البشرية.. ولكن نعترض بشدة، على أن يحرض هؤلاء الشباب السوداني، وهم يحتمون بالجنسية الأجنبية، الأمر الذي لا يتوفر لمن يحرضونهم.. فبدل التحريض من على البعد، تعالوا وشاركوا بأنفسكم، ودون حماية أجنبية، وبعد هذا الصنيع، يمكن أن تزايدوا، ولكن مزايدتكم قبل هذا، لا تعدو أن تكون مزايدة سياسية، تستغلون فيها غيركم، في سبيل أوهام لن تطالوا منها شيئاً!! لا يمكن، لمن لا يؤتمن على الدين، أن يؤتمن على الوطن.. ومن يشوه الإسلام، والفكرة الجمهورية، في جميع الأساسيات، بالصورة التي رأيناها عند النعيم، لا ينتظر منه أي خير للسودان.. ففاقد الشئ لا يعطيه.. قال أصحاب البيان: "إننا أصحاب فكرة عتيدة، ودعوة قاصدة إلى التغيير.. ونزعم أن تلك الفكرة، قادرة على أن تحقق للسودان، مجده وكرامته ورخاءه".. إذا كانت هذه هي عقيدتكم في الفكرة، فلماذا تركتموها لغيرها!؟ وأهم من ذلك، لماذا تتبنون أكبر من شوَّهها، وتزعمون أن أفكاره المفارقة، هي من داخل الفكرة!؟ بل تقدمونه للشعب السوداني في صورة المنقذ!! لا معنى للمغالطة، والقول بأنه لم يشوِّه الفكرة، فهذه مغالطة لن تصمد، ولا تصلح إلا في زيادة تورطكم.. فالأمر واضح، بصورة تلحق بالبداهة، ومن المستحيل أن يجوز على إنسان غير مغرض. فليقل لي أصحاب البيان، عن قول النعيم، الذي جاء فيه زعمه عن الأستاذ محمود أن "فكرته، أو نظريته، كانت مؤسسة على القول بأن الشريعة هي فهم بشري للإسلام، وبوصفها فهم بشري للإسلام يجب أن تتطور مع تطور المجتمعات البشرية".. أليس هذا بهتان صريح، وتشويه متعمد!؟ أنا أسأل بالتحديد: الأستاذة أسماء محمود، ود.عمر القراي.. هل قولة د.النعيم بأن فكرة الأستاذ محمود "مؤسسة على القول بأن الشريعة هي فهم بشري للإسلام" قولة حق، أم هي بهتان عظيم!؟ لنتصور، وضع الذين لا يعرفون الفكرة، وسمعوا عنها من النعيم، هل يمكن أن يكون عندهم أي شك في صحة قوله!؟ أم تقولون أن هذا التشويه، غير مقصود من قِبل النعيم، وقد حدث خطأ!؟ لقد اعتدتم أن تقولوا عني: هل شققت صدر النعيم، لتعرف أن تشويهه، عن قصد.. قد جاء في مقدمة كتاب الرسالة الثانية، ما نصه "فالعروة الوثقى هي الشريعة.. والحبل الوثيق هو الدين.. وبين الشريعة والدين اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع.. فالشريعة هي القدر من الدين الذي يخاطب الناس - عامة الناس - على قدر عقولهم.. ولقد صدرنا هذه المقدمة بآيتين، أولاهما: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي.. فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها.. والله سميع عليم..)).. العروة الوثقى هنا الشريعة، وهي (لا انفصام لها) من الدين لمن ((يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله)).. فإنها له موسلة، وموصلة".. ويقول: "وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من نص إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأُحكم إلى نص اعتبر يومئذ أكبر من الوقت فنسخ.. قال تعالى: ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟)) .. قوله: ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) يعني: ما نلغي، ونرفع من حكم آية.. قوله: ((أَوْ نُنسِهَا)) يعني نؤجل من فعل حكمها.. ((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا)) يعني أقرب لفهم الناس، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة".. ما من أحد له أبسط الإلمام بالفكرة الجمهورية، إلا وهو يعرف مفهوم تطوير التشريع.. وأنه انتقال من نص في القرآن، إلى نص آخر في القرآن.. انتقال من آيات الفروع المدنية، إلى آيات الأصول المكية.. وهذا الذي يعرفه من له أبسط إلمام بالفكرة، لا يمكن أن يفوت على د.النعيم.. وقد اخترت النص أعلاه من مقدمة الرسالة الثانية، مخصوص، لأن النعيم قام بترجمة الكتاب إلى الإنجليزية، ومن المستحيل، ألا يلم بما ورد في مقدمته.. ثم اخترت النص، لورود آية النسخ فيه.. آية " مَا نَنسَخْ..." والنعيم في كذبه المتعمد، على الله، زعم أنه لا يوجد نص في القرآن يتحدث عن النسخ.. وقول النعيم هذا، بالطبع، ينسف فكرة تطوير التشريع من أساسها. نحب أن نسمع قول الأستاذة أسماء ود.القراي، في تشويه النعيم في النص المذكور.. هل سيقولان الحق، أم يصمتان عنه، كالعادة!! والإساءة الشديدة للأستاذ!! في قول النعيم: "أن الفكرة التي تقول إن القرآن هو المصدر المباشر أو الأساسي للتشريع، إنما هي فكرة مضللة، وغامضة، وتسبب إشكالية حقيقية، كما قد ترون من غموض المصطلح نفسه، وما إليه.. بل إن هذا التوجه يزيل القدسية عن القرآن ويسيء إليه.. وهو لا يبسّط القرآن فحسب، بل يدل على تبسيط شديد لقراءتنا وفهمنا للقرآن، حين نقول ذلك.. ذلك أن محاولتنا استخلاص تشاريع وأحكام من القرآن، تدمر، في الواقع، قدسية القرآن، وتهدد تماسك النص القرآني، بل إننا بذلك نضيع الهدف الأساسي والجوهري للقرآن كنص للتغيير، حيث اللغة مجرد إشارة لمقاصد وأهداف القرآن"..!! النعيم هنا يسيء للأستاذ محمود إساءة شخصية مباشرة، وعن قصد.. فالنعيم يعلم تماماً أن الأستاذ محمود هو صاحب الفكرة التي تقول بأن القرآن هو مصدر وأساس التشريع.. فهو عندما يصف أن هذه الفكرة مضللة وغامضة، وتزيل القدسية عن القرآن، وتسيء إليه، بل تدمر قدسية القرآن، وتضيع الهدف الأساسي والجوهري للقرآن.. كل هذه الأوصاف، هي في الحقيقة، في حق الأستاذ محمود.. هذا أمر واضح جداً، ولا يمكن أن يفوت على أحد.. فمن يلم بأبسط حقائق الفكرة الجمهورية، يعلم قول الأستاذ: "وليحقق دستورنا كل الأغراض آنفة الذكر، فإننا نتخذه من القرآن وحده، لا سيما وأن القرآن لكونه، في آن معاً، دستور للفرد ودستور للجماعة، قد تفرد بالمقدرة الفائقة على تنسيق حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة، تنسيقاً يطوع الوسيلة لتؤدي الغاية منها أكمل أداء".. النعيم يعلم هذا.. وكذلك كلمات السباب التي ذكرها، هي في حق الأستاذ، وعن قصد منه.. ولماذا الفكرة التي تجعل القرآن مصدراً للتشريع مضللة!؟ هذا مجرد تقرير، لا أساس له من الفكر الموضوعي.. الفكرة التي يدعو لها الأستاذ محمود تقوم كلها على القرآن، وتجعل منه وحده مصدراً للتشريع، وهي فكرة هادية.. هادية لله، وهادية لما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم. وقول النعيم أعلاه، يدعمه ويؤكده قوله الآخر، الذي كثيراً ما أوردناه، والذي يقول فيه: "لا يمكن لأي مؤسسة بشرية أن تحقق الحياد، والمساواة، وحقوق المستضعفين، وهذا هو خطأ جوهري في زعم الدولة الدينية.. هنالك من يدعي أن الدولة الدينية خالية من الفساد، والغرض، والهوى، وأنا (عبدالله أحمد النعيم) أقول من يزعم هذا إما مضلّل لنفسه أو مخادع للناس، لا يمكن أن يتم ذلك لبشر، وأنا أصر على الاحتفاظ بالطبيعة البشرية للدولة".. هذا القول، يشمل كل من يدعو للعدل والمساواة، ونصرة المستضعفين، لكن المقصود به الأستاذ محمود بصورة خاصة، وذلك لأنه وحده من يدعو للدولة الدينية، التي ينطبق عليها ما ينفيه النعيم.. فدولة المسيح التي يبشر بها الأستاذ، هي أساساً تجئ لنصرة المستضعفين، وإقامة العدل والمساواة.. "تملأ الأرض عدلاً، كما ملئت ظلماً جوراً" .. فهي قمة، وخلاصة التجربة البشرية، في إقامة العدل في الأرض.. وقد جاءت البشارة بنصرة المستضعفين، من أقوال الأستاذ محمود، في إهداء كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" كما يلي: "إلى أكبر من إستضعف في الأرض، ولا يزال.. إلى النساء ثم إلى سواد الرجال.. وإلى الأطفال.. بشراكم اليوم!! فأن موعود الله قد أظلكم (ونريد أن نمن على الذين إستضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين)".. فعبارة النعيم "إما مضلل لنفسه أو مخادع للناس"، هي في حق الأستاذ محمود، في المكان الأول، لأنها تنطبق على الأستاذ في المكان الأول. وأود أن أسال الأستاذة أسماء ود.القراي.. أولاً: لماذا تقبلان هذه الإساءة القاسية، والغير مبررة في حق الأستاذ، أو في حق أي إنسان يدعو للعدل والمساواة ونصرة المستضعفين!؟ في النصين، وردت كلمة "مضلل"، وكلا النصين ينطبق على الأستاذ، بصورة واضحة.. فهل الأستاذ محمود عندكما مضلل ومخادع، أم هادي!؟ ثانياً: الإنسان الذي يقول مثل هذه الأقوال هل يمكن أن يكون تلميذاً للأستاذ محمود، في أقواله هذه!؟. لماذا يقدم أصحاب البيان، من يتبنى صراحةً مثل هذه الآراء فى الأستاذ وفي الشعب السوداني!؟ من المؤكد أنهم لا يريدون بالشعب السوداني خيراً. إنه لأمر محير جداً، أن يعجز هؤلاء النفر، من قول كلمة حق واحدة في حق د.النعيم.. ثم هم لا يسكتون فقط عن تشويهه الشامل لكل أساسيات الفكرة، والإساءة القبيحة للأستاذ، وإنما يدافعون عنه!! وأي دفاع هذا!؟ هم يدافعون، مع التفادي التام لمناقشة نصوصه المحددة ـ جميعهم يفعل ذلك، وكأنما هنالك تواصٍ بينهم عليه!! وأخيراً يتحالفون معه، على ترك الفكرة ـ مؤقتاً ـ وتبني العلمانية!! الأمر محير جداً. نورد للقراء، هنا نموذج مما دار من حوار بالصالون، عن أسباب رفض د.القراي، لمناقشة أقوال النعيم وردي عليه: ((جاء في هذا الصدد ما نصه: (والقراي، يصر اصراراً شديداً، على ألا يورد أقوال النعيم، وعلى ألا يقول رأيه فيها عندما تعرض عليه!! هو يبرر هذا الصنيع بقوله: "لقد أورد الأخ خالد مقتطفات من كتابة الأخ عبدالله النعيم، وطالبني بأن أقول رأيي فيها.. فأن قلت أنها مفارقة للفكرة، وبينت خطأها، يكون قد نجح في إخراجي من موقفي السابق، وهو تجنب التعليق على أفكار الأخ عبدالله، ويحسب رأياً ضده.. وإن رفضت التعليق عليها، أو قلت أنني أوافق على بعض ما جاء فيها، وصل الأخ خالد إلى غرضه، وألحقني بتأييد الأخ عبدالله النعيم، وأرضى ضميره، حين يخرجني من الفكرة، ومن الدين"!! هذا قول ليس فيه أي مكانة لاعتبارات الحق!! هو يقوم على اعتبارات الربح والخسارة، في الجدل.. هذا هو أسلوب السياسة ـ أسلوب عقل المعاش.. أما أسلوب الدين ـ أسلوب عقل المعاد.. فالاعتبار فيه للحق ولا شئ غير الحق. قوله: "فأن قلت أنها مفارقة للفكرة، وبينت خطأها، يكون قد نجح في إخراجي من موقفي السابق، وهو تجنب التعليق على أفكار الأخ عبدالله، وكسب رأياً ضده".. هي إما خاطئة ومفارقة للفكرة، أو صحيحة وغير مفارقة للفكرة.. فإذا كنت ترى أنها صحيحة وغير مفارقة، طالما أنك تدافع عنها، فما هو الضير في أن تبين صحتها، في الواقع هذا يقوي موقفك وموقفه.. لكنك تعلم أنها غير صحيحة ومفارقة.. وإذا كان الحق أنها غير صحيحة، ومفارقة فما هو الضير في أن تقول الحق!؟ أنت تصر على عدم قول الحق، لمجرد أنه يخرجك من موقفك السابق، ويؤدي إلى كسب رأي ضد النعيم.. إذا ثبت لك أن موقفك السابق خطأ، فلماذا لا تغيره، وتصر عليه.. وإذا لم يكن خطأً، فإن قول الحق، لا يغيره، ولا يكسب رأياً ضد النعيم. يقول القراي: "وإن رفضت التعليق عليها، أو قلت أنني إوافق على بعض ما جاء فيها، وصل الأخ خالد إلى غرضه، وألحقني بتأييد الأخ عبدالله النعيم، وأرضى ضميره، حين يخرجني من الفكرة، ومن الدين"!! عملياً أنت رفضت التعليق، فإذا كان هذا يوصلني إلى غرضي المذكور، كما زعمت، فقد حصل.. من قال لك أن غرضي إخراجك من الفكرة ومن الدين!؟ هذا ليس غرضي، وإنما هو زعمك أنت، وأنا منه براء.. وما هو دليلك على أن هذا هو غرضي!؟ أنت في الأمور الواضحة، تقول: هل شققت صدره!؟ ومن قال لك أن إخراجك من الفكرة ومن الدين أرضى ضميري!؟ هذا الذي تتحدث عنه ليس أنا.. هو خالد حاج آخر، من صنعك!!. هذا هو السبب المعلن، لعدم مناقشة القراي، لأقوال النعيم.. والسبب المعلن ليس دائماً هو السبب الحقيقي، خصوصاً عند جماعة السياسة والجدل. الوضع الطبيعي، في أي حوار موضوعي، هو أن يورد أقوال النعيم كما هي، ويورد أقوالي حولها - أقوالي وليس تخريجاته هو- ويبين بالدليل، من القولين، رأيه.. والأمر الطبيعي، في الدين، والذي تقوم عليه المسؤولية أمام الله، هو أن يقول الحق، ولا شئ غير الحق، ودون أي حسابات غير اعتبارات الحق.. والنصرة للحق دائماً، ولصاحب الحق.. مهما ظهر أن الباطل منتصر، لا بد أن ينهزم في نهاية المطاف "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً" هذا قانون أساسي في الوجود. القضية كلها تقوم على اختلاف أساسي، في المنطلقات، وهما منطلقين: منطلق يقوم على عقل الدين، ولا يطلب إلا الحق، ومنطلق يقوم على السياسة، وعقل المعاش، وله اعتبارات أساسية هي الكسب والخسارة، بمعايير الدنيا. من المؤكد، أن القراي لو وجد أي فرصة لتخطئتي، من خلال إيراد أقوال النعيم نفسها، لما تردد لحظة في إيرادها.. ولكن لأنه يعلم، أن إيراد أقوال النعيم يدحض مزاعمه ضدي، وبصورة واضحة، هو يتفادى هذا الإيراد.. ويصر على عدم الإيراد، حتى لو اضطره هذا الإصرار، إلى كتمان الشهادة، وهو أمر خطير في الدين)) انتهى الاقتباس أثار البعض قضية الباطل العريان، والباطل المتلبس بالدين، كحجة في تبرير اتباع العلمانية، على اعتبار أنها باطل عريان، فهي أفضل من الباطل المتخفي بلباس الدين.. والباطل العريان والباطل المستتر، كلاهما باطل.. وأفضلية الباطل العريان، ليست في ذاته، وإنما هي في كونه عرياناً، يسهل الاتفاق على محاربته، على خلاف الباطل المستتر بالدين، الذي يصعب الاتفاق على محاربته، بسبب الوهم، بأن من يحاربه يحارب الدين.. وفي خلاف ذلك لا مفاضلة بينهما.. فالأفضلية من أجل محاربة الباطل، لا من أجل تبنيه، والدعوة له.. صاحب الحق لا يدعو للباطل.. بل في الظروف الطبيعية، أي إنسان، لا يدعو للباطل، وهو يعلم أنه باطل.. أما في الدين، فإنه أمر شاذ جداً، وغير معقول أن يترك الإنسان الحق، ويدعو للباطل وهو يعلم أنه باطل.. فالإنسان لا يعلم متى أجل الله، فوقوع الأجل والإنسان يدعو للباطل عن علم، هذا هو الخسران المبين.. فالمفاضلة بين باطل وباطل، إنما تكون عندما يفرضهما الواقع، أما أن يذهب الإنسان طائعاً مختاراً إلى الباطل، فهذا ما لا يمكن تبريره، خصوصاً إذا كان الإنسان على قناعة أن ما هو عليه هو الحق. إن صاحب الدعوة، الذي يبحث عن الحل في غير دعوته، من المؤكد أنه غير واثق من أن دعوته هي الصحيحة.. ليست من طبائع الأشياء، أن يكون الإنسان على قناعة بأنه على حق، ثم يذهب إلى غير هذا الحق الذي عنده.. أو حتى يبحث عن غير الحق الذي عنده!! يقول الأستاذ: "إذا أنت عندك فكرة، ومشيت تشوف الحل في غيرها، معناه فكرتك ما عندها قيمة". إما في الدين بالذات، لأنه متعلق بالله، وبأمره، فمجرد التلفت، ممنوع، وقد يكون خطره شديداً، لأنه يدل دلالة واضحة على عدم الثقة في الله، وفي وعده.. والقاعدة في الدين، هي قوله تعالى: "وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ" فالأمر في الدين جد كله.. والإنسان فيه، دائماً بين الخوف والطمع.. ولا مجال للتدين، دون خشية الله و"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ and#1751;".. فمن يعرض عن الله، قد يعرض الله عنه.. والإعراض أساسه هو الشعور بعدم الحاجة لله، ولو في أقل الأمور وأصغرها.. يقول الأستاذ محمود: "المسألة جد.. أمر الله كله جد، ما فيهو هزل!! وما فيهو تساهل!! والصغيرة البتساهلو فيها الناس، فيما يخص السير إلى الله، تبقى كبيرة".. والله تعالى غني عن العباد، والعباد هم من في حاجة إليه، وفي كل لحظة.. فمن يكون عنده غير الله، الله عنده غيره!!. وأكمل خلق الله، كان يخشى أن يكله الله لنفسه، أو لأحد غيره.. وكان دائم الخوف من المكر الإلهي، ويدعو "يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك".. وقد قال: "أنا أعرفكم بالله، وأخوفكم منه".. فعدم خشية الله، هي غفلة، وشر في ذاتها، ولا يأتي منها إلا الشر.. أما من يشعر بعدم الحاجة إلى الله، ويترك أمر الله، ليبحث عن حلول له أو لغيره، عند غير الله، فهذا عليه أن يبحث عن دينه، فهو في هلكة حقيقية. أصحاب البيان، عندهم، وهم أن مشكلاتهم، ومشكلات البشرية جمعاء، يمكن أن تجد لها حل ولو مؤقتاً، في غير الإسلام.. وهذا يدل على جهل حقيقي بالواقع الحضاري ومشكلاته، وجهل بقصور العلمانية الواضح جداً عن إمكانية حل هذه المشكلات.. فالعلمانية، كمرجعية للحضارة السائدة، هي من خَلَق هذه المشكلات، فهي مشكلات من طبيعتها، ومن المستحيل أن تتوفر على حلها.. هذا الأمر، في وقتنا الحاضر، أصبح من البداهة، ويكاد يتحدث عنه، كل مفكري الغرب.. بل إن النقد العنيف في الغرب، للحداثة وما أدت إليه من مصير هو تعبير عن الوعي الكبير، بأزمة الحضارة، وعدم إمكانية وجود حلول في إطار مرجعيتها العلمانية.. هذا الفشل هو ما يسميه بعض كتاب الغرب بـ: فشل الوعد العظيم.. فالقضية صارخة الوضوح، خصوصاً عندما تربط بنهاية العلم التجريبي الكلاسيكي، وظهور العلم الحديث، المتمثل بصورة خاصة في النظرية الكمية، وعلم الأعصاب الحديث، والبيولوجيا الجزئية.. ولكن أصحاب البيان، لا يرفعون رؤوسهم، ليروا القضية في حجمها الحقيقي ـ الواقع الحضاري.. فهم يحجّمون القضية، لتصبح قضية أخوان مسلمين، ونظام ديمقراطي، وفي السودان فقط!! أن ما بعد الحداثة، تعبير واضح، وصارخ، عن أزمة الحضارة، والعجز عن ايجاد حلول لها.. أن مجرد رفض العقلانية ـ على ما بها من عيوب، والموقف المتطرف ضد العقل كوسيلة للمعرفة.. هذا الرفض المتمثل في جميع، تيارات ما بعد الحداثة تقريباً، هذا وحده كافٍ جداً، للتدليل بصورة قاطعة، بأن الحل في إطار العلمانية، أمر مستحيل. أن أزمة الحضارة كلها، يمكن تلخيصها في: الحاجة للسلام.. وهي كما يعبر الأستاذ محمود، حاجة حياة أو موت.. حاجة الفرد للسلام، وحاجة المجتمع الكوكبي.. وهذه حاجة، لا تملك العلمانية أية حلول لها، وقد فشلت عملياً في حلها.. أكثر من ذلك، هي بالذات سبب المشكلة، ومكمن الخطر.. ولا يستبعد الباحثون، في أمر الحضارة الغربية، أن توجد المزيد من المشاكل الخطيرة.. ولا يستبعدون إشعال حرب عالمية ثالثة، فهي طالما سبق أن أشعلت حربين عالميتين، يمكن أن تقود إلى حرب ثالثة لا قدر الله. لحل أي مشكلة، لا بد من تشخيصها أولاً، التشخيص الصحيح، ثم تقديم الحلول، على ضوء هذا التشخيص.. وهذا ما قامت به الفكرة الجمهورية، حين شخصت أزمة الواقع الحضاري، وقدمت لها الحلول، العلمية، والعملية، من الإسلام، وبشرت بمدنية جديدة، تقوم على الإسلام.. هذه المدنية، هي خلاصة، وتتويج لجميع الحضارات السابقة، وفيها لأول مرة في التاريخ، يخرج الإنسان، على مستوى الكوكب، من مرحلة البشرية، ليدخل مرحلة الإنسانية.. وهذه المدنية الجديدة، عليها تقوم "الأمة المسلمة"، وهي خلاصة وتتويج لكل رسالات السماء، منذ سيدنا آدم.. وهذا الأمر العظيم جداً، لا يمكن أن يتم، بمجرد عمل فكري يقوم به البشر، دون الحاجة إلى عون من السماء.. فبعث الإسلام حسب الفكرة، وانتصاره وتطبيقه، لا يمكن أن يتم إلا بعد الإذن الإلهي، ومجيء الرسول المناط به هذا العمل.. هذا الرسول حسب الفكرة، هو المسيح المحمدي الموعود. كل هذا، مفصل في مراجع الفكرة، ولكن أصحاب البيان طفّفوا الأمر، تطفيفاً مشيناً.. هم جعلوا القضية كلها، خطر الإسلام السياسي، والأخوان المسلمين.. ونظام الحكم في السودان، بعد ذهاب حكم الإنقاذ!! هذا خارج الموضوع!! في الفكرة قضية السودان، تقع داخل القضية العامة، ولا تنفصل عنها، كما هو الحال، بالنسبة لكل بلد آخر. الفكرة تبشر بدولة القرآن، التي يزعم د.النعيم ألا وجود لها.. والقرآن وحده هو الذي يحل مشكلة الإنسانية، أفراداً وجماعات.. يقول الأستاذ محمود عن القرآن: "واجب أهله أن يبينوا ذلك للناس بكل سبيل.. ويوم تتبين للناس قيمة القرآن الحقيقية، سيلتزمونه بجوع بطونهم".. ويقول: " يا أهل القرآن، لستم على شئ، حتى تقيموا القرآن. وإقامة القرآن كإقامة الصلاة، علم، وعمل بمقتضى العلم. وأول الأمر في الاقامتين، اتباع بإحسان، وبتجويد لعمل المعصوم.. أقام الله القرآن، وأقام الصلاة، وهدى إلى ذلك البصائر والأبصار، إنه سميع مجيب". ومعرفة القرآن وبيانه يقتضيان إنشاء الصلة بالله، لا فصل الدين عن الدولة، الذي يدعو له البيان.. فهذه دعوة نقيض دعوة الأستاذ محمود. يقول الأستاذ محمود: "وأني لشديد الثقة بأن هذا الشعب لن يتحرر مهما بلغت محاولاته، إلا عن طريق الإسلام، وأبادر فأطمئن الشباب المثقف أني لا أعني الإسلام، الذي احترفه المجلببون بجبب شرف الإنجليز، إنما أعني الإسلام، الذي يقوم على روح القرآن ويستنبطه الذين يعلمونه.. وقد وظفت نفسي للدعوة إليه، ولن يهدأ لي بال حتى أرى الإنسانية قاطبة وقد قام ما بينها وبين ربها على الصلاة، وبينها فيما بينها، على الصلة، وعلى الله قصد السبيل".. فالأمر على عكس أصحاب البيان لا يقوم على الفصل، وإنما على الوصل "قام ما بينها وبين ربها على الصلاة، وبينها فيما بينها، على الصلة".. ما رأيكم في هذا القول!؟ هل تؤمنون به!؟ لو كنتم تؤمنون به لما انصرفتم عنه. يقول الأستاذ محمود: "هل تريدون الحق؟؟ إذن فأسمعوا!! لا كرامة لمطلق حي على هذا الكوكب، إلا ببعث أصول الإسلام.. إلا ببعث آيات الأصول التي كانت منسوخة، ونسخ آيات الفروع التي كانت ناسخة في القرن السابع.. فليستيقن هذا رجال المسلمين ونساؤهم".. وقد دعا الأستاذ الجميع لإستيقان هذا القول.. فهل تؤمنون به!؟ على كلٍ الأستاذ قال: "المسألة الراح نقدمها للطلبة هي، من اللحظة دي الفكرة الجمهورية.. أنا أوكد لكم، أي واحد يمر عليه اليوم، يمر عليه اليومين، ضيع في حياته ما لا يجب أن يضيع!! لا بد في آخر الأمر يجيهو!! ما في غير الدعوة دي!! إطلاقاً مافي!! بكل إخلاص"..
خالد الحاج عبدالمحمود رفاعة في 2/1/2014
|
|
|
|
|
|